disponible عضو مجتهد
الأوسمة : عدد المساهمات : 14 تاريخ التسجيل : 21/07/2010
| موضوع: الإعلام الإلكتروني يُنزل الصحافة التقليدية من برجها العاجي السبت ديسمبر 04, 2010 2:53 am | |
| الإعلام الإلكتروني يُنزل الصحافة التقليدية من برجها العاجيذكرت منظمة نقابية أميركية أن 18 ألف صحفي أميركي فقدواوظائفهمخلال عام 2006. منالناحية المهنية سوف يبدو الامر كما لو انه "مذبحة" وظائف. ولعلها الأكبر التي يتعرض لها صحفيون في عام واحد. وبررتالمنظمة النقابية هذه الـ"مذبحة"،بالقول أن الإعلام الإلكتروني غيّر خريطة الإعلام في العالم بطريقة ثورية مستفيدا بالدرجة الأولى من الانتشار الواسعللإنترنت. ولكن لا يصعب تصور ان الكثيرمن هؤلاء الصحافيين سيجدون وظائف في عالم الصحافة الإلكترونية،ومما لا شك فيه،وانطلاقا من تجربتيالخاصة، فانهم سيجدون عالم الصحافة الإلكترونية اكثر سعة واكثر إثارة، وبالتأكيد أوسع انتشارا، من عالم الصحافة الورقية. العالم اليوم يقرأ الصحفالإلكترونية بشكل متزايد. وليس من قبيل المبالغة القول إن صحافة اليوم والغد القريب هي صحافة إلكترونية. ليس فقط لأنها"ببلاش" أو لأن الملايين من البشر يقضون الساعاتالطويلة أمام شاشات الإنترنت، ولكن لأنها مختلفة جوهريا عن الصحافة الورقية. نحتاج في البدء أن نعرج على بعض المحطات للوصولإلى قناعة أن هذا الادعاء الخطيرهو حقيقة تتجسد أمامنا. التاريخ المعاصر للصحافة لعل أهم ما يميز الصحافة المعاصرة هو سرعتها في نقل الخبر. الخان المغولي الكبيرلم يعرف أن جيوش ابن أخيه هولاكواجتاحت بغداد إلا بعد أكثر من شهر على الحدث. وكان للجيش المغولي أفضل نظام بريد أقيم في عصر ما قبل الآلة. لكن رغم ذلك كانتالأخبار تأخذ وقتها حتى تصل. اليومنحن نعرف ما يجري في العالم بطريقة شبه آنية. وهذا الأمر أصبح حقيقة منذ انتشار البريد البرقي. الناس حول العالم تعرف ما يدور منحولها، وفوق ذلك تهتم به. وحتىوقت قريب كان الراديو مصدر الخبر السريع. لكن هذا الخبر بقي مقتضبا وغير شامل، وخاضعا لسلطة ادارات اعلامية تختار ما يلائم تصوراتهافقط. ثورة الترانسستور وكانت "ثورة الترانسستور" كافية لان تقرب العالم من بعضهعلى نحو لم يسبق له مثيل. وكان كافيابالنسبة للملايين ان يتجمعوا حول جهاز الراديو ليستمعوا الى خطاب هذا الزعيم او ذاك، ولعل خطابات الزعيم الراحل جمال عبد الناصرواحدة من اشهر تلك الخطابات، او ليصغواالى اخبار هيئة الاذاعة البريطانية، وليصدقوها على الفور، او لتكون حافزا لتغيير مجرى حياتهم. وبمقدار ما يتعلق الامر بالصحف، فقدظل من الضروري الانتظار الىاليوم التالي لنعرف ما حدث بالأمس. الجرائد والمجلات الجرائد والمجلات: كيف تتلقى أخبار العالم بعد يوم أو أسبوع أو شهر تأقلم الناسعلى أن الأخبار تأتيهم في الغدمطبوعة على صفحة الجريدة: تذهب إلى باعة الصحف وتأخذ صحيفتك المفضلة المبوبة إلى أقسام. هذا خبر محلي وذاك إقليمي والآخر عالمي. ومنيريد المزيد عليه الانتظار ربمالأكثر من يوم حتى يدلي المحللون بآرائهم. الجرائد، رغم وفرة ما تقدمه، لم تكن كافية. فالنهم للمعلومة صار يتزايد بشكل طردي. كلماتوفرت الأخبار، صرنا نريد معرفة المزيدمنها وعنا. ونشأت بالنتيجة صناعة موازية هي صناعة المجلات، تلك "الجرائد" التي لا تهتم بالخبر بل تمعن في التحقيقات والتحليلاتوتحلق فيما وراء الخبر وتداعياته.كبرت الدائرة ولم يعد يكفي الخبر وما وراء الخبر في مجلة ذات اهتمامات عامة. صرنا نقول نريد المزيد من ذلك المزيد. جاءتناالمجلات الشهرية المتخصصة. وتلك الأكثرتخصصا. ويكاد لا يوجد اهتمام بشري لا يحظى بعدد لافت من المجلات: السياسيون يريدون مجلاتهم مثلهم مثل هواة الطوابع او الصقارين.التلفزيون - التلفزيون:الأخبار على مدار الساعةأم نشرة أخبار الساعة التاسعة؟ التلفزيون كانت له حصته في تغيير آلية وتقنيات وصول الخبر. ومثل الراديو، كان هناكسرعة في توصيل الخبر. لكن المشاهدكان يواجه معضلات متعددة، منها أن الخبر يتأخر بعض الشيء، ومنها ما يتعلق بأن القنوات الأرضية في زمن البث التماثلي (الذي يختلفكثيرا عن البث الرقمي) ليست كثيرةوتحتاج أن تعطي حصصا لاهتمامات المشاهدين. كانت تقول للمشاهد ما معناه: تريد أن تشاهد أخبار اليوم؟ عليك بالانتظار حتى تحين نشرةأخبار الساعة التاسعة مساء. بقيتأثير البث التلفزيوني على الخبر محدودا، ولأسباب عديدة، بعضها تقني بحت، والآخر يتعلق بالسياسات التحريرية التي تتبعها المحطاتالأرضية الوطنية. ولم تتغير هذهالصورة على مدى عقود حتى حل بنا عصر الفضائيات. الصحف العربية والفضائيات الإخبارية التسعينات من القرن الماضي كان مفصلية فيمسيرة الإعلام. فحتى قبل انتشار البثالرقمي، صرنا نشاهد محطات "السي ان ان" أولا بالإنجليزي ثم بدأت المحطات الفضائية العربية بالظهور شيئا فشيئا. ولعل من اللافت أنأغلب المحطات التي كانت تظهر،كان الاهتمام بها يتناسب مع ما تبثه من أخبار أكثر مما يبث من برامج ترفيهية. ولم يمر وقت طويل حتى كنا في عصر فضائيات الأخبارالعربية التي لا يمكن إنكار أنها غيّرتالوجه السياسي للمنطقة العربية. أمام هذا التحدي الجارف، طورت أغلب الصحف العربية من طرقها في تناول الخبر. وصارت أكثر جرأة فيتناول الممنوعات، الاجتماعية والسياسيةوالدينية، لكنها كانت ترتكز على "حصة" مهمة وهي أن الفضائيات تبقى آلة بصرية وأن التفاصيل والتحليلات والمقاربات الشاملة تبقىحصرا على الصحافة المطبوعة. ويمكنالقول إن الفضائيات غطت الكثير من فجوة الوقت التي صاحبت انتشار الخبر المطبوع، لكنها لم تتمكن من معالجة هوة النوعية. فمنالصعب بمكان أن يقدم الخبر المسموعكل التفاصيل، وعادة ما ينجرف المتحاورون بعيدا عن النقاط الأساسية التي كان بالإمكان تناولها لو كتبت