أثار حادث اغتيال الصحفي سردشت عثمان موضوع الحريات في اقليم كردستان العراق، التي تؤكد حكومة إلاقليم صيانتها والدفاع عنها. وبينما يتهم مسؤولون في الأقليم اطرافا سياسية باستغلال الحادث لغايات سياسية، يتساءل البعض: إذا كانت الصحافة سلطة رابعة حقا، فلماذا لا يتركون الصحفي يمارس هذه السلطة؟!.
يتصدر العراق قائمة الدول الأخطر على حياة الصحفيين، وتراجع الحريات الصحفية فيه. وتستمر منظمات دولية ومحلية تسليطها الضوء على الانتهاكات المستمرة التي يتعرض لها الصحفيون من استهداف جماعات مسلحة لهم واختطافهم واغتيالهم، وعدم وجود قوانين تحميهم، الى فشل الجهات المعنية في إلقاء القبض على الجناة وكشف نتائج التحقيق، وصعوبة الحصول على المعلومات، والقيود التي تفرضها السلطات على المؤسسات الإعلامية، وتعرض تاصحفيين الى ملاحقات قانونية وسجن بعضهم، وفرض غرامات مالية على بعض وسائل الإعلام.
ولا يختلف وضع حرية الصحافة في إقليم كردستان عن بقية مناطق العراق على الرغم من الاستقرار الأمني النسبي، وفسحة الديمقراطية والحريات الموجودة في الاقليم، بل تفاعلت القضية مؤخرا بعد حادث اختطاف وقتل الطالب والصحفي سردشت عثمان وخروج العشرات من الصحفيين والمثقفين والطلبة إلى شوارع محافظات الإقليم مطالبين بتحقيق يكشف القتلة.
منظمة مراسلون بلا حدود ومقرها باريس عبرت في تقريرها السنوي الأخير عن مخاوفها من القيود الجديدة التي تفرضها السلطات العراقية، ولاسيما في إقليم كردستان، وتعرض المؤسسات الإعلامية لضغوطات. وطالبت المنظمة بعد حادث اغتيال الصحفي سردشت عثمان حكومة الإقليم بتوفير الإجراءات المناسبة لتأمين حياة الصحفيين. وذكرت المنظمة في بيان صحافي لها صدر اوائل شهر ايار إن مقتل سردشت يبرز مجدداً الخطر الشديد الذي يواجهه الصحافيون في الإقليم.
وطالبت منظمة العفو الدولية في بيان صحفي لها السلطات في إقليم كردستان بالتحقيق في قتل واختطاف الصحفي سردشت عثمان وغيره من ضحايا الاعتداءات.
من ناحيتها لاحظت منظمة "دار الحرية" للدراسات "Freedom House" ومقرها واشنطن في تقريرها السنوي فشل العراق، ودول عدة في العالم، في إلقاء القبض على المعتدين على الصحافيين ، وإن عدم تقديم مرتكبي مثل تلك الاعتداءات إلى العدالة يشجعهم على تكرارها وآخرين على ارتكابها.
من جهتها ناشدت لجنة الدفاع عن الصحافيين العالمية ومقرها نيويورك العراق ودولا أخرى التحقيق في مقتل صحافيين بسبب ممارستهم المهنة بضمير حي. واختارت الجمعية حالة الصحافي العراقي سوران مامه حمه، الذي قتل في كركوك عام 2008 والذي قالت الجمعية في بيان لها إن ماما حمه لم يقتل خلال نزاع طائفي، بل لجهده المهني في فضح نشاطات غير قانونية. اللجنة الدولية كانت قد أشارت في رسالة رسمية الى حكومة اقليم كردستان العام الماضي إلى تدهور حرية الصحافة في إلاقليم، بعد رفع السلطات دعاوى جنائية بحق صحفيين، فضلا عن ثغرات كبيرة وثقتها اللجنة في قانون الصحافة الجديد في الإقليم.
لتسليط مزيد من الضوء على حرية الصحافة والإعلام في إقليم كردستان، تابع برنامج [حقوق الانسان في العراق] ردود فعل صحفيين وناشطين ومسؤولين في محافظات الإقليم من خلال مقابلات أجراها مراسلو الإذاعة في السليمانية ودهوك وأربيل.
نبدأ من السليمانية حيث نقل مراسل إذاعة العراق الحر ازاد محمد آراء بعض الصحفيين حول الانتهاكات والتجاوزات بحق زملائهم، واضعين علامة استفهام حول مستقبل الصحافة في الإقليم.
