المحاضرة الثالثة :العولمة الاعلامية وصدام الثقافات
تقديم : الاستاذ :عبد المالك صاولي-2014-2015
لم يعد الاعلام كما كان في بداية القرن العشرين في صورته القديمة مستغلا الوسيلة التي توصل اليها الانسان فحسب ،بل ان العقدين الاخيرين شهدا تطورا مذهلا ، ليس على هذا المستوى ،بل واكب ذلك تطور على مستوى الافكار والثقافات بما يحقق تخطي الحدود والهيمنة على ثقافات الشعوب بل تعداه إلى تكوين مجموعات أو شركات ، إعلامية أخطبوطية لها أذرع في كل مكان، ولها وجود في كل صنف من الإعلام.. تشارك في القرار السياسي وتؤثر في النشاط الاقتصادي.. توجه المجتمعات وتقود الأمم في الفكر والثقافة، في الفن والرياضة، في الدين والأخلاق. نعم! هي مستقلة –مالياً- لكنها مرتبطة في الثقافة،و في الفن والرياضة، في الدين والأخلاق. نعم! هي مستقلة –مالياً- لكنها مرتبطة بصفةٍ مَّا بالدول التي تنطلق منها،بل قل مرتبطة بمالكيها ومؤسسيها بما يتمتعون به من خلفية ثقافية واجتماعية.
العولمة في اللغة :
لم يكن لمفهوم العولمة أي وجود قبل منتصف عقد الثمانينيات ، بل إن قاموس اكس فورد للكلمات الإنجليزية الجديدة أشار لمفهوم العولمة للمرة الأولى عام 1991 ، واصفا إياه بأنه من الكلمات الجديدة التي برزت خلال التسعينات .
وهو يعني بالانجليزية globalization وفقا لمعجم ويبسترز الإنجليزي . وهو يعني:
( إكساب الشيء طابع العالمية وخاصة جعل نطاق الشيء أو تطبيقه عالميا " . وباللغة الفرنسية نفس الشيء la mondialisation .)
الثقافة: كثرت المعاني التي أطلقت على كلمة ثقافة في اللغة ومن هذه المعاني ما يفيد، الحذق والفطنة والذكاء, يقال ثقف الشيء إذا ادركه وحذقه ومهر فيه , والثقيف هو الفطين وثقف الكلام فهمه بسرعة .
الثقافة تعتبر النمو التراكمي على المدى الطويل : بمعنى أن الثقافة ليست علوماً أو معارف جاهزة يمكن للمجتمع أن يحصل عليها ويستوعبها ويتمثلها في زمن قصير ، وإنما تتراكم عبر مراحل طويلة من الزمن ، تنتقل من جيل إلى جيل عبر التنشئة الاجتماعية .
الحضارة:جملة مظاهر الرقي العلمي والفني والأدبي والاجتماعي التي تنتقل من جيل إلى جيل في مجتمع أو مجتمعات متشابهة، وعرفها مالك بن نبي بأنها "جملة العوامل المعنوية والمادية التي تتيح لمجتمع ما أن يوفر لكل فرد من أفراده جميع الضمانات الاجتماعية اللازمة للتقدم.
اما المدنية :هي نمط المعيشة والرفاه الذي يظهر على المجتمع وهو يستعمل الهياكل المادية المتاحة باساليب الرقي والتشبع المعرفي والثقافي .
وعليه تشكل هذه المصطلحات الثلاثة عمق الحضارة والرفاه العلمي والمعيشي والعلائقي لشعب ما من الشعوب.
اما العولمة فلها معاني متعددة يمكن تلخيصها في التعاريف الاتية:
1-العولمة تعني إلغاء الحدود والحواجز :
وأشهر هذه التعريفات تعريف رونالد روبرت سون الذي قدمه عام 1987 ، حيث قال :إن العولمة هي عملية لبلورة العالم في مكان واحد ، وأن يفضي ذلك إلى ظهور حالة إنسانية عالمية، وفي كتابه عن العولمة الذي وضعه عام 1997 وترجم إلى العربية 1998 عرف العولمة بأنها تشير إلى ضغط العالم وتصغيره من ناحية ، وتركيز الوعي ككل من ناحية أخرى ، وتعريف روبرت سون يركز على إلغاء الحدود والحواجز بين الأفراد والدول ، مما يعني ضغط العالم وتصغيره وزيادة الوعي به ككل .
ويعرف أنتوني جينز:العولمة بأنها مرحلة جديدة من مراحل بروز وتطور الحداثة تتكثف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي ،حيث يحدث تلاحم غير قابل للفصل بين الداخل والخارج ، ويتم فيها ربط المحلي والعالمي بروابط اقتصادية وثقافية وسياسية وإنسانية ،ما يعني بداية الغاء الحدود جزئيا.
أما تعريف لودج : يعرف العولمة بأنها :
( العملية التي من خلالها تصبح شعوب العالم متصلة ببعضها في كل أوجه حياتها ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وتقنيا وبيئيا )، وهو تعريف بسيط ومركز لكن مع التسليم بأن العولمة هي اتصال شعوب الأرض ببعضها البعض ، فإن درجات هذا الاتصال تتفاوت تبعا للظروف الاقتصادية للشعوب ، بل إن أنماط هذا الاتصال تختلف نظرا لاختلاف عادات وتقاليد وطبائع الشعوب .
2- العولمة تعني ثورة تكنولوجية واجتماعية :
العولمة شكل جديد من أشكال النشاط تم فيها الإنتقال بشكل حاسم من الرأسمالية الصناعية إلى المفهوم ما بعد الصناعي للعلاقات الصناعية ، وهذا التحول تقوده نخبة تكنولوجية صناعية تسعى إلى تدعيم السوق الكوني الواحد بتطبيق سياسات مالية وائتمانية وتكنولوجية واقتصادية شتى ، وهذا التعريف يرى أن التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم وتدفعه نحو ضغطة وعولمته إنما ترجع إلى الثورة التكنولوجية التي بإمكانها أن تحول العالم إلى سوق واحدة ، والمثال بارز على ذلك هو شبكة الانترنت التي أحدثت ثورة بارزة في أنظمة الاتصالات وأحدثت تغيرا كبيرا في بعض أشكال الحياة الاجتماعية كظهور السوق الإلكتروني والتجارة الإلكترونية .
