الأخطاء اللغوية في الإعلام العربي
الأستاذ الدكتور داود عبده
أستاذ علم اللغة في جامعة فيلادلفيا- الأردن
ليس موضوع الأخطاء اللغوية في وسائل الإعلام وغيرها جديدا, فقد تناوله الكثيرون, ولكنني اهتممت ببعض ما لم يهتمّ به الآخرون وتناولت بعض ما تناولوه بطريقة مختلفة. وسأكتفي بالإشارة إلى أربعة منهم وجدت اتفاقا بيني وبينهم في كثير من النتائج التي توصلوا إليها, وهم كمال بشر ونهاد الموسى وأحمد مختار عمر وجعفر عبابنه. ففي عام 1979 عرض كمال بشر في جامعة الكويت بحثا عنوانه "الأخطاء الشائعة في نظام الجملة بين طلاب الجامعات".(1) وفي عام 1984 صدر كتاب نهاد الموسى اللغة العربية وأبناؤها: أبحاث في قضية الخطأ وضعف الطلبة في اللغة العربية. (2) وفي عام 1991 صدر كتاب أحمد مختار عمر أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكتاب والإذاعيين.(3) وأخيرا في عام 2000 عرض نهاد الموسى وجعفر عبابنة بحثين في ندوة اللغة العربية ووسائل الإعلام في جامعة البترا, الأول عنوانه "ظاهرة الخطأ في لغة الإعلام" (4) والثاني عنوانه "الأخطاء النحوية والتركيبية في وسائل الإعلام". (5).
وقد بدأ اهتمامي بهذا الموضوع قبل خمس سنوات بمحض الصدفة, فقد أبدى صديق إعجابه بمذيعي إذاعة لندن العربية, فأخذت – بدافع الفضول - أسجل ما أسمع من أخطائهم منذ ذلك الحين كلما أتيح لي أن أفعل ذلك. وكنت أسجّل التاريخ والأسماء ما استطعت. ثم أخذت أضيف ما كنت أسمع من أخطاء من بعض الفضائيات, وبخاصة الجزيرة وأبوظبي والأردنية والمنار. والنتيجة التي توصلت إليها هي أنّ ما ذكره المعجَب بالإذاعيين في إذاعة لندن ربما كان صحيحا في العصور الغابرة, ولكنه بالتأكيد ليس صحيحا اليوم, فاليوم كلنا في الهم شرق!
غير أنني قبل أن أتحدث عن الظواهر والأخطاء اللغوية التي وجدتها شائعة فيما سمعته أود أن أشير إلى جانب إيجابي في الإعلام المسموع, فمن السارّ أن نجد أن الحديث بالفصحى يحتلّ مكانة بارزة في كلام المشتركين في الحوارات والمناقشات وبعض المسلسلات. وقد شاهدت معظم حلقات أحد هذه المسلسلات, وهو مسلسل أبي الطيب المتنبي الذي عرضته فضائية أبو ظبي وسجّلت بعض الأخطاء اللغوية التي وردت في الحلقات التي شاهدتها. وسأشير إلى هذه الأخطاء في ثنايا حديثي عن الأخطاء الأخرى التي سجّلتها. وكنت أتمنى – وما نيل المطالب بالتمني – أن تخلو الفصحى التي نسمعها من الأخطاء اللغوية, ولكنّ الحديث بالفصحى, رغم الأخطاء, أفضل من الحديث باللهجات العامية.
وقبل أن أتحدّث عن الأخطاء اللغوية الشائعة وبعض أسبابها سأتناول بعض الظواهر السائدة في وسائل الإعلام التي أشرت إليها:
الظاهرة الأولى هي ظاهرة الأصوات العامية:
وأعني بها ظاهرة التمسك بالسمات اللهجية في اللفظ, فكثيرون لا يزالون يلفظون الثاء سينا والذال زايا والظاء زايا مفخمة. ومن أمثلة ما سجّلته من ألفاظ, وهي كثيرة جدا: يسعون حسيسا, وبلغ أرزل العمر, والعُسور على جُسّة, وزَهيرة الاسنين. وأصحاب هذا اللفظ لا يميزون بين كثير وكسير, وثناء وسناء, وذلّ وزلّ, وذكيّ وزكيّ.
هذه فئة. وفئة ثانية تلفظ القاف غينا, فتخلط بين الاستقلال والاستغلال,والقريب والغريب.
وفئة ثالثة تلفظ الجيم شينا مجهورة (جيما مستمرة). ومن أمثلة ما ورد في مسلسل أبي الطيب: فما نجوت إن نجا, وجئتك لاجئة, وحُجّاج (بلفظ الجيم شينا مجهورة, كالجيم في الفرنسية, وقد سماها بعض اللغويين "الجيم السورية"). وهذه الظاهرة شائعة في بعض المدن دون الريف والبادية.
غير أن ظاهرة لفظ الضاد ظاء تبدو شائعة أكثر من غيرها. وإذا كانت لغة الضاد لا تميّز بين ضلّ وظلّ, وحضر وحظر, وضنّ وظنّ, وحضٌّ وحظٌّ, فهذا محزن حقا. وقد بلغ من شيوع هذه الظاهرة أن انتقلت إلى الكتابة, فقد قرأت في صحيفة أردنية قبل أيام دعوة إلى "تظافر الجهود". ومثل هذا الخطأ في الكتابة شائع جدا فيما يكتبه بعض الطلاب, فكلمة "ضرب", مثلا, تُكتب "ظرب", و"نظام" تُكتب "نضام"!
ومن اللفظ العاميّ جعل الفتحة السابقة للتاء المربوطة كسرة مائلة, كما في: القمة العربية الحالية, وكتلة هوائية باردة (بلفظ الفتحة السابقة للتاء المربوطة كسرة مائلة).
ومنها تحويل لام التعريف جيما قبل الجيم, فنحن نسمع عبارات مثل: مكافحةُ جَّريمة, والإقامةُ جَّبريّة, وبينَ جّانبين, (وشكرا لاتصالكم بجّامعة الأردنية!), جاعلين الجيم صوتا شمسيا في حين أنها في الفصحى من الأصوات "القمرية".
ومن الظواهر اللافتة اختلاف موقع النبر. فمن المتحدثين من يضع النبر في كلمات مثل "أعلن" و"غادر" و"مشكلة" على المقطع الأول, ومنهم من يضعه على المقطع الثاني. ولكن بما أنّ اختلاف موقع النبر لا يؤثّر على المعنى إلا في حالات قليلة, فقد لا يكون لاختلاف موقعه أهمية كبيرة. (6)
ورغم كل مظاهر اللفظ العاميّ التي ذكرتها فهناك ما يدعو إلى التفاؤل, فقد لاحظتُ أنّ كثيرا من المتحدثين يحاولون التخلي عن السمات اللفظية للهجاتهم, فكثير من إخوتنا المصريين, على سبيل المثال, ينطقون الجيم جيما (مع أنّ /g/ هي أصل الجيم وليس العكس كما يظن الكثيرون(7)). وكثير من أبناء اللهجات التي تخلو من الثاء والذال والظاء أخذوا ينطقون الثاء ثاء, والذال ذالا, والظاء ظاء. بل إنّ منهم من بالغ في التصحيح فوقع في الخطأ, كقول أحدهم: "رائحته ذكيّة", وقول آخر: "الغثّ والثمين", وقول ثالث: "هذا وضع مُخْذٍ". وكان أحد المذيعين ينجح في معظم الأحيان في لفظ الثاء وأختيها, فإذا واجهته كلمة فيها ثاءان, كثلاثة وثالث, وجد صعوبة في نطق الثاء الثانية, فقال: ثلاسة وثالس !
