أصبحت وسائل الإعلام في الوقت الحالي عنصرا" من أهم عناصر المعارك السياسية
بين الدول , وتحتاج إلى متخصصين في المجالات الإعلامية المختلفة ,إذ إن سياسات
الدول تقوم على الترويج الإعلامي الذي يبث أنواعا" مختلفة من المعلومات الخاصة
بالدول الأخرى , و إذا أخذنا مصداقية المعلومات بعين الاعتبار وجدنا أنها تتناسب
طردا" مع مصلحة الدولة التي تطرح هذه المعلومات المغرضة . و جميعنا يعرف
خطورة الدور الذي قام به الإعلام الأمريكي في تفكيك الاتحاد السوفيتي لإضعاف
دور المعسكر الشرقي في توازن القوى الكبرى في العالم , و سعيا" من أمريكا لتحقيق
التفرد في السيطرة على العالم . و قد تابعت وسائل الإعلام الأمريكية و الغربية عموما"
هجومها على دول المعسكر الشرقي , لتثبيت السيطرة الأمريكية والمتحالفة مع الدول
الغربية من أجل إضعاف الدول الشرقية و تحقيق مصالح الدول الكبرى في المنطقة .
و الوطن العربي بحد ذاته هدف لأمريكا وحلفائها لذلك فهي تسعى للسيطرة عليه بعدة
وسائل , منها توقيع الاتفاقيات مع بعض الدول العربية, ومنها الاحتلال بحجة مقاومة
الإرهاب ولا يعد المجال الإعلامي أقل خطورة,إذ إنه يستخدم من أجل تسويغ مبررات
ما تقوم به أمريكا من حروب في العالم كله , وفي الوطن العربي. و تعمل وسائل
الإعلام على بث سموم خطيرة و مختلفة تصل إلى المواطنين في الدولة التي تعاديها
من أجل إثارة الفتن الداخلية و تحقيق الفوضى في هذه الدول , و إلى الدول الأخرى
كي تحقق دعما" سياسيا" على المستوى العالمي. ونحن الآن في سورية نتعرض
لأشرس هجمة إعلامية معادية , أمريكية , غربية و عربية مأجورة للغرب في بعض
الأحيان . وسائل الإعلام هذه تبث سموما" معادية لسورية , من أجل إخضاعها و
إجبارها على تقديم التنازلات لأعدائها على حساب الكرامة و الشرف الذين تمتاز
سورية بتمسكها بهما مهما تعرضت لضغوط . و تقوم وسائل الإعلام المعادية بالترويج
لآراء السياسيين المعادين من خلال توجيه الاتهام إلى سورية بمناسبة و دون مناسبة ,
كاتهامها بقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري و الدخول في مؤامرات ضد لبنان , والتدخل
في الأوضاع العراقية , و تدهور الأوضاع الأمنية على الحدود مع العراق , وإيواء
جماعات إرهابية (فلسطينية) من قادة حماس , و اتهامها الصريح بالإرهاب لأنها تعطل
عملية السلام مع إسرائيل ( إسرائيل مخلصة للسلام, لكن الإرهابيين السوريين يعملون
جاهدين لعرقلة كل الجهود السلمية الإسرائيلية منها و الأمريكية) و كأن العالم كله أصبح
مملكة أمريكية يجب تقديمها لإسرائيل خالية من كل الأنواع البشرية , سوى اليهود. و
الجدير ذكره أن إسرائيل المعادية و أمريكا الإمبريالية لهما العذر في توجيه مثل هذه
الاتهامات إلى سورية , ذلك لأن سورية بصمودها تشكل قلعة قوية أمام تحقيق المخطط
الأمريكي الإسرائيلي في احتلال الوطن العربي و إبادة شعبه
(لأن العربي الجيد هو العربي الميت حسب المعتقد الصهيوني ) و تحقق الكرامة العربية
التي فقدها المتآمرون مع أمريكا و الذين يعملون لتمرير مخططاتها , و السؤال الذي
أود طرحه في هذا الموقف : ما عذر الدول العربية التي تروج كذبا" لمثل هذه الاتهامات ؟
هل إرضاء أمريكا غاية محببة و إن كانت الوسيلة هي ضرب معقل الصمود العربي على
مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ؟ أم أن العرب المتخاذلين و الذين يعرفون أنهم قد سقطوا في
هاوية أمريكا و يعرفون تمام المعرفة أنهم باعوا ضمائرهم و كرامتهم و شعبهم و بقيت
سورية مجسدة لكل المبادئ و القيم لا يستطيعون الاستمرار في موقفهم المهين طالما أن
هناك من يذكرهم بالواقع المذل الذي يحظون به . و لابد من جر سورية إلى معبد الذل
الأمريكي - الإسرائيلي من أجل المساواة مع هؤلاء الذين يسمون خطأ" (عربا") ؟ ! ! .