ودققت. ولم تحس الصحافةالمطبوعة بالتهديد الكبير. ينبغي الإشارةهنا أن ممارسات الرقابة الشاملة أو الرقابة الذاتية لم تمنع من جعل عقد التسعينات أن يكون بجدارة عصرَ تجديدٍ للإعلام خصوصا فيالعالم العربي. لكن الثورة الحقيقةكانت ما تزال قادمة في الأفق. الهروب الى الإعلام الإلكتروني لم تكن شبكة الإنترنت حدثا عابرا في التاريخ الإنساني المعاصر. فهذهالأداة التقنية المتميزة وفرتللمرة الأولى في التاريخ التواصل اللحظي بين أطراف الكرة الأرضية. وهي إن كانت قد بدأت لأغراض بحثية وعسكرية، إلا أن العالم سرعان مااكتشف أهميتها للجميع.انعكست الإنترنت إيجابياعلى آلية توصيل الخبر. فستون بالمائة من العالم الغربي يتلقىأخباره عبر الإنترنت، والعالم العربي يجد في اتباع هذا النمط. قارئ الألفية الجديدة صار يريد الخبر، بالتفصيل، في أي وقت وأي مكان.وليس هذا فحسب، بل أصبح يريدهمجانيا أيضا. وهذا بالضبط ما تقدمه الإنترنت من خلال المواقع الإخبارية.الإعلام الالكتروني العربي صار بمتناولالجميع. وحققت المواقع الإخبارية العربيةالسبق في استخدام تقنيات الإنترنت الحديثة في إيصال الخبر إلى المتلقي. وأصبحت مواقع مثل ميدل إيست أونلاين وإيلاف ومحيط مصادررئيسية للخبر على الرغم من أنهالم تكن موجودة قبل عام 2000. فبنقرة على فأرة الكمبيوتر تكون أمام أخبار مفصلة وصور وتعليقات. أتاحت المواقع ميزة إضافية هي الترابطالمتشعب والأرشفة. فالخبر مهم.لكن خلفياته ووقعه وتداعياته، التي لم تكن لها حصة في الصحافة المطبوعة "الجامدة"، صارت بأهمية الخبر نفسه. وبدلا من غبارغرفة الإرشيف التقليدية أو ظلام المايكروفيلم،صار بوسع القارئ الرجوع إلى خلفية الأخبار من الموقع نفسه أو من المواقع الأخرى البديلة. منْ هم المستهدفون بالإعلامالالكتروني؟ هنا يأتي السؤال: منْ همالمستهدفون بالإعلام الالكتروني؟ الجواب ببساطة هو الجميع. موقع مثل ميدل إيست أونلاين يبدو بسيطا من النظرة الأولى. لكن بعدلحظات من التصفح يدرك القارئ/المتصفحأنه أمام مبنى بطبقات متعددة، كل طبقة تقوده إلى عمق تخصصي: ثقافة، إعلام، علوم، تقنية، بوابات للدول، آراء، سيارات،اقتصاد، وهكذا. وعلى عكس الصحف المطبوعةالمقيدة بالأبعاد العملية للصفحة طولا وعرضا، فإن مقال الإنترنت يمكن أن يمتد ويتشعب دون حدود تقريبا. والفن هنا في أن المحررالمسؤول، مثله مثل الكاتب، عليهأن يجد التوليفة المناسبة بين حجم المقال وعدم خسارة اهتمام القارئ بدفعه إلى الملل مما يقرأ. واذ تسارع المحطات الفضائية، مثلها مثلمواقع الانترنت، على نشر الخبر،فان الفضائيات لا تمتلك ترف التحليل لانه "يأكل" الوقت ويكون على حساب الاخبار الاخرى. اما الاعلام الالكتروني فعلى بعد نقرةثانية من الخبر، ثمة تحليل يتطوربشكل متواصل للخبر وتداعياته. لا حاجة هنا لذكر ان فكرة السبق الصحفي هنا ضاعت تقريبا: تسبق منْ وعلى أي موضوع؟ هل ثمة ما يميزمواقع الأخبار العربية عن مواقعالدردشة والأخبار الخفيفة؟ للأسف انطلاقة المواقع الإخبارية الجادة تصاحبت مع انطلاقة الكثير من مواقع الدردشة والأخبار الخفيفةوالفضائحية والسياسية الموتورة. ولعدةسنوات وقعت الكثير من المشروعات الجادة في هذا المطب من خلال تقديم خليط من كل شيء وأي شيء. وقاست بعض هذه المواقع نجاحاتها بعددالزوار أو بعدد النقرات. ولا حاجةهنا لذكر أن عددا من أكبر مشروعات المواقع العربية تبخرت من على الإنترنت بعد أن أُنفق عليها الملايين وتفرق معها شمل جمهورها. لكنفوضى من نوع آخر حلت. فكل شاب طموحكتب موضوعا مرة أو مرتين في صحيفة، اعتقد أن بامكانه أن يطلق موقعا إخباريا. وإذ لا نرى ضيرا من ذلك من حيث المبدأ، إلا أن الكثير منالمعايير الصحفية الحقيقية والمهمةضاعت في هذه الفوضى. ولفترة، أصبح كل ما ينشر على الإنترنت "حقيقة" لاتقبلالجدل مهما كانت مصداقيةالمصدر. لكن هذا تراجع اليوم بعض الشيء وإن كان لم ينقطع بشكلكامل. قلق أباطرة الإعلام استفز الانتشار الواسع للإعلام الإلكتروني العديد من المؤسساتالتلفزيونية والصحفية التقليدية. ولتقديرآثار هذا الاستفزاز، يمكن استخدام صحيفة نيويورك تايمز كمثال. هذه الصحيفة الأميركية من أهم الصحف العالمية. وبعد تسيد على الخبرواحتكار لمصادره وأرباح كبيرةتتحقق من مبيعات الصحيفة، وجدت الصحيفة أنها تخسر 10-30% من قرائها سنويا. ماذا تفعل؟ بعد فترة من التردد بل والتخبط، اقتنعتالصحيفة أن مستقبلها يكمن في تطويرموقعها الإلكتروني على الإنترنت. وهنا نشير إلى أن موقعها قبل الحالي لم يكن موقعا بليدا أو قاصرا. لكن حجم التحديات لم تترك مجالالأنصاف الحلول. ووضعت استراتيجيةتطوير باعت من أجلها حصصها في 8 محطات تلفزيون محلية لتستثمر في موقعها على الإنترنت والذي كلفها 100 مليون دولار. يمكن وصفالخطوات التي اتخذتها صحيفة نيويوركتايمز بالهجوم المضاد الذي شنته الإمبراطوريات الإعلامية التقليدية على منافسيها الجدد. ولم يقتصر الأمر على الصحافة المطبوعة،بل تعداها حتى إلى القادمين الجدد،أي المحطات الإخبارية الفضائية التي لم تتم 10 سنوات أو أقل منعمرها.الهجوم المضاد أخذ عدةأوجه. فالفضائيات "التقليدية" سارعت إلى تذكير القارئ/المتصفحبوجودها من خلال البث التلفزيوني المباشر. كانت تريد أن تقول له إن المستقبل الإعلامي الذي يوحد عبر الإنترنت النص والصورةوالفيديو، صار الآن بين يديك.