أي صراع مهما كان نوعه وحجمه لابد من توافر عوامل النصر لكل طرف فيه وان مستلزمات عوامل النصر هي في جوهرها تعتمد على مرتكزات مادية ومعنوية وفكرية كثيرة ، ويؤلف الجانب الإعلامي إحدى الجوانب الرئيسية في الصراع العربي _ الصهيوني تتناسب أهميته في ميادين الصراع مع أهمية جوانب الصراع السياسي والعسكري والاقتصادي بتفاوت قليل ، إنما في الوقت الحاضر تعتبر خطورة الجانب الإعلامي في المعركة لا تقل عن خطورة المدافع والدبابات والطائرات والسفن والبوارج الحربية والصواريخ 00 لذلك نجد أن المعركة الإعلامية الدائرة حاليا بين الإعلام العربي وغريمه الإعلام الصهيوني بالإضافة للإعلام الغربي والأمريكي تزداد ضراوة وعنفا على الساحة الدولية والإقليمية وحتى على الساحة القومية أيضا 0 ولذلك يقتضي على الأعلام العربي حشد كل الطاقات العربية الفكرية والعلمية والثقافية والفنية والتقنية ، وزجها موحدة قوية بتنسيق متقن التخطيط متكامل وبخطة إستراتيجية واضحة وشاملة لكل مقتضيات المعركة ، وان يعزز مكانته في العمل الصادق الذي التزم به منذ زمن بعيد ، وأن يركن آلي الصراحة في العمل وقول الحق في تعامله مع المواطنين ومع الأحداث معا وفق قواعد ثابتة وضوابط مبدئية ، ويتمسك بالمبادئ السامية تعبيرا منه عن ضمير المهنة وشرف رسالتها بعيدا عن المبالغة والتهويل الخفاء الحقائق المرتبطة بحياة الناس ، وان يوثق قدرة الجماهير في تمييز مواقف القيادات والأنظمة السياسية الوطنية الأصيلة عن تلك القيادات والأنظمة الزائفة والخاوية التي كثير ما نجدها تنادي بالوطنية وتفاخر بدورها القيادي زورا وبهتانا، جهرا وسرا من خلال طرح شعارات وطموحات تقدمية تحت سقف ومظلة الكفاح الوطني . وهي في حقيقتها لم تكن غير دمى يحركها الاستعمار تعمل بشعارات وهمية وتنطوي تحت ظلال الخيانة والغدر ، وترتبط ارتباطا مصيريا مع قوى الاستعمار الأعداء .
وهذا التوجه العلام يلزم الإعلام العربي بأن يتحلى بالهوية الديمقراطية ويكون مشبعا بروح السمو والرفعة في كل ممارساته الإعلامية وان يعمل داخل الإطار العلمي و الفني والكفاءة الإدارية والتقنية الحديثة للنهوض بمجمل حقول
المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية ، واعيا ومستفيدا من تجاربه وأخطائه السابقة ومستوعبا عوامل نجاحه ن وقادرا على تجاوز عقبات سلبياته وتخلفه بشكل حاسم ومؤثرا على مسارح الصراع العربي _ الصهيوني مما يمكنه من تبديد غيوم الضلالة التي انتشرت على أجواء الرأي العام العالمي و التي حملتها رياح الأعلام الصهيوني الصفراء المحملة بذرات الحقد الدفين على العرب والإسلام والإنسانية ، ومشبعة برذاذ الباطل والتزوير والخداع .ويقينا آن الأعلام العربي يستطيع التوجه الصحيح للقيام بأدواره الإعلامية في جميع جبهات الصراع بالشكل الذي ينبغي القيام به فيما إذا تجاوز أسباب المعاناة والتخلف الحاصلة في مسيرته الإعلامية ، وسعى آلي أيجاد المقومات المناسبة للانطلاق نحو التطور والقوة والكمال ..
وفي معرض بيان تلك المعاناة يمكننا تحديد أهمها بما يلي :_
1_ يمتلك العالم العربي قدرات وإمكانات اقتصادية هائلة وإمكانات بشرية وعلمية كبيرة , وقنوات إعلامية كثيرة وأجهزة إعلامية حديثة متطورة . فمن الطبيعي أنها تشكل قوى طاغطة وفاعلة اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا وعسكريا ضد جميع الأعداء لكنها أجمالا بحاجة آلي الاستخدام الأمثل في التنسيق والتخطيط الجديدين ن والنهوض نحو الأفضل في مجمل مهامه ، وإزالة تراكمات العوامل السياسية والاقتصادية والفكرية التي واكبت مراحل الصراع المرير الذي خاضه الشعب العربي في كل مكان ضد التخلف والتجزئة والتمزق وضد السيطرة الاستعمارية .