3 - العولمة حقبة تاريخية :
وينزع هذا التعريف للعولمة إلى اعتبارها حقبة مجددة من التاريخ أكثر منها ظاهرة اجتماعية أو اطارا نظريا ، وهي تبدأ بشكل عام منذ بداية ما عرف بسياسة الوفاق التي سادت في الستينات بين القطبين المتصارعين في النظام الدولي آنذاك ، وهما الو.م.أ والإتحاد السوفياتي ، إلى أن إنتهى الصراع والذي يرمز له بانهيار حائط برلين الشهير ونهاية الحرب الباردة .
كما اعتبرت العولمة درجة من درجات تطور النظام الرأسمالي العالمي ، ويتم فيه التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية لدول ذات السيادة أو الانتماء إلى وطن محدد أوإلى دولة معنية.
4 – العولمة تعني هيمنة القيم الأمريكية :
هذا مفهوم عبر عنه المفكر الأمريكي الياباني الأصل فرانسيس فوكوياما ( نهاية التاريخ وخاتم البشر أو الإنسان الأخير) والذي اعتبر فيه سقوط الإتحاد السوفيتي وانهيار الكتلة الاشتراكية انتصارا حاسما للرأسمالية على الشيوعية ووفق هذا المنظور فالعولمة بالمعنى المعياري للكلمة ظاهرة جيدة ، وتمثل تقدما في التاريخ لأنها ترمز في الواقع إلى انتصار ظواهر التحديث وسيادة الديمقراطية كنظام سياسي.
ويقدم إبراهيم نافع مبررات موضوعية للعولمة باعتبارها رمزا للهيمنة الأمريكية في الوقت الراهن وهي :
1 - قوة الاقتصاد الأمريكي وحجمه .
2 - ضعف الوزن النسبي للأطراف الأخرى .
3 - هزيمة الأسس الفلسفية والسياسية والاجتماعية التي قامت عليها نماذج أخرى .
4 - ثقل التقدم التكنولوجي الأمريكي قياسا بما يحققه الآخرون .
5 - نجاح الو.م.أ في إقامة نظم ومؤسسات دولية تكفل لها الهيمنة وتجعل لها الكلمة العليا .
النشأة التاريخية لظاهرة العولمة .
حدث جدل كبير بين المختصين في كون العولمة ظاهرة جديدة او قديمة او جديدة لها جذور تاريخية:.
1– العولمة ظاهرة قديمة:
العولمة في الاصل قديمة قدم الانسان الذي يطغى عنده الانا على حساب الاجتماع ، على اعتبار ان الانسان اناني بطبعه وفي نفس الوقت اجتماعي بطبعه ، حيث انه يسعى للاجتماع وهي ظاهرة ايجابية ،حتى اذا تمكن من ذلك ثار عنده عنصر الانا –وهي ظاهرة سلبية في الانسان ،وبين الظاهرتين تنازع كما لو انها النواة التي بداخلها الكترون وبروتون ،وهذه سنة كونية لاضفاء طابع الديناميكية على الحياة .
فالبشرية منذ منذ فجر التاريخ تتصارع من اجل البقاء والبقاء يكون للاقوى عند غياب القيم الانسانية ، بل ان الاضعف لا يتخلص منه بل يجعل في خدمة الاقوى ،هذا حتى تحصل له اللذة الكاملة في الحياة ،وهذا منطق الفراعنة والاقطاعيين وهو منطق الصراع بين الامبراطوريات القديمة.
وقد ظهرت القوى العظمى في العصور القديمة كما هو حال في الوقت الراهن ، حيث ظهر في اليونان القديمة قوة إقليمية عظمى هي الدولة المقدونية ، بقيادة "فيليب " والد الإسكندر الأكبر ، وحين تولى الإسكندر الحكم وكان عمره 17 سنة بدأ باجتياح الدول الأخرى وبدأ في غزو بلاد الشرق ، فحقق غزواته ، وتواصلت انتصاراته العسكرية والسياسية ، ولكنه لم يحقق عولمة الفكر اليوناني كما توقع – بمعنى أن تكون الثقافة اليونانية والفكر اليوناني هو فكر العالم وثقافته وبغض النظر عن أنه قد حقق العولمة اليونانية المركزية أم لا ، فقد كان الإسكندر الأكبر عالمي النزعة ، ويحلم بتوحيد شعوب أوروبا وأسيا كخطوة في سبيل قيام حكومة عالمية يذوب فيها الجميع.
العولمة والعالمية:
بين عالمية الاسلام والعولمة وشمول الشريعة الاسلامية لكل مناحي الحياة وشمول العولمة صراع تاريخي وربما اعتبرهما البعض شيء واحد او متناقضتين او بينهما عموم وخصوص،ربما من خلال البحث المتاني نجد ان بينهما اتفاق في نقطة هامة وهي الدين الذي هو مركز الصراع التاريخي ،وتتفق الاثنتان في سواد دين عالمي واحد وهو الابراهيمية باعتبار الديانات الشهيرة –اليهودية والمسيحية والاسلام دين واحد من اصل ديانة سيدنا ابراهيم ومن هنا ظهرت فكرة حوار الاديان ،لان الاسلام يقر بهذه الاديان فقط وانه يذكر ان غير الاسلام محرف ،وهنا محل النزاع ، وعليه فان عالمية الاسلام من المنطلق الديني مقبولة وتختلف عن العولمة التي تعني الهيمنة والغاء الاخر وتمثل صراع القوى وفقا لما كان في الامبراطوريات القديمة ومن اهم اهداف العولمة سواد دين واحد كما يريده القوي وثقافة واحدة مع اهمال او محاربة الثقافات الاخرى او عدم توفير الاجواء لنموها وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يداهم البشرية ، وهو عين الاستعمار التقليدي الذي يجعل من الشعوب الضعيفة خدم للكبار ولمن رفض ذلك فليس له جزاء الا الموت اوالاذلال ، بينما نجد عالمية الاسلام تعرض البديل الاسلامي على الشعوب فمن قبله والا كما قال القران (لكم دينكم ولي ديني) وقال تعالى ايضا
لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي).
