كان ومازال.. بل وسيبقى للإعلام دوره الكبير، ورسالته الجليلة عبر انعكاس خطابه المؤثر في واقع المجتمعات والأمم ، والمسيرة الحياتية لشعوبها الواعية ، سواء أكان مثل ذلك الإعلام مرئيا أو مسموعا أو مقروءا، كونه يمثل السلطة الرابعة في واقع الأمم والمجتمعات بعد السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية فيها ، كما وان للإعلامي مكانته المرموقة واحترامه المتميز، لأنه في حقيقته ينبغي ان يمثل لسان الصدق ورسول الحقيقة بين الناس ، حينما ارتضى لنفسه دخول الرهان الصعب عفواً أو عن سابق قصد ؛ فتقلد القلم وسيلة والإعلام حرفة ، وتقبل النهوض بجسامة مسؤوليته الدينية والوطنية والتاريخية الملقاة على عاتقه ، وإذا افتقر لهذين الشرطين الأساسيين ؛ أعني كونه لسان الصدق ورسول الحقيقة ، فإنه يغدو مجرد واجهة إعلانية وليست إعلامية! وبوق أجوف يروج بنفخه لهذه الجهة أو تلك ، ولهذا المسؤول أو ذاك ، وحاجة من الحاجيات المعروضة للمزايدة عليها ومن ثم البيع لخدماتها لمن يدفع أكثر دائماً أو يغدق عليها بالعطاء ! .
ولو تمعنا في تسمية (إعلامي) تحديدا ، فانه يحيلنا الى العلم والإخبار به ؛ أي المعرفة بالقضايا والأمور، ومحاولة إحاطة الآخرين بمستجداتهما علما ، من جهة الدراية بسبب المعايشة للأحداث عن كثب ، وتراكم الخبرة ، فضلا عن كون الإعلام ، يمثل مهنة المتاعب ؛ بسبب تلك المعايشة والقرب والملازمة ، لذا فان معدل أعمار الإعلاميين بصورة عامة ، وحسب الدراسات العلمية والعملية التي أجريت في هذا الخصوص؛ يعد الأخفض بين المهن الفنية والفنون الإبداعية الأخرى ، لكن قد يفوت البعض من الإعلاميين خطر دوره على نفسه أولاً، وعلى الناس ثانياً ، في خضم اللهاث خلف إغراءات الحياة ، وزخرفها الزائل ؛ إرضاء للأهواء الشخصية والرغبات الذاتية والميول المادية ، وربما طلبا للشهرة والجاه والسلطان ، وبدل الرفعة يختار الضعة والارتكاس ، ومن ثم القبول بضحالة الدور، والتبعية في تبني الميول والمعتقدات والمتبنيات ، بالركض وراء بعض التوجهات، لنقل الضالة وليست المشبوهة !
لذلك فإن مثل هذا البعض مع الأسف الشديد؛ سيظل متقلب على الدوام من حال الى حال ، ومتلون الاتجاه ، حسب ما تمليه عليه مصالحه وأطماعه ورغائبه وشهواته ، ينعق مع كل ناعق ؛ فإذا ما كان الإعلام في المراحل السابقة ورغم محدودية تأثيره ؛ استناداً الى وسائله القديمة وتقنياته التقليدية ، أقول رغم ذلك كان له كل هذا الأثر الكبير والوقع المؤثر الذي شهدناه ونشهده في حياة الناس؛ فلنا تصور إذن حقيقة فعله في الوقت الراهن ، وقد تنوعت التقنيات المستخدمة ، وتطورت بشكل هائل الأساليب المتبعة ، من خلال حداثة وسائل البث والاتصال والخطاب ؛ فأصبحت الموارد الإعلامية في متناول الجميع بسبب إتاحة السبل أمامها لغزو العالم ؛ لسهولتها وتوفرها وقلة تكلفتها على المستهلكين والمستفيدين من خدماتها ، ونتيجة لذلك تحول الوجود الى مجرد قرية صغيرة ، ما ان ينطلق الحدث أو الصوت من مكان ما ؛ حتى ينتشر خبره بسرعة في أرجاء المعمورة ، ويتردد صداه هنا وهناك ، من خلال ردم المسافات واختزال الزمن - كما أسلفنا - نتيجة التطور التكنولوجي الهائل لوسائل الاتصال والتقنيات الحديثة في إيصال المعلومة ، وحسب رغبة القنوات الإعلامية بإبرازه أو التعتيم على هذه القضية وتسليط الأضواء على تلك ؛ فإنفجار بسيط في العراق مثلا تتناقله وسائل الإعلام بشكل مكثف خاصة القنوات الفضائية ، بينما زيارة مليونية تزحف صوب كربلاء كالسيل الجارف كما في اربعينية الامام عليه السلام، لم يشهد العالم لها مثيلا ، تمر مرور الكرام ويتم التغاضي عنها تماما .
وبطيعة الحال فان كلمة الإعلام ، وصوته المدوي ؛ بقدر جماليته في نقل صدق أخبار الناس ، والكشف عن حقائق الأمور ، ومحاولة تحليل المواقف استنادا الى خلفياتها بالصوت والصورة ، وربما بالكلمة المكتوبة ، ونقلها من طرف العالم الى طرفه الآخر، ربما في غضون دقائق لا غير ، بيد ان ذلك كله لا يمنع أحيانا من ان يكون قبيحا، إذا ما حاول تشويه الصورة ، وتزييف الكلم ، وقلب الحقائق ، بفعل نزغ الشيطان في أدلجة الرسالة الإعلامية وفق الإشاءات المغرضة والمدفوعة الثمن ، من قبل جهات وقوى معادية ، لصالح هذه الجهة على حساب تلك ، وعلى الضد من توجه هذا الطرف أو ذاك ، وإذا ما كانت الضلالة رائد تلك الرسالة الإعلامية أو الإعلانية! ، وإذا ما كان الحقد والدس والغدر ديدنها ، على العكس تماما من هذه الجهة ذات الخطاب الملتزم الذي تتوسله من خلال محاولة إشاعة الكلمة الصادقة ، والهادفة الى كل خير في بثها الإعلامي ، ومتجنبة قدر الإمكان الإتيان بالمنكر، فإنها بالحقيقة تقدم بين يدي الله صدقة ، وكما جاء في الحديث الشريف
الكلمة الطيبة صدقة).
لذا فإن هدف تلك الوسائل المشبوهة ، سيكون بالضرورة كل شر وضلالة وتهديم ؛ وسيكون هدف هذه كل خير واستقامة وبناء ، فكم من كلمة طيبة أحيت الناس بإحياء قيم الخير والمحبة والسلام، والعمل على إفشائها بين شرائح المجتمع ، وكم من كلمة خبيثة إماتتها بإضرام نار الحرب ،ومحاولة تأجيج الضغائن في القلوب ، وإشعال الصراعات بالنفخ على جمر الفتن ؛ فتسيل جراء نزغها الشيطاني الدماء ، وبالتالي تؤدي الى سقوط المزيد من الأبرياء .
أخيراً فان للإعلام وجهين متعاكسين أو جانبين لا ثالث لهما - شأنه شأن المواضيع الأخرى- جانب أو وجه يدعو الى كل معروف ، بينما يظل الجانب الآخر يدعو الى كل منكر، وجهة نظر تقايض الضلالة بالإيمان ، وتشتري الدنيا الدنية بخير الآخرة، وجهة تسعى نحو ثواب الدنيا والآخرة معاً ، فأيهما نختار لرسالتنا الإعلامية يا ترى؟