المقروء سلعة ثمينة في متجر الوسائل الإعلامية، وشكل متطور من أشكال الإعلام؛ حيث تُشكل الدوريات المقروءة، من الصُحُف والمجلات، قوالبَ للفكر والرأي والأخبار ومتفرقات أخرى كثيرة، ظهرت مع النهضة الثقافية والعلمية الغربية، لتُصبح إحدى أهم خطوط الصياغة الفكرية.
لن أُسهب في التقديم عن الإعلام المقروء، فكثير منّا له مجموعة من الصُحف يُحب الاطلاع عليها يوميًّا تقريبًا، ولكن الكثير منّا - وهم الأغلبية - لم تقع في يديه صحيفة إسلامية واحدة، هويتها ومنهجها الإسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
هنا مربط الفَرَس، فما الفائدة من الإعلام المقروء إن لم يكن مشاركًا في تعزيز ثوابتنا ودفع الهجمة الإعلامية الغربية عن ديننا وثقافتنا الإسلامية؟
ما الفائدة منه، وهو يُشارك في توجيه الضربات إلى كل ما يُقال عنه إسلامي، إلا أن تشفع له مصلحة آنية؟
ماذا نرجو منه، وهو يعزز الهجوم الإعلامي الصهيوني علينا في أوج الحرب اليهودية على غزة ومجاهديها الذين ينافحون عن كرامة كل العرب، بل كل المسلمين؟
ما يُؤسفني، ويُؤسف كل حر غيور، أن هذا الإعلام المقروء، بالأسماء المتعددة لصحفه ومجلاته، لم يقف في وجه تلك الحملات الشرسة التي تستهدف النيل من حضارتنا الإسلامية وثقافتنا الأصيلة القائمة على القيم السامية العالية، بل هو حربٌ فكرية علينا، ما فتئ يُغلق بابًا حتى يتفرغ لغيره، وما برح يصمت عن قضية حتى يبحث عن قضية جديدة ولو كانت خطأ فرديًّا يسيرًا، يجعل منها مادة دسمة لعشرات المقالات العدوانية، التي لا تذكر إلا السيئات ولا تعرف إلا الأخطاء وتقصيها.
وليتهم إذ يدَّعون احترام الرأي الآخر، يسمحون لمن يريد أن يدفع تلك الافتراءات، ويذب عن دينه، وكرامة بلاده التي يُنتهك دستورها بيد أبنائها، ليُبَيِّن الحق بالحجة والمقالة والمحاورة الفكرية العقلانية، فهم لا يعرفون إلا الإقصاء في الحوار، ولا يعترفون إلا بإخراس الرأي الآخر الذي يُطالبون بحريته وظهوره، وبالمناسبة فإن (الآخر) في قواميس أغلبهم لا يرمز إلا لشخص واحد هو (من خرج عن دائرة الإسلام وعاداه).
وهنا فإنه لا بد من إعلام إسلامي مقروء يظهر منافحًا عن دينه ومنهجه، ورادًّا على تلك الأباطيل التي يسوقها من يُسمون بـ(الليبراليين) في الداخل والخارج، ويبين محاسن شريعتنا وأحكامها، وعدلها في تعاملها مع أفراد المجتمع كافة، وحكمتها في كل صغيرة وكبيرة جاءت بها عن ربها تبارك وتعالى، وينخر بالعقل والفطرة في تلك القوانين الوضعية التي يريدون فرضها على العالم كله دينًا جديدًا، وإطارًا حاصرًا لكل نشاط فكري.
إن المؤسسات الفكرية الإسلامية، مطالبة اليوم - وعبر العالم الإسلامي كله - ببذل الجهود لاقتحام ساحة الإعلام المقروء بالصُحُف والمجلات الناشطة القوية المنافسة، والتي تتيح الفرصة لكتابنا الإسلاميين ليردوا وينافحوا ويحاوروا بالحكمة والموعظة الحسنة، ونحمد الله تعالى على أن وُلاةَ أمرنا لم ولن يضيقوا بإذن الله تعالى في هذا الجانب، فلماذا التأخر والتسويف، في ظل هذه الحملات التي تستعر يومًا بعد يوم، ولا تجد محرمًا تقف أمامه وتنثني عن الولوغ في عرضه؟