2 – العولمة ظاهرة بدأت في العصر الحديث :
قدم رونالد روبرتسون في دراسة مهمة عن النشأة التاريخية للعولمة ، فرصد لنا المراحل المتتابعة للعولمة وامتداد عبر الزمان والمكان ، وينقسم هذا النموذج إلى خمس مراحل كما يلي :
- 1المرحلة الجنينية : وقد استمرت في أوربا منذ بواكير القرن الخامس عشر ، حتى منتصف القرن الثامن عشر .
- 2 مرحلة النشوء: وقد استمرت في أوربا أساسا من منتصف القرن الثامن عشر حتى عام 1870، وما بعدها حيث حدث تحول حاد في فكرة الدولة المتجانسة الموحدة، وأخذت تتبلور المفاهيم الخاصة بالعلاقات الدولية.
-3 مرحلة الانطلاق : واستمرت من عام 1870 حتى العشرينيات ( القرن العشرين ) ، ظهرت المفاهيم كونية ، وظهرت مفاهيم تتعلق بالقوميات والفردية ، وتم إدماج عدد من المجتمعات غير الأوربية في المجتمع الدولي ، ونشأت في هذه المرحلة الكبرى الأولى عصبة الأمم .
-4 مرحلة الصراع من أجل الهيمنة : واستمرت من العشرينيات حتى منتصف الستينيات ، وهي المرحلة التي شهدت وجودهيئة الأمم المتحدة.
- 5 مرحلة عدم اليقين : والتي بدأت منذ الستينيات وأدت إلى إتجاهات وأزمات في التسعينات ، وقد تم إدماج العالم الثالث في المجتمع العالمي ، وتصاعد الوعي الكوني ، وحدث هبوط على القمر ، وتعمقت القيم ما بعد المادية ، وشهدت المرحلة نهاية الحرب الباردة ، وشيوع الأسلحة الذرية ، وزادت – إلى حد كبير – المؤسسات الكونية والحركات العالمية ، وانتهى النظام الثنائي القطبية ، وزاد الإهتمام في هذه المرحلة بالمجتمع المدني العالمي ، وتم تدعيم نظام الإعلام الكوني .
3- العولمة بدأت مع سقوط الشيوعية :
يرى أصحاب هذا الرأي أن العولمة ظاهرة حديثة ، وأنها لم تظهر إلا في التاريخ المعاصر،وأن ظهور العولمة مرتبط بسقوط الاتحادالسوفيتي السابق عام 1988،وانتهاء فترة الحرب الباردة بكل ماكانت تحمله من حروب وخلافات وصراعات شغلت العالم طوال القرن العشرين،وأسفرت عن تحول النظام الثنائي إلى نظام أحادي القطبية تسيطر فيه الولايات المتحدة علي النظام العالمي من خلال المؤسسات الدولية الجديدة كمنظمة التجارة العالمية ، والمنظمات القائمة كالأمم المتحدة ،والمنظمات التابعة لها ، ومن أبرزهم عالم السياسة الأمريكي صامويل هنتنجتون الذي خرج بنظرية الصدام بين الحضارات ، وكذلك فرانسيس فوكوياما الذي يعد لحظة ميلاد العولمة هي لحظة الرضا التاريخي للرأسمالية المنتصرة علي الشيوعية الذي لم يكن يتوقعه ،وقال إنه كان مع كثيرين من كافة المذاهب السياسية من اليمين واليسار والوسط ومن الشرق والغرب اتفقوا على أن الشيوعية لم تهزم ،وأنها ستستمر ، ولذا فقد جاء انهيارها في نهاية الثمانينيات أمرا يكاد يكون مفاجئا تماما.
العولمة الإعلامية :
في سبيل وضع تحديد لمفهوم العولمة الإعلامية ناقش جيدنز عولمة وسائل الإعلام على أنها ضغط للزمان والمكان ،وهي سمة رئيسية في العالم المعاصر ، و أشار إلى أن عولمة الإعلام هي الامتداد أو التوسع في مناطق جغرافية مع تقديم مضمون متشابه ،وذلك كمقدمة لنوع من التوسيع الثقافي ،وأكد جيدنز أن وسائل الاتصال التكنولوجية الجديدة جعلت من الممكن فصل المكان عن الهوية ، والقفز فوق الحدود الثقافية والسياسية ، والتقليل من مشاعر الانتساب أو الانتماء إلى مكان محدد ،وشدد جيدنز على أهمية دور الإعلام في خلق وتضخيم الحقائق اعتمادا على الصور والرموز .
فالعولمة الإعلامية بهذا المعني تشير إلى وحدة المضمون الإعلامي مما يحقق تنوعا و تعددا و جماهيرية أكثر لدى المتلقين ، و أنها تعمل على تآكل الحدود التــقليدية للدول ، فبالرغم من أنها أحد فروع العولمة إلا أنها تؤدي إلى مزيد من العولمة ، و تعمل على نشرها بين أرجاء المعمورة ، و أنها انطلاقا من نفس الغاية تقلل أهمية الهوية و الانتماء إلى وطن بـعينه ، و بإمكان القنوات الإعلامية أن تضخم ما تريد تضخيمه ، وتهمش ما يريد القائمون عليها إهماله .
والعولمة الإعلامية هي مزيد من التركيز في ملكية وسائل الإعلام والتكامل الرأسي والتكنولوجيا الجديدة ، وتخفيف القيود ، ومن شأن هذا خلق فرص جديدة أمام المستهلكين (حرية انتقاء الإعلامي ) وتخفيض تكلفة التكنولوجيا وخلق فرص جديدة للعمل ، فالتنافس سيصبح من مصلحة المستهلك . في ظل استمرار الصراع بين الرأسمالية العالمية المتمثلة في الشركات الكبرى متعدية الجنسية والدولة القومية في مجال الثقافة والإعلام .
بينما نجد فريقا آخر بعارض عولمة الإعلام ويرفض ما يقال من إيجابياتها ، مثل هربرت تشللر الذي يعتبر عولمة الإعلام نفيا للتعددية الثقافية ، وإنتصارا للقيم الإقتصادية الليبرالية الناشئة عن مبدأ المنافسة والربح والخسارة ، وتحويل المضامين الإعلامية إلى سلع تخاطب جمهور الكوكب الأرضي بواسطة الشركات المتعملقة .