ومن خلال توفير الخطوط ذات السعة الكبيرة (برودباند)، صار البث التلفزيوني عبر الإنترنت حقيقة. وصرنا اليوم ندخل المكاتب في الغربلنجد شاشة تلفزيون صغيرة علىركن شاشة الكمبيوتر. الصحف تحاول التكيف الصحف بدورها تحولت إلى مواقع: بعضها خجول يقدم أخبار الأمس بطريقة إلكترونية، وبعضها أكثرجرأة يعترف بأن خبر الأمس ذهب معالأمس، وأنها بحاجة إلى أن تقدم خبر اليوم.. اليوم. صحف عربية في لندن على سبيل المثال حاولت أن تقدم بدائل إضافية. فلأن أخبار وكالاتالأنباء والتحليلات المصاحبة لهاتكون قد وجدت طريقها إلى القارئ بالأمس، فإنها تحاول أن تستعيد قارئها من خلال التركيز على الأخبار الخاصة بها أو عن طريق التعاقد معالصحف الأميركية الكبرى وترجمةما تنشره تلك الصحف ونشره بأسرع وقت. وكانت النتيجة متفاوتة في النجاح. فالصحف لا تستطيع تقديم خبر أو أكثر بخصوصية وأهميةكبيرة كل يوم. ولا يستطيع رئيس التحريرأن يذهب ويقابل الزعماء العرب بين يوم وآخر لتستقر المقابلة معهم على صدر الصفحة الأولى. ورطة الصحف العربية ووقعت الكثير منالصحف في مطبات مانشيتات كبيرة لموضوعاتتافهة. أما تلك التي اعتمدت الترجمة عن الصحف الأميركية فتحولت إلى صحف أميركية بلغة عربية وصارت تعالج الأمور من وجهة نظر قدتتعارض مع التوجهات العامة. كماوقعت في محظورات كثيرة: الصحف الأميركية مثلا تكتب دون قيد أو شرط عن تلك الدولة العربية الكبرى وتكيل لها الانتقادات. فماذا تفعلالصحيفة العربية الممولة من تلكالدولة العربية؟ فترجمة الموضوع ورطة وإهماله ورطة أخرى، خصوصا وأن العالم العربي صار يقرأ بالإنجليزية ويطلع على الصحف الأميركيةويقدر أن هذه الصحيفة أو تلكتتحاشى مسَّ الموضوعات الحساسة. لا نبالغ إن قلنا إن بعض الصحف في هذه الفوضى والتردد ضيع طريقه وما يزال الكثير منها يحاول العثورعلى صيغة بديلة بعد أن "سرقت" مواقع الإنترنت الأخبار التي كانت تحتكرها الصحف ونشرتها24 ساعة قبل الصحف. حمى الآنيةفي نقل الاخبار تنتقل الى الفضائيات الفضائيات بدورها انتبهت إلى فجوة الوقت رغم قصرها. فالمتلقي يريد أن يعرف ما يجري آنيا.والفضائية لا تستطيع فعل ذلك لأنها مرتبطةبجدول برامج وأخبار. فما العمل؟ قدمت الفضائيات حلولا جزئية. فبين حين وآخر تبرز على الشاشة رقعة حمراء تقول "عاجل" لتقدمخبرا عاجلا كان لحد سنوات قليلة ينتظرحتى موعد نشرة الأخبار في تمام الساعة. ولما يحقق هذا الحل النتيجة المرجوة، صارت الفضائيات تعرض أشرطة الأخبار. لهذا نجد صورةالمذيع أو المذيعة أو الخبر المصوروتحته شريط لا ينقطع لعناوين الأخبار. ولكن بالطبع ينتظر المشاهد المزيد من التفاصيل التي لا يقدمها شريط العناوين الإخباري. وجهاتنظر؟ لا شكرا! لكن الصحافة ليستأخبارا وحسب. فالقارئ للصحافة التقليدية ينتظر الرأي. وإذ ينعكس الخط التحريري للصحف على طريقة صياغة الأخبار، إلا أن أعمدة الرأيتضطلع بمهمة تشكيل وجهات النظر بالنسبةللقارئ. من دون مبالغة، يمكن القول إن هذا الدور تراجع بل اضمحل. فقارئ الإعلام الإلكتروني يستمتع بالأخبار "الخام".يقلبها ويقارن بين ما ينشر هنا وينشر هناكسعيا لتكوين رأيه الخاص. وهذا الاستنتاج تؤكده البيانات التي نجمعها من المواقع عن القراء وما يقبلون على قراءته. فثمة جفاءمتزايد نحو أعمدة الرأي يقابله حماسةللموضوعات التي تلامس الرأي لكنها تتحف القارئ بالمعلومات. قارئ اليوم يقول لكاتب العمود الصحفي: منْ أنت لتقول لي ما هو الصحيح وماهو الخاطئ؟ وليزيد من احتجاجهيبادر إلى الرد بكل قسوة ما أن تتيح له فرصة الرد من خلال الموقع. بل إن القارئ زاد من تمردهإلى حد "إعلان الاستقلال". فخلال السنوات الأخيرة برزت ظاهرة المدونات (البلوغز). فقارئ الإنترنت الآن لديه "صحيفته"الخاصة، ينشر فيها ما يشاء. والمثير فيالأمر أنه يلقى تجاوبا كبيرا حول العالم. ولن أدخل في تفاصيل المدونات التي تسرق الأضواء من الكتاب التقليديين في العالم، لكني أذكر بعضالحوادث المرافقة للغزو الأميركيللعراق. فرغم كل ما كتب وقيل عن الموضوع، أخبار وآراء، قرر مئات الالوف من القراء اللجوء إلى المشاهدات الشخصية لكاتبي مدونتينعراقيين مجهولين (أحدهما كشف عنشخصيته لاحقا). فمدونة "أين رائد؟" سجلت مرحلة قبل الغزو وساعاته الأولى والتحولات الكبيرة التي شهدها العراق بعين كاتب المدونةواستقطبت إقبالا قياسيا.ولم تكن مدونة"بغداد تحترق" لكاتبتها "ريفربيند" أقل نجاحا. فالمدونتان الآن تحولتا إلى سلسلتي كتب تحققان مبيعات كبيرة. صحيفة عريقةمثل الغارديان البريطانية توصلتإلى قناعة أن لا فاصل يفصل بين ما يكتبه كاتب محترف وقارئ ملم، وصارت تدعو ما ينشر من قبل الاثنين "مدونة" بدلا من تسميتهعمود رأي. الثورة الاعلامية الالكترونيةمشروع لـ"دمقرطة" الخبر والتحليل، حيث اصبح الكل يشارك في اعداد وتقديم وتدقيق المعلومة بل وتحدي "الخبر الرسمي"وكتابة الرأي عنه. ماذا حلَّ بصنعة الصحافة؟ما هذه الفوضى؟ قراء يكتبون أعمدة رأي، وصحف لا تعرف ما تقدمه للقارئ، وتلفزيونات عبر الإنترنت، بل عبر الهاتف، ومؤسسات بعمرالزهور وبميزانيات بسيطة تتعملقعلى مؤسسات كبرى تقف خلفها دول. هذا بالضبط ما يحدث الآن: الهيكل الصحفي التقليدي تمزق. ولصحفي تقليدي "نوستالجي" يعيشعلى الذكريات، تبدو صنعة الصحافة وقد طوحبها. أين ذهب محرر الصفحة الذي يشغل مرؤوسيه على خبر طوال النهار؟ للأسف لم يعد له وجود إلا في المؤسسات التي ترفض التغيير وتصر علىالقديم. فمحرر واحد يجلس الآن علىمكتبه هو منْ يقرر الأخبار والعناوين والصور لمؤسسة إعلامية كاملة. وبينه وبين ورود الخبر من المصدر (أكان مراسلا أم وكالة أنباء)دقائق لا غير، تتحول بعدها المادةالإخبارية الخام إلى خبر على موقع الصحيفة الإلكترونية لتتلقفه أعين القراء. ونسأل ما هي أخبار اجتماع التحرير؟ حقيقة لا أعرف. فهذهالصيغة عفا عليها الزمن: كل محرريأتي بما لديه ويجلسون حول مدير التحرير يقسم ويوزع الأدوار. منْ لديه الوقت لهذا وما معناه الآن؟ إن اجتماع التحرير اليوم يدور فيعقل المحرر الذي يطل على القارئمباشرة من خلال الموقع. ثم هل نسينا ان الخبر متحرك بشكل دائم ومتغير حتى يستحيل الامساك به بصيغة متجمدة يعتمدها اجتماع التحرير.