بقلم :لمى طباخة
لا شك في أن مشهد الكبسولة فينيكس وهي تلج في أديم الأرض لانتشال عمال منجم سان خوزيه قد طاف على معظم الفضائيات العالمية وتركنا– ودون قصد- متعاطفين مع ثلاثة وثلاثين عاملا لا نعرف عن بلدهم إلا القليل. وكعادتها قامت «الجزيرة مباشر» برصد الحدث كمتابعة صحفية عودتنا عليها المحطة العربية الوحيدة في مجال النقل المباشر، وعودتنا المحطة أيضاً على ملء فراغ برامجها بالعديد من الفترات التي قد لا تعني –عن قرب- الجمهور العربي الذي تستهدفه القناة. ومن خلال الخبرة– الإجبارية- التي اكتسبها المشاهد العربي من قراءة الرسائل القصيرة الوافدة باستمرار في أسفل شاشة المحطة، هذه الرسائل لم تزل توقظ انتباه المشاهد من فراغات شروده كنوع من التندر الخفيف أو اللذة الخفية بقراءة «خواطر» المشاهدين الذين يركز القلة منهم على الموضوع المعروض، على حين يكتفي الباقي منهم بالدعاء أو حتى إرسال التهاني. يمكن أن يعتبر هذا اختبارا حقيقيا لعمق المشاهدة ونوعية المادة المعروضة، ويمكن لنا أن نرصد من خلال ذلك بعضاً من التجاذبات في الرأي وربما الحوار «القصير» الذي يخوضه المشاهدون من مختلف الاتجاهات المذهبية والفكرية والسياسية، على منوال «الرسائل القصيرة» في قنوات الترفيه والأغاني التي يعج بها القمر العربي «نايل سات»...
حرب الرسائل القصيرة ابتدأت بالفعل بنوع من التضامن العارم مع العمال المحتجزين وذويهم قبل نزول الكبسولة بدورتيها التجريبيتين واستمرت حتى خروج جميع العمال سالمين ثم ما لبثت أن تحولت هذه الرسائل إلى «معلقات» تغنى كل من أصحابها بمشربه الفكري والأيديولوجي والسياسي والديني. ثم في غفلة من صور «ما بعد عملية الإنقاذ» بدأت بالظهور مشادات وتجاذبات تنطوي على نفس قيم الفرز الاجتماعي والديني التي نراها عادة بين مشجعي الأندية الرياضية أو حتى تلك التي «تعودنا» رؤيتها على شاشات تلفزيون الواقع، ولكن كيف؟ كيف تحولت قضية إنسانية بدأت بإجماع شبه كامل على إنسانية الصور المعروضة إلى «حروب كلامية» تقليدية وتتسم بالسطحية الشديدة التي لا تليق بالقناة الوحيدة المتخصصة. لقد مر على شريط «الجزيرة مباشر» طيف واسع جداً من الدعاء والدعوات و«شبه الشتائم» فبعض الإسلاميين مثلاً قاموا بدعوة العمال الناجين إلى اعتناق الدين الإسلامي ناهيك عن الاستقراء الديني الذي لم يوفره الكثيرون مشبهين العمال الناجين «بالذين خرجوا من الظلمات إلى النور وهم الذين كانوا بحكم الموتى» والبعض لم يروا مانعاً من تشبيه ما جرى معهم بقصة أهل الكهف المذكورة في القرآن الكريم وما تحتويه من دلالات قدسية.
أما البعض فقد رفع شعار «تعالوا نشتم أنظمتنا المقيتة» على حين وجد معارضو الأنظمة العربية حيزاً للتعبير عن غضبهم واحتجاجهم ودافعاً للتشهير بهذه الأنظمة «التي هي بحكم البائدة».
وأما العشائرية والإقليمية والإثنية فقد كان لها نصيبها من المشهد «المباشر» فمن ضمن ما تم عرضه من رسائل ظهرت على شاشة القناة أثناء الحدث التهنئة باسم أكراد هذه الدولة أو تلك.
إذا فما حاولت الجزيرة فعله، من إضفاء البعد العالمي على ذوق المشاهد العربي قد تحول إلى مهرجان «غير فريد» ومكرر جداً في أغلب المحطات العربية التي تتيح استقبال الرسائل القصيرة.
والسؤال: هل ينظر المشاهد العربي إلى تجربة الجزيرة مباشر كنسخة مطابقة «ريبلكا» عن بقية القنوات في موضوع الرسائل القصيرة بالذات، وهل يعني ذلك فشلاً من نوع ما للمحطة أم إن الصور لا تكفي المشاهد العربي الجديد على تجربة قنوات البث المباشر؟ وفي النهاية، فكما استغلت الحكومة التشيلية هذا الحدث لرفع نسبة المؤيدين الفعليين للحكومة فقد قام المشاهد العربي باستغلاله ولكن من زاوية أضيق من ذلك بكثير، وفي الوقت الذي كان فيه العمال الذين تم إنقاذهم قد اصطفوا ينشدون بلغتهم نشيد بلادهم «عاشت تشيلي» كان المواطن العربي ينشد -بلغة غيره- نشيد التفكك