هل تستطيع النساء إعادة بناء الاقتصاد العالمي؟
كتبت - عزيزة الحبسية
إذا لم يتم التعاطي مع مخلفات الأزمة بشكل اقتصادي جيد يقيم للمرأة اعتبارا، فإن كثيرا من البلدان النامية لن يتمكن من تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة وخفض وفيات الأطفال والأنفس
ماذا لو كانت البنوك المركزية في الأقطار المنكوبة تسيرها محافظات لا محافظون، والأسواق المالية ترشدها مراقبات لا مراقبون والدول، والحكومات (وزارات الخزانة على وجه التحديد) تسوسها زعامات نسائية لا زعامات رجالية، والمؤسسات المالية الدولية الكبرى، كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي على وجه الخصوص، ترأسها نسوة؛ هل كان للقارعة المالية المعنية أن تستفحل والقسوة اللتين لا يزال جل شعوب يتجرع مرارتها أن تنتهي..؟
تساءل طرحه د. الشاذلي العياري، موجها كلامه لحضور مؤتمر القمة العربية للمرأة الذي اختتم بتونس الأسبوع الماضي، قائلا: هل للمجموعة العربية رؤية وقناعة مشتركة حيال دور من هذا العيار ؟
د. الشاذلي العياري وزير سابق للاقتصاد في تونس، ونائب رئيس المجلس الاستشاري الوطني التونسي للبحث العلمي والتكنولوجيا..
كامرأة رأيت السؤال وجيها، رغم أن تنفيذ رؤية عربية وقناعة مشتركة لتأنيث القيادات في شؤون المال والاعمال والاقتصاد في عالمنا العربي لا يمكن ان تتحقق بسهولة. فمعدل الإناث 26، 7 % في الدول العربية بمجال النشاط الاقتصادي، كما أن المعدل السنوي لنمو القوى العاملة في الدول العربية يتراوح ما بين 3% و4%؛ وذلك حسب احصاءات عامي 1980 و 1995. لكن لا مستحيل مع الإرادة..
تأتي المطالبة بتعزيز وجود المرأة في الجانب الاقتصادي للدول العربية، ضمن أهداف الألفية التي أصدرتها الأمم المتحدة، والمطالبة بزيادة مشاركة المرأة وتفعيل حضورها في مواطن اتخاذ القرار من خلال العناية بالنساء، عن طريق تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، إلا أن أبرز التحديات التي تواجه الوطن العربي على المستوى الاقتصادي هي الرفع من سقف النمو للحد من ظاهرة البحث عن عمل، وتحقيق الزيادة في مستوى الدخل للفرد، والقضاء على الفقر لتحقيق المساواة.
وقد جاء كلام د. الشاذلي العياري في وقت عقد فيه المؤتمر لبحث دور المرأة في التنمية العربية المستدامة.. ومع توقع المحللين الاقتصاديين، الذي اصدره البنك الدولي عام 2009، ان يكون لتراجع النشاط الاقتصادي تأثير بالغ على النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا والبلدان النامية عموما، خاصة مع الآثار والتبعات التي خلفتها الأزمة العالمية على النساء، وبشكل خاص النسوة الفقيرات والمهاجرات ونساء الأقليات..
ويقال إن الأزمة المالية العالمية، التي مرت على العالم ولا تزال تعيش آثارها الكثير من الدول، تنذر بأزمة إنسانية واجتماعية عواقبها خطيرة على المرأة والطفل في البلدان الفقيرة والنامية، بما في ذلك ارتفاع معدل وفيات الرضع وزيادة نسبة ترك الإناث للمدارس وتراجع دخل المرأة.
ومع أن اسعار الأغذية تقلصت بعض الشيء عن المستوى الذي بلغته في ذروة ازمة الغذاء في عام 2008، إلا أن استمرار الأزمة الاقتصادية لا يزال يهدد رفاه النساء ووعوائلهن.
وإذا لم يتم التعاطي مع مخلفات الأزمة بشكل اقتصادي جيد يقيم للمرأة اعتبارا، فإن كثيرا من البلدان النامية لن يتمكن من تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة وخفض وفيات الأطفال والأنفس..
وتوصف الاقتصادات العربية، بصفة عامة، بأنها منفتحة على الاقتصاد العالمي من حيث مستوى اعتمادها على الصادرات والواردات مقارنة بالبلدان النامية الأخرى، إلا أن المشاركة الاقتصادية للمرأة العربية تبقى هي الأكثر ضآلة بين دول العالم.
ويتركز عمل النساء بقطاع الخدمات من قوة العمل للمرأة العربية، وتشير الخبرات الاقتصادية إلى أن المرأة هي أول من يتعرض لفقدان فرصة التوظيف والمهنة في زمن الانحدار الاقتصادي، حيث تأتي مشكلة التشغيل لتأخذ أبعادا خطيرة، خاصة إذا أخذ في الاعتبار عامل النوع الاجتماعي فيما يتعلق بعمالة المرأة على وجه الخصوص..
والمرأة المعيلة هي أكثر الفئات تضررا عند حدوث أي عارض اقتصادي سلبي، وهي تمثل 12، 0 بالمائة حسب تقرير للاسكوا.
إن مشكلة المشاركة الاقتصادية للمرأة، ليست مشكلة عربية صرفة، بل هي مشكلة عالمية مع اختلاف النسب والأرقام عالميا، التي يمكن ان تصنع منها رقما فاعلا اقتصاديا، حيث جاء في مقال للايكونميست نشر في العام 2006 أن زيادة توظيف النساء عالميا كان مقياسا للنمو الاقتصادي خلال العقديين الفائتين.
وخلاصة القول إن أي تنمية لا يمكن أن تزدهر في ظل تقلص دخل الفرد وعدم سداده للاحتياجات الرئيسة له كإنسان، وبالتالي تمكين المرأة اقتصاديا قد يكون السر وراء تمكين الأسر والمجتمعات، خاصة النامية منها. والسر وراء إخراج المجتمعات من دائرة الفقر، ففي الوقت، الذي يقول فيه برنامج الامم المتحدة للانماء والتطوير إن النساء يشكلن غالبية فقراء العالم، يقول اقتصاديون إنهن قادرات على إعادة بناء الاقتصاد العالمي من جديد؛ وبالتالي لا بد أن يكنّ معنيات عند وضع أية استراتيجيات للقوى العاملة، وأية استراتيجيات للتطوير، وأن يشملهن التوسع في التمويل الائتماني والقروض الصغيرة، وأن تتم مراعاتهن عند تأسيس سياسات مالية، وأن يؤخذن في الاعتبار عند عمل أي مخطط تنموي في مجتمعاتهن .