ضابط فارّ من الجيش المغربي، عمل في الصحراء الغربية وعايش حقبة لا يستهان بها من الحرب مع جبهة البوليزاريو، يعيش كلاجئ سياسي في العاصمة الإسبانية مدريد منذ أن هرب من بلاده في جانفي 2002، تطارده المخابرات المغربية منذ سنوات، تعرض لمحاولة اختطاف منظمة، لاحقته صحف مخزنية بتهمة الجاسوسية لصالح المخابرات الإسبانية، وكالت له ما يندى له الجبين.
هو عبدالإله عيسو من مواليد 08/06/1965 بتطوان، شمال المغرب، ينحدر من عائلة متواضعة، وفي هذا الحوار الأول من نوعه لصحيفة عربية منذ فراره من الجيش ، يكشف لـ "الشروق" الكثير من القضايا المثيرة عن الجيش والصحراء الغربية وتهريب المخدرات وحقوق الإنسان.
كيف كانت بداية التحاقك بالجيش المغربي؟
بعد المجازر التي قام بها الجيش المغربي في يناير1984في تطوان ومدن أخرى، لقمع الإضراب العام، قررت ولوج الأكاديمية العسكرية لمحاولة تغيير الأمور من الداخل، لأنني كنت على يقين أن وجود الشرفاء في المؤسسة سيؤثر في مجريات الأحداث. تخرجت من الأكاديمية في سبتمبر 1988برتبة ملازم ثاني وعينت في المشاة. هناك نقطة مهمة أودّ الإشارة إليها، وهي أن والدي كان صديقا للجنرال المرحوم الحاج عبدالسلام بن عمر، المعروف بـ "NIGRA"، عرفني عليه، فقام المرحوم وسلمني رسالة شخصية إلى صديقه الجنرال عبدالنبي بريطل، قائد الأكاديمية آنذاك، حتى يتم تعييني في منصب مريح، ولكن هذا ضد مبادئي، فلم أقم بتسليم الرسالة، وأنا متأكد أن الكثيرين من زملائي حينذاك لو سنحت لهم تلك الفرصة لاستغلوها دون شك.
كملازم ثانٍ ثم ملازم أول عينت كقائد فصيلة ثم سرية. وحدات المشاة في الصحراء الغربية تنقسم إلى قسمين، القسم الأول متمركز في الحزام الأمني الذي بني تحت إشراف خبراء إسرائيليين، على طول أكثر من 2700 كم. تجدر الإشارة إلى أنهم لا يتوفرون على أي وسيلة نقل ولا سيارات "جيب" ولا شاحنات ولا أي شيء. السرية تفتت إلى فصائل وكل فصيلة تشكل نقطة دفاعية محصّنة، ولكن بين الفصيلة والفصيلة تجد خط جبهة فارغ قد يصل إلى الكيلومتر أو كيلومترين، لا تحميه إلا الأسلاك الشائكة والألغام التي تشكل خطرا كبيرا، وهذا ما كان يسهل تسلل وحدات "كوماندو" البوليزاريو. أما القسم الثاني من المشاة تشكله وحدات التدخل السريع السيّارة، وتتوفر على آليات وأسلحة أكثر فعالية، ومن الناحية التكتيكية لهم قيادة في المستوى.
خبراء إسرائيليون أشرفوا على بناء وحدة المشاة في الصحراء الغربية
99 % من الصحراويين قلوبهم مع البوليزاريو ولا يؤمنون إلا بتقرير المصير
الوحدات المتمركزة في الحزام أثناء الهجمات الكبيرة كانت تفرّ هاربة لأنها لا تتوفر على آلية تمكنها من التصدّي لمدرعات البوليزاريو. كقائد فصيلة أحبطت أكثر من مرة تسللات لوحدات "كوماندو" البوليزاريو ما بين 1988 و1990، ولم أتوصّل ولو بأدنى تهنئة شفوية من قائد الفوج، ناهيك من القيادة العليا.. كنت أرى صدورهم مدججة بالميداليات والأوسمة العسكرية وهم لم تطأ أقدامهم يوما الصحراء الغربية ولو لمرة واحدة، هذا هو الواقع للأسف الشديد.
