الحرية الإعلامية المسؤولة
بقلم / صالح بن عفصان الكواري
الإعلام، السلطة الرابعة كما يقولون هو أداة نقد ورقابة، والحرية الإعلامية المسؤولة هي وسيلة للبناء والتعمير وليس الهدم والتدمير ولا يمكن ضبط هذه الحرية إلا عبر إطار قانوني يحد من تفلتاتها ويشذب ممارستها لتحقق غاياتها في التعبير الحر وفي كشف أوجه القصور وإصلاح الرأي العام وتنويره بما يجري في محيطه المحلي والإقليمي او على المستوى العالمي.
والحرية الإعلامية المسؤولة ليست شعاراً من باب الترف، لكنها تعني صدق الممارسة واحترام الخصوصيات وحقوق الآخرين وحرياتهم أيضا.
نحمد الله أننا في دولة قطر نمارس هذه الحرية وبمسؤولية بعد أن مهدت الدولة لها بإلغاء وزارة الإعلام وإطلاق حرية التعبير وجعل الرقابة الذاتية هي المعيار والمراقب الحقيقي لأداء الأجهزة الإعلامية، وهي مسؤولية نتحملها ونعتز بالوفاء بمتطلباتها جميعاً في أجهزتنا الإعلامية وفي صحافتنا المحلية.
والدليل على الممارسة المسؤولة للحرية الصحفية في بلادنا واحترام الصحافة للقانون واحترام المشرّع للمهنة، أنه لم يتم حجب الرأي الآخر، ولم تغلق الصحف أو تصادر الطبعات أو يجرجر الصحفيون إلى السجون والمعتقلات. إنه التناغم المطلوب بين القانون والصحافة، طالما ضمن المشرع في مواد القانون حرية الصحافة المسؤولة وطالما التزمت الأخيرة بروح القانون ونصوصه التي تنظم الحقوق وتفصّل الواجبات.
لقد أكد العديد من التقارير ومنها تقرير اتحاد الصحفيين العرب قبل نحو عامين، أن قطر من أول الدول التي تحسنت فيها حرية الصحافة حيث لا منع من مزاولة المهنة ولا حجب لمعلومات ولا سجون وأغلال يساق إليها الصحفيون لمقال كتبوه أو وجهة نظر أبدوها أو جهة انتقدوها طالما كان ذلك في إطار القانون وبالدليل الثابت من دون تجن وتشف أو تصفية حسابات.
وفي هذا السياق، جاء الدستور القطري حامياً وضامناً للحرية الصحفية المسؤولة التي في إطارها يبدع الإعلام والصحافة طالما توفرت فرص ووسائل الحصول على المعلومة الصحيحة دون تقييد وعراقيل. لم تحجب أي صحيفة أو مطبوعة عن دخول قطر حتى ولو كانت تهاجم الدولة نفسها وسياستها، ولم يتم التشويش على إذاعة أو تشفير قناة فضائية بدعوى عدائها لقطر. وإذا كان هذا هو ديدن القانون وتعامله مع الصحافة الأجنبية، فلا أعتقد أنه سيأتي يوم نشهد فيه حجرا على الصحافة في قطر أو التضييق عليها في ظل حرية صحفية وإعلامية مسؤولة ارتضاها الجميع والتزموا بها.
لكن رغم كل ذلك وللأسف، هناك من يسعى إلى التشكيك في مصداقية الدولة تجاه حرية الصحافة، وتحين الفرص للتشويش على هذه الحرية بدون حق. هناك من يترصد كلمة هنا وأخرى هناك لينشر سمومه واتهاماته الباطلة ويتهم قطر بحبس الأنفاس وممارسة الرقابة والتضييق على الصحافة بما يؤشر حسب اعتقادهم إلى تراجع عن حرية الإعلام أو تبييت النية للانقضاض على هذه الحرية التي كبرت ونمت في هواء طلق عليل وأصبح الجميع يتنفس أريجها ويستظل بظلها الوارف الفسيح.
وجد البعض في قضية مركز الدوحة لحرية الإعلام واستقالة مديره فرصة أخرى للنيل من مصداقية الدولة وخطها الذي رسمته بنفسها لحرية الصحافة المسؤولة. لقد صدقوا ما كان يقوله روبير مينار بوجود عراقيل تعوق عمله. لم نر للمركز في عهد مينار أي إنجاز يحسب له، يريد مينار أن يشتم كيفما شاء ويهاجم من يشاء متناسياً أن للحرية المسؤولة حدودا وللدول سيادة وللآخرين حقوقا وحريات أيضاً، معتبراً أنه دائماً على حق وغيره هو الخطأ بعينه.
لا أريد أن أخوض في قضية المدعو مينار، فقد رحل غير مأسوف عليه، لكن سيبقى مركز الدوحة مدافعاً عن الحرية الصحفية المسؤولة دون شطط واتهامات بالحق والباطل.. سيبقى المركز منسجماً مع نفسه وأهدافه وسياسته في ترسيخ حرية الإعلام المسؤول وتعزيز حق التعبير واحترام خصوصيات الآخرين. وستبقى المسؤولية، هي الضمانة الوحيدة والأكيدة للإبداع والابتكار، وليس مينار او غيره هو الذي كان سيضمن ذلك.
وللتذكير فقط، فإن قطر أنشأت العديد من المؤسسات التي تعنى بالديمقراطية وبالحرية الصحفية، فبالإضافة إلى مركز الدوحة لحرية الإعلام هناك المؤسسة العربية للديمقراطية وهناك اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان وكلها ترعى وتساند في جانب من عملها الحرية الإعلامية المسؤولة وتنشط في تكريسها باعتبار أن الصحافة الحرة المسؤولة والواعية وسيلة مهمة من وسائل التطور وكشف الأخطاء والاختلالات لتوفر بذلك خدمة مهمة للمعالجة.
كما استضافت قطر مؤتمرات ولقاءات صحفية وإعلامية منها على سبيل المثال مؤتمر اليونسكو لحرية الصحافة في اليوم العالمي لحرية الصحافة لعام 2009 وصدر عنه إعلان الدوحة الذي دعا إلى ضمان حرية التعبير وسلامة الصحفيين والالتزام بأخلاقيات المهنة وتعزيز الحوار والتفاهم المتبادل مع العلم أن هذا المؤتمر هو الأول من نوعه الذي يعقد بدولة عربية. كما عقد الملتقى الأول للصحافة والإعلاميين. فدولة تستضيف مثل هذه المؤتمرات.. دولة ألغت وزارة الإعلام والرقابة وأطلقت حرية التعبير قبل أكثر من 14 عاماً، لا أعتقد أنها ستسير عكس التيار وتخطو إلى الخلف بعد كل ما تحقق من إنجازات في هذا الجانب نالت احترام وإعجاب الجميع.
من هذا المنطلق جاءت دعوة مجلس الشورى الوطنية الأخيرة التي أعلنها مدوية حين انتقد الأقلام الصحفية المأجورة والقنوات التي استغلت حرية التعبير للإساءة لقطر ومؤسساتها وقيمها الاجتماعية .
أخيراً أقول إننا نطمح في ممارسة صحفية مسؤولة وبحرفية، نكون فيها حراساً للحرية الصحفية المسؤولة، لنحميها بحسنا الوطني والقومي لتنمو وتزدهر وتؤتي أكلها بإذن الله حرية مسؤولة من دون رقيب ودون ضغوط اللهم إلا من سلطة ضمائرنا وأخلاقيات المهنة والقوانين المنظمة لها.