وعندما أطالب بالتخلّي عن بعض سمات اللهجات العامية, فإنني أفعل ذلك حرصا على وحدة اللغة التي هي أهم أركان وحدة الأمة, وليس لأنني أتفق مع آراء من يتّهم اللهجات العامية ظلما بأنها لا ضابط لها ولا قواعد. ويبدو أن مفهوم القواعد عند من يقولون إن اللهجات العامية لا قواعد لها مفهوم ضيق يقتصر على حركات الإعراب, فللهجات العامية – ككلّ اللغات واللهجات في العالم – قواعد صوتية وقواعد لتركيب الكلمة وقواعد لتركيب الجملة. والجدير بالذكر أن كثيرا من هذه القواعد على المستويات الثلاثة لا يختلف عن قواعد الفصحى(
. وقبل قليل دعوت إلى التخلي عن قاعدة من قواعد العامية الصوتية حين طالبت بالتمسّك باللام القمرية مع الجيم, رغم أن القاعدة العامة في لفظ لام التعريف هي ما نسمعه في اللهجات العامية, فالجيم – كالشين – صوت أدنى حنكي (غاريّ), أي من الأصوات "الشمسية" (9).
الظاهرة الثانية هي ظاهرة التسكين:
وهي ظاهرة مألوفة منذ زمن طويل. فاللغة العربية تجيز الوقف. وقد حُذفت حركة الإعراب في بعض الكلمات في القراءات القرآنية. وورد في الشعر كثير من التسكين. ولكن التسكين في وسائل الإعلام بلغ حدا غير مقبول, فهو يقع في مواقع لا يحسن الوقوف فيها, كتسكين كلمة في وسط مكوّن جمليّ, كالمضاف والمضاف إليه, والموصوف وصفته, والاسم والضمير المتصل به, كما تشير الأمثلة التالية: رئيسْ ألوفدْ, وغيرْ صحيحْ, واللقاءْ ألقصيرْ.
وأخذنا نسمع السكون في آخر كلمات تعوّدنا سماع حركاتها الأخيرة, مثل: ليسْ وسوفْ وحيثْ ونحنْ ومعْ والذينْ ومن ثمّ ْْ . وأخذنا نسمع جملا تُقرأ كلّ كلماتها أو معظمها ساكنة الآخر, وهذا يستدعي قراءتها مقطعة الأوصال وتحويل همزات الوصل فيها إلى همزات قطع.
وظنّ الذين يسكّنون أنهم يطبقون المقولة المشهورة "سكّنْ تسلمْ ". ولكنّ للتسكين آثارا جانبية أبعد ما تكون عن السلامة. من هذه الآثار:
1- الفعل المضارع المرفوع والفعل المضارع المنصوب يصبحان مجزومين. الرئيسُ يسافرْ غدا ولن يحضرْ... وعندما قال المتنبي (الممثل) في مسلسل أبي الطيب: لماذا لا تقرأِ القرآنَ جيدا؟ بتسكين "تقرأ" فإنه اضطرّ إلى إضافة كسرة منعا لالتقاء الساكنين, فبدا الفعل مجزوما.
2- الاسم المرفوع والاسم المنصوب يصبحان مجرورين إذا أُضيفت كسرة منعا لالتقاء الساكنين : قال رئيسِ الوفد إنّه يحثّ جميعِ الأطراف, وهذا شائع جدا. وعلى نطاق أضيق تلجأ بعض اللهجات إلى الفتحة للتخلص من التقاء الساكنين(بدل الكسرة), فيصبح الاسم المرفوع والاسم المجرور منصوبين.
3- حذف التنوين الدالّ على النصب والألف التي تحلّ محلّه عند الوقف: ليس صحيحْ, كان هذا واضحْ, ستعطيه اهتمامْ كبيرْ.
4- سقوط التاء المربوطة, كما في "قضيتُ الليلَ الماضيَ " ( والمقصود: قضيتُ الليلة الماضية). وجدير بالذكر أنّ لفظ التاء المربوطة واجب (في الفصحى والعامية على السواء) إذا كانت الكلمة التي تنتهي بها مضافا, مثل: مدينة القاهرة, ومشكلة اللاجئين. (10)
5- انتهاء الكلمة الساكنة بفتحة توهم بأنّ ذلك خطأ في حركة الإعراب, وهي في الواقع ليست سوى فتحة أداة التعريف في الكلمة التالية: قال رئيسَ الوفد (رئيسْ اَلوفد). وقد تكون هذه الفتحة مضافة منعا لالتقاء الساكنين عند أصحاب اللهجات التي تلجأ إلى الفتحة في تطبيق هذه القاعدة الصوتية, كما ذكرت قبل قليل.
6- مخالفة القاعدة الصوتية التي لا تجيز توالي ثلاثة أصوات صحيحة (التقاء ساكنين): وحْدْكم, وضرْبْهم, وتحتلها .
ومن نتائج التسكين أمثلة وقعت أكثر ما وقعت في حديث الناطقين باللهجة القاهرية, منها:
- تحويل تاء المتكلم وتاء المخاطب المذكر إلى تاء المخاطبة نتيجة إضافة كسرة منعا لالتقاء الساكنين: أنا اتصلتِ به, وأنتَ قلتِ في حديثك, وكما أشرتِ حضرتَك.
- تقصير الحركة الطويلة لوقوعها قبل صحيحين متواليين (قبل ساكن) في وسط الكلمة نتيجة لتسكين الصحيح الأول منهما, مثل: إغلاقُ أبوَبْها ومصادرةُ أموَلْها, وشراءُ الأسلحةِ وتكدِسْها. (11)
- حذف التنوين في مثل: توفيرْ دعمِ ماليّ, وعنفْ وعنفِ مضادّ. ومن المعروف أنّ التسكين هو حذف الحركة الأخيرة في الكلمة وحذف التنوين (إن كان ثمة تنوين) نتيجة لذلك. وما حدث هنا هو ظهور حركة (مضافة للتخلّص من التقاء الساكنين) دون ظهور تنوين بعدها, وهي ظاهرة غريبة عن سمات العربية الفصحى.
وعلى عكس المسكّنين نجد أحيانا من يطيب له أن يحرّك الساكن (بسبب الجهل بقواعد اللغة), كما في: ولم يسبقَ لأحدٍ, ولا تشغلَ بالك, وتؤدّي ما تؤديَهُ, ووحدة أراضيَها. ولكنّ أطرف مثال على تحريك الساكن إصرار أحد المذيعين على إضافة ضمة إلى كلمة "فقط", فهو يلفظها "فَقَطُ". وقد وردت في النشرات التي أذاعها عشرات المرات. ولا أدري من أين أتى بهذه الضمة, فكلمة "فقطْ" تتألّف من فاء و"قَطْ", بسكون الطاء, وهي تعني "فحسْب" أو "يكفي". (12)
الظاهرة الثالثة هي ظاهرة زوال همزة الوصل:
لاحظنا في بعض الأمثلة السابقة كثرة تحويل همزة الوصل إلى همزة قطع. وقد بدأنا نسمع همزة القطع في مواقع لم نكن نحلم في أسوأ كوابيسنا أن نسمعها فيها. وإليكم أمثلة لا أشكّ في أنكم بُليتم بسماع مثلها: شكرا لِأزّميل, وَألسياسةُ أَلخارجيةْ لِألحكومةِ ألجديدة, ونقدّمُ إستعراضنا لِألصحفِ أَلعربية.
ويكثر تحويل همزة الوصل إلى همزة قطع بعد أداة التعريف, مثل: الإقتصاد والإعتراف والإستمرار والإستقبال وكثير غيرها.