خبزنا اليومي كان قصف البوليزاريو لنا بواسطة الهاون أو رشاشات عيار 14.5مم أو 23 مم، والذي كان يودي بأعداد لا يستهان بها من القتلى والجرحى، إضافة إلى تأثيره في معنويات الجنود ومنعهم من أخذ قسط من الراحة حتى يتمكنوا من حراسة مواقعهم أثناء الليل، حيث كانت مواقع الحراسة المحصّنة تقصف بـRPG7، مما حول حياتنا إلى جحيم ويوجد من أصيب بأمراض عقلية وأخرى نفسية جراء الخوف وخاصة أنه أحيانا يتسلل عناصر الجبهة إلى الثكنات ويذبحون الجنود بالسكين. عادة لم أكن أنام حتى تطلع الشمس. بعد وقف إطلاق النار سنة1991 تحسنت الأمور بعض الشيء، كنّا على الأقل نستطيع أن نأكل وننام من دون الاستماع لموسيقى قذائف الهاون التي تحيط بنا من كل جانب.
99 % من الصحراويين قلوبهم مع البوليزاريو ولا يؤمنون إلا بتقرير المصير
ماذا احكي لكم أو أترك.. والأحداث لا تحصى ولا تعد؟ على سبيل المثال، حكى لي ضابط من الفيلق السادس للتدخل السريع عن جريمة اغتصاب جماعية قامت بها مجموعة من جنود هذا الفيلق في أواخر السبعينيات، حيث دخلوا حماما للنساء في مدينة السمارة واغتصبوا كل من كنّ موجودات بداخله.
التجاوزات في حق الصحراويين كانت يومية، الجنود كانوا يدخلون المنازل، يسرقون، ينهبون، يغتصبون النساء والفتيات الصغيرات، ينكلون بالعجائز والشيوخ، ويعتدون حتى على الأطفال الرضع، وهذا ما دفع أعدادا هائلة من الصحراويين للهروب إلى تندوف.
مهمات قتل واختطاف الصحراويين أو غيرهم من المعارضين للمخزن كانت توكل عادة إلى فرق خاصة من البوليس السري. فيما يخصني كنت شاهد عيان لحادث خطير للغاية في مركز تدريب المشاة بقصبة تادلة في فبراير 2000 كان قد وصل حينها فوج مكون من ما يقارب 800 شاب صحراوي، كانت السلطات قد وعدتهم بشغل، ونظرا لتردّي الحالة الاقتصادية اقترحوا عليهم الانخراط في الجيش، فقبلوا، وتدريبهم كان سيتم هناك. ما جرى هو أن البعض من أولئك الشباب رددوا شعارات صحراوية أو شيئا من هذا القبيل، فتمّ إلقاء القبض عليهم بعد تبليغ قائد المركز، العقيد المظفر، فأمر بجلدهم على أخماص الأقدام على مرأى الفوج كله، بطريقة بشعة للغاية، النتيجة كانت ثورة حقيقية وتمرد، حيث تمكن أولئك الشبان من التخلص من مخالب جلاديهم، وقاموا بأخذ مجموعة من الضباط وضباط الصف كرهائن، ووضعوا عليهم حراسة. طلبوا حضور ضابط سام ممثل للقيادة العامة، بعد مرور ساعات قليلة نزلت طائرة مروحية على متنها وفد من القيادة العامة، تفاوضوا مع الشبان الصحراويين وتم الوصول إلى اتفاق، ليجري نقل المجموعة إلى منطقة إفني حتى يتم تدريبهم هناك، الله أعلم ماذا حدث لهم لاحقا بعد المكر بهم، وهذه الحادثة لم تتسرب إلى الصحافة إلى يومنا هذا.
الفساد سرطان ينخر جسد الجيش المغربي، أولا أبدأ بما عايشته شخصيا في الصحراء الغربية. كان وما يزال هناك نوع من سياسة التجويع للجنود، المؤن التي من المفروض أن توزع عليهم لا يصل منها إلا القليل والسبب أنها تباع والأرباح يجنيها القادة الكبار، لم يكتفوا بهذا، بل يوجد لكل وحدة دكان متنقل يبيع للجنود المؤن، من لحم ودجاج وخضر وفواكه ومشروبات وسجائر... الخ. فتجد كل جندي حينما يحين موعد إجازته - كل 4 أشهر - لا يستطيع أن يذهب لزيارة عائلته لأن نقوده صرفها في الدكان المتنقل لشراء ما يسد به رمقه بسبب الجوع المفروض عليهم، ولهذا تجد بعض الجنود يمكثون في مواقعهم لسنة أو أكثر.. إنها مأساة حقيقة لا يمكن تخيلها.