هل بقيت ثمة حاجة لرئيس التحرير؟نعم، على الأقل إلى أن انتهي من دفع أقساط البيت، واحال على التقاعد. ولكني أعتقد أيضا – وهذا ليس تحيزا لوظيفتي – أن رئيسالتحرير هو المايسترو في هذه الأوركستراعلى حد وصف أحد الزملاء. ولكنه مايسترو من نوع مختلف: يجب ان يكون ملما بالكثير من السياسة والاكثر من الثقافة والفكر والتقنيةوالعلوم. إنه ليس ذلك الإنسانالذي يضع خطة خمسية لما يجب أن تكون عليه الصحيفة، بل شخص قادر على التقاط الحس الشعبي وجس نبض الاهتمامات بشكل يومي ليحولها إلىتعليمات مبسطة يقدمها للمحررينلكي ينفذوها بطريقتهم. إنه أيضا محرر يشمر عن ساعديه ويعمل مع المحررين حين تدعو الحاجة. وهو شخص ملم بأدق التفصيلات الفنيةالتي عادة ما تغيب عن كثيرين. دعونيأصف لكم بسرعة حال ما يجري في "صالة تحرير" ميدل ايست أونلاين. ما يجريمنحديث بين المحررين، وأنامنهم، هي أحاديث ترويحية في أوقات الاستراحة. كل ما يخص العملنتحادث به عبر المسنجر. لماذا؟ لأني ببساطة أريد أن أتحادث مع محرري. ولن يتم ذلك وأكثر من نصفهم غير موجودين في لندن، بل يعملون وفقساعات متفاوتة من شرق البحر المتوسطووسطه وغربه. ولا أذكر حقيقة كم كلمة عبر الهاتف تداولت بها مع مدير التحرير الذي يجلس في عمان. بل ربما سأستثير البعض بالقولبأني لم التق يوما وجها لوجهبمدير التحرير الذي أعرفه ونعمل سوية منذ سنوات. هذه حقيقة لا تشمل مدير التحرير، بل العديد من المحررين الذين يعملون معنا. سأردالآن على سؤال أين صالة التحرير؟في لندن، عفوا أقصد في عمان، أم هي في أبوظبي؟ والله نسيت! من أين نأتي بالدخل؟ نحن لا نمتلك صحيفة مطبوعة، نعم. يعني ذلك أننالا نطبع ونوزع وننتظر إيراداتمن المبيعات. فللأسف لا توجد لدينا مبيعات. وكل المحاولات التي سعت إلى الحصول على دخل من مبيعات لصحافة إلكترونية باءت بالفشل.لكننا أيضا نصرف أقل.فالنفقات الأساسية فيالإعلام الإلكتروني هي البشر: لا ورق ولا حبر ولا شحن ولا توزيع ولا مرتجع.كيف نعيش إذن؟ المهمة في البداية كانتصعبة. الصحافة الإلكترونية فيالبداية كانت مهمة "انتحارية". فلا يوجد لديك "عدد منالجريدة" تأخذه للمعلن المحتمل.لكن كان هناك دائما أشخاص ينظرون إلى إبعد من الحاضر. هؤلاء منْ وقف إلى جانبنا حتى صار أمام المعلن المحتمل شاشة كمبيوتريتصفحها ما أن تدخل إليه لتحادثه. وزادالاهتمام الآن بالإعلام الإلكتروني، وزاد معه عدد من يرعون صناعته الناشئة ويدعموها. في هذه الموازنة الحساسة بين الدخل والإنفاقكنا نربح دائما. ليس ماديا، بل منجيش الكتَّاب المشاركين. أولئك الناس الذين يرفدون الإعلام الإلكتروني بالآلاف من المقالات والمشاركات سنويا دون أن يطلبوامقابلها أي شيء غير مشاهدة أفكارهموالأخبار التي تهمهم على مواقعهم المفضلة. الصحافة بلغتين تقنية توصيل الخبر بسهولة فتحت الباب إلى