وفي الإطار نفسه يرى تشومسكي أن عولمة الإعلام هي الزيادة في الإعلان ، خاصة الإعلان عن السلع الأجنبية ، والتركيز في ملكية وسائل الإعلام الدولية،وبالتالي انخفاض التنوع والمعلومات مقابل الزيادة في التوجه للمعلن،هذا من جهة،ومن جهة أخرى يرى اخرون ولتوضيح العولمة الإعلامية بأنها سلطة التكنولوجية ذات المنظومات المعقدة بانها لا تلتزم بالحدود الوطنية للدول ، وإنما تطرح حدودا فضائية غير مرئية ، ترسمها شبكات اتصالية معلوماتية على أسس سياسية واقتصادية وثقافية وفكرية لتقيم عالما من دون دولة ومن دون أمة ومن دون وطن ، وهو عالم المؤسسات والشبكات التي تتمركز وتعمل تحت إمرة منظمات ذات طبيعة خاصة وشركات متعدية الجنسيات ، ويتسم مضمونها بالعالمية.
وبهذا يمكن اعتبار ان العولمة الإعلامية عملية تهدف إلى التعظيم المتسارع والمستمر في قدرات وسائل الإعلام والمعلومات وقدرتهاعلى تجاوز الحدود السياسية والثقافية بين المجتمعات ، بفضل ما توفره التكنولوجيا الحديثة من التكامل والاندماج بين وسائل الإعلام والاتصال والمعلومات ، وذلك لدعم عملية توحيد ودمج أسواق العالم من ناحية ، وتحقيق مكاسب لشركات الإعلام والاتصالات والمعلومات العملاقة متعددة الجنسيات على حساب تقليص سلطة ودور الدولة في المجالين الإعلامي والثقافي من ناحية أخرى .
يقول بيل جيتس: العولمة بدأت لتوها ، وسوف تستغرق تطوراتها عقودا عدة قادمة ، وستدفعها إلى الأمام التطبيقات الجديدة ، أي الأدوات الجديدة التي ستلبي غالبا حاجات غير متنبأ بها حاليا .
سمات العولمة الإعلامية :
يتسم الإعلام في عصر العولمة بعدد من السمات ، من أهمها :
1 – أنه إعلام متقدم من الناحية التكنولوجية ، ومؤهل لتطورات مستقبلية جديدة ومستمرة تدفع به إلى المزيد من الانتشار المؤثر في المجتمعات المختلفة.
2- هيمنة الشركات الأمريكية على قطاع الإعلام والاتصال والترفيه :
والمقصود بالهيمنة هنا هي السيطرة على الملكية، والسيطرة على محتوى وتوجهات المضامين والأشكال المنتجة، حيث يوجد في العالم ست مجموعات رئيسية كبرى تعمل في الأنشطة الإعلامية ولها حضور دولي كبير يتفاوت من مؤسسة لأخرى، أربعة منها أمريكية ،وواحد أوروبية ،وواحد أسترالية أمريكية ،وهي : مؤسسة تايم وورنر ، مجموعة برت لزمان ، مجموعة فياكم ، مؤسسة ديزني ، نيوز كوربريشن ، مجموعة تي سي تي ، وهناك مجموعات دولية أخرى على صنفين :
الأول : يمثل النشاط الإعلامي جزءا من النشاط الاوسع للشركة الأم.
الثاني :مجموعات إعلامية أصغر من حيث الدخل ،وإلا فإنها إمبراطورية إعلامية لا يقل داخلها عن مليار دولار سنويا ،وأبرزها وأكثرها تواجدا على الساحة الدولية : يونيفرسال ، بولي جرام ، سوني للترفيه، جينرال إلكتريك ، مجموعة هولنجر .
3- التكامل الرأسي : من سمات الإعلام في عصر العولمة أيضا ظهور الشركات العملاقة ومتعددة الجنسيات وقيامها بالملكية المتعددة لوسائل إعلامية وأنشطة متعددة من نشر كتب وصحف إلى محطات إذاعية تلفزيونية إلى استوديوهات إنتاج سينمائي وتلفزيوني ...الخ .
4- وجود علاقة بين الشركات المتعددة الجنسية والوطن الأم : وهذه العلاقة هي علاقة تعاون وتكامل وذلك رغم ما يقال عن أن هذه الشركات ليست لها جنسية وليس لها وطن وإنما هدفها مادي أينما كان إلا أن الواقع أنها المؤسسات وطنية لها عمليات دولية .
5- انتشار عمل الشركات العملاقة عبر وكلاء محليين ..
وذلك في إطار عمليات إعادة البث وشراء البرامج والإنتاج المشترك والاستثمارات الخارجية عبر وكلاء محليين ، حيث برزت المكاسب الإقتصادية المترتبة على هذه الشراكة والتي لا تراعي احتياجات السوق المحلية بقدر سعيها لخلق احتياجات محلية زائفة تتماشى مع مضامين والصور المعولمة والتي ينتج تسويقها وفق آلية الإنتاج الضخم وتحقيق مزايا تنافسية .
6- تراجع دور الدولة في النظام الإعلامي الدولي :
في ظل الثورة التي أحدثتها تكنولوجية الاتصال فإن دور الدولة تراجع بصفة عامة ، وبدأت أهمية حدودها الجغرافية تتآكل وبالتالي بدأت سيطرتها على وسائل الإعلام تقل حيث لم تعد تقوم بوظيفة تنظيم ورقابة النظام الإعلامي على المستوى المحلي أو الوطني قبل ان كانت هي التي تمنح تراخيص وإدارة المؤسسات الإعلامية وتقوم بسن القوانين المنظمة لعمل هذه المؤسسات وتنفيذ هذه القوانين ثم الرقابة على تدفق المعلومات عبر حدودها الوطنية .
7 – لا يشكل الإعلام المعولم نظاما دوليا متوازنا : لأن كل مدخلا ته ومراكز تشغيله وآليات التحكم فيه تأتي من شمال الكرة الأرضية وهذا ما أدى إلى هيمنة الدول المتقدمة عليه في مقابل تبعية الدول النامية له .
حيث فقدت الدول في ظل العولمة الإعلامية القدرة على التحكم في تدفق الأفكار والقيم والقناعات فيما بين المجتمعات والأجيال ، وفقدت الدول السيطرةعلى التداول الحر للأخبار والمعلومات.
