ferial عضو مجتهد
عدد المساهمات : 7 تاريخ التسجيل : 14/11/2010
| موضوع: الفضاء العام في غياب السلطة الرابعة الأربعاء ديسمبر 01, 2010 7:40 pm | |
| الفضاء العام في غياب السلطة الرابعة
هل هناك فضاء عام في العالم العربي؟ وما دور الإعلام في بناء هذا الفضاء وتوفير المنابر اللازمة له؟
وهل تتوفر مستلزمات هذا الفضاء حتى يتواجد، كالديمقراطية والفصل بينالسلطات والمجتمع المدني وحرية الصحافة وحرية التعبير، وحرية الاجتماع.. الخ.
إلى أي مدى ساهمت وتساهم الثورة الاتصالية وثورة المعلومات والطفرة الإعلاميةالتي شهدها العالم العربي خلال العقدين الماضيين في بناء فضاء عام يتفاعل معالتطورات التي أفرزتها وسائل الإعلام الجديدة كالقنوات الفضائية والإنترنت،والمدونات وغرف الدردشة والبريد الإلكتروني..الخ. الفضاء العام حسب هابرماسوغيره من العلماء والمنظرين يفرز الرأي العام الذي يضمن حدا أدنى من مصداقيةأخلاقيات السياسة.
فالفضاء العام هو وسيلة لتجنيد الرأي العام حتى يكون قوةسياسية فاعلة تعمل على ترشيد السياسة وتحقيق مصلحة المجتمع. فالفضاء العام هو الفضاء الذييتفاعل الفرد من خلاله مع غيره من أفراد المجتمع من أجل تحقيق الحقوق التييضمنها له القانون. وهذا يعني أن الفضاء العام هو الحلبة المثلى للمجتمع المدني النشطوالفعال الذي يقوم بدوره في المجتمع كقوة مضادة للسلطة التي تريد أن تنفردبالقرارات والتي قد تنحاز لمصالحها الضيقة أو تنحاز لفئة في المجتمع على حساب الفئاتالأخرى.
العالم الألماني هابرماس طوّر مفهومه للفضاء العام من خلال دراستهالمرجعية لعصر التنوير الذي شهدته أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر من خلالانتشار الصالونات العمومية والمقاهي والنوادي والصحف. وفي هذه الأماكن كانت تناقشالقضايا العامة التي تهم الأفراد والمجتمع بكل ديمقراطية وحرية بهدف الوصولإلى الحكم الديمقراطي الرشيد.
هذا المناخ الذي كان موجودا في أوروبا في عصر التنوير، يرىهابرماس أنهانتهى وولى حيث ان وسائل الإعلام الحديثة قد قضت عليه وحوّلتالفضاء العام إلى حلبة من التلاعب السياسي والأيديولوجي والسيطرةعلى عقول الحشود والجماهير والقضاء بذلك على كل نقاشات جادة من شأنها أن تضع حدالسيطرة أباطرة السياسة والمال على شؤون الحياة العامة. ففي عهد العولمة أصبح الفضاءالعام يعاني من تغيرات مهمة جدا تتعلق بالجوهر والشكل والفاعلين والخطاب والأهدافوالمقاصد.
الفضاء العام يشترط توفر حرية التعبير وحرية الاجتماع وحريةالصحافة وحرية المشاركة في النقاشات والتجمعات السياسية وفي صناعة القرارات.والوظيفة الاستراتيجية للفضاء العام هي المساهمة في تكوين رأي عام قوي وفعال لتحقيقأكبر قدر من الوفاق لتشكيل السياسات الوطنية والخارجية.
فالفضاء العام يقوم على أربعة أسس هي:
تجمع أفراد المجتمع حول قضايا الشأن العام بغض النظر عنالمكانةالاجتماعية وبهدف تحقيق الوفاق الوطني من خلال النقاشاتالنقدية. أما بالنسبة لمستلزمات الفضاء العام، أي شروط تواجده،فإنها تتمثل في مناخ سياسي يوفر حرية التعبير والاجتماع وحرية الصحافة والحق فيالمشاركة في النقاشات السياسية وفي صناعة القرارات.