وتكثر كذلك في لفظ بعض الكلمات كاسم وابن واثنين. وقد ورد على لسان المتنبي (الممثل) في مسلسل أبي الطيب: للإطمئنان على إبني, وتستحقّ الإحترام. وقال ابن خالويه (الممثل): الإثنان, وللعسل ثمانون إسما. والطريف أن زوجة القيصر في المسلسل كانت أفصح من المتنبي (الممثل) وابن خالويه (الممثل) حين قالت: كيف أقسّم جسدي بين اثنين؟ (ولم تقل: بين إثنين). وهكذا يمكن القول إنّ همزة الوصل في طريقها إلى الزوال في وسائل الإعلام العربي وفي العربية المعاصرة بعامة.
الظاهرة الرابعة هي ظاهرة "أو":
وقد بدأت محدودة وأصبحت الآن على معظم الألسنة. في الماضي كان المذيع يعتذر إذا أخطأ, وإذا لم يعتذر, فإنه على الأقلّ يصحح الخطأ بطريقة تدلّ على الاعتراف به, مستعملا كلمة "بل" أو ما شابهها. أما جيل الإذاعيين الصاعد فإنه حين يدرك أنه أخطأ يلجأ إلى "أو" متبوعة بالكلمة المصحّحة, كأن لا فرق بين الخطأ والصواب. وكثير من الأمثلة التي سجلتها من ظاهرة "أو" تدلّ على أن أصحابها لا يستطيعون قراءة ما ليس مشكولا, بل لا يستطيعون التعرّف على بعض الكلمات إلا بعد إعادة النظر فيها, فيقرأون "المطار" "إطارا" و"الأسئلة" أسلحة, ولا يميزون بين "يحثّ" و"يبحث". وكان من الممكن عدم وقوعهم في الخطأ لو أنهم أعدّوا أنفسهم لقراءة النص قبل مواجهة المستمعين. وفيما يلي قليل من الكثير الذي سجّلته:
يَعقد أو يُعقد, تَذْكر أو تذَكّر, تنسحب أو تسحب, يبحث أو يحثّ, إطار أو مطار, الاجتماع أو الإجماع, يحتاج أو يحتجّ, الإجابة عن كل الأسلحة أو الأسئلة, ينتحرون على أساورها أو أسوارها. وهذا غيض من فيض.
الظاهرة الخامسة هي ظاهرة "يعني":
وإذا كانت ظاهرة "أو" قد شملت معظم الألسنة, فإنّ ظاهرة "يعني" قد أصبحت على كل لسان. فهي ظاهرة عجيبة أقرب إلى الوباء. ولا أعرف أحدا تحدّث دون إعداد سلم منها. حتى الأجانب ممن يتكلمون اللغة العربية أصابتهم العدوى. ولعلكم سمعتم الناطق باسم الحكومة البريطانية جرالد رسل وجمله التي تكثر فيها "يعني". وقد لاحظت أنّ من المتحدّثين من يفتتح كل جملة يقولها ب"يعني". ولعل أطرف ما سمعته من "اليعنيات" قول أحد المذيعين: "نرحب يعني بضيفنا"! وقوله في مناسبة أخرى "إذن يعني شكرا لكِ". وقد سمعت بعض العرب يتحدثون باللغة الإنجليزية, فلا يبخلون على سامعيهم من الأجانب بسيل من "يعني" التي لا تعني لهم شيئا.
الأخطاء اللغوية وأسبابها:
أنتقل الآن إلى الأخطاء اللغوية في وسائل الإعلام. ولعلّ هذا هو الوقت المناسب لإتحافكم بنماذج من أخطاء فئة من الإذاعيين لم يستطيعوا التعرف على الكلمة من السياق لأنها كانت غير مشكولة. ولم يصحّحوا أخطاءهم لأنهم لم يفهموا ماقرأوه. وفيما يلي بعض الأمثلة:
يؤََثر الموتُ على تسليم نفسه (بدل "يُؤْثِر الموتَ"). هذا يؤَذّن بنتيجة خطيرة (بدل "يُؤْذِن"). يدور فيها قتال ضارٌّ (بدل "ضارٍ"). هذا خبر عارٌ من الصحة (بدل "عارٍ"). السلطات الأمنية تعِدّ بالقبض عليهم (بدل "تَعِد"). يشْكون في صحة التقرير (بدل "يَشُكّون"). أحد الجريحينَ كان طفلا (بدل "جريحَيْنِ"). كانت محصّنة بفضل مراقبةِ مَحْكمة (بدل "بفضل مراقبةٍ مُحْكَمة").. تخترق المرَكّبات المدرّعة (بدل "المَرْكبات"). الأخطار التي تَُحدّق بالتلاميذ (بدل "تُحْدِق"). كادت تؤدّي بحياته (بدل "تُودي"). نجله متْهم بالإتْجار بالمخدّرات (بدل "متهم بالاتجار"). أقسم بنْ لادن بأغلظ الإِيمان (بدل "الأََيْْمان"). تطالب تركيا بمنْح قيمتِها عشرةِ مليارات دولار (بدل "مِنَحٍ قيمتُها عشَرةُ مليارات"). أنحت باللائمة عليهم (بدل "أنْحَتْ"). أما أنا فلا أدري على من "أُنِحّ" باللائمة في تعيين هؤلاء المذيعين.
وواضح من الأمثلة السابقة أن مُعِدّ النصوص التي وردت فيها تلك الأمثلة غير قارئها, وأنّها لم تكن مشكولة لأنّ معدّها كان يَفترض أن القارئ يتقن اللغة العربية. ولو كانت مشكولة لنجونا من سماع بعضها. (أقول "بعضها" لأنّ أصحاب مثل هذه الأخطاء قد يجدون أيضا صعوبة في قراءة الكلمات المشكولة!)
ورغم أنّ الأخطاء اللغوية التي وردت في مسلسل أبي الطيب لا تنتمي إلى الفئة السابقة, فإنني سأذكر لكم طرفا منها لتروا أن الأخطاء اللغوية ظاهرة واسعة الانتشار, لم يستطع الحيلولة دونها في هذا المسلسل إشراف ثلاثة مصححين لغويين. وسأكتفي بأمثلة من الأخطاء التي وردت على لسان المتنبي (الممثل), لا لأنها كانت أكثر من أخطاء غيره, بل لما للمتنبي (الشاعر) من مكانة رفيعة في اللغة العربية. من هذه الأخطاء:
لا تتحدث كالسَّوَقة (يقصد السُّوقَة), وانا مبتلٍ به (يقصد مبتلىً), وهل تسمحي لي؟, وقد تستطيعَ, وسيأتيني شعراءٌ, وأصبحت عيناه مثلُ عينيّ. والعجيب أنّ الممثّل الذي مثّل دور الشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس أخطأ (في الحلقات التي شاهدتها.) في قراءة سبعة أبيات من شعره منها:
- نعُدّ المشرفية والعوالي وتقتلنا المنون بلا قتالِ
(الشاعر يُعِدّ المشرفية والعوالي والممثل يَعُدّها)
- إني نزلت بكذابين ضيفَهمُ عن القرى وعن الترحال محدود (يقصد:ضيفُهمُ)
- أبنتَ الدهر عندي كلّ بنتٍ فكيف وصلت أنت من الزُّحام؟ (يقصد:الزِّحام)
- قابضا كفّه اليمينَ على الدنيا ولو شاء حازها بالشَّمال (يقصد: الشِّمال)
(والخلط بين الشَّمال والشِّمال, والجنوب والجنوب شائع جدا.)
