بالرغم من كل التطورات التقنية والتكنولوجيا في عالم الاتصال وما يمكن أن تقدمهُ وسائل الإعلام باعتبارها جزءاً من الاتصال في العصر الحديث، إلا أنها تمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه النمو والتطور العقلي الصحيح لدى الطلبة في هذا العصر، بل لعله ليس من المبالغة القول أن الثورة الإعلامية الحديثة تحتم وجود مادة تدريسية لمنهج الإعلام في المؤسسات التربوية تؤسس لفتح أبعاد جديدة وتعزز الوعي الإعلامي لديهم وإكسابهم مهارات التفكير الناقد و تحصنهم من التأثيرات السلبية التي قد يتعرضون إليها بدون إدراك صحيح، فأصبح التلميذ والطالب في السنوات الأخيرة معرّض بشكل أكبر للتلقي الإعلامي، وكما معروف بأن لهذه العملية سلبيات كبيرة وايجابيات أيضاً، فوعي ومستويات الطلبة في مسألة الإعلام وخطورته محدودة، لذلك فالتربية الإعلامية في هذه الفترة العمرية أصبحت ضرورية.
كذلك يحتاج الطالب إلى شرح مفصل لدور وتأثير الإعلام في توجيه وتكوين رأيه، فالثقافة الإعلامية باتت ضرورية لجميع الشرائح الطلابية في جميع المراحل الدراسية.
فأن وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية التقليدي منها والحديث أصبحت شريكا مهما (وربما شريك متفوق) في العمل التقليدي للمؤسسات التربوية.
ومن الواضح أن آثارها تتفوق في كثير من الأحيان على آثار المؤسسات التربوية وربما في بعض الأحيان تضاده.
وفي ظل الثورة الإعلامية والمعلوماتية التي تميز بها هذا العصر وما ظهر فيه من انفتاح في القنوات الفضائية وسهولة الاتصال عبر الانترنيت والفضاء والهواتف المحمولة صار لزاما على المدرسة ـ المؤسسة التربوية ـ أن تواكب هذا كله، وأن تبحث عن سبل تواجه فيه الجوانب السلبية للإعلام وتوظف الجوانب الإيجابية في تعزيز عملها التربوي.
لذلك هي دعوة موجهة إلى أصحاب القرار بالالتفات إلى دور الإعلام وتوظيفه في المنهج الدراسي لكي يتعامل التلميذ والطالب مع وسائل الإعلام بوعي أكثر، من خلال ما يسمى بمحو الأمية الإعلامية Media Literacy، أو ما يمكن أن نسميه التربية الإعلامية أو الوعي الإعلامي.
لقد أصبح الفضاء العراقي متاحاً ومفتوحاً للقنوات الفضائية والإذاعية التي تتزايد يوما بعد يوم، كما أن هناك تناميا في الإعلام المكتوب سواء الصحف الورقية أو الإلكترونية، مع تزايد استخدام الانترنيت.
اتسعت دائرة الوسائل الإعلامية في هذا العصر لتشمل:
التلفزيون والقنوات الفضائية.
المحطات الإذاعية.
الصحف والمجلات.
مواقع الانترنت.
المنتديات الإلكترونية.
الهاتف الجوال.
السينما والمسرح.
الملصقات الإعلانية والدعائية.
ويتعرض الطالب العربى إلى قدر كبير جداً من الرسائل الإعلامية من خلال هذه الوسائل المتعددة والمتنوعة، والتي في غالبها تكون غير منضبطة بقيود اجتماعية أو قيمية، بل يسيرها الربح المادي أو التوجيه الأيديولوجي، ويتم فيها خلط الخبر بالرأي بالإعلان والدعاية أحيانا أخرى، بحيث تمرر رسائل وتحقق أهداف من خلال هذا الخلط، وهذه الأنواع في الإعلام لها تأثيرات مختلفة، فالإعلان يختلف عن الدعاية وعن الرأي ولكل منهما له تأثيراته السلبية والايجابية لكن المشكلة هي كيفية التمييز، ومثالاً لما يحدث اليوم، فتجد إن البعض يتأثر بأي خبر أو رأي ولا يعلم إن بعض تلك القنوات أو الوسائل الإعلامية الأخرى هي في الحقيقة ذات توجهات معينة وقد تكون مغرضة في أحيان و تهدف إلى خلق أزمة أو تأثير سلبي لدى المتلقي، فطبيعة المصدر الإعلامي تؤثر الى حد ما بكيفية صياغة وتحرير الخبر وكيفية تعاملها مع الأحداث ولقلة الوعي والإدراك بمسألة الحيادية والموضوعية فتجد البعض قد يتأثر بسهولة وينقاد إلى توجه سلبي.
ولقلة وجود كوادر إعلامية متخصصة في العراق تكون مسؤولة عن توضيح هذه الأمور، أصبح الأمر متشابكا لدى المتلقي مما يؤثر برأيه ويقوده الى اتخاذ قرارات ليست في محلها.
ومما لاشك فيه ان وسائل الإعلام تتميز بقدرة تأثيرية وتوجيهية تجعلها ذات تأثير قوي وفاعل للأسباب التالية:
التنوع: حيث توجد الوسائل المقروءة بأنواعها والمسموعة والمرئية.
التشويق: توظيف الجوانب النفسية في جذب الانتباه والتأثير والإقناع.
التفاعلية: حيث يمكن للمتلقي التفاعل مع كثير من تلك الوسائل.
الوفرة: تعمل كثير من وسائل الإعلام على مدار الساعة وتنقل الأحداث بشكل مباشر.