ويكمن أن نجمل المظاهرالايجابية للعولمة الإعلامية في النقاط التالية :
1 – التكامل والاندماج بين وسائل الإعلام الجماهيري وتكنولوجيا الاتصال وتكنولوجيا المعلومات :
فمع تطور الحاسبات وشبكات الهاتف وشبكات المعلومات واستخدام تكنولوجيا البث الفضائي ظهرت تكنولوجيا الإتصال متعدد الوسائط وتكنولوجيا الإتصال التفاعلي بتطبيقاتها المختلفة .
2- إعادة تعريف الإعلام أو الإتصال الجماهيري : حيث تفتح تكنولوجيا الإتصال أفاقاجديدة لإستخدامات ووظائف جديدة لإتصال ، كما تحطم هذه الثورة الفواصل التقليدية بين الإعلام أو الإتصال الجماهيري من جهة و الاتصال الشخصي من جهة ثانية ، وتقود نحو نمط إتصالي جديد يتسع لكل أنماط الإتصال هو الإتصال التفاعلي،القائم على التفاعل الحر والمباشر بين المرسل والمستقبل وتبادل أدوار الاتصال بين الطرفين ، علاوة على اتساع وتناول حرية المتلقي في الاختيار .
3- تزايد أهمية اقتصاديات الإعلام والاتصالات والمعلومات :على النحو الذي رصدت فيه ظاهرة الاندماج والتكامل بين المؤسسات العاملة في هذا الميدان وتضخم ميزانياتها وأرباحها ، وهو الأمر الذي لا يقتصر على كونه نشاطا اقتصاديا فحسب ، وإنما ينطوي على البعد الثقافي ، حيث تظل المضامين الإعلامية الواردة من هذه المؤسسات أسيرة النظرة التي يعتقدها مالكوها للعالم .
التطبيقات السلبية للعولمة:
أولا : الهيمنة الأمريكية على الإعلام الدولي :
بالرغم من الأفاق الرحبة التي يفتحها الفضاء العالمي الجديد ، فإن ما يسمى بعصر مجتمع الإعلام هو أيضا عصر الهيمنة على العقول،فان الحرية الإعلامية لا تقتصر على مفهوم تعدد البدائل المتاحة أمام الجمهور المتلقي ، مما يوفر له حرية الانتقاء ، وإنما تمتد لتشمل التساؤل :هل يمكن ان يكون هناك تعدد في ظل هيمنة دولة واحدة على الإعلام الدولي .
ثانيا : سيطرة الشركات العملاقة على الإعلام الدولي :
من تلك الشركات التابعة للدولة الام –المهيمنة- ما يجعل الدول التابعة تفقد سيادتها، بظهور الشركات المتعددة الجنسيات،
كفاعل جديد يتمتع بقدرات مالية وتكنولوجية وفنية كبيرة ، يستطيع من خلالها التأثير بقوة في تدفق المعلومات والأراء ولإنتاج.
ثالثا : أنها عولمة لا توفر حرية التبادل الثقافي :
توضح لنا الدراسة المتأنية أن العالم لا ينمو نموا يفرز التلاحم والالتئام حقا ، فلم تتحقق القرية الكونية كما تصورها مارشال ماكلوهان ، وإنما تحققت قرية واحدة يتفاوت مستوى معيشة ساكنيها ، ويتحكم في فضائها الإعلامي قلة ممن يملكون الأموال والتكنولوجيا الحديثة، يفرضون عليهم ما يريدون بثه أو نشره أو إذاعته ، دون أن يحقق ذلك تبادلا عادلا أو حوارا متكافئا .
رابعا : تقلص دور الدول – وخاصة الدول النامية – في شغل فضائها الإعلامي :وتتعلق هذه الإشكالية بأنماط تفاعل واستجابة الدول النامية – ومن بينها الدول العربية – بكل مؤسساتها خاصة الإعلامية لعولمة الإعلام وانهاءاحتكارها لمجال البث الإذاعي والتلفزيوني ، وفرض الرقابة على المضامين الاعلامية .
خامسا : إشكالية التخمة المعلوماتية :
يرى الكثير من الباحثين أن كثرة المعلومات مشكلة مثل ندرتها ، حيث يصعب التعامل مع الكم الكبير المتوافر في وسائل الإعلام المتعددة والمتنوعة من وسائل تقليدية كالصحف والراديو والتلفزيون ، ووسائل غير تقليدية مثل شبكات المعلومات الكثيرة ، والمسألة ليست مجرد معلومات ، فكم جامع للمعلومات وهو لا يدري كيف سيتصرف فيها،بما يسمى بالتخمة المعلوماتية، التي تقدمها وسائل الإعلام المعولمة ، وشبكة الأنترنت بصفة خاصة ، تسبب أضرارا كبيرة بقدر ما تحمله من معلومات نافعة ،، وهذه الأضرار على نوعين:
أحدهما: ما يتعلق بالمعلومات الخاطئة ، سواء عن حسن النية أو سوء النية .
وثانيهما: الأضرار التي تسببها كثرة المعلومات على مختلف الاصعدة، في ظل هذه السيطرة الإعلامية من قبل الشركات العملاقة التي تنتمي معظمها إلى الو.م.أ كوطن الأم ، ،المتفوقة في جانب الاتصالات ،أما الإعلام فلا يوجد لها منافس حقيقي في الساحة ، خصوصا إذا انتبهنا إلى الأسلوب المستخدم في الإعلام ( المرئي على وجه الخصوص ) والذي يعتمد على الإيحاء والخيال الواسع والصوت والحركة لإيصال الرسالة الإعلامية وتفرض ذلك على مختلف الدول من باب الحريات العامة وحقوق الإنسان والإعلام الحر وتبادل الثقافات وحوار الحضارات ، وهذه الشركات الإعلامية تتحرك بمساعدة حكومية من بلدانها الأم ، وهي تنظر إلى الناس في كل مكان على أنهم مستهلكون لسلع ينتجونها ، ولا ينظرون إليهم بصفتهم مواطنين في بلدانهم لهم ثقافتهم الخاصة وعقائدهم المميزة.
واذا نظرنا الى التدفق المعلوماتي فان الاحصائيات تشير إلى أن 97% من الأجهزة المرئية موجود في دول الشمال،فضلاً عن 87% من الأجهزة المسموعة من مجموع ما تملكه دول العالم.