محادثة الآخر، الناطقبالإنجليزية أو التي يعتبرها لغة ثانيةله. فالعالم العربي يكاد لا يصل إلى الغرب إلا بصورة مشوهة. والكثير منا يذكر حوادث عديدة للقائه بأناس، أثناء السفر مثلا، يرددونأمامه قصصا وصلت عن طريق الإعلامالغربي المتحيز لا يمكن وصفها إلا بسخيفة ومجافية للواقع. ثمة عناصر كثيرة تجمع وتفرق الخبر بالعربية والإنجليزية. فما يصلح للغةالعربية لا يصلح بالضرورة للإنجليزية.الخبر بالعربية مليء بالتفاصيل لأن قارئه مهتم بالتفاصيل لكنه قد يتجاوز عن ذكر بعض الحقائق التي تعد من البديهيات فيالمجال الإعلامي العربي. بينما بالإنجليزيةيكون الخبر مكتوبا بطريقة أقل تفصيلا من الناحية الخبرية لكن أغنى بالخلفيات عن الموضوع. وإذ تحفل اللغة الصحفية العربيةبالصفات والإطالة، ينبغي أن "يمشط" المحرر الخبر بالإنجليزية ويتأكد أنه يحاكيالنمط الغربي في الكتابة والمعالجة.هذا عدا الفكرة من التوجه نحو الغربي. هل تريد أن تعلمه بما يجري؟ هل تريد التأثير عليه؟ هل بوسعك دفعه لاتخاذ صفك؟للأسف، لايوجد رد حاسم على هذا الموضوع.ولكن خبرتنا في هذا الشأن تقول إن أية مبالغة في عرض القضية، عادة ما تنتهي برد فعل معاكس. فالسقوط في مطب الدعاية(البروباغاندا) سهل جدا. ولأطقم صحفية عربيةتعودت على الكتابة بصيغة المبالغة والتضخيم والتفخيم، فإن دفعها نحو الموضوعية والكتابة بلغة أبسط ولكن بأثر أكبر وأعمق ليسبالمهمة السهلة. ولعل هذا يفسرإلى حد كبير عدم انتشار الكتاب العرب في البيئة الإعلامية الغربية سواء عبر الكتابة المباشرة أو الترجمة. الإعلام الإلكتروني: هليستحق كل هذا العناء؟ من الصعبالرد على تساؤل إن كان الإعلام الإلكتروني يستحق كل هذا العناء بغير نعم. ليس فقط لأن جميع المؤسسات الصحفية التقليدية من تلفزيونوجرائد ومجلات تتسابق إلى إطلاقمواقعها، بل لأنه حقيقة شيء مختلف. هذه الآنية وهذه الحرية وهذا التجاوب وهذه المشاركات وهذه الآفاق التقنية – الفكرية المتداخلة كلهامؤشرات لعصر إعلامي جديد ربمامن العبث الوقوف في وجهه. ولا أحد منا يريد أن ينتهي به الأمر كعمال الغزل اليدوي في بدايات الثورة الصناعية ودخول المكننة لصناعةالغزل والنسيج، أو كوراقي القاهرةحين دخلت المطابع في زمن نابليون، أولئك من الأجيال التي وجدت نفسها بلا عمل وخارج حركة الزمن. فإذا جاز لي أن أوجز ميزاتالإعلام الإلكتروني بكلمات فهي: انهإعلام ديمقراطي بدرجة لا تقبل الشك. انه إعلام الآن واللحظة. انه إعلام يتجاوز كل القيود والمحاذير والرقابة. انه إعلام مفتوح للجميع.انه إعلام معرفي شامل. انه إعلامأقل كلفة وأكثر انتشارا وبلا حدود. انه إعلام أكثر عملية وتوافقا مع تعقيدات الحياة المعاصرة. انه إعلام قد يبدأ بصفحة هي واجهةالمبنى، إلا إن طوابقها يمكن أن تكونأعلى من ناطحة سحاب. هذا المقال من قبل مرصد الوطنالأثنين, 12 فبراير, منقول | |
|