هناك أيضا سياسة التخدير بالحشيش والهروين، فالجندي المخدّر لا يسبب أي مشاكل. كل أو أغلب قادة الوحدات يبيعون الحشيش والمخدرات لجنودهم، ويجنون من ذلك أرباحا طائلة. حين عينت قائد سرية لأول مرة أوائل1991، كان أول ما قمت به هو القبض على جندي برتبة عريف أول، كان يقوم بتسويق الحشيش في السرية. أحضرته إلى مركز قيادتي وطلبت من قائد الفوج إرسال الدرك "الشرطة العسكرية"، وهو الذي لم يفعله، كل ما قام به هو نقل الجندي إلى سرية محاذية لسريتي من حيث استمرّ في مزاولة تجارته.
كل شيء يباع ويشترى في الجيش المغربي، الإجازات، الترقيات، كل شيء حتى الذمم... الصحراء الغربية كما هو معروف غنية بالخيرات، سواء كانت معادن أو ثروات بحرية. الملايير يجنيها المغرب من تصدير الفوسفات، لا أحد يدري أين تذهب تلك الأموال الهائلة.
وماذا عن الشعب المغربي الشقيق؟
الشعب المغربي مازال على نفس الفقر المدقع الذي كان عليه في الستينيات والسبعينيات. الثروات البحرية تستغلها الأساطيل الأجنبية وأساطيل الجنرالات خصوصا بن سليمان وبناني، والشعب المغلوب على أمره قاعد يتفرج، أو أنه مشغول بقضايا هامشية لا تفيده في شيء يتعمد المخزن إشعالها حتى يغطي على إخفاقه وفضائحه.
لقد علمت بعد هروبي من الجيش، ومن خلال ضابط مخابرات إسباني شرع في تحقيقات عن شبكات تهريب المخدرات، أن الجنرال عبدالعزيز بنّاني الذي كان يشغل منصب قائد المنطقة الجنوبية التي تشمل الصحراء الغربية، متورط في تجارة المخدرات مع شبكات دولية خطيرة. كانت لديه حينذاك شركة لـ "ماركة" من المشروبات الغازية ويقوم بتسويقها داخل وحدات الجيش في الصحراء، مقرها الرئيسي في مدينة طنجة واسمها BOTTLING INRERNATIONAL كانت شاحنات الشركة تستعمل لنقل الكوكايين من ميناء العيون إلى طنجة، حيث تخزّن ثم تحمّل في إتجاه أوروبا، مستعملين في ذلك شبكات نقل الحشيش.
الرشوة هي العمود الفقري للجيش المغربي، فقد حكى لي العقيد العدلاوي بلعادل حين عين قائدا للفوج 49 للمشاة، أنه دفع ما يقارب 800 ألف درهم - ما يعادل 90 ألف دولار - حتى يعين على رأس الفوج، دفع هذا المبلغ الطائل والخيالي وهو متيقن أنه سيسترده في ظرف قصير. أنا شخصيا حين تعرضت للتأخير في الترقية، قيل لي إنه مقابل 40 ألف درهم كل مشاكلي ستحل. بطبيعة الحال لم أدفع شيئا، بل بالعكس قد حاولت طيلة سنوات مسيرتي العسكرية التبليغ عن الوضع الفاسد، بتقديم طلبات رسمية لمقابلة الجنرال عبدالعزيز بنّاني والقائد الأعلى، الملك أيضا، وكنت متأكدا من نبل مهمتي، ولكنني حينها لم أكن أعلم، لسذاجتي حينذاك، أن الجنرال بنّاني والملك، خصوصا الملك الذي هو منبع الفساد الأصلي. علمت بعدها ومن مصادر لا يشوبها أي شك، أن الحسن الثاني بعد محاولتي الانقلاب، شجع ضباط الجيش على ممارسة الأعمال وجمع الثروات بأي طريقة كانت، هذا حتى يورطهم في الفساد ويثنيهم عن إعادة التفكير مستقبلا في الانقلاب عليه.
حقوق الإنسان لا تحترم في المغرب ولا في الصحراء الغربية، الصحراويون يعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية، محاصرين، معذبين، مطاردين، وآخرون مغلوبون على أمرهم، وهذا الذي أجبر الكثيرين منهم على الالتحاق بجبهة البوليزاريو.
بل أنهم صاروا يشاهدون ثرواتهم تنهب في وضح النهار، أتذكر أنه في صيف 1999، كنت حينها في مدينة العيون، ورأيت السفن وهي تحمّل برمال الصحراء حتى تباع في جزر الكناري والرخصة كانت لولد الرشيد، وأمثلة مثل هذه كثيرة لا تحصى ولا تعد.