2_ للدول العربية وجامعتها في كثير من دول العالم دوائر مراكز إعلامية وثقافية واستشارية عديدة . ويعمل في أركانها رجال علم وثقافة واختصاصيون في العلوم الإعلامية . وهم منتخبون وفق المؤهلات يتطلبها العمل الإعلامي والثقافي خارج الوطن ، وتقع عليهم مسؤوليات إعلامية خطيرة تمي جوهر الصراع العربي الصهيوني والمتمثلة بالقضية الفلسطينية بالدرجة الأولى ، تليها القضاة القطرية والقومية ، ولا يبخل الحكومات العربية والجامعة من دعمها بالمال والوسائل التي تقتضيها رسالتهم الإعلامية على اكمل وجه لكننا في كثير من المواقف السياسية والإعلامية نجدها تؤدي مهامها بشكل لا يعادل آو يوازي حجم التوجهات الإعلامية المعادية وحجم السلوك الشائن الذي يسلكه الأعلام الصهيوني والعلام الغربي والأمريكي في الإساءة آلي العرب والإسلام أمام الرأي العام العالمي . وكذلك نجد أحيانا آن الرد الإعلامي الصادر عن هذه المراكز الإعلامية العربية يكون ضعيف على تخرسان الإعلام المعادي أو ليس له اثر لفقدان عنصر التوقيت الجيد ، وتقدير الموقف الصحيح .
وكمحصلة لهذه المعاناة فقد أدرك الإعلاميون العرب والمثقفون من جماهير الآمة العربية إدراكا عميقا بضرورة العمل المتواصل والتصدي الحاسم لمخاطر الإعلام المعادي في شتى الساحات والمجالات الدعائية والاعلامية ، وخاصة في مواقع الدول التي احتل فيها الإعلام المعادي مركزا ومؤثرا فيها واخترق عقول وقلوب الناس هناك ، وتمكن من بسط نفوذه على صانعي القرارات السياسية والاقتصادية والإعلامية العليا خدمتا الهداف وأغراض الصهيونية العالمية و((إسرائيل )) ..وما نضعه أمام ولاة الأمور _ في أدناه _ من مسالك ومنافذ موضوعية للارتقاء بالعمل الإعلامي هي في نفس الوقت قد آخذت بكل تأكيد حيزا كبيرا في مساعيهم ونواياهم بعمالهم وتفكيرهم. انم القصد من عرضها في هذا البحث ربما تساهم آلي حد ما في عملت التخطيط الإعلامي لتجاوز بعض العقبات والسلبيات والمطبات التي تؤثر على مسيرة العملية الإعلامية، وقد تكون بنفس الوقت مردا ومنهلا رائدا في مراحل التطبيق والتنفيذ ، وتجاوزا لعوامل التخلف والفشل الإعلامي وصولا لاقرارالسلوك السوي النافع في أتغلب إلى الشدائد والمحن ، وسعيا وراء تغير واقع الإعلام العربي بالتضامن والتعاون مع القوى الوطنية الأخرى ، وللنهوض أيضا بالمتغيرات الحياتية والمعاشين للإنسان العربي وأخيه الإنسان المسلم ، ولضمان إحراز عوامل النصر على أعدائنا في جميع جبهات الصراع
1_ لابد من توفر الأرضية الجيدة لكافة وسائل الإعلام العربي وتهيئة مقتضيات الأعداد والتنفيذ قبل الشروع بعملية تغيير الواقع . ونقصد بالأرض الجيدة هو التخطيط الجيد ، وبدونه فلا تصلح المبادرة في تنفيذ عملية تغيير الواقع .
ولذلك فان غياب التخطيط الجيد للعملية الإعلامية الجيدة يؤدي حتما آلي انهيار كل عوامل ومرتكزات ومستلزمات النجاح . ومن هنا يلزم عند تخطيط الهيكل العام لتوجهات العملية الإعلامية لا بد من تحديد أغراضها وأهدافها الاستراتيجية بالدرجة الأولى وتعبئة الوسائل التي تحقق الوصول آلي الأهداف .. وان يكون لدى واضعي أسس التخطيط تصور واضح وبعد نظر في الأحداث والمعوقات التي ممكن آن تظهر مستقبلا في مراحل التنفيذ . الآمر الذي يحتم ويحدد حصر خطوات مهامها وأغراضها ونشاطاتها على محور واحد واتجاه واحد وظرف واحد أو هدف واحد ، بغض النظر عن المشكلات والعقبات الجزئية الطارئة الأخرى التي لم تكن بالحسبان قد تعترض فرص التنفيذ.
