المبحث الثاني: محاور أساسية في التنمية المستدامة
إن التنمية المستدامة مسار يعكس قابلية مجموعة من السكان على تنمية ثرواتها باستمرار، وكذا أنماطها الفكرية وتنظيمها الاجتماعي حيث شملت أبعاد رئيسية: اقتصادي، اجتماعي، بيئي، ومن هذا المنطلق تم صياغة مجموعة من المؤتمرات التي تقضي بإدماج مختلف مكونات التنمية المستدامة، وحتى تتم هذه الأخيرة يجب توفر مجموعة من المصادر والآليات لتمويلها، وبهذا تضمن هذا المبحث ثلاثة مطالب وهي:
- أبعاد التنمية المستدامة؛
- مؤتمرات التنمية المستدامة؛
- مصادر وآليات تمويل التنمية المستدامة.
المطلب الأول: أبعاد التنمية المستدامة:
بالرغم ممن تعقيدات وتشابك مفهوم التنمية المستدامة، فهناك إجماع على أن هذه الأخيرة تمثل العناية المرغوب فيها والمأمول تحقيقها بما يخدم البشرية حاضرا ومستقبلا، وقد مست ثلاثة أبعاد رئيسية وهي:
I- البعد الاقتصادي:
أ- مفهوم التنمية الاقتصادية:احتلت التنمية الاقتصادية مكانا هاما سياسيا واجتماعيا منذ 1945، حيث أعطيت لها عدة تعاريف من بينها:
- أنها تقدم المجتمع عن طريق استنباط أساليب إنتاجية جديدة أفضل ورفع مستويات الإنتاج من خلال إنهاء المهارات والطاقات البشرية وخلق تنظيمات أفضل، هذا فضلا عن زيادة رأس المال المتراكم في المجتمع عبر الزمن.
- أيضا: "إنها العملية التي بمقتضاها يتم دخول الاقتصاد القومي مرحلة الانطلاق نحو النمو الذاتي".
كذلك تعتبر زيادة الدخل القومي الحقيقي للنظام الاقتصادي خلال فترة ممتدة من الزمن بحيث يفوق معدل التنمية معدل زيادة السكان.
غير أنه برز اختلاف بين المصطلحين التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي، حيث يشير بعض الاقتصاديين على أنهما عملية واحدة وهي التغيير نحو الأحسن ويعني ذلك زيادة الطاقة الإنتاجية للاقتصاد أي الاستثمار المنتج في تنمية لإمكانات المادية والبشرية لإنتاج الدخل الحقيقي في المجتمع في حين يشير البعض الآخر إلى استخدام مصطلح النمو الاقتصادي بشأن الدول المتقدمة اقتصاديات، والتنمية الاقتصادية بشأن الدول الأقل تقدما.
وتنطوي التنمية الاقتصادية على ثلاثة عناصر أساسية هي:
- تغيرات في الهيكل والبنيان الاقتصادي.
- إعادة توزيع الدخل لصالح الطبقة الفقيرة.
- ضرورة الاهتمام بنوعية السع والخدمات المنتجة وإعطاء الأولويات لتلك الأساسيات.
2- أهدافها: تتمثل فيما يلي:
أ- إشباع الحاجات الأساسية عن طريق زيادة الإنتاج وتحسين مستواه من أجل مواجهة الحاجات الأساسية للغالبية العظمة من الشعوب.
ب- تصحيح الاختلال في هيكل توزيع الدخول بما يضمن إزالة الفوارق بين طبقات المجتمع.
ج- العمل على الارتقاء بالجودة في الإنتاج.
د- رفع مستوى المعيشة ويستدل عادة على حجم مستوى المعيشة عن طريق متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي، كما أنه يقترن بهيكل الزيادة السكانية وطريقة توزيع الناتج القومي وتأهيل العنصر البشري.
ه- العمل على الحد من مشكلة البطالة.
و- زيادة دور القطاع في التنمية وفق آليات السوق.
II- البعد الاجتماعي:
1- مفهومه: التنمية الاجتماعية هي زيادة قدرة الأفراد على استغلال الطاقة المتاحة إلى أقصى حد ممكن لتحقيق الحرية والرفاهية، ويعتبر البعد الاجتماعي بمثابة البعد الذي تتميز به التنمية المستدامة، لأنه البعد الذي يمثل البعد الإنساني بالمعنى الضيق والذي يجعل من النمو وسيلة للالتحام الاجتماعي ولعملية التطوير في الاختيار السياسي.
كما يشترط في هذا الاختيار أن يكون قبل كل شيء لاختيار أنصاف بين الأجيال بمقدار ما هو بين الدول .
