تمهيــــــــد
من الظلم بمكان أن تـُرمى تبعات المهمة التربوية على الدائر التعليمية التربوية وقبلها البيت والأسرة ، قد تكون هذه لها الأولية في ذلك ولكن لابد لها من أسناد وتعزيز من جهات فاعلة ومؤثرة اخرى تحيا معنا في أغلب لحظات حياتنا ، البيت والأبوين بالذات نعم يعطيان النشئ الخطوط العريضة والمبادئ الأساسية التي تعينهم في تفهم الحياة وما بها من إرهاصات وكيفية مواجهتها بتصرفات موزونة بعيدةٍ عن أي نوع من أنواع الزلل والانحراف بتحصينات هي خليط من المعتقدات الدينية والعرف والتقاليد وبعض العادات ، ثم تكمل المهمة نوعاً ما المدرسة بمختلف مراحلها فالجامعة بمختلف اختصاصاتها ( هذا فيما لو أكمل الفتى أو الفتاة تعليمهم ) لتوسع المدارك وتروض العقول الغضة وتدربها على تفهم مايجري وما يدور في مختلف توجهات ومشارب هذه الحياة .. تلك أمور قد ينطبق عليها ما يقال عنه بأنه آلية الحياة التي اعتاد عليها الناس منذ قرون قليلة ماضية واختلفت باختلاف التطورات التي تطرأ على المجتمع .. هذه جميعها تبقى قاصرة تماما ما لم تعينها مصادر أخرى توسع أكثر الأفكار وتنمي قدراته الذهنية في تفهم أيدلوجيات منتشرة هنا وهناك ومن ثم الاستقرار على إحداها حسب ما يراه هو مدى تلائمها مع معتقداته وأفكاره ، كما أن التطورات التكنولوجية والثورة الاكترونية التي شهدها العقد التسعيني من القرن الماضي ولا زالت مستمرة لحد الآن تجعل من مدارك الناس في أمس الحاجة لمصادر تعينها على مماشاة تلك التغييرات والطفرات المتولدة وبتسارع غريب لا يوصف .. وهنا تبرز دور وسائل الاعلام المختلفة والمنظورة والمسموعة والمقروءة كعامل داعم ومساعد لإعانة الناس في تفهم ماذا يحدث على ساحة الحياة والأخذ بيدها لممارستها بشكل مقبول يماشي تلك التغيرات ..
الإعلام المقروء ودوره
لكي نفهم هذا البند لابد أن نوضح للبعض ممن يتحسس من كلمة ( تربية ) على أنها كلمة تندرج تحت مفردات الإهانة ، بينما لو تمعنا في معناها بشكل عميق لرأينا العكس ، ومن هنا كان لزاماً على وسائل الإعلام المختلفة أن تضع هذا الهدف ( التربية ) نصب أعينها وغاية مبتغاها .. وكون الصحافة هي الأم الكبرى لجميع وسائل الاعلام ومنها إنطلقت المفاهيم الاعلامية التي نراها الآن متوفرة لنا بأبسط السبل والوسائل ، وعليه فمن الأجدى أن تتولى الآن ( وكان الأفضل منذ اللحظة التي بها تكونت المفاهيم والأسس التي ترتكز عليها الصحافة ) المهمة التربوية تلك وتجعل طابعها يعم على الأجواء التي تغطي الصحيفة من أول صفحة وحتى آخر صفحة ونفس الشيء يقال على المجلات والدوريات .. بغض النظر على توجهاتها وأو تخصصاتها ( إن كانت راديكالية أو أوتوقراطية أو علمانية أو دينية ) ، ( وإن كانت سياسية أو إقتصادية أو ثقافية أو علمية أو رياضية أو إجتماعية ) أو حتى إعلانات .. فالمهمة التربوية هي السبيل لتقويم المجتمع وترسيخ كل الأمور التعايشية التي يجب أن تماشي حياة الناس في المجتمع ، والطابع التربوي حينما تلمسه ببساطة الطرح وسلاسة التعبير وبانفتاح كامل على الجميع ، وحينما تلمس بين طيات معانيه الهدف النبيل والوفاء المتكامل للناس .. وتشم رائحة الصدق بين تلك المفردات والصدق في المعلومة والصدق في تناول الأمور بعيداً عن التشنجات والفبركات الصحفية وتضخيم الأمور .. وحينما لا تلمس غايات دفينة ، وتأليبات أو تحريضات فئة ضد فئة أخرى ويكون التعامل في الطرح مرتكز على معاني المواطنة والأخوة الحقة .. ساعتها سيبدأ التأثر التربوي يتسرب شيئاً فشيئاً إلى تصرفات البشر إلى أن يتراكم بكم مناسب ليصنع لنا مجتمع أنموذجي كما هو الحال الآن في تلك الدول التي نراها متحضرة ومتطورة .. لتتفرغ العقول حينئذ بالبحوث والمخترعات العلمية ذات الجدوى على البشر وبالأخص حينما نعلم بمدى الكم الهائل من الخيرات التي حباها الله علينا ولكننا للآن لم نستغلها وأصبحت مرتعاً للدخلاء والمستعمرين ليستغلوها هم لأنفسهم بينما نحن مع حكوماتنا متخذين الموقف المتفرج والمتطلع بحسرة على خيراتنا التي تنهب تحت سمع وبصر الحاكم ورضاه في أكبر مثل لخيانته للأمانة .. إذن من اللائق جداً أن تكون كل المقالات والتحقيقات المنشورة على صفحات الجرائد والمجلات والدوريات الأخرى ذا طابع تربوي بحت حتى ولو كان الحديث مع فنان أو عن الأدب أو الرياضة أو الاقتصاد أو المال .. هنا وبتكرار مثل هذه الأساليب التربية في أذهان وعقل القراء لتتحول من أمر مقروء إلى حالة معتادة إلى تعود إى معتقد ومبدأ مترسخ في طباع وتعاملات الناس المختلفة وفي تصرفاتهم الحياتية .