أما في الأبيات الثلاثة الأخرى فقد أدخل الممثل تغييرات على بعض ما قاله الشاعر, فنتج من ذلك خلل في العروض. (13)
والسؤال الذي سأحاول الإجابة عنه الآن هو:
هل من تفسير للأخطاء الشائعة في وسائل الإعلام؟
أرى أنّ من الممكن أن نردّ كثيرا من الأخطاء إلى الأسباب التي أدّت إلى الوقوع فيها. وكنت قد ذكرت منها ضعف بعض الإذاعيين في اللغة العربية بصورة عامة, وعدم قدرتهم على قراءة النصوص غير المشكولة, وعدم حرصهم على إعداد ما يقرأونه وضبطه بالشكل. وفيما يلي بعض الأسباب الأخرى ونماذج من الأخطاء التي أدّت إليها:
أولا: ضعف الإذاعيين في النحو والصرف:
فهناك أخطاء تدلّ على أن أصحابها يجهلون قواعد النحو جهلا تامّا, فليس لديّ تفسير غير هذا للأخطاء التي يكون الفاعل فيها منصوبا, والمفعول به مجرورا, والمجرور بحرف الجر منصوبا, كما في الأمثلة التالية: يتزعمه السياسيَّ, نواصل جولتُنا, ينوي بلورتِها, حلقة من برنامجنا, لا تَشْغلَ نفسك. فأصحاب مثل هذه الأخطاء ينثرون الحركات نثر عشواء تصيب قليلا وتخطئ كثيرا.
غير أنّ معظم الإذاعيين يعرفون شيئا من النحو, ولكنهم لا يتقنونه, وسأضرب أمثلة من أخطاء هؤلاء في ثنايا الحديث عن الأسباب الأخرى للوقوع في الأخطاء اللغوية.
أما الجهل بقواعد الصرف فيظهر في عدم التمييز بين الصيغ المختلفة:
1- الخلط بين مضارع الفعل الثلاثي (حيث يجب فتح حرف المضارعة) ومضارع الفعل الرباعي (حيث يجب ضمّ حرف المضارعة). ومن أمثلته الكثيرة:
يُزيد ويُلفت ويُعيب ويُثني ويُجزم.
والعكس: يَعطي ويَرسل ويَخفي ويَزيل ويَتيح ويَلغي.
2- الخلط بين المبني للمعلوم والمبني للمجهول من الأفعال:
اكتُظّ المكان, واضطَرَرْت إلى, ويُقتَصَر على, ونظام يَحتضِر.
3- الخلط بين اسم الفاعل واسم المفعول:
مخدَّرات, وبموجَب, ومؤهَّلات, ومختلَف التخصصات, ومنتظَمة.
والعكس: المعطِيات, والمتوفِّين, وبشكل متعمِّد, ومصالح متبادِلة, ومحكِّم.
(وهذا الخطأ الأخير شائع في بعض الجامعات فهي ترسل المقالات للمحكِّمين!)
ومن الأخطاء الشائعة "مُسْودّة", وهي اسم الفاعل من "اسودَّ" (كما في "وجوه مُسْودّة") بدل اسم المفعول من "سَوّدَ", أي "مُسَوَّدة". ومن أمثلة هذا الخطأ: مُسْوَدّة القرار و مُسْوَدّة المشروع.
4- الخلط بين "إفعال" و"أفعال":
أعادة الأَعمار, ووزارة الأعلام, والأعداد للانتخابات, والأعلان عن وصولهم,
وأطلاق الأسرى, وأعفاءات الضريبة, وأحكام قبضتهم عليها.
5- الخلط بين الاسم والمصدر:
شُغْل منصب رفيع, ومقتل ثلاثة وجُرْح آخرين, وحُكم عليه بالسِّجن, وهو
في السَّجْن.
6- الخلط بين اسم المكان واسم الآلة:
مِسرح الأحداث, وأربعون مِقعدا, وأغلقوا المِعبَر, وفي المرْفأ, وله مَجَسّات.
7- الخطأ في حركة عين اسم المكان:
مصرَف, ومعرَض, ومركِب, ومركِز. (14)
السبب الثاني للوقوع في الخطأ هو تأثير العامية:
لم يقتصر تأثير اللهجات العامية على الأصوات التي أشرت إليها سابقا, وإنما تجاوزها إلى جوانب أخرى تتصل ببعض التراكيب ولفظ بعض المفردات:
فمما ورد كثيرا فيما سجلته عبارات مثل: هكذا قرار, وهكذا إجراءات (بدل: قرار كهذا وإجراءات كهذه), وهي "ترجمة" لكلمة "هيك". ومن الجمل التي ورد فيها هذا التركيب: "هكذا مؤتمر لا يُنتظَر منه أكثر من هكذا نتائج."
ومن تأثير اللهجات المحكية أيضا:
- استعمال "بالمرّة" بدلا من "نهائيا" أو "إطلاقا", كما في: "هذه التقارير غير مشجّعة بالمرّة".
- إضافة ياء بعد تاء المخاطبة في مثل: "هل أنجزتيها؟" و "هلا حدثتينا عن ذلك." و "ما الذي أتيتينا به؟"
- حذف نون الأفعال الخمسة في مثل: "هل تعتقدي ...؟" و "هل تظنوا ...؟" و"هل تواجهوا...؟" و"هل تسمعيني؟".
- التمسك بالحركة المستعملة في اللهجة العامية كما في: يدرِس ويحضَر ويضرُب ويغفُر ويهرَب وبُناء على ومُفتاح وواحَد ووزير الخَزانة.
- معاملة جمع المؤنث وجمع غير العاقل معاملة جمع المذكر: النساء باتوا يفوقون الرجال, وبحاجة إلى سبعة أصوات آخرين, ووَصَف الدول الثلاث بأنهم محور الشرّ.
- تحويل الواو إلى ياء في بعض الأفعال: بعضهم يَشْكي, ومنهم من يَدْعي إلى ... فاللهجات العامية لا تميّز بين الأفعال المضارعة التي تنتهي بياء مثل "يرمي" والتي تنتهي بواو مثل "يشكو" و"يدعو", فكلها - فيما أعلم – تحوّلت فيها الواو إلى ياء.
- عدم التمييز بين الحركة الأخيرة في الكلمات التي تنتهي بألف عند إضافة لاحقة (حيث يجب تحويل الألف إلى فتحة) والكلمات التي لا تنتهي بألف: يتقاضُون ويتلقُّون وتتمنِّين واستولُوا وأعطُوا وأبدُوا. وحدث العكس على نطاق أضيق: جاءَوْا, وطرحَوْا خلافاتهم جانبا, وفرَّوا من بيوتهم.
- حذف الحركة الأخيرة أو التنوين في الكلمات التي تنتهي بياء مسبوقة بكسرة (الاسم المنقوص والفعل المضارع الناقص الذي ينتهي بياء):لدواعي معيّنة, له معاني كثيرة, قبل أن يأتي, يجب أن نحمي مصالحنا, حتى نلتقي.
- الخلط بين الاسم المنقوص والاسم المنتهي بياء مشدّدة: احتياطيها من النفط, مبني على حقائق (دون تشديد الياء).
- إضافة لام قبل كلمة "وحْدَ": عاد لوحدِه, وستخوض الحرب لوحدِها. (بدل: وحْدَه ووحْدَها).
- استعمال "أبدا" بدل قطّ في مثل: لم يُعثر عليه أبدا, ولم تتوقف المحادثات أبدا. فاللهجات العامية تستعمل "أبدا" بصرف النظر عن زمن الفعل المنفي, في حين أنّ الفصحى تسعمل "قطّ" إذا كان النفي لفعل ماضٍ و"أبدا" فيما عدا ذلك: ما فعل/لم يفعل كذا قطّ. ولا يفعل كذا أبدا. ولن بفعل كذا أبدا.
