عولمة الرسالة الإعلامية أهم تطور إعلامي في العقدين الأخيرين لكن خارج البلدان العربية
كثيراً ما نسمع اليوم عن ظاهرة «العولمة» ونتائجها وآثارها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولا يمكننا أن نغض النظر عما يجري تحت مظلة هذه الظاهرة العالمية حتى وان كنا ممن يخالفون اوممن لا يؤمنون بالعولمة كظاهرة أخذت تضع بصماتها حتى على ما يمارسه الافراد يومياَ ناهيك عن المجتمعات التي انجرّت وراء هذه الظاهرة العالمية.
أما عن الاعلام، فما هي العلاقة بين العولمة والاعلام؟ هل ان الاعلام العالمي تأثر بالعولمة؟ أم ان العولمة هوانعكاس لظاهرة الاعلام العالمي الذي حمل الرسالة السياسية والاقتصادية والثقافية عبر وسائله التقنية؟
الحقيقة هي ان كلا الظاهرتين متلازمتان لا يمكن أن ينفكّ احدهما عن الاخر على الاقل في عالمنا المعاصر الذي طوى شوطا من الزمن توسعت فيه دائرة العولمة من ناحية وكثرت وتشعّبت وسائل الاعلام فيه من ناحية اخرى.
العولمة أثّرت وبحد كبير على الانشطة الاعلامية في عالمنا المعاصر ولا تخلو اليوم أية ظاهرة من ظواهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الاّ ولعبت فيها وسائل الاعلام دوراً يكاد أن يكون الاهم حتى بالنسبة لما تحتويه هذه الظواهر من معنا في المجتمعات المختلفة.
والدكتور ابو العينين يحمل شهادة الدكتوراه في الاعلام من جامعة الازهر عام 1986 وهو الان عميد كلية الالسن والاعلام في جامعة مصر العربية ورئيس قسم الصحافة ومستشار التدريب الاعلامي بمعهد الاهرام الاقليمي للصحافة. وقد انتج بجانب الابحاث المختلفة والكثيرة في المجال الاعلامي، كتبا منها:
«مقدمة في وسائل واساليب الاتصال (1987)»، «الوظيفة الاخبارية لوسائل الاعلام (1991)»، «الاتصال وبحوث التأثير (1995)»، «الصحافة العالمية: مسح لوسائل الاعلام في العالم (1993)، «قوانين الصحافة في الانظمة الاعلامية المعاصر (1996)».
في مقدمة كتابه أكّد البروفيسور ابو العينين ان الكثير من الباحثين يعتقد بأن عولمة الانشطة الاعلامية «تمثل أهم تطور أعلامي في العقدين الاخيرين من القرن الماضي. وأن هذا التطور سوف يحدد مسار هذه الانشطة طوال سنوات القرن الحالي، فضلاً عما يمثله ذلك من أهمية وتأثير في انظمة الاعلام الوطنية في دول العالم». ولكن هناك ايضا ملاحظات مهمة في هذا المجال لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار وهي:
اولاً: ان عولمة النشاط الاعلامي لم تتحقق بعد بالصيغة التي ربما تكون قد استقرت لدى الكثيرين. ثانياً: ان ما تحقق عينياً هوعولمة الرسالة الاعلامية بفضل سقوط الحواجز وهي ظاهرة «تقنية» اكثر من كونها ظاهرة سياسية أو ثقافية على الرغم من تأثيراتها السياسية والثقافية.
ثالثاً: ان درجات استجابة الانظمة الاعلامية الوطنية للتغييرات التي تفرضها عولمة صناعة الاعلام متفاوتة الى حدود بعيدة، الامر الذي ينفي بشدة حقيقة أن تكون العولمة سمة أساسية لانشطة وسائل الاعلام عبر مناطق العالم المختلفة في الوقت الراهن.
رابعاً: ان عولمة النشاط الاعلامي، حيث توجد الان، ليست ظاهرة حديثة تنتمي للعقدين الاخيرين من القرن الماضي، ولكنها تعبير عن تطور تاريخي تمتدّ جذوره الى القرن التاسع عشر، وان كانت خطاها قد تسارعت في الربع الاخير من القرن العشرين.