ان دول الشمال هي المصدر الأساس لأكثر من 90% من مصادر الأخبار.
وتنطبق هذه الحقائق على شبكة المعلومات العالمية ( الإنترنت ) فقد أصبحت لغات هذه الدول لاسيما اللغة الإنكليزية هي المهيمن الكامل على اللغات المستخدمة في مجال الإنترنت.
ذلك أن معطيات 88% من الإنترنت تبث باللغة الإنكليزية مقابل 9% بالألمانية و 2% بالفرنسية فيما يوزع 1% على بقية لغات العالم. ويتركز 60% من مجموع شبكة الإنترنت في العالم في الولايات المتحدة و 26% في دول أوروبا فيما تضم بقية دول العالم 14% فقط.
الأمر الذي يوضح لنا بجلاء مدى الهيمنة الكاملة والواسعة جداً لوسائل إعلام دول الشمال ومدى الاختلال الكبير الذي تعانيه اذا ما قورنت بوسائل الإعلام في دول الجنوب.
المجموعات الإعلامية الدولية الكبرى:
هناك ست مجموعات رئيسة كبرى تعمل في الأنشطة الإعلامية على مستوى العالم ولها حضور دولي كبير متفاوت من مؤسسة لأخرى، أربعة منها أمريكية، وواحدة أوروبية، وواحدة أسترالية أمريكية، وهذا عرض لأبرز أنشطة هذه المجموعات:
1 - تايم ورنر Time Warner :(3)
أكبر مؤسسة إعلامية في العالم؛ إذ تفوق مبيعاتها 25 ملياردولار، ثلثها من أمريكا والباقي من العالم. ويتوقع ارتفاع دخلها من خارج أمريكا إلى 50%، وتملك العديد من
الأنشطة الإعلامية المتنوعة ومنها: * 24 مجلة (منها تايم). * ثاني أكبر دار للنشر في أمريكا.
* شبكة تلفزيون ضخمة واستديوهات برامج وأفلام، ودور عرض للسينماأكثر من 1000 شاشةوأكبر شبكة تلفزيونية في العالم.
* شركات أفلام في أوروبا، والعديد من محلات البيع بالتجزئة. * مكتبة ضخمة من الأفلام (6000 فيلم) والبرامج التلفزيونية (25000 برنامج). * مكتبة ضخمة من الأفلام (6000 فيلم) والبرامج التلفزيونية (25000 برنامج).
* مكتبة ضخمة من الأفلام (6000 فيلم) والبرامج التلفزيونية (25000 برنامج).
* بعض القنوات الدولية التلفزيونية مثل HBO, TNT, CNhN. * مساهمات رئيسة في قنوات وشبكات تلفزيونية أو مرئية.
* مساهمات رئيسة في قنوات وشبكات تلفزيونية أو مرئية.
وللعلم، فإن عدد مشاهدي المحطة الإخبارية CNN يفوق 90 مليوناً في 200 دولة، ولدى HBO 1.2 مليون مشترك حول العالم.
2 - مجموعة برتلزمان Bertelsmann :
أكبر مجموعة إعلامية في أوروبا وثالث أكبر مجموعة في العالم. دخلها السنوي يجاوز 15 مليار دولار، وتتميز بأن لها تحالفات وتعاوناً مع العديد من المجموعات الإعلامية الدولية في أوروبا واليابان، ولها العديد من الأنشطة الإعلامية ومنها:
* قنوات تلفزيون في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا؛ إضافة إلى استوديوهات سينمائية متعددة.
* مجموعة من الإذاعات الأوروبية. * 45 شركة نشر للكتب بلغات أوروبا المختلفة. * أكثر من 100 مجلة في أوروبا وأمريكا.
3 مجموعة فياكم Viacom: مجموعة إعلامية قوية في أمريكا؛ وربع دخلها السنوي (13 مليار دولار) من خارج أمريكا، ولها نشاط محموم للتوسع الدولي؛ حيث أنفقت بليون دولار في السنوات الأخيرة للتوسع في أوروبا، ولها تحالفات مع العديد من المجموعات الإعلامية ونشاطها متنوع
* 13 محطة تلفزيون في أمريكا إضافة إلى شبكات بث فضائي دولي ( شوتايم(4) نكلدون...).
* شركات إنتاج تلفزيوني وسينمائي وفيديوي وموسيقي. * شركات نشر كتب.
4 - ديزني Disney :
أكبر متحدٍّ لمجموعة تايم ورنر في العولمة الإعلامية. لها دخل يفوق 24 بليون دولار، ولها حضور قوي في مجال الأطفال بل تعتبر أكبر منتج لمواد الأطفال في العالم، ولها حضور من أقصى الشرق (الصين) إلى أوروبا والشرق الأوسط حتى أمريكا اللاتينية. ولها أنشطة متنوعة منها:
* استوديوهات أفلام وفيديو وبرامج تلفزيونية، وشبكة ABC التلفزيونية الضخمة في أمريكا، ومحطات تلفزيون وراديو متعددة.
* قنوات تلفزيونية دولية متعددة بالأقمار الصناعية والكيبل مثل ديزني Espn ,Disney الرياضية.
* محلات تجارية باسم ديزني، ومراكز ألعاب وترفيه حول العالم. * دور نشر للكتب. * 7 صحف يومية، و3 شركات لإصدار المجلات. وللمجموعة تحالفات ومشاركات مع مؤسسات إعلامية في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية
وكذلك مع شركات بث واتصالات متعددة الجنسيات.
5 - نيوز كوربريشن News Corporation :
خامس أكبر مجموعة إعلامية من حيث الدخل (10 ملياردولار) لكنها أكبر لاعب دولي في مجال الإعلام حول العالم. أسس المجموعة روبرت مردوخ(5) ويملك حالياً ثلثها، ولها وجود في جميع أنحاء العالم من خلال أنشتطها الإعلامية والتي منها:
* 132 صحيفة و25 مجلة في أستراليا وبريطانيا وأمريكا ( تعتبر واحدة من أكبر ثلاث مجموعات صحفية حول العالم).
* شركة فوكس للإنتاج السينمائي والتلفزيوني، وشبكة فوكس للبث التلفزيوني؛ إضافة إلى
22 محطة تلفزيون.