الفرق بين الفضاء العام في القرن السابع عشر والثامن عشروحالياهو أن وسائل الإعلام في الماضي كانت تساهم في إيجاد وبناء فضاءعام نشط وفاعل وقوي،أما وسائل الإعلام اليوم، وحسب هابرماس، فإنها تساهم في عمليةالتلاعب بالحشودوالجماهير وجعلهم مستقبلين سلبيين ومجرد مستهلكين وبذلك تحولتوظيفة الإعلام ـ الذي يعتبر أوكسجين الفضاء العام ـ من إشراكالجماهير في المجتمع كمواطنين سياسيين وإدماجهم في العمل السياسي .
وفي الشأن العام والمساهمة في مناقشة قضايا الأمة والمشاركة فيصناعة القرار إلى مجرد وحدات استهلاكية في عالم معولم تسيطر عليها الشركاتالمتعددة الجنسية التي أصبحت تسيطر على الصناعات الإعلامية والثقافية والإعلانية. وهذايعني أن السلطة الرابعة بدلا من تكون حامية للفضاء العام أصبحت جزءا من الصناعاتالجديدة الموجهة لتحقيق الربح على حساب أي اعتبارات أخرى.
فالشركات العالمية للصناعات الإعلامية والثقافية اغتصبت الفضاءالعاموحوّلته من فضاء رشيد إلى فضاء التلاعب من أجل الاستهلاكوالجمهور السلبي الذي لا يفكر ولا يحاول أن يناقش قضاياه اليومية ولاقضايا الشأن العام. وبهذا تحوّل الرأي العام من الوفاق الوطني المبني على النقاشاتوالحوارات المستنيرة إلى رأي عام مفبرك من قبل استطلاعات الرأي وخبراء الإعلاموالمتلاعبين بالعقول.
تفاءل كثير من النقاد في بداية ثورة تكنولوجية الاتصالوالمعلومات بأن هذا التحول سينعكس إيجابا على الفضاء العام ليس فقط في الدولالديمقراطية بل حتى في العالم العربي والدول النامية. لكن الواقع جاء عكس ذلك تماما حيثان الإنترنت والإعلام الفضائي والمدونات وغيرها لم تستطع أن تتغلب على التلوث الفضائيوالسقوط في دهاليز المال والسياسة.
ماذا نستطيع قوله بالنسبة للعالم العربي وواقعالفضاء العام فيه؟
الفضاء العام في العالم العربي يعاني من تناقضات كثيرة جدا، تتمثل فيالبداية في تبعية مزدوجة للنظام الإعلامي العربي، فهو نظام تابع للسلطة بطريقة أوبأخرى وبدرجة ثانية فهو نظام إعلامي تابع لإعلام خارجي ولقيم دخيلة ولا علاقة لهابالمحلي.
من جهة أخرى نلاحظ غيابا شبه تام للمجتمع المدني، وللفصل بينالسلطات، ولحرية التعبير وحرية الصحافة. أما وظيفة الإعلام كسلطة رابعة فالأمرغير قائم من أساسه في العالم العربي، حيث ان أدنى الشروط لا تتوفر للكلام عنالسلطة الرابعة وذلك في غياب الفصل بين السلطات وفي ضعف المجتمع المدني والمشاركةالسياسية الفعالة.
أما عن التحولات التي شهدتها الساحة الإعلامية العربية خلال العقدين الماضيينفنلاحظ زيادة في الكم والحرية في الحصول على المعلومات والأخبار وتوجها نحو أفولالرقابة، لكن رغم كل هذا فإن مستلزمات الفضاء العام مازالت شبه غائبة في معظم الدولالعربية وهذا ما يفسر إلى حد كبير ضعف المجتمع المدني وضعف مشاركة المواطن العربيفي الحياة السياسية وفي صناعة القرار.
فالنظام الإعلامي العربي كما هو حاليا غير مؤهل لإفراز فضاءعام يشكل رأياعاما قويا وفعالا يراقب السلطة ويؤهل الفرد في المجتمع ليكونفاعلا ومشاركا وواعيا بما له وما عليه.
تعمل الآلة الإعلامية العربية على المحافظة على الوضع الراهن وتثبيت شرعيةالنظام والمحافظة عليه. فهي بذلك تفبرك وتشكل رأيا عاما لا يطمح في تغييرالواقع لصالحه بل يهدف للمحافظة على الواقع لإرضاء السلطة. ونظرا لتبعية النظامالإعلامي العربي فإننا نلاحظ وجود فجوة كبيرة بين أجندة الإعلام ومشكلات وهمومالشارع.
د.محمد قيراط
| |
|