وقد كشفت الممارسات المختلفة في سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين عن دورين اساسيين قامت بهما وسائل الاعلام في المنظومة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية العالمية، وهوالدور الاقتصادي حيث تلعب فيه وسائل الاعلام دوراً مهماً. فقد أصبحت العولمة الاعلامية تمثل قيمة اقتصادية هائلة ومتنامية وبخاصة في ظل اقتصاد المعلومات الذي أصبح ألسمة الاساسية للاقتصاد العالمي، حيث بلغت استثمارات صناعة المعلومات تريليوني دولار عام 1995، وفي نهاية القرن (عام 2000) بلغت 3 تريليونات دولار سنوياً بعد ان كانت هذه الاستثمارات لا تتجاوز 350 مليار دولار عام 1980، وثانياً الدور الايديولوجي الذي يوفر بيئة معلوماتية وايديولوجية لدعم الاسس السياسية والاقتصادية والمعنوية لتسويق السلع والخدمات وتطوير نظام اجتماعي قائم على تحقيق الربح عبر الثقافات الوطنية المختلفة. والكتاب يحتوي على اربعة فصول اساسية. في الفصل الاول حاول المؤلف أن يستوعب مفهوم العولمة في بحوث الاعلام. فهذا المفهوم باعتقاد توسوفي كتابه المعروف «الامبراطورية الاكترونية: الاعلام العالمي والمقاومه المحلية» (1998) يمثل أحد المفاهيم الحديثة في الدراسات الاجتماعية بوجه عام بالرغم من كونه مفهوماً اقدم بكثير في مجالي الدراسات الاعلامية والتجارة الدولية والدراسات الاجتماعية.
وبصورة عامة فان دراسات العولمة في العلوم الاجتماعية تتسم بالتركيز على ظاهرتين اساسيتين، تحتل وسائل الاعلام ـ وخاصة التلفزيون ـ فيهما مكانة متميزة:
اولاً: الوسائل التي يسّرت بها الشركات متعددة الجنسيات عولمة رأس المال والانتاج.
ثانياً: الثقافة العالمية الناتجة عن ظهور نمط من الشركات متعددة الجنسيات يمتلك ويهيمن على وسائل الاعلام الجماهيرية مما سبب ظهور نمط من الثقافات والايديولوجيات ذات التوجه الاستهلاكي.
وتخضع أدبيات البحث في ظاهرة العولمة ايضاً للعديد من التصنيفات تؤكد بعضها على انها أحادية السبب mono-causual والاخرى متعددة الأسباب multi-causual ويرى المؤلف ان هناك تصنيفاً آخر اكثر ملائمة لتقديم شروح أفضل لظاهرة شديدة التعقيد مثل العولمة وهو تصنيف رباعي يرتكز على تمايز الاتجاهات التالية:
اولاً: مدخل النظم العالمية The World System Approach وهويبنى على التمييز بين دول المركز وشبه المحيط والمحيط من حيث طبيعة دور هذه الدول في تقسيم العمل الدولي الخاضع لسيطرة النظام الرأسمالي العالمي.
ثانيا: النموذج الثقافي العالمي Global Culture Model ونشأ هذا النموذج من البحوث التي تناولت عولمة الثقافة. ويهتم هذا المدخل بالمشكلات التي تسببها ثقافة متجانسة مرتكزة على وسائل الاعلام، وبخاصة التلفزيون، للهويات الوطنية.
ثالثا: نماذج المجتمع الدولي: Global Society Models ويعتقد اصحاب هذه النماذج بأن المجتمع العالمي ـ تاريخيا ـ قد اصبح حقيقة في العصر الحديث فقط، وأن العلم والتقنية والصناعة والقيم العالمية المتنامية أوجدت عالما مختلفاً عن اي عصر من عصور الانسان السابقة. رابعاً: مدخل الاقتصاد السياسي: Political Economy ويرتكز هذا المدخل على افتراض ان ديناميكيات الصناعات المنتجة للثقافة يمكن فهمها في ضوء الحتمية الاقتصادية. وينتمي هذا التوجه الى الغلاة من الماركسيين اللذين يعتقدون بأن ظاهرة العولمة هي نتاج هيمنة القوى الرأسمالية على التطور الاجتماعي والثقافي السائد عالمياً. وفي هذا المجال تمثل وسائل الاعلام ركناً اساسياً في تفسير هذا المدخل لظاهرة العولمة.
وفي الفصل الثاني حاول المؤلف أن يعكس رؤية تاريخية لمراحل عولمة النشاط الاعلامي كمحاولة لفهم الواقع الذي تنطوي عليه هذه الظاهرة ودلالاتها الاقتصادية والسياسية وتأثيراتها المستقبلية.
وينطلق نقاش المؤلف من افتراض اساسي في هذا المجال وهوأن هناك «ثمة علاقة وثيقة ربطت بين عولمة النشاط الاعلامي وتصدير الرأسمالية التجارية عبر تطورهما التاريخي، وأن تلك العلاقة هي التي تحكم التطورات الراهنة والمستقبلية في صناعة الاعلام من دون أن ينفي ذلك تدخل عوامل اخرى». ويدعم هذا الافتراض العوامل التالية:
1) التزامن بين ظهور النشاط الاعلامي خارج الاسواق الوطنية الرأسمالية وتصدير الرأسمالية الصناعية والتمدد التجاري في الاسواق الخارجية.
2) الاختلاف الموجود في عولمة الانشطة الاعلامية التي تطرح على الصعيد العالمي وتنعكس في الانظمة الاعلامية الوطنية الغربية.
3) خضوع اكبر نسبة من الانشطة الاعلامية الدولية لعدد من الشركات العالمية العملاقة ونموالشركات الاعلامية العالمية تبعاً لنموتلك الشركات.