في سبتمبر 1998 كنت شاهد عيان على أحداث العيون، وتتمثل في إضراب سلمي لعمال "فوسبو كراع" أغلبهم من الصحراويين، والذي قوبل بتدخل شرس من قبل قوات القمع وبطريقة لم تحدث حتى في القدس المحتلة، حيث تعرض المتظاهرون إلى الضرب والاعتقالات العشوائية، وسقط خلالها جرحى وقتلى أيضا.
لقد اقشعر بدني وأنا أشاهد ما يحدث وقلت في قرارة نفسي إن هؤلاء حتى ولو كانوا مغاربة كما يزعم المخزن فمن حقهم الانفصال، ولذلك بحكم تجربتي فأقولها بكل موضوعية وصراحة إن هؤلاء المعذبين في الأرض تحت أنظار العالم، لا بديل لهم عن تقرير مصيرهم الذي يناضلون بقوة وبشجاعة لأجل تحقيقه.
في نوفمبر 1994 تم نقلي من الفوج 49 إلى الفوج 29 للمشاة، مقرّ قيادته كان في مدينة طنجة، مهمة تلك الوحدة كانت مكافحة تجارة المخدرات والهجرة السرية. حينما وصلت وضعت تحت المراقبة، أولا لأنني من أبناء المنطقة، وثانيا أن احد الضباط وهو النقيب محمد بانا، كان يعرفني شخصيا فقد عمل في الفوج 49 وبعدها تنقل إلى الفوج 29، وكان يعرف مواقفي من الرشوة والفساد وحقوق الإنسان. علمت لاحقا أنه رفع تقريرا عني لقائد الفوج، العقيد محمد كيزين، وحذره مني، لذلك كلفه العقيد بمراقبتي. عينت إذا في السرية1 كضابط مساعد للنقيب محمد بانا، مهمتي كانت مرافقة الدورية التي تخرج من مقرّ قيادة السرية لتمر على كل مراكز الحراسة والمراقبة المتواجدة على شاطئ ما بين ميناء طنجة وامتدادا إلى الشرق حتى مدينة القصر الصغير.
الدورية كانت تخرج 3 ساعات بعد غروب الشمس، أي على الساعة 9 في الشتاء، والساعة11 في الصيف. كما ذكرت أنني ابن المنطقة ولدي معلومات دقيقة عن أساليب نشاطات المهربين، وأهمها أن القوارب تخرج مباشرة بعد غروب الشمس. تحدثت إلى قائد السرية وشرحت له الوضع طالبا منه تغيير مواقيت خروج الدورية، أي مباشرة بعد الغروب. فرفض ونهرني بطريقة غير لائقة، طالبا منّي أن لا أتدخّل في ما لا يعنيني، وأن توقيت الدورية مفروض علينا من طرف القيادة العليا.
استغربت كثيرا وقلت له إنه في هذه الحالة لا ينتظر مني أن أحبط أي عملية تهريب، كانت لدي حينها خطيبة في مدينة تطوان، على بعد60 كم، وبين الفينة والأخرى كنت أطلب الإذن من قائد السرية لزيارتها بضع ساعات ثم العودة إلى موقعي. بعد مرور أسبوعين أو ثلاثة عن حديثي إليه حول الدوريات، طلبت منه الإذن كالعادة وهو ما وافق عليه، حين عودتي في المساء وجدت النقيب في انتظاري، وطلب مني أن أجمع أغراضي لأنني عينت في مقرّ قيادة الفوج، هكذا من دون أي مقدمات. أمضيت 10 أيام في مقرّ القيادة، حيث لم توكل لي أي مهمة، إلى أن حدثت الكارثة الكبرى، ضابط صف كان يعمل لحسابه مع المهربين ولم يكن يدفع حصة القيادة. ذهب إليه العقيد كيزين وأشبعه ضربا ثم غادر الموقع، ليرسل قائد السرية النقيب بانا ليكمل المهمة التأديبية البشعة، غير أن ضابط الصف استقبله بوابل من الرصاص فأرداه قتيلا..