2_ وحيث آن التخطيط الإعلامي الاستراتيجي الجيد يحتاج دوما آلي الأداة العامة الجيدة في مراحل تنفيذ وظائف العمل الإعلامي على اكمل وجه .. وحيث آن الأداة الإعلامية الجيدة تتمثل في آمرين لا تفاضل بينهما ، أتحدهما يكمل الآخر ، وهما :
توفر الوسائل والأجهزة الإعلامية الحديثة ذات التقنية المتطورة والفاعلة الجيدة .
2_ توفر الخصائص والكفاءة العلمية والإدارية والفنية في الكوادر القائمة على تنفيذ الوظائف الإعلامية ... لذلك ينبغي أن تكون الأداة الإعلامية في مستوى مقتضيات التخطيط المقرر ، وان تتمتع بالقدرات العالية في تجاوز الأمور الصعبة بشكل جيد في أي مرحلة من مراحل التنفيذ ، ولآي وظيفة إعلامية أو دعائية تكلف بها ..
3_ولما كان التخطيط الإعلامي الجيد والأداة الإعلامية الجيدة يعتمدان ويستندان في مفاصل العمل الإعلامي على التنسيق الإعلامي الجيد في كل خطوة من خطوات التنفيذ ، لذا فان غياب التنسيق آو عدم الاهتمام به و انعدامه يعتبر خطيئة كبرى وسببا رئيسا في حدوث الفوضى والارتباك والشلل في جوانب العملية الإعلامية ، آو ربما تنزلق الوظائف الإعلامية المقررة آلي تهات وانحرافات واتجاهات خطيرة ينعكس آثرها حتما على مناحي كثيرة من حاجات الجماهير ، وعلى كثير من الشؤون والأمور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية ذات العلاقة بالعملية الإعلامية .
آن القوى والطاقات الإعلامية التي نقصدها هي تلك المنافذ الإعلامية العربية الكثيرة المنتشرة خارج الوطن العربي والتي تتمكن من خلال تماسها بالحياة هناك آن تطل على شتى الميادين السياسية والاقتصادية والإعلامية وباستطاعتها آن تمارس الأدوار الإعلامية الحاسمة والمؤثرة لدى الرأي العام العالمي فيما إذا اعتمدت التعاون والتنسيق بينها ، وحشدت قواها الإعلامية متكاملة ومتضامنة ، وزجت بها قوية موحدة في آتون الصراع بطرائق علمية حديثة وبكفاءة عالية ، ومتابعة دقيقة لكافة الشؤون المرتبطة بعملها الإعلامي ... وندرج في أدناه وباختصار أتهم المنافذ الإعلامية العربية دون الحاجة آلي تفصيل دور كل منها ، إذ آن ذلك واضح وجلي لكل ذي بصيرة ، وكما يلي :_
1_ السفارات العربية :_ تقوم السفارات العربية وملحقياتها المعتمدة لدى الدول الأجنبية بوظائف ذات أهمية بالغة لصالح الأقطار العربية التي تمتثلها في الشؤون السياسية والاقتصادية والتجارية والاعلامية ، بالاضافة الى خدمة مواطنيها الذين يتوافدون عليها يوميا لمصالح رسمية وغير رسمية ذات العلاقة بالأمور الدراسية والتعليمية والسياحية والصحية ، وكذلك يتوافد عليها الأفراد الأجانب والشركات والمرافق الأجنبية لمصالح وحاجات مختلفة قائمة في البلدان العريبة الأمر الذي يفرض عليها تأدية في حقلي الدعاية والأعلام بأطار سليم من التوجهات الهادفة الى خدمة القضية الفلسطينية وخدمة القضايا العربية الأخرى . ولكننا نرى ان بعضها تعمل دون ذلك ، بل وكأن بعض العاملين فيها لا شأن لهم في أمور الداعية والأعلام الا بمقدار ما يصيب منها في قناة المصالح والارتباطات الشخصية والخاصة .. (( لو فرضنا ان سفراء العرب موجودون في ثلث بلدان العالم الأعضاء في الأمم المتحدة ، فان السفراء العرب يتجاوز الألف سفير . وهذا الرقم الكبير مضافا اليه الطاقات الأخرى بكل سفارة ، يشكل طاقة كبيرة لو استثمرت بالشكل الصحيح خدمة لأهداف الأمة العربية. ولو قام كل سفير بايصال ثلاث كلمات كل ساعة عن الأمة العربية وعن قضيتها الى أوساط الرأي العام العالمي ، لتمكن السفراء أن يقوموا بمهمة وكالة أنباء دولية كبيرة ، في ايصال الأنباء، وتصحيح وتحسين صورة الانسان العربي لدى الرأي العام العالمي .. ولكن حقيقة السفارات وملحقياتها غير تلك الصورة المنشودة ، اذ غالبا ما يعطي بعض السفراء والموظفون والدبلوماسيون صورة مشوهة عن العرب بدلا من ان اعطاء الصورة المشرقة عنهم . وينصرف بعض السفراء لاعمال اللهو والترف في غالب الأحيان)) (15) .