روعة التربية وانعكاساتها صحفياً
ماهي التربية؟ ببساطة متناهية تعني التعلم .. ولكن تعلم ماذا؟ لو رجعنا إلى أغلب الديانات السماوية ومنها ديننا الحنيف ولو تمعنى في القرآن الكريم وما يشمل من دروس وعبر وعضاة جميعها تصب في خانة مفهوم التربية ، كذلك يقال على الأحاديث النبوية والقدسية .. جميعها تعلمنا على طرق العيش السمح المتكامل الصحي السليم .. وتنهانا عن مضرات ومساوئ الحياة المنتشرة في كل زاوية وجحر فيها ، وعل هذه الأمور قد طرحت علينا ببساطة منذ ما يزيد عن 14 قرن بالنسبة لديننا الحنيف وأكثر بقرون عدة بالنسبة للأديان السماوية الأخرى .. ما وجدنا فيها جميعاً ما يخالف الذي تحدثنا به آنفاً ، ولكن النفس الأمارة بالسوء والطبيعة البشرية المتقلبة الأمزجة والمرام تدفع بالفرد أن يشذ عنها ويسلك لوحده مسلكاً يظنه هو أنه الأفضل ولكن سرعان ما يتلقى الضربات إن كان في الحياة الدنيا أو ما ينتظره في الآخرة .. إذن مبادئ التربية الصحيحة موجودة في أبهى صورة أمامنا ولكننا ولأمر ما أشغلنا أنفسنا عنها للدرجة التي بتنا نتصور من يذكرها لنا أنها نعت مهين لا يمكن ذكره .. ولكون الصحافة والاعلام من يقودها مثل هؤلاء الأنواع من الناس فإنك تراها الآن متطبعة بأساليب غريبة عجيبة لا تتماشى ما ذهبنا إليه وطرحناه آنفاً ، بسبب أن الاقلام وقبلها العقليات المسيرة لها مبتعدة في تعاملها وطروحاتها مع المبادئ الأساسية للتربية ، وعليه فمن البديهي بمكان أن نرى المقالات والتحقيقات هي بدورها لا تغطيها المعاني الأساسية للتربية ، فغالباً ما نرى تحقيقات ومقالات جوفاء يُحار المرء كيف يفهمها وكيف يصل لما يريده كاتبها بسبب أن ذات الكاتب لا يدري ما يقول ومايكتب ولا يدري هل مقالته تلك ستعم بفائدة تربوية على القراء أم لا؟!
وأخيراً!
قد يتصور البعض ما طرحته آنفاً ماهو إلا ضرباً من الخيال ، ولمن منهم ذوي الثقافة و ( التربية ) المحدودة سيتعذر عليهم قراءة ماكتبت وإن قرأوا فإنهم لن يفهموا منها شيء ستكون تلك الكلمات ماهي إلا عبارة عن طلاسم غير مفهومة! مشكلة الإعلام في هذه الأيام هي فقدان المسحة التربوية في كل مواده المطروحة بحيث أنك تشعر وبشكل لا إرادي بأن أعصابك قد شـُدّت وتوترت بسبب أن من كتبها كان يعاني من ذات الحالة .. وهنا بلا تردد ( وليزعل من يزعل ) مفهوم التربية يجب أن نتعامل معه بشكله الصحيح ونـُصِرْ على ذلك ، صحافتنا وما نراه يومياً على صفحاتها تعاني من نقص في التربية ، نحن من نقرأ تلك التراهات نعاني من نقص في التربية التي تعيننا أن نمُجْها ونلفظها .. التي تعيننا أيضاً أن ننتفض عليها وعلى موادها والأقلام التي تسطرها .. الاعلام بشكله العام يحتاج إلى إعادة نظر دقيقة ( تربوياً ) من أجل أن يظهر بكامل زهوه يفهم عليه الكل وهو يستطيع أن يلامس شغاف القلوب ويستقر في سويدائها .. بلا ذلك سنظل نتخبط بين هذه الأنواع من وسائل الاعلام لا نعرف صدقها من عدمه ، وتبقى الهلامية تغطي طروحاتها لتعزز الواقع اللا تربوي إعلامياً وتجعل من سوء الفهم هو ديدن الجميع .. والله الموفق .