- استعمال "سويا" أو "سوية" (وهما "تفصيح" لكلمة "سَوا") بدل "معا", ومن أمثلته: سوف نعمل سويّة. وسيفعلان هذا سويا. وجدير بالذكر أنّ كلمة "سَويّ" في الفصحى تعني المستوي والمعتدل وغير الشاذّ, ولا علاقة لها بمعنى "سوا" في العامية.
- استعمال صيغة تفاعل بدلا من الفعل المبني للمجهول كقول كثيرين "تفاجأتُ" بدلا من "فوجئتُ".
- إضافة كسرة قبل الصحيح الأخير في كثير من الكلمات من صيغتي فَعْل و فِعْل منعا لالتقاء الساكنين مثل: قبل وبعِد وصِفِر ونصِف وطفِل وقصِف وشخِص ومثِل إلخ.
- عدم التمييز بين المتكلم والمخاطب كما في: كلامُك الذي قلتُه, وفي ضوء ما سمعتُه ما رأيُك؟
- إضافة "بِ" قبل الفعل المضارع كما في: هذه العمليات بتَأتي (لم يقل بتجي), وهذه الدول بِتُشارك وبتعقد. وأكثر ما يقع هذا في كلام المتحدّثين باللهجة المصرية.
السبب الثالث للوقوع في الخطأ هو تعميم القاعدة:
والذين يقعون في هذا النوع من الأخطاء يعرفون شيئا من النحو والصرف, ولكنّ معلوماتهم ناقصة. وبهذا ينطبق عليهم قول الشاعر "عرفتَ شيئا وغابت عنكَ أشياءُ"!
فقد عرف بعضهم أن الممنوع من الصرف يُجَرّ بالفتحة, فأخذ يجر بالفتحة كل صيغة من الصيغ التي ارتبطت في ذهنه بالممنوع من الصرف. ومن أمثلة ذلك: ننتقل إلى العناوينَ الداخلية, و من أكثرَ القوانين, و في مزارعَ شبعا. فهؤلاء يجهلون أن قاعدة المنع من الصرف لا تُطبّق إذا كانت الكلمة معرفة (مسبوقة ب "ال" التعريف, أو مضافة).
وكذلك منهم من عرف أن الجمع المنتهي بألف وهمزة ممنوع من الصرف, فأخذ يمنع من الصرف كلّ كلمة تنتهي بألف وهمزة. ومن أمثلة ذلك: وردت أنباءُ, وارتكَبتْ أخطاءَ جسيمة, وموقفُ أعضاءَ آخرين, وفي أرجاءَ المدينة. وهؤلاء يجهلون أنّ القاعدة تُطبّق فقط إذا توافرت ثلاثة شروط, الأول أن تكون الكلمة جمعا, والثاني أن تكون نكرة, والثالث أن تكون الهمزة زائدة, (والجهل في المثال الأخير مزدوج لأنّ "أرجاء" معرفة). (15)
وارتبطت التاء في ذهن بعضهم بالمؤنث, فأخذ يضيفها في المؤنث أينما واجهه. ومن أمثلة ذلك: في مباراتين أخرتين, ودولتان كبريتان, وهنّ تُردْن.
ومن أمثلة تعميم القاعدة عدم حذف الياء في مثل: أثنيتا وألغيتا وتلقّيتا, فالياء موجودة في المثنى المذكر (ألغيا وتلقّيا) فلماذا لا تبقى كذلك في المثنى المؤنث؟!
وارتبط في ذهن بعضهم أن الظرف منصوب, فنصبوه أينما وجدوه. ومن أمثلة ذلك: من وراءَ الستار, ومن خلالَها, ومنذ يومَ الجمعة.
ومعرفة بعضهم أنّ الفتحة علامة النصب قادته إلى أن ينصب بالفتحة كلّ ما وقع تحت بصره من المنصوبات. ومن أمثلة ذلك: أُعلن أن اثنينَ منهم فُقدا, ويَمنع المئاتَ من الخروج.
ومنهم من يعرف أنّ جمع فَعْلة مفتوح العين, ففتحوا عين جمع كل فَعْلة, فكما قالوا حملات وصفَحات, قالوا أيضا نوَباتٌ قلبية وجوَلاتُ الأخبار وويَلاتُ الحرب, دون نظر إلى أنّ الوجه تسكين العين فيما عينه واو أو ياء. بل إنهم ضموا إلى الأمثلة السابقة جمع فِعْلة, فقالوا رَحَلات وخَدَمات, وجمع فُعلة, فقالوا خَطَوات. وأما الذين لم يعرفوا أن عين فَعْلة تفتح في الجمع, فقد سكّنوا العين فيها جميعا, فقالوا - مصيبين – ثوْرات وهيْئات وجوْلات, ولكنهم ضمّوا إليها هجْمات وحفْلات وصفْقات وفتْرات وكثيرا غيرها.
ومن الأخطاء التي نشأت بسبب تعميم القاعدة, قبل أن تشيع لكثرة سماعها, نفي الفعل بعد "سوف" بإضافة "لا" أو "لن", مثل: سوف لا تكون حربا قصيرة. وسوف لن تغيّر شيئا. والصواب: لن تكون ولن تغيّر.
السبب الرابع للوقوع في الخطأ هو ما سمّيتُه "التفاصح":
فقد رأى بعض المتحدّثين كما يبدو أن كلّ ما يرد في اللهجات العامية ليس فصيحا, فقرروا أن يفرضوا تصورهم لما هو فصيح. في اللهجات العامية يقال مِيزان فقالوا مَيْزان, وفيها يقال خُوذة فقالوا خَوْذة, و فيها يقال نِير فقالوا نَيْر الاستعمار. وكذلك قالوا بَيْئة بدلا من بِيئة, وينظر بعين الرَّيْبة بدلا من الرّيبة. ويرون أنّ "الشعب كالحكومة" ليست فصيحة فقالوا "الشعب كما الحكومة". (16)
ويرون أنّ "لن يغادروا البلاد أبدا" ليست فصيحة, فقالوا "لن يغادروا البلاد قطّ". وقالوا:الخميس الماضيّ والليلة الماضيّة والتعليم العاليّ والمحاميّون معتبرين التشديد فيها هو الفصيح لأنه غير موجود في العامية. ويرون أن "هنالك" افصح من "هناك", و"كَلاّ" أفصح من "لا". ويرون أن ثُمّ ليست على درجة كافية من الفصاحة فقالوا: ومن ثُمّ!
السبب الخامس للوقوع في الخطأ هو ربط الحركة الإعرابية بالمعنى:
يعرف بعض المتحدثين أن المفعول به منصوب, ولهذا نصبوا نائب الفاعل, فهو مفعول به لم يُذكر فاعله, ومن أمثلة ذلك: نقل عنه قولَه, وأُصيب جنديين, واعتُقل العشراتَ (بالفتحة إمعانا في تأكيد النصب!). وكذلك نصبوا المضاف إليه بعد المصدر, فهو مفعول به من حيث المعنى. ومن أمثلته: تشكيل حكومةً, وإطلاق سراحَ المحتجَزين, وامتلاك أسلحةً, وتسديد قروضا, وتبنّي قانونا, وأمثلة كثيرة أخرى زاد عددها على خمسين.