ويجمع أهل الاختصاص من المحللين في المجالات الاقتصادية والاجتماعية أن مفهوم العمل والبطالة قد اكتسيا أبعاد جديدة نهاية القرن 21، إذ تأثر مفهوم التشغيل بالتطير الذي شهدته الحياة الاجتماعية، وبصورة عامة تظهر في ارتفاع نسب التنمية والتطور الذي عرفته الدول وخاصة النامية منها، إذ أصبح يلاحظ أنواع مختلفة للبطالة كالاختيارية –الإدارية- التقنية وبطالة أصحاب الشهادات وغيرها، كما نتج عن التطور التكنولوجي ظهور مفاهيم جديدة للعمل كالعمل عن بعد والعمل بالتناوب والعمل للحساب الغير
والمنظومة الاجتماعية تشمل ما يلي:
- المساواة في التوزيع؛
- الحراك الاجتماعي؛
- المشاركة الشعبية؛
- التنوع الثقافي؛
- استدامة المؤسسات.
2- آثار البعد الاجتماعي: يتمثل هذا البعد في عدم تهميش الجماعات وتدعيم مقوماتها الثقافية والروحية، تتوقف الإستراتجيات المنسجمة مع التنمية المستدامة على القيم الحاضرة، إذ لا يمكن التنبؤ بقيم الأجيال المستقبلية، غير أن هذا لا يعطي مبرر لتدمير الهوية الثقافية السائدة، فذاك يجعل الأفراد عرضة للعديد من أشكال الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
يتمثل التغير الاجتماعي الناجم عن استخراج الموارد على نطاق واسع في تدفق الأشخاص الحاملين لأفكار جديدة وثقافات وقيم وتكنولوجيات، وهنا يمكن تدمير أنظمة الإنتاج التقليدية والبيئة الاجتماعية وتبدو مثل هذه الآثار على النحو الآتي.
أ- الآثار على السكان: تظهر خاصة من خلال إقامة مشروع في منطقة متخلقة الذي يؤدي هذا الاحتكاك مع الأشخاص الذي لا يملكون الخبرة في التعامل مع العالم الخارجي، وتظهر نتيجة هذا الاحتكاك في تدمير النسيج الاجتماعي، كما قد يفضي إلى سوق الأشخاص من جراء تعرضهم للأمراض التي لا يملكون المناعة ضدها.
ب- الترفع المادي: ويظهر في نقل الأشخاص لغرض إقامة المشاريع الصناعية سيما الإستراتيجية منها، أو بسبب فقدانهم للأراضي، وقد يرغمون على إعادة الإنتشار بطريقة طوعية، ونتيجة تطهير فقدانهم للأراضي ومنح تسهيلات البناء قد تؤدي إلى تدمير مواقع الثقافة والآثار القديمة.
ج- الآثار الديمغرافية: إن خسارة شعب ما تأتي من فقدانه للمعرفة والممارسات المرتبطة بالقوة العاملة لنظم الإنتاج التقليدية ومثال على ذلك وجود تجمعات كبيرة من العمال في موقع معين من شأنه أن يؤدي إلى مشاكل عديدة كالعنف وانتقال الأمراض كالإيدز.
د- الاعتماد على المساعدات الخارجية: إن التنمية إذا لم تدرج بكيفية مدروسة كاستخراج المشاريع للموارد الطبيعية الذي يحقق لها فوائد هامة كالتشغيل وإقامة البنية التحتية والخدمات الاجتماعية قد تؤدي إلى التبعية للمساعدات الخارجية، والذي ينجر عنها متاعب للأجيال الحاضرة والمستقبلية وذلك باستنزاف ثرواتهم.
III- البعد البيئي:
1- البيئة: البيئة كمصطلح واسع المدلول يشمل كل شيء يحيط بالإنسان، وقد عرفها مؤتمر الأمم المتحدة للهيئة الإنسانية الذي عقد في ستوكهولم 1972 بأنها: "رصيد الموارد المادية والاجتماعية المتاحة في وقت ما وفي مكان ما لإشباع الإنسان وتطلعاته".
كما تعرف أيضا: "بالمجال الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على كل الموارد اللازمة لإشباع حاجاته فيؤثر فيه ويتأُثر به".
ولقد أصبحت البيئة محددا عالميا يفرض نفسه ويؤثر على التعاملات الاقتصادية والتجارية والعلاقات الدولي المعاصرة، وأصبح الاهتمام بها من أهم المقاييس لتقييم حضارة الدول، والبيئة والتنمية أمران متلازمان، بعد المزيد من الاهتمام التي حظيت به على المستوى العالمي للتجاوز تلوث الحدود الجغرافية والسياسية للدول فينتقل عبر الماء والهواء والكائنات الحية.
وقد أكدت تقارير البنك الدولي في العقد الأخير على الاهتمام بالبيئة كركن أساسي في التنمية للحفاظ على الموارد الطبيعية من الاستنزاف والتدهور لمصلحة الجيل الصاعد والأجيال المستقبلية كما شارك في تحفيز الدول الأعضاء بالاهتمام بإصدار التشريعات الخاصة بحماية البيئة ومصادر الطاقة والاهتمام بدراسته علوم البيئة، وهذا كله يتطلب ترشيد استخدام الموارد غير المتجددة، وعدم تجاوز قدرة الموارد المتجددة على تجديد نفسها، وعدم تجاوز قدرة النظام البيئي على هضم المخلفات التي تقذف بها حتى لا يتلوث تلوثا يضر بالإنسان والحيوان.
