يتناول الدكتور عباس مصطفى صادق في كتابه "صحافة الإنترنت.. قواعد النشر الإلكتروني الصحفي الشبكي" القواعد الأولية للنشر على شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)،
وهو يقر في كتابه أنها قواعد أولية لأن خصائص صحافة الإنترنت لم تتبلور بالشكل الذي يسمح بوضع معايير نهائية لها، شأنها شأن الكثير من المستحدثات الاتصالية التي نعايش
ظهورها الآن. ويقدم دراسة تحليلية للصحافة العربية على الشبكة العنكبوتية التي لا تزال رغم وجودها المتزايد قاصرة عن استخدام أساليب ومميزات النشر الإلكتروني.
ينقسم الكتاب إلى خمسة أجزاء، يتابع الجزء الأول منها مسيرة تطور شبكة الإنترنت، ويناقش الثاني التطبيقات الاتصالية في الشبكة، فيما يركز الثالث على تطبيقات النشر
الإلكتروني والصحفي، وخصص الرابع لصحافة الإنترنت، أما الجزء الأخير فهو استعراض للصحافة العربية على الإنترنت عبر دراسة تحليلية تمثل الجزء التطبيقي لرسالة دكتوراه
أعدها المؤلف عن تطبيقات النشر الصحفي الإلكتروني.
ويتميز كل جزء من أجزاء الكتاب الخمسة باحتوائه على مدخل تفصيلي شامل يوضح القضية المطروحة بدءا من نشأتها وحتى آخر تطور لها.
صحافة الإنترنت
يستعرض المؤلف مسيرة تطور الصحافة الإلكترونية واستقبال الأخبار عبر أجهزة الحاسوب منذ أن كانت نصوصا فقط وحتى ظهور الوب والتحول التدريجي إلى الوسائط المتعددة
منذ الربع الأول لتسعينيات القرن الماضي ثم الانفجار الواضح المتمثل في زيادة عدد الصحف وخدمات الأخبار على الشبكة من عدد لا يزيد على أصابع اليد في التسعينيات إلى
عدة آلاف في نهاية التسعينيات ثم خروج صحافة الإنترنت والخدمات الإخبارية في الشبكة إلى خارج الولايات المتحدة وظهورها في جميع بلدان العالم تقريبا وبمختلف اللغات.
ويفتتح المؤلف حديثه ببدايات استخدام الحاسوب في الصحافة إبان الستينيات من القرن الماضي إذ تم إصدار أول صحيفة عولج محتواها كاملا بالحاسوب في جامعة كارولينا
الشمالية بالولايات المتحدة الأميركية.
تبع ذلك تقديم "خدمات حاسوبية صحفية" بالطلب الهاتفي عام 1980 لتنتقل الصحف في السنوات اللاحقة من تقديم خدمات قواعد البيانات والخدمات الإخبارية إلى تقديم لوحة
النشرات الإلكترونية عام 1985.
ويعتبر نظام النشرة الإلكترونية أول أداة تفاعلية عبر الحاسوب الشخصي، وهي تسمح لجهازين بالاتصال مع بعضهما بالمودم عبر خطوط الهاتف.
ثم بدأ ظهور الصحف على الإنترنت في مايو/ أيار 1992 حيث صدرت "شيكاغو أون لاين" كأول صحيفة إلكترونية على شبكة أميركا أون لاين.
وعلى صعيد الصحافة العربية أعلنت صحيفة الشرق الأوسط يوم 6 سبتمبر/ أيلول 1995 عن توفر موادها الصحفية اليومية إلكترونيا للقراء على شكل صور عبر شبكة الإنترنت،
تلتها صحيفة النهار التي أصدرت طبعة إلكترونية يومية خاصة بالشبكة ابتداء من الأول من فبراير/ شباط 1996، ثم صحيفتا الحياة والسفير في العام نفسه.
ويقسم المؤلف الصحف والخدمات الصحفية على الإنترنت إلى خمسة أنواع رئيسية، حيث توجد صحف معروفة بأسمائها وتاريخها في الشبكة على هيئة خدمة منفصلة عن
طبعتها الورقية أو شبيهة بالورقية وهما تمثلان النوع الأول.
وتميل بعض الإذاعات إلى تقديم خدمات أخبارية نصية وصور وأشكال إيضاحية كما في موقع هيئة الإذاعة البريطانية الذي يقدم خدمات إذاعية بمختلف اللغات وخدمات صوتية
كما يقدم تقارير إخبارية مكتوبة ومواد صوتية وصورا وساحة حوار تفاعلية، وهو النوع الثاني.