السبب السادس للوقوع في الخطأ هو ربط الحركة الإعرابية بالموقع:
يعرف المتحدث أن الفعل المبنيّ للمجهول يأتي بعده نائب الفاعل, وهو مرفوع, فليرفع إذن الكلمة التي ترد بعد الفعل المبنيّ للمجهول, وليقل: أُعطيَت إنذارٌ , ويُعتبر فارٌّ من وجه العدالة. (17)
ويعرف "الموقعيّ" أن إنّ واخواتها يليها اسمها ثم خبرها: الموقع الأول لاسمها, وهو يتألّف - فيما يرى- من كلمة واحدة, وهو منصوب, والثاني لخبرها, وهو كذلك يتألف – فيما يرى- من كلمة واحدة, وهو مرفوع, فيقول: إنّ المسؤولين الأميركيون يهددون, وإنّ عراقيين مقيمون في لندن يقولون. (18)
ويكثر التمسك بالموقعية في الأمثلة التي يتأخر فيها اسم كان أو إنّ عن خبرها: ليس لدينا مالا, وليت لدينا نصفُ هذا, وإنّ هناك احتمالٌ, ولا يزال هناك فرصةً, وكان في النشرة أخبارا أُخرى.
ويعرف المتحدث أنّ حرف الجر يليه مجرور, فيندفع – وفي ظنه أنّ الكسرة هي العلامة الوحيدة لما هو مجرور - واضعا كسرة في نهاية كل كلمة تلي حرف جر, فيقول: من حيثِ, وفي السادسِ عشر, ومن العاملينِ فيها, ولأكثرِ من سنة.
السبب السابع : عدم وجود الحركات:
سجّلتُ مئات الأخطاء التي لا تفسير لها سوى أنها نتجت في بادئ الأمر بسبب خلوّ النصّ من الحركات, ثمّ أخذت تشيع لكثرة ما سُمعت. فالقارئ لا يرى حركة العين في "عَلاقة" فيقول "عِلاقة" أو "عُلاقة", ولا يرى حركة عين الفعل الثلاثي, فيضع الحركة التي تعجبه. ولايرى حركات حَزِيران (وهي كلمة معرّبة من الآرامية: حْزيرون) فيظنّ أنّه تصغير حَزْران. وهكذا بدأنا نسمع أمثلة مثل: حُزَيْران وثبُتَ وحصُلَ وشعُرَ ويتُمّ ويغرِق ويعكُس ويدعُم ويحمُل وأكِفّاء (بدل أكْفاء) وعِبْرَ وذِهاب وخَيار وتجرُبة وضُرورة وخِصْم وعَداء (بدل عِداء: مصدر عادى) وعَبْوة (بدل عُبُوّة) والأربَعاء والأربُعاء وبسَهولة وجُنوب (بدل جَنوب) وشِمال (بدل شَمال) ومن ثمَّ والقدس قُبلة المسلمين والإسلام لا يميّز بين عَرَق ولون, ومئات غيرها.
ومما له علاقة بنظام الكتابة لفظ كلمة "مِئة": ماءة , فبعض المتحدثين يراها مكتوبة :"مائة" فيظنّ أن الألف تلفظ, وهذا يتطلّب فتح الميم.
وكان من الممكن تجنّب كثير من هذه الأخطاء في اللفظ لو كان الإذاعيون يعودون إلى المعاجم.
السبب الثامن: تشابه بعض الكلمات:
وقد أدّى التشابه اللفظيّ بين بعض الكلمات إلى أخطاء مثل: نصحه الأطبّاء بالخلود إلى الراحة (بدل الإخلاد), وحذّر العراقَ من العقبات الوخيمة (بدل العواقب), وسَيْفُهم مسلّط على رقاب الناس (بدل مُصْلَت, أي مجرّد من غمده), وضرب بذلك عَرْض الحائط (بدل عُرْض, أي جانب), ودواء ناجح (بدل ناجع, أي شافٍ), وإطلاق العَنان له (بدل العِنان), والإعراب عن مشاعر الغضاضة (بدل الغضب), والزيارة التي كان من الموَقّع أن تتمّ (بدل المتوقّع).
ومن الأخطاء التي سمعتها كثيرا استعمال كلمة "إيجاد" بدل "العثور على", فمستعملوها يظنون أنها مصدر "وجد" ولا يعرفون أنها مصدر "أوجد". ومن الأمثلة التي وردت فيها: تلاشت الآمال في إيجاد أحياء, ونحاول إيجاد الطفلة التي فقدت, وعجز الأميركيون حتى الآن عن إيجاد بن لادن.
السبب التاسع: عدم إتقان بعض قواعد تركيب الجملة:
ومن أمثلتها:
1- أخطاء في المطابقة وأكثر ما ورد منها استعمال "إحدى" بدل "أحد", كما في الأمثلة التالية: إحدى الحواجز, وإحدى المستشفيات, وإحدى البرامج, وإحدى الأسباب (وقد نتج بعضها من الجهل بأن التذكير والتأنيث مرتبط بالمفرد).
ومن الأخطاء التي سجّلتها مطابقة ضمير الفصل للخبر بدلا من مطابقته للمبتدأ, ومن أمثلته: النقطة الأخرى هو التعامل مع الواقع, والوسيلة الوحيدة هو استعمال القوة, والطريقة الوحيدة هو دعم المفاوضات, والنقطة الغامضة هو مصير هذين الجنديين, وتغيير النظام هي الغاية.
2- الخلط بين حروف الجر, كما في الأمثلة التالية التي تبدو كأن قائليها من الأجانب الذين لم يتقنوا اللغة العربية: هم مسؤولون على ما حدث, ولم يسفر على شيء,,وترفّع على الردّ, وعاجز على تنفيذ ذلك, وامتناع على التصويت, ولا بدّ عليه أن يفعل هذا, ويجب أن تقنع إسرائيل على إنهاء عملياتها, وأحكمت قبضتها عن المدينة, والعثور عنه, ويركّز عن هذه النقطة, وعدم القدرة إلى فعل شيء, وراتبه يفوق من المعدّل, وأجاب على السؤال (واستعمال "على" بدل "عن" بعد "أجاب" شائع جدا).
غير أن استعمال الباء بدلا من "في" أصبح ظاهرة واسعة الانتشار في الحديث وفي الكتابة على السواء. ومن أمثلتها: يتمركزون بها, ويعيشون بالخارج, ويشارك بالمؤتمر, ووُلد بها ونشأ بها.
ورغم أنّ اللغة العربية تجيز استعمال "ب" بمعنى "في" فإنني أفضّل استعمال "في", فاستعمال الأصيل أولى من استعمال البديل. وخاصة, أنّ هناك فرقا بينهما في كثير من الحالات. ف "مرّ بالقطار" يختلف معناها عن "مرّ في القطار" . وهناك فرق بين "يشارك ببحث في المؤتمر" و"يشارك في بحث في المؤتمر". وكذلك بين "عاد بسيارة" و"عاد في سيارة", وبين "ذهب اللص بحذائك" و"ذهب اللص في حذائك"!
3- استعمال "لا زال" بدل "لا يزال" ومن أمثلته: لا زلنا معكم, ولا زالت تواجه الصعوبات, ولا زالت الطريق مغلقة, ولا زال لدينا بعض الوقت. ومن الواضح أنّ الذين يقعون في مثل هذه الأخطاء يحهلون أنّ "لا" قبل الفعل الماضي تفيد الدعاء, كما في "لا فضّ فوك". وجدير بالذكر أنّ هذا التركيب الفصيح موجود في العامية, فنحن نسمع باستمرار "لا سمح الله" و"لا قدّر الله". وقد سمعت جملا مثل "لا ردُّه ربّي".