4) وحدة العمل والمنشأ للشركات العالمية العملاقة مما يشير على انسجامها في الاصعدة المختلفة.
5) تماثل التوزيع الجغرافي للمستوى الذي تحقق من عولمة الانشطة الاعلامية مع توزيع الاستثمارات التجارية والصناعية للشركات العالمية متعددة الجنسيات مما يدل على انهما حقيقة واحدة.
6) الاختلاف في تأثير النشاط الاعلامي عبر الوسائل الاعلامية المختلفة. فصناعة التلفزيون مثلاً هي الاكثر تأثراً بسياسات العولمة.
ويستخلص الدكتور ابوالعينين من هذا الافتراض نتيجة مهمة وهي «ان الطابع التاريخي لظاهرة العولمة ينفي عنها صفة الاستمرار باعتبارها مرحلة تاريخية مرتبطة بالقوى الداعمة لها مما يفسح المجال امام العوامل الوطنية سياسية كانت ام اقتصادية ام ثقافية، للتعامل مع هذه الظاهرة» وهذا يعني من جهة اخرى ان عولمة النشاط الإعلامي ستزول اوستتغير اذا تغييرت معالم التجارة العالمية وان تكامل الاقتصاد الوطني سيلعب دوره في تعديل الانشطة الاعلامية لصالح الشعوب خلافاً لما تريده الشركات العالمية المتعددة الجنسيات.
وفي الفصل الثالث يستخلص المؤلف حقيقة مهمة في تجارب الثمانينيات والتسعينيات حول الاعتبارات الجيوبوليتيكية المؤثرة على عولمة النشاط الاعلامي، ويرى بأن قوى السوق قد أصبحت الوسيلة العالمية الاساس لتنظيم الانشطة الاتصالية، وأن المبادئ والقيم غير المرتبطة بقوى السوق يتناقض دورها في تنظيم صناعة الاتصال. وبالرغم من أهمية هذه الحقيقة في تنظيم العلاقة بين السوق العالمية وعولمة الاعلام فان الاعتبارات الجيوبوليتيكية تؤثر تأثيراً جاداً في تنظيم هذه العلاقة. فهذه العلاقة لا تعمل بدرجة واحدة عبر مناطق العالم المختلفة متأثرة بالاعتبارات الجيوبوليتيكية وآثارها في المراحل المختلفة. ولأهمية هذه الحقيقة فان الاستراتيجية الجديدة للشركات العالمية هي أن تصل الى قطاعات معينة من السكان داخل الاسواق الوطنية، أن الوصول الى هذه القطاعات تبدو وكأنها المسؤولية الحقيقية لوسائل الاعلام العالمية.
ففي الاقطار العربية على سبيل المثال، يعتقد المؤلف بأن العوامل السياسية هي المحدد الرئيسي لمدى استجابة الاعلام العربي للتحديات التي تفرضها عولمة الانشطة الاعلامية. فلا يخلواي قطر من هذه الاقطار من هيمنة الدولة على واقع الاعلام ومستقبله مما تحدّ كثيراً من خطى الاعلام العربي للتفاعل مع الانشطة الاعلامية العالمية.
وبحث المؤلف في الفصل الرابع والأخير تأثير العولمة على اتجاهات البحث الإعلامي وصنّف بحوث الاعلام المرتبطة بقضايا العولمة الى تيارين اساسيين:
1) تيار يحاول رصد التغييرات التي جاءت بها الانشطة الهادفة الى عولمة صناعة الاعلام وتأثيراتها.
2) تيار يحاول رصد تأثيرات تقنية الاتصال الحديثة على صناعة الاعلام.
فعلى الرغم من اهتمام بحوث الاعلام برصد الخطوات التي قطعتها صناعة الاعلام في سبيل تحقيق سوق عالمية للانشطة الاعلامية المختلفة، ولكنه يمكن رصد العديد من الدراسات خلال سنوات التسعينيات التي تمثل تياراً مناهضاً لظاهرة عولمة الانشطة الاعلامية وتقسيم هذه الدراسات الى اتجاهين:
الاتجاه الاول: وهو اتجاه يبدي الكثير من التحفظات على عولمة الانشطة الاعلامية التي يتم من خلالها تجاهل المصالح الوطنية، وانهاك اقتصادات الطبقات الوسطى في المجتمع، واضعاف قدرات المجتمعات المحلية على الابداع والابتكار في ظل المنتجات الثقافية الجاهزة التي تقدمها وسائل الاعلام الى الجمهور. ولكن المؤلف يؤكد على ان تأثير هذا الاتجاه ضعيف في مواجهة قوى العولمة وما تحققه يوماً بعد يوم على أرض الواقع.
الاتجاه الثاني: وهو الاتجاه الذي يقبل بوجود عولمة الانشطة الاعلامية مدفوعة بدوافع الربح المادي.
وهذا الاتجاه هو أقوى الاتجاهات المناهضة لعولمة الانشطة الاعلامية سواء في مجال البحوث أم في مجال التحركات الاجتماعية الفعلية