أما النوع الثالث فهو الذي نشأ في الإنترنت، وهو مجموعة الخدمات الإخبارية التي تجمع خصائص مختلفة للوسائل الإعلامية بالإضافة إلى خصائص شبكة الإنترنت مثل فوكس
نيوز.
وبالنسبة للنوع الرابع فهو صيغة مجلة الإنترنت، ومثال عليها مجلة نيوزويك التي تصدر طبعة إلكترونية تحمل مادة المجلة الأسبوعية مضافا إليها تجديدات يومية واستطلاعات
رأي تفاعلية لا تتقيد بأسبوعية الصدور وإنما تتجدد بشكل دائم.
ويتعلق النوع الخامس والأخير بوكالات الأنباء على الشبكة كوكالة الأنباء الفرنسية التي توفر خدماتها المخصصة لشبكة الإنترنت بعدة لغات من ضمنها اللغة العربية، حيث يقدم
الموقع العربي خدمتين رئيسيتين أولاهما تغطي كافة الأحداث التي تعرض في الموقع، وثانيتهما تقدم خدمة الأخبار والمعلومات عبر البريد الإلكتروني.
قواعد النشر الإلكتروني
ثم ينتقل المؤلف للحديث عن عناصر وقواعد النشر على الإنترنت، فـ"عناصر النشر الأساسية هي الكتابة أو التأليف ثم الإخراج فالطباعة فالعرض، وينتهي النشر في شبكة
الإنترنت بعرض المعلومات في أشكال مختلفة بغرض الاستهلاك في الشبكة نفسها وتحميلها على القرص الصلب أو أقراص التخزين الخارجية أو طباعتها على الورق، وفي
الحالة الأخيرة تتيح بعض المواقع وثائق أو ملفات بغرض الطباعة".
وينبغي عند الكتابة للإنترنت فهم طبيعة نظام النص المتشعب الذي يضم عنصري الشكل والمحتوى، ومراعاة أنواع قراء الشبكة، وإستراتيجيات القراءة المعتمدة في الإنترنت.
ثم يتطرق المؤلف لأسس تصميم المواقع الصحفية، إذ "يتطلب إنشاء المواقع الإلمام بمجموعة من القواعد والعناصر التي تكون في مجملها أسسا تساعد على يسر القراءة
ويسر الحصول على المعلومات من الموقع. وأهم هذه القواعد الإلمام بلغة ترميز النصوص المتشعبة أو ما يتطور عنها، والطرق المختلفة لتصميم الموقع والعناصر المكونة
للموقع والصفحة، وقبل كل شيء الفهم الصحيح لماهية الموقع وصفحة الويب وأنواع الصفحات ومكوناتها".
ومن أهم الاعتبارات الخاصة التي يجب النظر إليها قبل وأثناء وبعد إنشاء المواقع هو ضمان نفاذية الموقع وقابليته للاستخدام (Accessibility and Usability).
علاوة على ذلك ينبغي الأخذ بعين الاعتبار قواعد عدة مثل سرعة التحميل وتوظيف عناصر التصميم لخدمة موضوع الموقع وعدم الإسراف في استخدام وسائل الإبهار.
كما توفر شبكة الإنترنت عددا من الأدوات التفاعلية لمساعدة الصحفي في الاتصال بالقارئ، مثل وصلات البريد الإلكتروني المباشرة، والنشرة الإلكترونية، وساحة الحوار، وأدوات
استطلاع الرأي المباشر، وأدوات الاستبيان التي تظهر نتائجها فورا، ومجموعات الحوار.
الصحافة العربية على الإنترنت
إن وجود الصحافة العربية اليومية في شبكة الإنترنت مع الانتشار الواسع والتطورات التي تحدث لها في أوقات متقاربة مع تطورات النشر الإلكتروني العربي يستوجب وضع هذه
الصحف أمام البحث العلمي الجاد.
فالصحافة العربية على شبكة الإنترنت تنمو بشكل واضح، ولا تمضي فترة طويلة إلا وتؤسس صحيفة جديدة أو قديمة موقعا لها على الشبكة.