شوان داوودي عضو لجنة الدفاع عن حقوق الصحفيين في نقابة صحفيي كردستان أكد ان هناك حملة تستهدف حرية الرأي والتعبير، وان لجنتهم سجلت اكثر من 80 حالة انتهاك ضد الصحفيين خلال الاشهر الستة الماضية.
الصحفي سامان محمد استغرب من اتهام السلطات لما ينشر في بعض الصحف بانه يشكل تهديدا للأمن القومي والمصلحة الوطنية. وقال ان الصحفي هو اول من يصون سيادة بلده، ويحافظ على القانون ويطبقه لانه جزء من السلطة. وتساءل اذا كانت الصحافة هي السلطة الرابعة فلماذا لا يتركون الصحفي يمارس هذه السلطة.
وعن دور نقابة صحفيي كردستان في خضم الأحداث والانتهاكات الخطيرة الاخيرة، التي كان آخرها بمقتل الصحفي سردشت عثمان، قال نائب نقيب الصحفيين الكرد مصطفى صالح ان للنقابة لجنة خاصة تتابع الخروقات والانتهاكات بحق الصحفيين.
وأشار صحفيون في محافظة دهوك الى عدم وجود حرية للصحافة، وعزا البعض ذلك إلى عدم وجود مؤسسات مستقلة وحرة. فيما رأى آخرون ان عمليات استهداف الصحفيين وملاحقاتهم وتهديدهم وضغوطات أخرى يتعرضون لها تمنعهم من الكتابة والتعبير عن آرائهم بحرية.
وقال الصحفي قدري شيرو من صحيفة بهدينان ان وجود صحافة حرة يتطلب وجود مؤسسات إعلامية حرة، ومحافظة دهوك لا تمتلك مثل هذه المؤسسات، إذ إن غالبية المؤسسات تابعة لأحزاب سياسية.
في حين يرى الصحفي مهدي مجيد مراسل مجلة شقام الأسبوعية في دهوك ان الانتهاكات التي تمارس ضد صحفيين في الإقليم، هي دليل بشكل ما على عدم وجود حرية لدى الصحفيين، لأن هذه الممارسات تمنعهم وترهبهم وتخوفهم من الكتابة عن مواضيع حساسة.
لكن الصحفي إسماعيل طاهر سكرتير نقابة صحفيي كردستان فرع دهوك أكد عدم وجود خطوط حمراء تقف أمام الصحفيين في التعبير عما بداخلهم وتحد من حريتهم.
مراسل اذاعة العراق الحر في أربيل عبد الحميد زيباري أجرى مقابلة مع كاوا محمود المتحدث بأسم حكومة اقليم كردستان، ووزير الثقافة الذي أكد دعم الحكومة للحريات وتوفيرها كافة المستلزمات لإنجاح العملية الديمقراطية في الإقليم. ووصف كاوا اختطاف وقتل الصحفي سردشت بالجريمة بحق الحكومة والمواطنين، وان الحكومة مستمرة في واجباتها في توفير الأمن ولن تسمح بتعرض أي مواطن لاعتداء او انتهاك.
وأكد كاوا محمود إن الحكومة لا تتخوف من تقارير تنشرها منظمات هنا وهناك لانها لم ترتكب أي انتهاك بحق مواطنيها، وليست متورطة في أي جريمة، وما يحدث الان غايته خلق حالة عدم استقرار في الاقليم.
وكان رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني أدان في بيان له اغتيال الطالب والصحفي سردشت عثمان، ووصف الحادث بالإرهابي والإجرامي، وان الجريمة اسٌتغلت من قبل البعض لغايات سياسية. واكد بارزاني ضرورة العمل وفق مبدأ الشعور بالمسؤولية، وتوجيه الانتقادات، والتعبير عن الرأي بمطلق الحرية، وضرورة حماية واحترام العادات والتقاليد الكردية، وطالب بحماية الصحفيين والإعلاميين. كما لفت رئيس الاقليم الى أن الذين يرمون التهم جزافا وبدون أدلة ضد أي جهة أو مؤسسة أو شخص يتعين أيضا التعامل معهم وفق القانون والنظام.
يذكر إن حكومة اقليم كردستان اصدرت عام 2008 القانون رقم 35 الخاص بحرية الصحافة وثلاثة قوانين أخرى لتنظيم الصحافة وهي قانون المطبوعات، وقانون نقابة الصحفيين، وقانون تقاعد الصحفيين.