أ. محمد العلمي السائحي
ن التنصير في الجزائر ليس بالجديد، إذ يرجع وجوده في الجزائر إلى الأيام الأولى من الاحتلال الفرنسي للجزائر، وكانت غاياته في ذلك العهد، ليس التنصير بالمعنى الحقيقي للكلمة، بقدر ما كان يستهدف شل إرادة المقاومة عند الجزائريين، بدليل ما نسب من قول للقائد الفرنسي بيجو، فهو كان يوصي القساوسة الفرنسيين، حين يسلم إليهم الأطفال اليتامى من الجزائريين قائلا
اجتهدوا في تحويلهم إلى مسيحيين حتى لا يرفعوا سيوفهم في وجوهنا مرة أخرى..) ...
ذلك شاهد على أن المحتل الفرنسي، كان على اقتناع تام من أن الذي يقاومه في الجزائر، هو الإسلام أكثر من أي طرف آخر، كما كان يرمي إلى أن يكوّن من المتنصرين الجزائريين عربا وبربر، طابورا خامسا، يمده بما يحتاج إليه من المعلومات، متى احتاج إلى ذلك، كما كانت الكنائس التي أنشأها حيث أمكنه ذلك، تشكل بالنسبة له، مراكز مراقبة متقدمة، والأهم من ذلك كله، أنه كان يسعى من وراء التنصير، إلى أن يتخذ من الدين رابطة تلغي ذلك الاختلاف القائم بين الجزائريين والفرنسيين بسبب اللغة والعرق، وذلك حتى يمكن له أن يؤبد احتلاله للجزائر، تلك هي حقيقة التنصير في الجزائر في الماضي فما هي حقيقته وغاياته اليوم عندنا..؟
حقيقة التنصير القائم في الجزائر اليوم..
إن التنصير القائم في الجزائر اليوم، يختلف عن ذاك الذي كان بها بالأمس، فالتنصير في الماضي كانت تتولاه الكنيسة الكاثوليكية، وكانت غايته تأبيد الاحتلال الفرنسي حتى وإن بقي الإسلام قائما موجودا، أما التنصير الذي تشهده الجزائر اليوم، إنما تنهض به الكنيسة البروتستانتية الإنجليكانية المعمدانية التي يتبعها الرئيس الأمريكي بوش ذاته، وهي كنيسة تؤمن بضرورة اجتثاث الإسلام كلية، تمهيدا لنزول المسيح -عليه السلام - إلى الأرض، فإذا أضفنا إلى ذلك أن الإدارة الأمريكية المتصهينة، التي يسيطر عليها الإنجيليون، تعول كثيرا في سياستها على الاختلافات الدينية، والعرقية، واللغوية، لفرض ما تسميه بالفوضى الخلاقة، لتهيىء لنفسها الظروف المواتية للتدخل، في شؤون الدول التي تهتم بالسيطرة عليها، تحت مظلة الأمم المتحدة، وفي إطار ما يسمى بقانون حماية الأقليات الدينية والعرقية، يغدو من الضروري والمهم جدا أن نتساءل عن أهداف وغايات هذا التنصير في الجزائر..
أهداف وغايات التنصير في الجزائر..
إن ما يستهدفه التنصير الإنجيلي في الجزائر، هو تشكيل ورقة ضغط، تمكن الإدارة الأمريكية، من التحكم في المواقف الجزائرية، إزاء القضايا التي هي محل خلاف بينهما، يدل على ذلك تركيز جهودها على منطقة القبائل بالذات، لعلمها بوجود تيار انفصالي بها، حتى تتخذ منه سندا يساعدها على تحقيق مبتغاها، وذلك في مرحلة أولى، ثم العمل بكل قوة لتحقيق هذا الانفصال، لاندراجه في مخطط تقسيم الوطن العربي، وتجزئته في مرحلة ثانية، وأخيرا إلغاء التأثير الديني والسياسي للجزائر على عموم إفريقيا، حتى يتسنى للإدارة الأمريكية التسلل إليها، والسيطرة عليها. والأخطر من كل ما ذكرناه من الأهداف، التي يتوخى تحقيقها التنصير في الجزائر، هو أنه يرمي إلى اجتثاث الإسلام كليا من إفريقيا، لأنه يشكل رابطة قوية بين شعوبها، ويدفعها إلى التلاحم، والتآزر، والتعاون، مما يجعل منها قوة قادرة على الصمود والتصدي، للقوى التي تريد استغلالها والهيمنة عليها، وإذا كانت تلك هي أهداف التنصير في الجزائر وغاياته، فمن يجب عليه التصدي له وكيف...؟
التصدي للتنصير وكيفياته...
مادام التنصير يستهدف ضرب الوحدة الوطنية، ويتهدد وحدتنا الترابية، ويشكل خطرا على سيادتنا الوطنية، فذلك يعني أن الدولة الجزائرية هي المستهدفة به، فهي المدعوة إذن إلى التصدي له ومقاومته بكل ما لديها من إمكانيات، ومن الخطأ أن نعتبر مقاومة التنصير قضية قطاعية، تنهض بها وزارة الشؤون الدينية وحدها فحسب، بل هي قضية يجب أن تتولاها الدولة بكامل هياكلها، وفي جميع القطاعات، يساندها في ذلك كل المجتمع، عبر تنظيماته المختلفة؛ السياسي منها والجمعـوي، والدولة هي المطالبة بوضع خطة استراتيجـية شاملة، يتعين من خلالها لكل طرف الدور الذي ينبغي أن يقوم به في إطار التصدي للتنصير ومقاومته، ولا يستحسن بأي حال من الأحوال، ترك هذا الأمر لمبادرات فردية، ضررها أكثر من نفعها، خاصة إذا تأكد - وقد تأكد فعلا - أن الذي يقف وراء هذا التنصير الذي يستهدف بلادنا، هي تلك القوة الطامحة إلى الهيمنة على العالم والسيطرة عليه، وهي باعتبارها ذلك، تسخر كل ما تملكه من إمكانيات مادية، ومالية، وبشرية، وعلمية، لبلوغ أهدافها، وتحقيق غاياتها، ومن ثمة فلا سبيل لمقاومة عمل مؤسساتي استراتيجي ثقيل، بجهود فردية لوزارة بذاتها، أو جمعية بمفردها، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، فإن التنصير إذا كان يستهدف الجزائر كلها، في عاجلها وآجلها، فالواجب إذن أن تتصدى له الجزائر بكاملها دولة وشعبا.
تلك هي حقيقة التنصير وغاياته في الجزائر التي أجمع عليها المشاركون في الندوة التي دعت إليها حركة الإصلاح يوم الخميس 7 صفر 1429هـ الموافق لـ 14 فيفري 2008م تحت شعار "تنامي ظاهرة التنصير في الجزائر مسؤولية من؟" تلك الندوة التي حضرتها وجوه سياسية وفكرية عديدة، والتي سلطت الأضواء بما مكن من التعرف على فداحة الخطر الذي يمثله التنصير المستشري في الجزائر.
المصدر: موقع جريدة البصائر، 10-2-1429 هـ