* شبكة ستار للبث الفضائي حول العالم وشبكة سكاي (بريطانيا خصوصاً). * دور نشر للكتب.
وللمجموعة تحالفات مع مجموعات إعلامية حول الإعلام، وقاعدتها 6 دول رئيسة تنطلق منها أنشطتها المتنوعة وبالأخص: أستراليا بريطانيا أمريكا. وتعتبر هذه المجموعة من أعقد المجموعات الإعلامية وأوسعها، ولها نفوذ قوي في الصين والهند (فضلاً عن أوروبا وأمريكا)، وأسلوبها الناجح هو الشراكة مع جهات نافذة محلية مع عدم مصادمة التوجهات السياسية المحلية لهذه البلدان(6).
ومن أهم خصائص هذه المجموعة: أنها تبث بلغات البلدان المختلفة؛ فمجموعة (Fox) نفسها مثلاً تبث بالأسبانية في أمريكا اللاتينية وأسبانيا إضافة إلى الإنجليزية بوصفها لغة دولية وتتميز هذه المجموعة أيضاً بقدرتها على اختراق الدول النامية وتوطيد أقدامها فيها، كما أن لها مصادرها الخاصة بالأخبار والبرامج ممثلة في شركات تابعة أو شريكة إضافة إلى قنوات البث الخاصة بها.
6 مجموعة TCT :
وهي مجموعة إعلامية متخصصة بالبث التلفزيوني عبر الكابل وكذلك عبر الأقمار الصناعية من خلال نظام الاشتراكات، ولها وجود قوي دولي في هذا الميدان؛ حيث تمتلك قمرين صناعيين للبث حول العالم (قيمتهما 600 مليون دولار) والدخل السنوي للمجموعة يفوق 7 مليار دولار.
مجموعات إعلامية أخرى:
هناك مجموعات إعلامية دولية أخرى على صنفين:
الأول: يمثل النشاط الإعلامي جزءاً من نشاط أوسع للشركة الأم.
والصنف الثاني: مجموعات إعلامية أصغر (من حيث الدخل؛ وإلا فإنها إمبراطورية إعلامية لا يقل دخلها عن مليار دولار سنوياً)، وسنذكر هنا أبرزها وأكثرها تواجداً على الساحة الدولية:
1 - يونيفرسال: تملكها مجموعة سيغرام الدولية، ويمثل دخل المجموعة الإعلامية (7 بليون دولار) نصف عائدات الشركة الأم. وأبرز أنشطتها: أعمال الإنتاج السينمائي والتلفزيوني والموسيقي ونشر الكتب، ولها 27 مكتباً حول العالم، ولها وجود قوي في
أوروبا وشرق آسيا
2 - بولي جرام: تمتلكها شركة فيليبس المشهورة، وأعمالها الرئيسة: إنتاج سينمائي وموسيقي، ودخلها يجاوز 6 مليار دولار نصفها من مبيعاتها في أوروبا وربعها في أمريكا.
3- سوني للترفيه: وهي جزء من سوني للإلكترونيات اليابانية الضخمة، وهي متخصصة في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني والموسيقي والبث الفضائي، ولها دخل يجاوز 9 مليار في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني والموسيقي والبث الفضائي، دولار سنوياً، ولها شراكات وتحالفات متعددة في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
4 - جنرال إلكتريك: من أكبر الشركات في العالم خصوصاً في الكهربائيات، وتملك شبكة NBC للتلفزيون والراديو، ودخلها يجاوز 5 بليون دولار، ولها وجود دولي وتحالفات متعددة مع شركات برامج كمبيوتر (ميكروسوفت) حيث أنفقت 500 مليون دولار من أجل قناة دولية للأخبار عبر الإنترنت MSNBC
5- مجموعة هولنجر (كندا): ولها نشاط صحفي واسع؛ حيث تمتلك 60 صحيفة يومية.
6 - التلفزيون المباشر (Direct TV) الأمريكي: [ المملوك لشركة هيوز Huges للإلكترونيات والتي تمثل بدورها فرعاً من جنرال موتورز] وهي شركة بث عبر الأقمار الصناعية (14 قمراً حول العالم) وتصل إلى 100 دولة.
عموماً هناك العديد من المجموعات الإعلامية (أكثر من 20 مجموعة يفوق دخلها مليار دولار سنوياً في أمريكا ومثلها تقريباً في أوروبا) والطابع العام لها هو التحرك الأفقي ومحاولة كسب أوسع مساحة من الأرض إعلامياً؛ وإن كان الوجود الأمريكي هو الطاغي لهذا التحرك.
بقية العالم:
وبما أن بقية العالم (عدا اليابان) متخلف في كل شيء فإن العولمة الإعلامية جزء من هذا التخلف العام، لكن هناك 4 مؤسسات إعلامية في أمريكا اللاتينية من الحجم الثاني وهي ذات توجه دولي.
وبالنسبة لآسيا والشرق الأوسط فلا توجد مؤسسات حتى من الحجم الثاني؛ على حين أن الأمر بالنسبة للمنطقة العربية أضعف بكثير. أما اليابان فإنها رغم قوتها الاقتصادية إلا أنها متخلفة إعلامياً عن الغرب، وفيما عدا شركة (سوني) لا يوجد مؤسسات إعلامية دولية يابانية رغم وجود العديد من المؤسسات الإعلامية في اليابان (227 شركة من أكبر 1000 شركة إعلامية في اليابان) إلا أنها تركز على السوق الياباني المحلي، إحداها NHK التي يفوق دخلها 6 بليون دولار سنوياً.
مضار العولمة:
للعولمة آثار ومضار نلتمسها من الواقع الذي نعيشه ونشاهده، مع وجود الدعاية البراقة لهذا الفكر، والحماس من بعض المنخدعين؛ إلا أننا نقول أن لهذا مضار منها:
1. "فقدان الهوية، وطمس معالم الشخصية، لأن هذا هو أول أهداف العولمة وهو جعل العالم قرية واحدة، وإزالة الحواجز والفوارق.
2. تحطيم مقومات المجتمع الأصلية من مبادئ، وقيم، ودين، واستحداث مقومات أخرى.
3. تعميق التفاوت الاقتصادي بين بلدان العالم كي يصبح العالم الفقير أكثر تبعية للعالم الغني والمتقدم مادياً.
