توجد مشكلة في التفريق بين الإعلام الإلكتروني، وخصائص الإعلام التفاعلي.
- فالإعلام الإلكتروني، مجلات وصحف على شبكة الإنترنت تقدم محتوي خاصاً يفترض أن يكون له هيئة تحرير تعرف بنفسها، ويتحمل من يرأسها مسؤولية ماينشر ويلتزم بآداب وتشريعات ومهنية المحتوى الصحفي... بذلك يفترض أن تلتزم الصحافة الإلكترونية، وفي مقابله تستحق أن نمنحها أدنى حقوقها المتمثلة في حمايتها والاعتراف بها.
- أما الإعلام التفاعلي، فهو عبارة عن خصائص أو وسائط أو خدمة ملحقة بأي وسيلة إعلامية مطبوعة أو مرئية أو الكترونية تتيح للجمهور أن يشارك برأيه.
- الإعلام التفاعلي، هو صفحة القراء في كل مطبوعة وهو تعقيبهم على موادها في مواقعها الإلكترونية... وهو مشاركات الجمهور في البرامج المرئية والإذاعية، ومداخلاته في قاعات المحاضرات والندوات... وهو أخيراً منتديات إلكترونية ملحقة بمواقع النشر الإلكتروني أو مستقلة بذاتها.
- وبما أن الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي (لا أب لها) في العالم العربي حتى الآن هي الصحافة الإلكترونية، وبما أن أدواتها قد وفر المخترعون لها مساحة أوسع وأسهل للتفاعل، فقد تم مع الأسف اختزال جميع خطايا الإعلام التفاعلي بمختلف صوره فيها، وتحملت وحدها خوض تجربة شائكة ترصدها كل العيون دون أن يدعمها أحد.
- لست هنا بصدد الدفاع عن الأخطاء الجسيمة التي يقع فيها الإعلام التفاعلي، كما أنني التمس العذر لكل من تضرر منه وهاجمه، ولكني في المقابل التمس العذر أيضاً للقائمين عليه... لماذا؟ لأنه مرتبط بوعي المجتمع وثقافته ومهارة الأفراد في صياغة آرائهم والتعبير عنها، وأقتبس ذلك العذر من معاناة تعايشها كافة الهيئات الجديدة والمبادرات الوطنية الرائدة التي تؤكد مراراً وتكراراً أنها لاتملك عصا سحرية لتحقيق أهدافها... ومثلهم أصحاب الخدمات التفاعلية، لايملكون عصا سحرية لتغيير سلوكيات الجمهور المتفاعل، الصحافة الإلكترونية هي الوسيلة
الإعلامية الوحيدة التي لا أب لها
بل هم في واقع الأمر بين مقصلة فرض رقابة صارمة نتيجتها هجرة الجمهور إلى حيث لانأتمن، وسندان حرية تعبير وآداب حوار يفترض أن يجري التوطين لها في المدارس والجامعات والمنازل حتى نصل إلى نتيجة واقعية ترضينا لا صورة وهمية نرسم ملامحها ونجملها.
- لن أعاود المطالبة بحملة الكترونية للحوار الوطني تغزو منتديات الإنترنت أو تستقطب روادها من الفضاء الافتراضي إلى الواقعي... كما أنني سأتجاوز اجترار مقترحات سبق أن تطرقت لها، لأشير إلى سابقة فريدة من نوعها أتمنى أن نتداركها وهي باختصار: (العقوبات ظلت تطبق على مواقع الإنترنت التفاعلية دون أن يسبقها إصدار قوانين!!).
- والعقوبة بالمفهوم الإلكتروني الذي أعنيه هي (الحجب) الذي أقر شرعيته عندما يتعلق الأمر بمحتوى يتنافى مع الدين أو محتوى إباحي أو محتوى يهدد الأمن الوطني سياسة الحجب المعلنة تنص على ذلك ويتفق معها أي عاقل... ولكن توجد علامات استفهام عديدة تحيط بخاتمة هذه السياسة المختصرة والمدرجة في موقع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، والتي تؤكد أنه: (فيما عدا المواقع الإباحية فإن دور المدينة يقتصر على تنفيذ أوامر الحجب التي تردها من الجهات الرسمية).
- أي جهة رسمية (وزارة أو هيئة أو غير ذلك) تملك أن ترفع خطاباً للمدينة بطلب حجب موقع الكتروني لتمارس المدينة بدورها مهمتها التنفيذية على الفور دون أن تكون هذه الجهة قد أصدرت قوانين أو تشريعات تنظم علاقتها بالمواقع الإلكترونية أو تلزمها بضوابط معينة، ودون أن يسبق ذلك توجيه أو تنبيه أو لفت نظر للقائمين على الموقع، ودونما أدنى فرصة لتصحيح الخطأ... أما سياسة رفع الحجب فهي الأخرى يكتنفها الغموض فصاحب الموقع (والحديث عن أصحاب المواقع المعلن عن هويتهم) لايعرف سبب الحجب أو سبب رفعه كما لايعرف المشترك أو الجمهور الذي يتصفح ويشارك في الموقع ماذا يفعل حتى لاتتكرر خسارته لوسيلة ارتبط بها... فهل لي أن اسأل (لا أعرف من؟) ماهي الفائدة من العقوبة إذا لم نعرف لماذا وقعت وكيف نتفاداها؟.
- لم نسمع من قبل عن صلاحيات مفتوحة ممنوحة لجميع الجهات الرسمية (على الإطلاق ودون تحديد) تخول لها على سبيل المثال رفع طلب نافذ لوزارة الإعلام يتم على إثره إيقاف صدور مطبوعة في اليوم التالي دون إعلان عن السبب على الأقل لأصحاب المطبوعة ومن ثم لجمهورها، ذلك لايحدث لأن وزارة الإعلام لها سيادة وليست مجرد جهة تنفيذية... وذلك لأن الإعلام المطبوع معترف به وله مرجعية ويخضع للوائح وقوانين وضعت خصيصاً له... كما لم يسبق التشويش على بث قناة فضائية نظراً لأن متصلاً قد اخطأ التعبير على الهواء قبل أن تتمكن القناة من قطع اتصاله... ولم يسبق لأي جهة المطالبة بمحاسبة مدير لندوة أو استبعاده لأنه فقد السيطرة على جمهور خرج على النص في القاعة، كما أن القاعة نفسها لا تعاقب بالإغلاق لهذا السبب... مالا تخضع له أي وسيلة تفاعلية يطبق اليوم على وسيلة حديثة جمعت بين التقنية والإعلام فاحترنا في تصنيفها وانصافها.
- وختاماً، لابد أن أشير إلى أن هذه الأخطاء لا تقع بسبب تقصير أي مسؤول حالي ولكنها تقع بسبب حلقة مفقودة تجعل الإعلام الإلكتروني معلقاً في منتصف الطريق بين وزارة الاتصالات ووزارة الإعلام بانتظار أن تنشله إحدى الوزارتين، أو أن يحظى بهيئة خاصة تستوعبه، أو أن يبقى مصلوباً هو وخصائصه التفاعلية ويرجم إلى الأبد بخطيئة من يستخدمه دون أن تدرك نفس الجهات التي ترجمه أنها بوسعها أن تسهم في تقويم المشاكل التي كشفها لنا.