سلطة الإعلام و«السلطة المفقودة» للإعلام العربي
فيصل سعد
يجهل، وربما يتجاهل، عدد كبير من أصحاب القرار وأرباب إدارة الأعمال، الحكومية منها قبل الأهلية، في بلداننا حقيقة الإعلام وشروطه، وكذلك وظائفه، ناهيك عن إخفاق هؤلاء في تقدير مكانة الإعلاميين المطلوبة للنهوض بالمهام الملقاة على عاتقهم في سبيل الوفاء باستحقاقات مهنة الإعلام وواجباتها الوطنية والأخلاقية العامة.
الأمر الذي ينعكس، جلياً، في واقع الإعلام العربي المتردي، ليس على مستوى النقد والتحليل فقط، وإنما كذلك في حقل تقرير الواقع الملموس وتوصيف حقائقه العريضة. وفي هذه النقطة، بالضبط، يكمن السبب الخطير لعجز الإعلاميين عن الوفاء بتلك الاستحقاقات والواجبات وفي مقدمها المقاربة الموضوعية لمفاصل الحياة الاجتماعية العامة وعناوينها البارزة في البلدان المعنية التي ينبغي أن تعكس آلام عامة الناس في الواقع العربي القائم وآمالهم في واقع آخر ينبغي أن يقوم.
ما يعني، إلى حد بعيد، أن الإعلام في بلداننا العربية هو، بصورة عامة، «إعلام سلطة» وليس «سلطة إعلام» إذ لا يحمل من نفسه غير اسمه. ذلك أن توصيف معلولات الواقع كما هي في سبيل الكشف عن عللها وشرح أو تشريح خلفياتها وحيثياتها وصولاً إلى نقدها وطرح البدائل منها، هو أولى الرسائل التي يجب أن يتصدى لها الإعلام شرطاً إلزامياً لتأدية وظائفه المنتظرة في عملية التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية بصورة عامة.
وأما على الطرف الآخر النقيض، أي في البلدان التي قطعت أشواطاً بعيدة على الطريق التاريخي العتيد، فإن الإعلام كان ولا يزال هو السلطة الأولى، وليس مجرد الرابعة هناك، ودائماً من جهة الأهمية وممارسة السلطة الفعلية، فهو السلطة التي تُمارس نفسها على سلطات التنفيذ والتشريع والقضاء، بالتوصيف والنقد أو النقض وكذلك الرفض في حالات غير نادرة.
وينهض الإعلاميون في تلك البلدان بالجزء الأكبر والأكثر حيوية من مهام الرقابة والمساءلة مدخلاً ضرورياً للثواب أو العقاب والمحاسبة. وذلك على خلفية ثقافة سائدة هناك مفادها أن الإعلام «عيادة طبية» تتعهد وظائف تصوير وتشخيص أمراض المجتمع بصورة مجانية. الأمر الذي يجعل منه مبضعاً حاداً بيد «الأطباء الإعلاميين» لاستئصال أورام الفساد الخبيث، ومن ثم آلية رئيسية أكثر أهمية من آليات التنمية والمضي سريعاً على سكة التقدم التاريخي لهذا المجتمع المعني أو تلك الأمة المعنية. وبهذه المناسبة لا بأس أن نستذكر القسم الطريف الذي أقسمه، ذات مرة، الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأميركية «جيفرسون»، تحت هذا العنوان العريض، عندما قال: «واللـه لو خُيّرت بين حكومة من دون صحافة أو صحافة بلا حكومة لوقع اختياري على الخيار الثاني».
وفي سبيل إنتاج هذا النوع الأخير من الإعلام في بلداننا لا بد من إنجاز النقلة النوعية من حالة إعلام الحكومة إلى حالة إعلام الدولة (والدولة هنا شعب وأرض وليست مجرد حكومة). ما يعني الارتقاء بالإعلام العربي إلى مرتبة السلطة الفعلية، الأمر الذي يقتضي، بالضرورة، أن يغدو الإعلام سلطة على السلطات الثلاث الأخرى وليس مُسلّطاً عليه من جانب كل منها. وإذاً، نحو مزيد من الفصل بين السلطات وصولاً إلى إقامة عرش «محكمة الإعلام».