الهجمة الإعلامية على المشاهد العربي
بقلم: أ. د. صالح عبدالرحمن المانع
يقال بأن هناك ثلاثة آلاف محطة تليفزيونية حول العالم معظمها موجه للأقمار الصناعية بحيث يتاح لأي مستقبل التقاط صورها من أي مكان في العالم. وحين يستعرض المرء أسماء هذه المحطات فسيجدها تشمل معظم، إن لم يكن جميع دول العالم، عدا بعض الدول المنكوبة بحروب أهلية.
وقد ساهم في انتشار الفضائيات تراجع قيمة إنشاء مثل هذه المحطات وتشغيلها، والذي يبلغ في المتوسط حوالى مائة ألف دولار في السنة. ولعل الدول الوحيدة التي تشاهد المحطات التليفزيونية بشكل مبالغ فيه في بعض الأحيان هي الدول العربية، وذلك لانعدام وسائل التسلية والترفيه الأخرى. حتى كاد المشاهد العربي أن يرعى القنوات الفضائية، كما كان أجدادنا يرعون النجوم في سماء ليل مظلم.
من ناحية أخرى، يقال بأن الشارع العربي كما يحلو للصحافيين تسميته، لا يؤثر بشكل كبير في مجرى الأحداث السياسية، غير أن المتتبع لأنشطة الدول الأخرى الإعلامية الموجهة للدول العربية يرى عكس ذلك. فمعظم الدول الكبرى أو الإقليمية التي تريد أن تلعب دورا مهما على المسرح العربي تجد أنه من المستحيل القيام بذلك، دون استخدام القوة الناعمة، بما في ذلك قوة الإعلام ونفوذه.
فخلال الثمانية أعوام الماضية، شاهدنا عددا من المحطات التليفزيونية الأجنبية الموجهة إلى المشاهد العربي. وبينما كان ولا يزال الإعلام العربي ومحطاته الحكومية منها والخاصة تهيمن على معظم القنوات التليفزيونية، إلا أن هناك اهتماما متعاظما من قبل عدد كبير من الدول، خاصة في مجال بث الأخبار والبرامج التحليلية الأخرى. ولعل من أهم هذه المحطات، محطة «الحرة» الأمريكية، والتي صادف بثها بدء الغزو الأمريكي للعراق. وجاء هذا البث بمثابة تجسيد لرؤية الرئيس الأمريكي بوش، بأنه يريد أن ينشر الديمقراطية في المنطقة، ولو بحد السيف. أو هكذا أراد أن يغلف حملته العسكرية ضد العراق بحملة إعلامية موازية تحمل ملامح إيجابية مزيفة.
وخلال فترة وجيزة تكاثرت المحطات الإخبارية الموجهة للعالم العربي، وكأني بها تأخذ بتقليد هيئة الإذاعة البريطانية التي كاد لا ينام آباؤنا دون الاستماع إلى نشرة أخبارها.
فبدأت فرنسا في بث محطة تلفزة عربية، ثم جاء الدور على روسيا وتبعتها الصين، وكوريا الجنوبية، وحتى الدول الأفريقية المتاخمة للعالم العربي باتت تقدم نشرة أخبار بالعربية للترويج لنظامها السياسي، وأخبار زعمائها في محيطها العربي. واليوم يقال بأن إيران تنوي قريباً البدء في بث محطة إخبارية عربية، بعد أن كانت بعض المحطات العربية الصغيرة تقوم بدور الوكيل عنها لفترة طويلة، وباتت تشعر بضرورة التواصل مع المشاهد العربي من قبل محطة تبث مباشرة من طهران، مركزة على النواحي الإخبارية، علما بأن هناك محطات دينية إيرانية تبث بالعربية.
وعلى الجانب الآخر تحاول إسرائيل بدورها إنشاء محطة إخبارية عربية على غرار القناة العاشرة في التليفزيون الإسرائيلي. وربما يريد نتانياهو أن يسوق أفكاره ورؤاه على المشاهد العربي تمهيدا للفشل المحتمل للمحادثات الثنائية مع الفلسطينيين.
ولاشك في أن الإعلام المرئي يمثل قوة ناعمة تحاول جذب أفئدة الناس واللعب على عواطفهم، وهي في الوقت ذاته محاولة من قبل بعض الدول لتنشيط قطاعاتها الاقتصادية، خاصة في مجال السياحة. حيث دأبت بعض هذه المحطات على نقل المشاهد إلى مدن مختلفة داخل قطرها لحثه على السفر والسياحة لهذه المدن، وبالتالي تنشيط هذا القطاع الاقتصادي المهم..
وبالأمس القريب كنا نعتقد بأن المسلسلات التليفزيونية والدراما كافية لنقل صورة وردية زاهية عن البلدان التي تنتج مثل هذه المسلسلات. وبعد أن عشنا فترة طويلة نشاهد مسلسلات قادمة من كوبا والمكسيك، ونتابع أخرى مصورة في تركيا. فهاهي إيران قد بدأت مؤخرا تطرق أبوابا مثل هذه الدراما المعربة.
نحن بدورنا يمكن أن نؤثر على العالم المحيط بنا، فلنا قصب السبق في إنشاء القنوات التليفزيونية المنوعة وبثها على منطقة استقبال شاسعة من وسط آسيا إلى غرب أفريقيا وجنوب أوروبا، ومعظمها ناطق بالعربية. وقد حان الوقت لبث قنوات متلفزة بلغات أخرى غير العربية موجهة على الأقل إلى دول الجوار الجغرافي. فنحن نؤثر بالفعل في هذا المحيط ببرامجنا وقنواتنا العربية، وحان الوقت للتأثير بها عبر برامج وقنوات تلفزة موجهة.
التنافس الإعلامي والتزاحم الثقافي هو سمة العصر، وبينما كاد عصر الراديو أن يودع جماهيره التي كانت غفيرة يوما، فإن عصر التليفزيون الموجه والجرعات الثقافية المركزة بات سمة هذا العصر.
نقلا عن: عكاظ السعودية