سهولة التواصل: حيث أن كثيرا من وسائل الإعلام يمكن الوصول لها ومتابعتها من البيت ومن أي مكان.
الخصوصية: حيث يمكن للمتلقي التعامل مع تلك الوسائل بخصوصية تامة.
التحرر من القيود والأعراف الثقافية والاجتماعية، حيث لم تترك هذه الوسائل الإعلامية مجالا لم تدخل فيه، فجميع المجالات بلا استثناء قيمية واجتماعية وسياسية صارت ميدان لهذه الوسائل.
هذه الميزات جعلت أثر الإعلام يفوق الأثر الذي يتوفر في مناهج التربية، بل في بعض الأحيان يضاده أو ينقضه.
وما يزيد الأمور خطورة أن القائمين على كثير من مؤسسات الإعلام يضعون أُسساً لتداول الصور والمعلومات التي توثر على معتقدات وسلوك المشاهد واتجاهاته، بما يجعلهم يتحولون الى (مسّيسي عقول) من حيث لا يشعرون.
وفي ظل هذا التوسع المتزايد لدور وسائل الإعلام في التأثير على المجتمع بشكل عام والطلاب بشكل خاص أصبح من الملح أن تقوم المدرسة بدور فاعل من خلال توفير منهج دراسي لتزويد الطلاب بالمهارات اللازمة للتعامل مع وسائل الإعلام فلا أعتقد أن هناك مشكلة إذا تم إصدار كتاب خاص بالتربية الإعلامية أو أن يكون على أقل تقدير فصل خاص مضافاً لأحد المناهج مثل مادة الأدب أو الفنية، ففي ذلك فائدة أكثر من المناهج المتبعة حديثا مثل اللغة الكردية أو حقوق الإنسان أو الديمقراطية، فمن غير الممكن في عصر التفجر المعلوماتي والزخم الإعلامي أن تحدد المدرسة للطلاب ما هو مقبول وما هو غير مقبول فيما يتلقونه من رسائل إعلامية متواصلة، فصار السبيل الوحيد المقدور عليه هو تزويد الطلاب بالمهارات التي تمكنهم من تفحص تلك الرسائل الإعلامية وإكسابهم طرق تحليل المحتوى أوالمضمون المعلوماتي الموجود فيها بما يساعدهم على اتخاذ قرارات مستنيرة وواعية حيالها.
ومن أهم الاستراتيجيات التي تسلكها المناهج المدرسية في تهيئة الطلاب للتعامل الواعي مع وسائل الإعلام تنمية مهارات التفكير الناقد لدى الطلاب وإيجاد وعي إعلامي، بحيث يستطيع الطالب أن يكون متلقيا إيجابيا للرسائل الإعلامية يحللها ويقومها، بل ويشارك في صياغتها بشكل تفاعلي.
وقد استحدثت بعض الأنظمة التربوية ـ خاصة الغربية ـ ما يسمى بالتربية الإعلامية لجعل الطلاب قادرين على التصدي الواعي لهذا الطوفان الإعلامي الذي يحاصرهم في كل مكان.
يعرّف أحد المختصين في مجال الإعلام بأن التربية الإعلامية هي تكوين القدرة على قراءة الاتصال وتحليله وتقويمه وإنتاجه. فالوعي الإعلامي لا يقتصر على جانب التلقي والنقد فقط بل يجب أن يتعدى ذلك إلى المشاركة الواعية والهادفة لإنتاج المحتوى الإعلامي. إلا أن التربية الإعلامية تشمل القدرة على الوصل للمعلومات والقدرة على تحليل الرسائل وتقويمها وإيصالها.
كما يؤكد أنه بتعليم الطلاب كيفية تقويم الصور الإعلامية التي تحيط بهم فإننا نزودهم بالوسائل لاتخاذ خيارات مسؤولة عن ما يسمعونه ويرونه.
فالتربية الإعلامية تشجع الطلاب على التوقف عند ورود الرسائل الإعلامية لتحليلها وتحديد هدفها ولمن هي موجهة؟ ولماذا صيغت في إطار معين؟ وما هي الحقائق الموجودة فيها أو المفقودة فيها؟ وما هي المصادر المحايدة التي يمكن التحقق منها. ونحو ذلك.
وتشير كثير من الدراسات إلى ظهور أثار إيجابية لهذه البرامج على الطلاب، حيث أوجدت لديهم وعيا بالمضامين الإعلامية وكونت لديهم قدرة على تحليل الخطاب الإعلامي ولو بشكل مبسط ، فمن المؤكد أن وسائل الإعلام في هذا العصر من المصادر الأساسية للمعرفة.
وإيمانا منا بأهمية ودور المدرسة في التربية العامة نطالب وزارة التربية أولا والمختصين في مجال الإعلام من أساتذة وأكاديميين إلى الانتباه والالتفات إلى هذا الأمر وأن تأخذه على محمل الجد باعتبار إن المؤسسة التربوية هي الحاضن الأكثر تأثير في تربية وتنشئة الأجيال الحالية والقادمة فهي المسؤولة عن مواجهة الآثار السلبية المتوقعة للتأثيرات الإعلامية والخروج بالمناهج الدراسية عن النمط التقليدي في عرض الأفكار والمفاهيم والمعلومات وتوظيف تقنيات الاتصال والإعلام في إعداد مناهج دراسية متكاملة لجميع المراحل وتدريسها بأسلوب يمكن الطالب من التحليل الموضوعي والتفكير العلمي الناقد