لقد تحصلت على معلومات دقيقة عن مدى تورط العقيد والنقيب مع المهربين، في منطقة مسؤول السرية كان يعمل مع مهربين اثنين من كبار بارونات المخدرات في المغرب، وهما أحمد بونقوب المدعو حميدو الديب، وأحمد الدرقاوي. بالنسبة للبارون الأول كان له قصر شرق منار ملاباطا، مجهز بميناء خاص، تخرج منه القوارب السريعة محملة بالمخدرات. الدرقاوي كان له فندق قرب القصر الصغير، ومن هناك كانت تخرج قواربه أيضا. وكل ذلك يحدث بعلم السلطات العليا، ولا أحد يحرك ساكنا.
بعد أيام من رئاستي تلك السرية، توجهت إلى قصر الديب لأنه وصلني تقرير عن إحضاره آليات للميناء وبدأ في أشغال غير مرخص بها. قابلت السيد بونقوب قرب مينائه، وسألته إن كانت له رخصة رسمية للقيام بتلك الأشغال. فأجابني بأنه لا يحتاج لأي رخصة وبأن النقيب المرحوم كان يرخص له دائما للقيام بكل ما يريد من أشغال في الميناء دون إجراءات إدارية أو أي شيء من هذا القبيل. ونصحني بأن لا أعقّد الموضوع لأن العقيد شخصيا يتعاون معه. كما طلب منّي صراحة أن أتعاون أنا أيضا معه مقابل مبالغ مالية، كما قال أيضا بأنه ليس خادما بسيطا لأسياده الأقوياء. تعجبت لذلك وطلبت منه أن يوضح، فقال لي بالحرف الواحد: معظم الحشيش الذي يصدّر هو لـ "الشرفاء". ويقصد به القصر الملكي طبعا. كنت أعلم أن عمة الملك الحسن الثاني، فاطمة الزهراء، التي كانت حينذاك مقيمة في طنجة، هي صديقة حميمة لبونقوب والدرقاوي، فسألته أنا أيضا بصراحة إن كانت هي الرئيسة، فضحك وقال لي أنظر، الشريفة هي بدورها مجرد واسطة، (والشريفة هو ما كانت تنادى به عمة الملك، والفاهم يفهم).
بل مؤكد، لقد رأيت بنفسي عمة الملك الحسن الثاني، فاطمة الزهراء، مرات عديدة أثناء تنقلاتي في منطقة السرية، وهي تدخل وتخرج من قصر الديب، كما رأيتها أيضا في فندق الدرقاوي. ولكن ما حكاه لي بونقوب فسّر لي أمور كثيرة، كتبت تقريرا مفصّلا عن ما حدث وكل ما قاله لي بونقوب وأرسلته إلى العقيد، لأرى رد فعله، ولم يصلني أي جواب منه.
وما حدث أنه بعد أيام قليلة اخبروني من مركز القيادة أنني في إجازة لمدة 20 يوما، تعجبت وقلت لهم بأن موعد إجازتي لم يصل بعد، كما أنني لم أطلب ذلك. فكان الجواب أن هذه أوامر العقيد. غادرت طنجة إلى تطوان لقضاء إجازتي المفاجئة، وعند نهايتها عدت إلى مقرّ عملي، ففوجئت بأنه تمّ تعيين ضابط جديد على رأس السرية أثناء غيابي، وأنهم نقلوني إلى الفوج 19 للمشاة المتمركز في كلتة زمور في الصحراء الغربية، حدث ذلك أواخر ماي 1995، وهذا كله من أجل إسكاتي وإبعادي.
وماذا عن الجزائر؟
الجزائر هي هدف للمؤسسات الرسمية المغربية كلها، من أجل إغراقها في السموم وتحويلها إلى مركز عبور للحشيش والكوكايين، هذا حتى يتمّ توريطها مع المجتمع الدولي، طبعا يرجع سبب ذلك لمواقفها المبدئية من حق الصحراويين في تقرير مصيرهم، وأقول لكم بكل صراحة إن المخزن مستعد للتحالف مع الشيطان لأجل الانتقام من الجزائر، لأنها الوحيدة التي وقفت ضد أطماعهم التوسعية والشيطانية.