إن الواجب يحتم علينا أن نخوض المعركة على اختلاف معداتها , و الإعلام هو جزء هام
من هذه المعركة , لذلك لابد من وجود إعلام منظم يدفع هذه الهجمة الشرسة و يقف
بالمرصاد لكل نبأ مغرض و كاذب . يكشف الحقيقة بالصوت و الصورة , يسلط الضوء
على نقاط القوة في السياسة السورية و التي تتضح في الاستقرار الأمني و السياسي
الذي تتميز به سورية عن دول العالم أجمع . و في الوفاق الديني على اختلاف العقائد .
ذلك أن الغرض من الإعلام المعادي هو إظهار سورية بمظهر الضعف الأمني ليتاح
لأمريكا التدخل في شؤونها الداخلية , و فرض القانون الأجنبي عليها , و تحقيق التقدم و
الديمقراطية في سورية على الطريقة الأمريكية و على غرار ما تحقق في العراق و
أفغانستان و. . و يجب علينا توجيه رسالة إلى وسائل الإعلام المعادية من خلال رصد
جوانب القوة في السياسة السورية الخارجية أيضا" و علاقتها مع الدول الصديقة ذات
المصلحة المشتركة مع لمصلحة السورية في دفع العدوان الغربي عن منطقة الشرق
الأوسط و عدم السماح لأمريكا و حلفائها بتحقيق الشرق الأوسط الجديد حسب مصالحهم ,
من أجل السيطرة على مقدرات المنطقة الاقتصادية و إزالة الوطن العربي عن خارطة
العالم . ومن الواجب أيضا" أن ندعم دفاعنا عن قضيتنا من خلال إظهار حقيقة الأعداء
و الغاية من هجمتهم و التي لا تخفى على أحد منا , غير أنها يمكن أن تكون خافية على
البعض في دول العالم , و ذلك بسبب قوة الإعلام المعادي و قدرته على تصوير الضحية
على أنها جلاد , و تصوير الإرهابي على أنه حمامة السلام . و الأمثلة على ذلك كثيرة
وليس أقلها استشهاد محمد الدرة في حضن أبيه , و تصويره للعالم على أنه إرهابي هو
ووالده ما اضطر الصهاينة إلى قتله دفاعا" عن النفس .ومن الأساليب التي يمكن أن
تكون قوية في الرد على الهجمة الإعلامية الدخول إلى عمق الأعداء الأمني و السياسي و
الاقتصادي و إظهار الضعف الحقيقي الذي يعاني منه و نشره بكل تفاصيله الدقيقة , و
خاصة أن الهجمة الإعلامية المعادية منها ما هو عربي و منها
ما هو أجنبي , ولابد من الدفاع عن النفس بكل الوسائل المشروعة علما" أن أعداءنا
يستخدمون الوسائل غير المشروعة و التي تأبى علينا كرامتنا الوطنية استخدامها ضد
أعدائنا . و يمكن أن التوصل إلى النتائج المرجوة من ذلك من خلال تجنيد كل الطاقات
لخدمة المعركة , و بناء محطة تلفزيونية فضائية إخبارية يصل بثها إلى دول العالم