فاز أربعة عشر طفلاً يافعاً من أنحاء العالم بينهم الطفل السوري/ محمد المجتبى عزو/ في المسابقة الدولية للرسم حول موضوع المساواة بين الجنسين- الجندر- والتي أطلقتها مفوضيّة الاتحاد الأوربي في الثامن من آذار بمناسبة يوم المرأة العالمي. وتمثّل اللوحة الطفل السوري/عزو/ من مدرسة زينب الهلالية بدمشق- الصف الخامس- قضاةً ذكوراً وإناث يترأسون معاً قاعة المحكمة تحت عنوان:
(( تستطيع المرأة أن تحقق العدالة مثل الرجل))
وشارك في المسابقة ما يقارب/50000 طفل/ من /61/ بلداً حيث عبّر الأطفال من خلال الرسم عن رؤاهم حول موضوع المساواة بين الجنسين.
والمسابقة كانت قد نظمتها بعثة الاتحاد الأوربي للعام الثالث على التوالي في سورية بالتعاون مع وزارة التربية. وقد قام هذا العام فريق من بعثة الاتحاد بزيارة إلى/8/ مدارس حكومية سورية للتعريف بالمسابقة وأهدافها.
على وقع هذا الخبر الرائع تحضرني أمنية على شكل تساؤل يقول:
هل من الممكن أن تسود ثقافة المساواة ومفهوم الجندر مجتمعنا بشكل يجعلهما أقرب إلى الممارسة الفعلية كهذه المسابقة مثلاً بعيداً عن الشعارات والتنظير، بينما مجتمع اليوم غارق في ثقافة التمييز والعنف والوأد الرمزي المتمثّل في رفض تماثل المرأة والرجل في كل أدوار الحياة.
وهل من الممكن أن تتبنى الجهات الرسمية المسؤولة بشكل مباشر وغير مباشر(التربية، التعليم العالي، الإعلام، الثقافة... الخ) هكذا ثقافة دون إلحاح الالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية، لتكون المرأة فعلاً شريكاً حقيقياً للرجل وفاعلاً في عملية التنمية الاجتماعية والحياتية بشكل عام، وكذلك جميع الشرائح الاجتماعية المعنية.
ولكن ومن جهة أخرى أقول: كيف يمكننا تبني ثقافة الجندر كمفهوم وممارسة طالما أن الكثيرين في المجتمع لم يسمعوا بهذا المصطلح بدءاً من الشرائح الأقل ثقافة وصولاً إلى طلبة الجامعات، لاسيما الكليات المعنية بالفلسفة والعلوم الاجتماعية والإنسانية.
إذ أننا وفي إحدى النشاطات كنّا قد توجهنا بالسؤال إلى الشباب الجامعيين عن معنى الجندر، ففوجئنا بأن الغالبية العظمى منهم لم تسمع به من قبل.
ولهذا السبب أراني مدعوّة لأن أعرض لهذا المصطلح وفق ما جاءت به التعريفات العالمية:
يقصد بالجندر النوع أو الجنس البشري وهو يعبر عن الرجل والمرأة.
إن مصطلح " الجندر " أو النوع الاجتماعي يطلق على العلاقات والأدوار الاجتماعية والقيم التي يحددها المجتمع لكل من الجنسين(الرجال والنساء)
ورغم ما يثيره هذا المصطلح من جدل لاسيما بعدما تمَّ استخدامه في المواثيق والاتفاقيات الدولية، فالبعض يذهب إلى أن المقصود بالجندر هو تحرير المرأة أو إلغاء التمييز ضد المرأة. ويرى البعض الأخر أن المقصود بالجندر أو النوع الاجتماعي هو تبادل الأدوار الوظيفية داخل المجتمع لكل من الرجل والمرأة على حدا، وأن تكون الأولوية لمن له الكفاءة في أداء هذه الأدوار.
كما تُعرّف منظمة الصحة العالمية الجندر على أنه: "المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، لا علاقة بها بالاختلافات العضوية"
وفي مؤتمر بكين للسكان الذي عقد عام 1995 تمّ التركيز بشكل مكثّف على استخدام مصطلح الجندر باعتباره أساس الدعوة إلى إلغاء كافة الفوارق التي من شأنها أن تنتقض من حقوق المرأة أو التي تعطي الرجل حقوقا أكثر من المرأة، وركّز المؤتمر على أن طرح فكرة المساواة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالحصول على الحقوق وممارسة الأدوار الوظيفية داخل المجتمع إنما يتبلور من خلال استخدام مصطلح الجندر.