4 - استعمال "عشرينات" (وأخواتها) بدل "عشرينيات" (وأخواتها), فمن الخطأ الشائع جدا القول "في العشرينات أو الثلاثينات أو التسعينات من القرن الماضي" للتعبير عن "العشرينيات" وأخواتها, وهي تشير إلى العقود (20 – 29, 30 – 39 الخ.), في حين أنّ الأولى تشير إلى المجموعات التي يتألّف كلّ منها من عشرين وحدة أو ثلاثين الخ.
5- أخطاء العدد والمعدود, وهي تشمل أخطاء من كلّ لون, من أطرفها "من بينهم اثنانٌ من الأقباط". وكان أشيع هذه الأخطاء في حركة شين "عشرة" وتسكينها, فالقاعدة فتح الشين إذا كان المعدود مذكّرا وتسكينها إذا كان مؤنثا: عشَرة طلاب وعشْر طالبات, وخمسةَ عشَر طالبا وخمسَ عشْرة طالبة. والغريب أنّني لم أسمع "عشَرة", بفتح الشين, مع المعدود المذكر سوى بضع مرات, مقابل مرات كثيرة بتسكين الشين: عشْرة أشخاص, وعشْرة ايام, وعشْرة آلاف, وعشْرة منازل, وعشْرة لاعبين وكثير غيرها.
ومن الأخطاء الشائعة عدم إضافة التاء من ثلاثة إلى عشرة عندما يكون المعدود مذكرا وإضافتها عندما يكون مؤنثا: ثلاث أسابيع, وخمسة سنوات, والنساء الثلاثة, وخمس مخيمات. وبعض هذه الأخطاء ناتج من عدم معرفة المتحدث أنّ القاعدة مرتبطة بالمفرد, ف "مخيمات", مثلا, جمع مؤنث سالم, ولكن بما أنه جمع "مخيم" فهو في الواقع جمع مذكّر.
وليس هناك خطأ يمكن الوقوع فيه في العدد أو المعدود إلا وقع بعض الإذاعيين وغيرهم من المتحدثين فيه, باستثناء خطأ واحد يقع فيه الأجانب ممن درسوا اللغة العربية, ولكن العربيّ لا يقع فيه أبدا, وهو الخطأ في المعدود من حيث الإفراد والجمع. فليس هناك من يقول: "ثلاثة طالب" أو من يقول: "عشرون طلاب". والسبب في ذلك أن الطفل العربي يكتسب هذه القاعدة قبل دخوله المدرسة. وينطبق هذا على جميع قواعد تركيب الجملة وقواعد تركيب الكلمة (الصرف) التي اكتسبها الطفل قبل ذهابه إلى المدرسة. ( 19) أما القواعد الأخرى المتعلقة بالعدد والمعدود وغيرها من قواعد اللغة العربية التي تعلّمها في المدرسة والجامعة (مما لم يكتسبه قبل دخوله المدرسة), فالأخطاء فيها مستعصية على الإصلاح.
6- عندها وأخواتها:
يكثر استعمال "عندها" و"بعدها" و"قبلها" و"يومها" و"حينها" و"وقتها" الخ. والوجه أن يُقال: عندئذ وبعدئذ الخ. (وجدير بالذكر أنني لم أسمع أحدا يقول "منذها"!)
7- تكرار "كلّما", ومن أمثلته: كلما طال أمد الحرب كلما زادت المعاناة, وكلّما انخفضت أسعار البترول كلّما ازدادت القوّة الشرائية للمستهلكين.
8- تكرار "بين". ومن أمثلته: بين إيران وبين الولايات المتحدة, وليس هناك رابط بين هذا وبين ذاك. وربّما يقع بعض المتحدّثين في خطأ تكرار "بين" بسبب تكرارها إذا اتصل بها ضمير, حيث تكرارها واجب, مثل: بيني وبين صديقي, وبين صديقي وبيني, وبيني وبينك.
9- ومن الأخطاء الشائعة استعمال الفعل المبني للمجهول مع ذكر الفاعل في الجملة, وذلك باستعمال "من قِبَل". ولعلها بدأت ترجمة للتركيب المسمى passive في اللغة الإنجليزية. ففي الإنجليزية يسبق المفعولُ به الفاعل إذا أريد توكيد المفعول به, كما في: The boy was killed by a sniper. وما يقابل هذا في العربية ليس: "قُتل الولدُ من قبل قنّاص" كما هو شائع, بل"قَتل الولدَ قنّاصٌ" بجعل المفعول به قبل الفاعل. ومن الأمثلة التي وردت: أُبلِغنا من قبل المسؤولين, ويُعَيَّن من قبل الرئيس ويصادَق عليه من قبل المجلس النيابيّ, وهناك مقاومة من قبل الشعب.
10- إدخال "ال"التعريف على "غير" في مثل: الإجراء الغير شرعي, والتصريح الغير ودّي, والوفد الغير رسمي. ورغم أنني لا أتفق مع رأي النحويين الذي يعتبر "غير" مضاف والكلمة التي تليها مضاف إليه, إلا أنني لا أجيز إدخال "ال" التعريف على "غير" في العبارات السابقة ما لم تُجزه المجامع اللغوية. (20)
11- إضافة الواو في مواقع لا معنى لإضافتها فيها, مثل: قال إنه ومنذ الحادي عشر من شهر أيلول ..., صرّح فلان والذي حُكم عليه بالسّجن..., إنّ قانون العقوبات والذي سيُنفّذ قريبا, أثار..., انتهت الجولة والتي جاءتكم من ... وأكثر ما تضاف الواو قبل اسم الموصول كما يلاحظ من الأمثلة السابقة.
12- إضافة اسم الموصول بعد النكرة : لديه سلطات التي يمارسها, ومشروع قانون الذي قُدّم, ويحتوي على ميثاق الذي يمنح المساواة. و قد عجبت لهذا النوع من الخطأ لأنّ اللهجات العامية تتفق مع الفصحى في قاعدة مطابقة الصفة لموصوفها في التعريف والتنكير سواء كانت الصفة كلمة مفردة أو جملة موصولية: ميثاق جديد / الميثاق الجديد, ميثاق يمنح المساواة / الميثاق الذي يمنح المساواة. وأداة التعريف هي "ال" للكلمة واسم الموصول للجملة. (21)
13-نفي المستقبل بإضافة "سوف" قبل "لا" أو "لن", مثل: "سوف لا يسافر" أو "سوف لن يسافر" (بدل "لن يسافر"). وقد أشرت إلى هذا في حديثي عن تعميم القاعدة.
14- ضافة "ما" بعد الكاف (كما) قبل الأسماء, مثل: "الشعب كما الحكومة". وقد أشرت إلى هذا في حديثي عن "التفاصح" (وانظر أيضا الحاشية السادسة عشرة).
15-استعمال "بعضهم/بعضكم/بعضنا" في مثل: "لا يساعدون بعضهم" (بدل "لا يساعد بعضهم بعضا").
وسيلتمس بعضكم مخرجا للذين يقعون في كل ما اعتبرتُه خطأ, ففي التراث أبيات من الشعر وشواهد نحوية وأمثلة من لهجات العرب تنقذ من يبحث عن الإنقاذ. واسألوا نهاد الموسى, فهو خبير ليس له نظير في ما يسمى "فيه قولان". (22) أما أنا فأفضّل استبعاد ما يُعتبر مقبولا إذا كان البديل من الأفصح متاحا.
