الخروج عن النص
رجال الأعمال والذاكرة التلفزيونية
د.مطلق سعود المطيري
حكاية المال وأهله في بلادنا تشبه إلى حد كبير في مكاسبها ووجاهة أصحابها المسلسلات التلفزيونية وممثليها في رمضان، يثار حولها صخب كبير ومعارضة واسعة في اختيار التوقيت، ولكنها في النهاية تربح الرهان في كسب الوقت والمشاهد، لتكون اسباب معارضتها هي بنفس الوقت وسائل تسويقها، والإقناع في محتواها الدرامي، حتى اصبح شهر الصيام وكأنه مهرجان فني لعرض المسلسلات، وتنافسها منافسة مضمون الفوز بها لكل مسلسل مشارك او معروض بهذا الشهر الفضيل، وهو فوز فعلي في الكسب المادي والنجومية، وليس كسب كما يقال شرف المشاركة وكفى بذلك فوزا.
رجال الاعمال هم نجوم الواقع، وهم الحاضرون بقوة في المشهد الحياتي شديد الابهار بانجازاته المحصودة - من الحصاد- لثلة قليلة من الناس، اخبارهم المنشورة تقول: ان جميع اعمالهم هي لوجه الله ثم للوطن الذي يسكنه حسب تعريف السيادة مواطنون، وحسب تعريف التجارة مستهلكون، التقرب من الله والانتماء للوطن قيمتان مقدستان بالعرف الاخلاقي، وهما سببا الخلود ذكرا في الدنيا، والنجاة في الآخرة ان صدقت النيات، وانشاء الله هي صادقة مادام الكسب مضمونا ومستمرا، أما إذا توقف الكسب فإن ذلك يتطلب نيات أخرى تتوافق مع انقطاع الربح، الى ان تعود حركة الكسب مرة ثانية، وتعود معها النيات الصادقة، وسبحان مقلب القلوب!
الناس في العمل والشارع، وكل من سكن البيوت وخرج منها، معارضون لارتفاع اسعار السلع بالاقبال على شرائها، وكأنها تقدم لهم مجانا، مثل معارضتهم توقيت عرض المسلسلات في رمضان بتسمر امام شاشة التلفزيون، ورجال الاعمال يتعمدوا إنتاج إعلانات تهبط بذوق المشاهد اكثر من جذب انتباهه اليها بذكاء مقبول، ولكن مع هذا التضاد الغريب تنجح حملة التسويق ليس لأنها مقنعة في تصميمها ولكن لأن جمهورها أصبح وعيه ذاكرة تلفزيونية أكثر منه وعياً مدركاً لحاجات معيشته، إن معرفة ثقافتنا الاستهلاكية التي تغني وتفقر في نفس الوقت ليست معرفة صادقة تعبر عن حقيقة احتياجاتنا كبشر ننفق لنعيش، ولكنها معرفة صنعتها قوى الكسب بنيات مخلصة لصدق مكسبها ومع هذه النيات نكون وهما يبحث عن وهم، ومع كل اعلان تجاري يفلس مواطن، ليعلوا اسم نجم تلفزيوني، ويرتفع رقم حساب تبقى آحاده في الداخل، وتسافر مئاته وآلافه للخارج ومع هذا نعلم ان الخير يخص والشر يعم إلا خيرنا يعم ولا يخص!.
آخر أخبار أهل أو أصحاب الأعمال لدينا، وليس العمل تقول: إن أحدهم طالب زملاءه اصحاب الارقام الفلكية في ثرواتها التبرع بثلث ثرواتهم لأعمال الخير في البلاد، وهذه حقيقة شجاعة وكرم وإيثار لم يسبقه عليها احد من زملائه، وهي دعوة تتفق مع المسلسلات التلفزيونية الرمضانية في التوقيت، ونتمنى ان يستمر عرضها ما بعد رمضان مثل ما يستمر عرض المسلسلات حتى لو كان استمرارا لا يضمن التوقف الاعلاني او تجدد رعاية المحسن السعودي لتلك المسلسلات.
إن فكرة التبرع هذه يجب التوقف عندها كثيرا، أولا لجدتها، ثانيا لحاجة المجتمع لها، ثالثا لأنها خرجت من اصحاب الدار، رابعا لاختبار النيات وصدقها وتكون هذه المرة الاولى التي يختبر صدقها بدون ان يحضر الكسب المادي، وحده الواجب الوطني هو الحاضر لاختبار النيات وصدقها، وبما ان الامر جديد، وجاء كمطالبة بالسير على خطى تبرع رجال الاعمال الامريكييين بجزء كبير من ثرواتهم، وليس على خطى رجال الاعمال السعوديين الذين ليس لهم خطى تذكر من قبل، وانشاء الله يظهر اثر خطاهم فيما بعد كمتبرعين بجزء من ثرواتهم لا يهم ان كان التبرع كبيرا أم صغيرا المهم أن يخرج شيئا منهم لأهل وطنهم او مستهلكي سلعهم.
رأس الامراض التنموية لدينا هو البطالة ومشكلتها مع المال وأهله هي توفير فرص عمل للعاطين، ولله الشكر التبرع أكبر بكثير من اعداد العاطين وسوف يضمن حاليا وفي المستقبل وظائف لطالبي العمل لمئة عام قادمة، أليس التبرع بثلث ثروة من جاؤوا على رأس قائمة اغنى رجال الأعمال في العالم ووسط القائمة وفي خاتمتها، تدلل يا عاطل، عفوا، يا مواطن مهما يكن مؤهلك سوف تعمل سوف تعمل، بما انني عاطل سابق استسمح الاخوة الزملاء العاطلين بالتحدث باسمهم لأطلب أو أتوسل أهل الثلث ان يثبتوا ثلث الثلث تبرعا من أموالهم في حياتهم وليس بعد موتهم ليكون علاجا لمرض تنميتنا المزمن (البطالة) وبهذا سوف يسجل لهم الوطن شهادة وفاء بحروف طاهرة وخالدة، ويكونوا اضافة وطنية في تاريخ الوطن العزيز وامجاده، وتكون لدينا قصة رجال اعمال جديدة لا تشابه المسلسلات التلفزيونية في رمضان، ومع هذه القصة نلغي الذاكرة التلفزيونية المثقلة بالرغبات والتمنيات، لتحل مكانها ذاكرة تكتب تاريخ الوطن بتضحيات ابنائه .