2_ مكاتب الاعلام الاستشارية التابعة للسفارات العربية :_ ويطلق على المسؤول الأول فيها بالمستشار الثقافي أو أحيانا بالملحق الصحفي .. ان النشاط الاعلامي والدعائي والثقافي الذي تمارسه هذه المكاتب يلغب دورا كبيرا في توضيح الرؤية الصحيحة والفهم المتوازن لدى الرأي العام هناك ، ويساهم مساهمة اعلامية كبيرة في خدمة الشؤون والقضايا العربية التي أساء اليها الاعلام الصهيوني . وذلك من خلال اقامة الندوات والمؤتمرات العلمية والثقافية والمعارض الفنية ، واصدار النشرات الاعلامبية والأسبوعية ، واقامتة الأمسيات الأدبية والفنية بالاشتراك مع الأدباء والكتاب والنقابات المهنية الفنية ورجال العلم والشعراء العرب والأجانب، ومن المهم جدا لهذه المكاتب _ في نطاق الحيطة والذر واليقظة أن تقوم بارساء علاقات اعلامية وثيقة مع ؤساء تحرير الصحف والمطبوعات العلمية والفنية التي تصدر فيه تلك المكاتب ، وكذلك مع مسؤولي الأجهزة الأعلامية المحلية الأخرى كالاذاعات المحلية والتلفزيون المحلي والقنوات الاعلامية الأخرى _ بهدف تسخير هذه العلاقات وتنسيقها مع وظائف مكاتبهم والأستفادة من قدراتهم وامكاناتهم الاعلامية لصالح القضية الفلسطينية وغيرها ، أو الرد الاعلامي المناسب على تخرصات الاعلام الصهيوني ، وتنوير الرأي العام هناك بحقائق التاريخ العربي والأسلامي التي مسخها الصهاينة وأكثروا فيها التشويه والتحريف والباطل .
3_ مكاتب الاعلام التابعة للجامعة العربية :_ وهي موجودة في بعض الدول الأجنبية مثلا في الولايات المتحدة وبريطانيا وأمريكا الوسطى والجنوبية وبعض دول اوروبا وآسيا وافريقيا .. هذه المكاتب لها وضيفتان ، الأولى بصفتها مركز للأعلام العربي ، والثانية بصفتها مكتبا صحفيا لجامعة الدول العربية ، الا أنها تختلف في الغرض والأداء والممارسة الاعلامية عن مكاتب ومراكز الأعلام التابعة للسفارات العربية ، بل انها تزيد عنها شأنا وأهمية في الانفتاح الاعلامي على الحكومات والدول الأجنبية والأي العام العالمي في نطاق السلوك الدبلوماسي والأعلامي المكثف ، والذي يمثل وجهات نظر كافة الأقطار العربية اعلاميا ، وكأنها بذلك تقوم بدور تنسيق الجهد الأعلامي لكافة الأنشطة الاعلامية العربي المختلفة ،وتوحيد مسعاها الإعلامي ..وتقع على عاتق الجامعة العربية مسؤولية رفض مكاتبها هذه بالكوادر الكفوءة والدعم المالي الذي يمكنها من أداء عملها بالشكل المطلوب.
4_ الخبراء والعلماء والاختصاصيّون والأساتذة الكبار من العرب الذين يجري انتدابهم للعمل في البلدان الأجنبية .
5_مكاتب الاعلام والدعاية التابعة للدول الأسلامية والصديقة ودول عدم الانحياز .
6_ المهرجانات السينمائية العالمية التي تشترك فيها الأفلام الوثائقية والروائية العربية التي تخدم القضية الفلسطينية وأثرها على السلام العالمي .
7_ المتاحف العربية المنتقلة واتحادات وجمعيات الصداقة العربية _ الأجنبية المنبثة في عواصم بعض الدول الأجنبية .
8_ المؤتمرات السياسية والعلمية والثقافية والفنية والاقتصادية والمهنية التي يشترك فيها رجالات العرب المتخصصين والمسؤولين عن القضايا السياسية والأقتصادية والعلمية .