بقيت الإجابة عن السؤال المهم: ما الحلّ؟ وهل يصلح العطار ما أفسد الدهرُ؟
سأقرأ بعض التوصيات التي أعددتها, مع علمي أنّ إصلاح ما أفسد الدهر ليس سهلا:
1- خضاع المذيعين والمراسلين لامتحانات لغوية صارمة قبل تعيينهم, على أن تشمل هذه الامتحانات النحو والصرف وقراءة النصوص غير المشكولة وضبط نصوص بالشكل التامّ في وقت محدّد. ويجب أن تشمل كذلك المهارات الأربع المعروفة: فهم المقروء وفهم المسموع والتحدّث (دون إعداد) بطلاقة خالية من الأخطاء وكتابة موضوع غير معدّ مضبوط بالشكل التامّ. وجدير بالذكر أنّ بعض المذيعين الناجحين في قراءة نشرة مُعَدّة كانوا يفشلون فشلا ذريعا عندما يحاورون ضيفا دون إعداد. كانوا يرتكبون في هذه الحالة من الأخطاء اللغوية ما لا يرتكبه طلاب المرحلة الإعدادية, أو يرتدّون إلى العامية, ناهيك عن التأتأة والتلعثم والتوقّف بعد كلّ كلمة, وغير ذلك من سمات عدم الطلاقة.
2- ضبط كلّ ما يُذاع بالشكل حتى لا يقع المذيع في الخطأ. ويجب أن لا يقتصر الشكل على حركات الإعراب, فقد أشرت إلى وقوع المتحدثين في أخطاء كثيرة في حركات بنية الكلمة لا تقلّ أهمية عن حركات الإعراب.
3- تعيين مشرف لغوي قدير يتابع كلّ ما يُذاع: يصحّح الأخطاء قبل وقوعها إن أمكن, ويلفت انتباه مرتكبيها إذا وقعت حتى لا يقعوا في مثلها مرة أخرى. وجدير بالذكر أنّ بعض المذيعين والمراسلين يكرّرون أخطاءهم مرة بعد مرة.
4- عقْد دورات تدريبية أو اجتماعات دورية لجميع المذيعين في الإذاعة أو الفضائية بإشراف المسؤول اللغوي, تتناول الأخطاء اللغوية وسبل تجنّبها والتدرّب على استعمال المعاجم.
5- إرسال تقارير المراسلين إلى المشرف اللغوي بالناسوخ (الفاكس) قبل إذاعتها لتصحيح ما فيها من أخطاء, وإذاعتها بالنيابة إذا كان المراسل ضعيفا في اللغة أو سيّء الصوت أو ذا عاهة لفظية. وقد عجبت كثيرا لسماع مَن اجتمع فيه الضعف اللغوي والعيب اللفظيّ كلاهما, سنة بعد سنة دون أن يفكّر أحد في أن تُقرأ رسائل أمثال هؤلاء بالنيابة.
6- التشديد على تجنّب كلّ ما يزعج السامع من خصائص المحاور السيء, كاللفظ البطيء الممطوط المتقطع الذي تفصل بين كلّ كلمتين فيه وقفة (أو "آ..آ.."), والإطالة في السؤال, والسؤال عند بعض المحاوِرين أطول من الجواب, بل هو أحيانا أقرب إلى المحاضرة منه إلى السؤال. وكاللجوء إلى كلمات الحشو مثل "بدايةً" و"يعني" (والجمع بينهما: يعني بداية) و"على حدّ قوله" و"طبعا" و"إذا جاز التعبير" في سياقات لا تتطلّب إقحامها فيها. وكان أحد المراسلين يصرّ على إضافة "على حدّ قوله" (أو "تعبيره") رغم استعماله لكلمة "قال" أو "وصف ...ب", كأنه يخشى أن يُنسَب إليه ما نقله! (23) ومن عبارات الحشو (أو التفاصح) الطريفة قول بعضهم "وإنْ دلّ هذا على شيء فإنه يدلّ على ...". وهو بهذا يشكّك – دون أن يدري – فيما ظنّ أنه يؤكّده, فهو في الواقع يقول "وقد لا يدلّ هذا على شيء"!
7- تدريس مادة في الجامعة, إلزامية لطلبة قسمي اللغة العربية والإعلام واختيارية لغيرهم تتناول الأخطاء الشائعة نظريا وتطبيقيا. فالأخطاء الشائعة تلخّص بدقّة ما فشلت المدرسة والجامعة في تدريسه. ولهذا فالتركيز عليها قد يُصلح بعض ما أفسده الدهر!
وإليكم أخيرا طرائف بعض الإذاعيين:
كان أحدهم يقول في بداية النشرة: "نبدأ كما عوّدناكم", وفي وسطها: "نمضي قدما في نشرتنا" وفي نهايتها: "وبهذا نكون قد فرغنا بحمد الله من جولتنا وأنهيناها بعد أن قدّمناها". وكان آخر يستأذن المستمعين في إنهاء النشرة: " نستأذنكم في أن نختتم جولتنا". وقال ثالث: "وأزيدكم من الشعر بيتا", وقال آخر: "لم تحِن ساعة الوداع بعد, فقد بقي لدينا ...". وكان أحد المذيعين يختتم نشرة الأخبار بقوله: "بلدة طيبة وربّ غفور". ودعا آخر للمستمعين ب"أن يكون يومهم مملوءا بالحركة والبركة".
وقال أحد المراسلين: لقد حصل الرئيس على 100% من الذين صوّتوا ب"نعم" (وقد صدق, فمهما كان عدد هؤلاء فقد حصل الرئيس على 100% منهم).
ومن زلات اللسان قال أحد المتحدثين "إنني منهذل" (دون أن يصحّح نفسه). وقد سمعت قبل مدة طويلة من إذاعة لبنان "وزارة البرد والبريق" (والمقصود: وزارة البرق والبريد). وقال وزير في حوار مع أحد الإذاعيين: "عُرض على الدكتورة حنان أن تكون حكومة في هذه الوزيرة ولكنها رفضت"! ومن إحدى الفضائيات قال أحدهم: "الرئيش بُسْ"!
وأختتم حديثي بشكر الأستاذ الدكتور عبد الكريم خليفة رئيس مجمع اللغة العربية الأردني لدعوتي للمشاركة في الموسم الثقافي. وهو يستحق الشكر منا جميعا لما يبذله من جهود دائبة في خدمة لغتنا العربية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش
(1) ندوة مشكلات اللغة العربية على مستوى الجامعة, جامعة الكويت, 1979. ص191 – 237
(2) نهاد الموسى, أبحاث في قضية الخطأ وضعف الطلبة في اللغة العربية, دار العلوم, الرياض, 1984.
(3) أحمد مختار عمر, أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكتاب والإذاعيين, عالم الكتب, القاهرة, 1991.
(4) انظر: نهاد الموسى, الثنائيات في قضايا اللغة العربية, دار الشروق, عمان, 2003. ص110 – 121.
(5) انظر: المجلة الثقافية, الجامعة الأردنية, عمان, العدد 53, 2001. ص 43 – 47.
(6) من الأمثلة التي يؤثّر فيها النبر على المعنى كلمات مثل: وَصَفَتْ, حيث يقع النبر على المقطع الأول إذا كان المقصود (وصَفَ+تْ), وعلى المقطع الثاني إذا كان المقصود (وَ+صَفَتْ), وأقْوالنا, حيث يقع النبر على المقطع الأول إذا كان المقصود (أقوى لنا), وعلى المقطع الثاني إذا كان المقصود (أقْوالَنا).
(7) مما يدل على ذلك أنّ ما يقابل الجيم في اللغات السامية الأخرى, كالعبرية, هو الجيم القاهرية. كما أن بقاء الجيم في الفصحى صوتا "قمريا" دليل آخر مهم. (انظر الحاشية التاسعة.)
(
من القواعد الصوتية إضافة حركة (كسرة في معظم اللهجات وفتحة في بعضها) منعا لالتقاء الساكن