المخابرات الإسبانية CNI تغلغلت في كل مؤسسات الدولة المغربية من القصر إلى أصغر الثكنات سواء للجيش أو الدرك أو البوليس، والتعاون قائم بينهم إلى أبعد ما يمكن تخيله، وهو عكس ما يروجون له عن الصراع القائم والمفتعل بينهم، ويوجد ضباط من الدرجة السامية، يرفعون الىCNI بصفة دورية معلومات عسكرية خصوصا ما يسمى »Psycological Profiles« لكبار الضباط، وحتى بعض صغار الضباط ممن لهم مناصب حساسة، وهذه التقارير كانت توضح خصوصا نقاط ضعفهم، وتكشف عيوبهم ورذائلهم، حتى يسهل اختراقهم. وأيضا ينقلون كل كبيرة وصغيرة عن الوحدات والأسلحة التي يتوفرون عليها، وكل ما يتعلق بالوضع في الصحراء الغربية، خصوصا أثناء الانتفاضات التي يقوم بها الصحراويون من أجل تقرير مصيرهم. أقولها بقناعة تامة إن المخابرات الإسبانية وصلت إلى البلاط ولم تسلم حتى مطابخ وغرف نوم الملك.
في شهر جانفي 2009 وصلتني معلومات مقلقة من المغرب، مفادها أن النظام المخزني يريد إختطافي وإرجاعي للمغرب حيّا، مصدر المعلومة كان موثوقا 100 % . في مارس 2009 تركت عملي وجمعت أغراضي وسافرت إلى جنوب أمريكا، وبالتحديد كولومبيا، حيث أمضيت ما يقارب 6 اشهر مختبئا ولا أتصل بأي أحد، وبعدها رجعت إلى مدريد. في يوم21 أوت وعلى الساعة 7.30 صباحا، وأنا في طريقي إلى بيتي بعد أن قمت بالرياضة الصباحية كعادتي، فوجئت بسيارة نزل منها شخص مسلح، أمسك بي وبالقوة حاول إجباري على إمتطاء السيارة، قاومته وتمكنت من الإفلات، وفررت هاربا مفضلا الموت على أن يرجعوا بي للمغرب، لأنني كنت أعتقد أن سيطلق علي النار من سلاحه ويرديني قتيلا، لكنه لم يفعل لوجود شخص غير بعيد من مكان الحادثة، وهو الذي أكّد أقوالي كشاهد عيان أمام رجال الأمن. السيارة لم تتبع خطواتي بل فرّت نحو وجهة مجهولة. السلطات الإسبانية برغم علمها بالخطر المحدق بي لم توفر لي أدنى حماية، إتصلت حتى بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR من خلال فرعها بإسبانيا وطلبت منهم مساعدتي كلاجئ سياسي عن طريق نقلي إلى بلد آخر يكون آمنا بالنسبة لي، لكنهم رفضوا ذلك زاعمين أن إسبانيا بلد آمن، بالرغم من أنني تعرضت لمحاولة اختطاف أمام باب بيتي.
أنا ضحية العلاقة الحالية بين إسبانيا والمغرب، فالحكومة الحالية مستسلمة تماما وتحاول بقدر الممكن تفادي أي مشكل مع الرباط، وهناك من يؤكد حتى من الإسبان أنفسهم، أن أحداث11 مارس2004 في مدريد خططت لها المخابرات المغربية حتى تؤثر في الانتخابات وتمكن اليسار من الفوز، وما يجري الآن يؤكد ذلك خاصة الموقف الإسباني المتذبذب من الصحراء الغربية.
وهل ترى حياتك مهددة الآن؟
أنا مهدد بالاغتيال في أي لحظة، وهو أمر مفروغ منه ماداموا حاولوا إختطافي وهذا دليل على أنني صرت هدفهم. عائلتي بعد مغادرتي الرباط تم استنطاقها لمدة شهور. التهديدات والسب والشتم لا يمكن وصفه. والدتي - رحمها الله - توفيت من الغمّ والقهر. أخذوا والدي مرة إلى مركز الدرك وقالوا له إنهم سيبقوه مسجونا كرهينة حتى اسلم نفسي، وكان عمره حينذاك 70 عاما. مكث عندهم يومين كاملين تعرض خلالها لشتى أنواع الإهانة والذل، وبعدها أطلقوا سراحه لأن حالته الصحية كانت متدهورة، وتوفي لاحقا رحمه الله.
كلمة أخيرة!
من خلال صحيفة "الشروق" الرائدة التي صرت مدمنا عليها، أوجه نداء لكل العالم، من أن حياتي في خطر، كما أنه لو أي مكروه قد يطالني فإنني أحمل المسؤولية كاملة للمخابرات المغربية والسفارة هنا في مدريد، وأحمّل مسؤولية حمايتي للسلطات الإسبانية والمفوضية العليا للاجئين. وبارك الله فيكم على هذه الفرصة العظيمة التي أتحتموها لي.
الشروق اون لاين
المخزن مستعد للتحالف مع الشيطان لإغراق الجزائر في الحشيش