واجهت اللغة العربية سيوفا عديدة لقتلها أو تمزيقها، ولكنها بقيت صامدة منذ مئات السنين حماها القرآن، وحماها المسلمون، ولكن هناك خطر قوي حاليا يواجهه كثير من لغات العالم, وليس اللغة العربية وحدها، وهي العولمة وسيادة لغة واحدة، هي لغة العالم، ولغة التفاهم والتعلم والحوار ولغة العلم أيضا، وهي اللغة الإنجليزية.
الإشكال!!
حتى يكون العرب جزءاً من هذا العالم الواحد، ينبغي عليهم أن يتحدثوا لغته، ولغته هي اللغة الإنجليزية، هكذا يقول الواقع، إذن علينا ان نتسلح بلغة العصر ونتكلمها، ولكي نتكلمها يجب أن نتعلمها من سن مبكرة لنتمكن من استيعابها وإتقانها كأهلها.
ولكن الكاتب له آراء مغايرة لهذا الاتجاه، بل يقدم آراء جريئة في مواجهة الأفكار التي تسعى لنشر التعليم المزدوج بلغتين, وهما العربية والإنجليزية، ويرى أن ذلك هدم وليس بناء، ويقول" اللغة الإنجليزية ليست ضرورية لكل مواطن… فليس بيننا جماعات أو أقليات تتكلم اللغة الإنجليزية…(وتدريس اللغة في سن مبكرة) يشتت أذهان هؤلاء الصغار بين لغتين .. ويجعل اللغة الأجنبية مساوية للغتهم الأم, الأمر الذي يضعف لديهم الانتماء الوطني, والارتباط بالثقافة العربية.
ناهيك عن الأموال الطائلة ـ شبه المهدرة ـ التي سوف تتكبدها مؤسسات التعليم في الإعداد لهذه الدروس الإنجليزية ـ وشراء كتبها الأجنبية الباهظة الثمن ـ.
ويشير في مكان آخر إلى جمال هذه الكتب وحسن إخراجها وطباعتها، مما يجعلها محببة للصغار الذين سيفضلونها على الكتب العربية البائسة. …
ويضع السؤال الكبير عن السبب الذي يجعلنا نهتم باللغة الإنجليزية ونجعلها في مصاف لغتنا الأم, فهل نحن أكثر اهتماما من الفرنسيين والألمان والصينيين والروس الذين لا يعطونها الاهتمام الذي نبديه نحن نحو اللغة الإنجليزية، وهو يسعى هنا إلى إثبات أن تعليم اللغة الإنجليزية في المراحل الأولى ليست مطلبا حضاريا، وإلا لما فات على أقطاب رجالات التعليم في هذه البلدان المتنوعة في الفكر والثقافة والتاريخ والجغرافيا..
ولكن ما هو الحل الذي يراه الكاتب؟
إن اللغة العالمية الكاسحة هي اللغة الإنجليزية، ويعترف بذلك الكاتب نفسه، ولكن كيف يمكن لنا أن نوفق بين عدم التقوقع والانعزال عن العالم، والحفاظ على لغتنا العربية، التي لم نحجز لها نحن أبناؤها مكاناً في قطار العولمة؟
كيف يرى الكاتب إمكانية الاستفادة من العولمة وركوب هذه القاطرة الواسعة، يقول "يتم ذلك بمشروع نهضوي يعمل على توطين العلم والتقنية في البلاد العربية ولن يتم ذلك إلا من خلال الإصلاح التربوي الحقيقي الذي يجعل العرب يتعلمون بلغتهم, ويفكرون بها ويبدعون من خلالها.. "
ويقول أيضا "فالتقدم الهائل في وسائل الاتصال من شأنه أن يخدم العربية الفصحى سواء من حيث نشرها، وسهولة التواصل بين الباحثين في قضاياها، كما أن اللغة العربية يمكن أن تفيد من الثورة المعلوماتية عن طريق إنتاج البرامج التعليمية والثقافية الجذابة والميسرة لإجادة اللغة العربية, وتعميم الإفادة من كنوزها المخبوءة, كما أن البحوث العلمية لتعريب الحواسب الآلية وتطبيق المستجدات في مجال الترجمة الآلية سوف يكون له المردود العظيم على نهضة اللغة واستجابتها لمعطيات هذا العصر عصر العولمة."
يقع الكتاب في 224 صفحة مقسمة إلى سبعة مواضيع, وهي اللغة العربية في عصر العولمة، وفي ظل العولمة علاقتنا باللغة الأجنبية، والمصطلح العربي في عصر العولمة، ومستقبل الثقافة العربية من خلال اللغة, واللغة العربية والإعلام: الواقع والمأمول. ويختم كتابه بحوار مطول معه نشر في مجلة المعرفة, وآخر موضوع يرد المؤلف فيه على باحث يقترح استخدام الحروف الإنجليزية في لوحات السيارات.
وكل هذه المواضيع يعطيها الكاتب حقها من التفكير وإجابة القارئ على أسئلته التي ترد على الخاطر من قراءة العنوان ومن قراءة المحتوى.
دور الإعلام العربي!
يرى المؤلف أن الإعلام باللغة العربية الفصيحة هو وسيلة جيدة لتوحيد العالم العربي ثقافيا، ولكن واقع الإعلام الحالي يوحي بعكس ذلك فالكل ينشر لهجته، التي يصعب على الآخرين فهمها, بينما توجد اللغة المشتركة التي تجمع الفكر العربي مع بعضه، ويقول" .. إن حالة الانتحار اللغوي الذي تمر بها وسائل الإعلام العربية المرئية والمسموعة في هذا العصر سوف تفضي بنا إلى تمزق لغوي في المستقبل، يجعل من كل لهجة لغة قائمة بذاتها تستغلق على غير المتحدثين بها, مما يعني قيام أمم عربية, وهو ما يبشر به, أو يجزم به, بعض الباحثين.
فعلى هذا الأساس قامت فكرة الدولة / الأمة التي تنفذ الآن على أرض الواقع، باعتبار أن كل دولة من الدول العربية لها خصوصيتها التي تختلف بها عن الدولة الأخرى.
في هذا المجال يكون التركيز منصبا على أوجه الاختلاف بين كل دولة عربية والدول الأخرى، لا على وجه التشابه والاتفاق."
هذا الكتاب هو جهود كاتب ومفكر لرد الهجمات التي تواجه اللغة العربية، من خلال التناقضات والتجاذبات الشديدة في عصر العولمة بين الانخراط والاندماج مع العالم وبين الانعزال والتقوقع, والتي لا يراها الكاتب سوى مقاومة شريفة، ويسعى لتحويل مفهوم التقوقع إلى نقطة جذب. وهذا ممكن مع اللغة العربية ومقوماتها العديدة التي لو استغلت وتمت الاستفادة فإنها ستعود بالفائدة على هذه اللغة العظيمة التي ستبقى ما بقي دين الله على هذه الأرض.