ويقدم المؤلف في هذا الجزء دراسة تحليلية للصحافة العربية على الإنترنت يهدف عبرها إلى دراسة خصائص النشر الصحفي باللغة العربية والتعرف على أسباب غياب ميزات
الإنترنت في هذه الصحافة الناشئة.
وشملت الدراسة 331 موقعا عربيا هي مواقع صحف يومية أو أسبوعية أو شهرية. ويقصر المؤلف دراسته على تلك التي ظهرت في الفترة ما بين 1998 و2000 كموقع عجيب
وبلانت أرابيا ونسيج ودانة وغيرها من المواقع، ولا يتعرض للمواقع التي ظهرت بعد عام 2000 كالجزيرة نت وإيلاف لأنها لا تدخل ضمن المجال الزماني للدراسة.
ويشير المؤلف إلى أن المشاكل اللغوية تعوق تطور وانتشار المواقع العربية، بسبب عدم الاتفاق على مقياس معياري موحد لجداول الحروف العربية.
أما على الصعيد التكنولوجي الرقمي فهناك هوة تفصل دول العالم المتقدم عن دول العالم النامي.
فحسب إحصائيات نوا للإنترنت (NUA INTERNET SURVEY.HOW MANY ONLINE) التي تدير وتنشر الإحصائيات المختلفة عن الإنترنت، هناك 1.29 مليون مستخدم في الشرق
الأوسط بما فيه تركيا والأراضي المحتلة مع بداية عام 2000 مقابل 131.1 مليونا في الولايات المتحدة وكندا من مجموع 246.6 مليون مستخدم في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي
يبين حجم الفجوة الرقمية بين دول العالم المتقدم ودول العالم النامي.
ويقول تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن المنطقة العربية تأتي في ذيل القائمة العالمية فيما يخص عدد مواقع الإنترنت
وعدد مستخدمي الشبكة. أما نسبة العرب من مستخدمي الإنترنت فهي 0.5% من مستخدميها على المستوى الكوني، علما بأن العرب يمثلون أكثر من 5% من سكان العالم.
ويخلص المؤلف إلى أن الصحافة العربية على شبكة الإنترنت ما زالت قاصرة عن استخدام أساليب ومميزات النشر الإلكتروني، ولم يتبلور إدراك كامل لطبيعة الصحيفة
الإلكترونية، كما أن الصحافة العربية ما زالت في مرحلة البداية بالنسبة لوجودها في الشبكة، إذ ما زالت ذهنية النشر الورقي هي السائدة في معظم الصحف، وغالبية هذه
الصحف لا يتم تحديثها على مدار الساعة بل هي نسخة إلكترونية للصحيفة التي صدرت في الصباح مما أدى إلى إهمال الإمكانيات التفاعلية للإنترنت، وما زالت بعض المواقع
تنشر مادتها بصيغة الصورة مما أفقدها ميزة أرشفة المعلومات وإمكانية قص ولصق المادة لمن يريد.
وبينت الدراسة أن 76.4% من الصحف تقوم بتحديث مادتها بما في ذلك الأخبار بعد مرور 24 ساعة. وينحصر هذا النوع في الصحف ذات الأسماء التقليدية المعروفة. أما الصحف
التي تقوم بتحديث مادتها باستمرار وفقا للمتغيرات وتنشر الأخبار والصور الإخبارية وتجري اللقاءات السريعة فهي مجموعة الصحف التي نشأت في بيئة الإنترنت ولا تسندها
أسماء صحفية معروفة، وهذه تعتمد على جهاز تحرير مستقل ومراسلين يمدون الموقع بالأخبار التي تنشر من مواقعهم أو على خدمات وكالات الأنباء أو على ما تنشره الصحافة
المتوفرة في شبكة الإنترنت أو باستخدام نظم طلب الأخبار الآلية.
إن الصحافة العربية على الإنترنت لا يمكن أن تنشأ دون هدف ودون جذور ودون فهم لطبيعة النشر الصحفي في الشبكة، فلا بد من التخطيط لإنشاء الصحيفة بشكل متكامل
تتضح عبره أهداف الصحيفة وغايتها.
كما لا يمكن أن تنشأ وتتطور بمعزل عن حزمة من المؤثرات والتطورات في البنى التحتية للاتصالات والحاسوب في العالم العربي، لذلك يجب أن تتطور هذه البنى بما يسمح
بإنشاء صحافة إنترنت عربية تتماشى مع خصائص وتقاليد هذا النوع من النشر الصحفي