4. القضاء على الترابط الأسري الذي يتميز به المجتمع المسلم، ومحاولة تفكيك المجتمع.
5. تركيز الثروة عند فئة معينة من الناس، وبالتالي اتساع الفروق بين طبقات المجتمع عن طريق منح فرص العمل لـ20% من السكان فقط.
6. تشويه إنسانية المرأة، وانتزاع مكانتها الحضارية، والثقافية، والاجتماعية حتى تصبح بلا تاريخ، ولاوعي، وصار الهمُّ الأكبر عولمة جسدها وذلك من عدة نواحي.
7. تفشي البطالة التي تدفع الأفراد إلى الهجرة بحثاً عن العمل.
8. تحطيم طفولة ملايين الأطفال باستغلالهم صناعياً وغيره مما يعود تأثيرها على هوية الطفل، وعلى نظرته إلى نفسه، فينظر إلى نفسه نظرة دونية، ويصل لدرجة التقليد الأعمى، فيصبح فاقد الهوية.
9. انتشار الحروب الأهلية، ودعمها، ومساعدتها؛ كي يسهل السيطرة على الشعوب عملاً بالقاعدة التي تقول: فرق تسد
الاعلام والصراع الثقافي:
فكرة الصراع الثقافي او كما يسميه البعض الصراع الحضاري بتعبير اوسع قابله البعض بما يسمى بحوار الحضارات او حوار الثقافات ،فرغم ان للموضوع جذور تاريخية ايضا اذ ان بداية تجلياته كانت في في نهاية القرن العشرين ،وبعد سقوط المعسكر الشرقي واستسلامه للمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الاميريكية التي ابدت نوع من السلاسة ومد الجسور تجاه الاخرين بدعوى التعاون والتكامل ،ولكنها تبطن ارادة الهيمنة والسطو على مقدرات الشعوب ،سيما لتلك التي تبدي مقاومة باي شكل من الاشكال ،ففي اطار العولمة تحاول القوى العظمى ان تفرض دينا معينا ،بل طرحت فكرة حوار الاديان –خاصة بين المسيحية والاسلام واليهودية باعتبار ان اصلها واحد –بما يسمى الديانة الابراهيمية وقس على ذلك اللغة وما يتبع ذلك مما يسمى بمقومات الحضارة ولكن الحوار في اكثر الاحيان يفضي الى الطريق المسدود ولعل اول من طرح فكرة صدام الحضارة المفكر المغربي المهدي المنجرة ويعتبر بذلك صاحب هذه النظرية باعتراف المفكر العالمي هينتجتون فقد اعترف المفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون بِأمانة علمية يُشهد له بها هنا، ضمن مؤلفه صدام الحضارات، بمرجعية وأسبقية المهدي المنجرة في طرح مفهوم صراع الحضارات. وأن اللبنات الأساسية لبناء الأطروحة تعود له المنجرة. لكن المنجرة، على خلاف صامويل هنتنجتون، يرى أن الغرض من طرحه لهذه النظرية هو موقف وقائي، بنائي لا أصولي، وذلك من أجل ترسيخ قيم العدالة الإنسانية، وتفادي الكوارث اللاإنسانية في حق البشرية جميعا، بنبذ الكراهية والتحريض، وضمان سيرورة تاريخية للقيم المثلى، التي تحكم وتحكمت في العامل الإنساني من ناحية بناء القيم المثلى وتركيز المفكر على قيمة القيم التي ألّف لها كتابا خاصا،في أي علاقة إنسانية تحكم في ثنائية الشمال جنوب، ويعتبر أن التخلف الذي يعانيه العالم الثالث ثقافي قبل أن يكون اقتصاديا واجتماعيا، وأن التنمية أو مفتاحها هو الثقافة، وأنه لا توجد ثقافة بدون منظومة قيم وقيمة القيم، وقد تناول المهدي نظريته من أجل تفادي الصدام وما سينتج عنه من أضرار، سيؤدي الضعفاء من الشيوخ والأطفال الثمن فيها باهضا. فلا بد للإنسيين من خلق حوار حضاري بين شمال العالم وجنوبه.
اما فرنسيس فوكوياما، تناول الأمر من جهة الصراع الذي دام أكثر من خمسة وسبعين عاماً بين الاتحاد السوفيتي وايدولوجية الصمت الشيوعي والولايات المتحدة وفكرة الرأسمالية المتحررة من أي قيد والذي انتهي بفوز الرأسمالية قال أن علي العالم أن يتقبل النظام الجديد بكل ما فيه من حرية وأن الولايات المتحدة هي التي بدت تسطر نهاية التاريخ بعد تبنيها للفكر المتحرر والديمقراطية والرأسمالية للعالم، وأن من رفض وآبي ظلٌ وسيكون في نظر العالم هو الأكثر تخلفاً عن الدول التي تقبلت الوضع ،وهو بهذا الرآى تعارض كثيراً مع هنتجتون، فالأول قسم الصراع الحضاري لخمسة منافسين " الصين، اليابان، الهند، الإسلام، أفريقيا، أمريكا اللاتينية" بينما الأخر قسم الحضارات حسب كل نظام " شيوعي، رأسمالي،..الخ"فكتب كتاب ، نهاية التاريخ والإنسان الأخير ، وان كل شيء وقع تحت سيطرة امريكا.
إن فكرة صراع الحضارات فكرة صدرها الغرب لنا متناسيين أن الحضارة الإنسانية واحده اعتمدت في تكوينها علي ما توصلت إليه الأمم والشعوب في مختلف مجالات الحياة والتي اعتمدت في أساسها علي ثلاث محاور "الإنتاج والتراكم ثم الثروة" في الفكر والزراعة والتجارة والصناعة وغيرها من مكونات الطبيعة الإنسانية وعلي هذه المعطيات بنيت الحضارة الإنسانية. فصراع الحضارات هو صورة من التحاور بين الثقافات نتيجة لتعددها بمعني أن الحضارة الإنسانية مرٌت بخمس مراحل أو أنظمة كانت هي المهيمنة علي فكرة وأيدلوجيته الحاكمة له والمكون الرئيسي لتاريخه وثقافته علي مختلف العصور مما أدى في النهاية إلي صراع رهيب وصل لأقصي درجات الاستبداد والطغيان الإنساني...