كما اعتمد الخطاب العالمي المستخدم في المؤتمرات والمواثيق والاتفاقيات والمعاهدات على مصطلح الجندر للتعبير عن كل ما من شأنه تعزيز دور المرأة والمشاركة في التنمية وتفعيل دورها في المطالبة بحقوقها، وكذلك القيام بدور هام وحيوي في تنمية المجتمع الذي تعيش فيه، فهو يهدف إلى تعميق الشعور لدى شعوب العالم بضرورة إلغاء التمييز ضد المرأة وكفالة إعطائها كافة الحقوق داخل المجتمع الذي تعيش فيه شأنها في ذلك شأن الرجل سواء بسواء.
إن المساواة في النوع الاجتماعي حق أساسي من حقوق الإنسان، والمجتمع وحده هو الذي يضمن أن كافة النساء والرجال يدركون ويستفيدون من هذا الحق.
كما أن للجندر بعد اجتماعي وتاريخي، لذلك ينبغي إدراك الجندر، ليس فقط كخاصية ثابتة للأفراد ولكن كجزء من عملية مستمرة، كما أن الجندر هو خطاب ثقافي.
لقد أكدت دي لورليتث أن مفهوم الجندر هو بناء اجتماعي وثقافي أيضًا، وأن ذلك عملية تاريخية مستمرة تُدار في كل المؤسسات المجتمعية في كل يوم من الحياة، في وسائل الإعلام والمدارس، والأسر، والمحاكم..الخ، وأكّدت أن مفهوم تكنولوجيا الجندر هو بناء ثقافي اجتماعي وأجهزة دلالية، ونظام من التمثيل الذي يحدد معنى الأفراد في المجتمع بإتباعها أفكارها وآرائها.
كما وجدت الباحثة الأنتروبولوجية "مارجريت ميدا" في ثلاثينيات القرن الماضي بعد دراسات عديدة قامت بها أن معظم الخصائص السلوكية الحالية للرجال والنساء ليست في الواقع لاختلاف في الجنس وإنما هي انعكاس لأثر الثقافة والتربية على الأفراد.
وهنا يكون معنى مفهوم النوع الاجتماعي أنه مختلف الأدوار والحقوق والمسؤوليات الراجعة للنساء والرجال والعلاقات القائمة بينهم. ولا يقتصر المفهوم على النساء والرجال وإنما يشمل الطريقة التي تحدد بها خصائصهم وسلوكياتهم وهوياتهم من خلال مسار التعايش الاجتماعي. ويرتبط النوع الاجتماعي عموما بحالات اللا مساواة في النّفوذ وفي إمكانية الاستفادة من الخيارات والموارد. وتتأثر المواقع المختلفة للنساء والرجال بالحقائق التاريخية والدينية والاقتصادية والثقافية. ويمكن لتلك العلاقات والمسؤوليات أن تتغير، وستتغير حتما عبر الزمن.
غير أن الجندر يستهدف أيضاُ الفئات المهمّشة في المجتمع، وهذه الفئات تضمّ الرجال والنساء على حدٍّ سواء، كما يستهدف الطبقة الفقيرة في المجتمع بما تحتويه من الجنسين.
ومن هنا نجد أن مفهوم الجندر لا يقتصر فقط على المساواة بين الجنسين(رجالاً ونساء) وإنما يطال الطبقات والفئات وسواها ممن يشملهم التمييز والعنف ممن هم أقوى وأعتى منهم من طبقات وفئات اجتماعية أخرى( التمييز الديني، السياسي، العرقي، القومي،... الخ.)
ولكي تسود ثقافة الجندر في المجتمع، يقع على وسائل الإعلام بكل أطيافها مسؤولية نشر هذا المفهوم ومحتواه، إذ ما زال تناوله خجولاً ويكاد يكون معدوماً في وسائل إعلامنا، كما هو كذلك في المؤسسات التعليمية، وإلاّ لما كان من سألناهم من طلبة الجامعة يجهلون وجود هكذا مصطلح أو مفهوم.
فهل نصل لليوم الذي تنتشر فيه هذه الثقافة الجندرية في المجتمع كما تنتشر ثقافات أخرى..؟