وقد أسس التزاوج بين تحقيق التنمية وحماية البيئة ولادة فرع جديد من العلوم الاقتصادية سمي بالاقتصاد البيئي.
2- أهدافها: تتمثل في:
أ- المحافظة على البيئة الطبيعية.
ب- توظيف البيئة المادية بعيدا عن التلوث.
ج- نشر الوعي بالبيئة الثقافية والاجتماعية والحضرية.
د- التعريف بالتوازن البيئي.
ه- حماية البيئة من جميع التلوث والاستنزاف.
و- استخدام التكنولوجيا النظيفة .
ز- تحقق التنوع السيولوجي والمحافظة على تنوع الأحياء.
المطلب الثاني: مؤشرات التنمية المستدامة
إن التفكير بالديمومة أدى بشكل معمق إلى تطوير أدوات قياس التنمية التي كان دورها خلال فترة طويلة مقتصرة على ملاحظة معدلات النمو الاقتصادي، وفي مطلع التسعينات استكملت عن طريق صياغة مؤشرات تنمية مستدامة الغرض منها الإحاطة بالأبعاد البيئية، الاجتماعية والاقتصادية.
لقد ظهرت مؤشرات التنمية المستدامة تحت ضغط المنظمات الدولية على رأسها الأمم المتحدة، والتي أتت بعدة برامج لصياغتها ومن أهمها برنامج الأمم المتحدة لجنة التنمية المستدامة المنبثقة عن قمة الأرض الذي تضمن نحو 130 مؤشر مصنفا إلى أربعة أنواع رئيسية : اقتصادية، اجتماعية، بيئية، مؤسسية.
وقد تم تصنيف مؤشرات التنمية المستديمة إلى ثلاث أنواع رئيسية:
- مؤشرات القوى الدافعة: وتصنف الضغوطات التي تمارسها الأنشطة والأنماط.
- مؤشرات الحالة: وتقدم لمحة عن الحالة الراهنة مثل نوعية الماء والجو.
- مؤشرات الاستجابة: تلخص التدابير المتخذة.
I- المؤشرات الاقتصادية
أ- نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي: يعد المؤشر من مؤشرات القوة الدافعة للنمو الاقتصاد\ي حيث يقيس مستوى الإنتاج الكلي وحجمه ومع أنه لا يقيس التنمية المستدامة قياسا كاملا فإنه يمثل عنصرا م هما من عناصر نوعية الحياة.
وقد شهد نصيب الفرد العربي ارتفاعا 2096 دولارا عام 1995 إلى 2492 دولارا عام 2003 غير أنه ما زال منخفضا مقارنة مع 7804 دولار على المستوى العالمي، و4054 دولار على صعيد الدول النامية.
ب- نسبة إجمالي الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي:
ويقصد بهذا المؤشر الإنفاق على الإضافات إلى الأصول الثابتة الاقتصاد كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، حيث يقيس نسبة الاستثمار إلى الإنتاج.
وتشير الإحصائيات إلى انخفاض هذا المؤشر خلال 15 سنة الماضية من 21.9% في عام 1990 إلى 20.5% عام 2003، وتتفاوت النسبة بين الدول العربية ففي قطر وصلت إلى 31.5% أما في الجزائر بلغت 29.8% سنة 2003.
ج- رصيد الحساب الجاري كنسبة مئوية من الناتج الإجمالي:
يقيس مؤشر رصيد الحساب الجاري درجة مديونية الدول ويساعد في تقييم قدرتها مع تحمل الديون، ويرتبط هذا المؤشر بقاعدة الموارد من خلال القدرة على نقل الموارد إلى الصادرات بهدف تعزيز القدرة على التسديد، وفي هذا الصدد نلاحظ أن الجزائر حققت فائض في الحساب الجاري للناتج المحلي الإجمالي قدر ب 13.4% في حيث حقق الحساب الجاري للبنان عجز قدر ب 30% 2003..
د- صافي المساعدة الإنمائية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي:
يقيس هذا المؤشر مستويات المساعدة مسيرة الشروط التي تهدف إلى النهوض بالتنمية والخدمات الاجتماعية وهو ير د بصورة نسبة مئوية من الناتج الوطني الإجمالي.
II- المؤشرات الاجتماعية:
أ- مؤشر الفقر البشري:
هو مؤشر مركب يشمل ثلاثة أبعاد بالنظر إلى البلدان النامية وهي:
حياة طويلة وصحية (نسبة مئوية من الأشخاص الذين لا يبلغون سن الأربعين)، توافر الوسائل الاقتصادية (نسبة مئوية من الأشخاص الذين لا يمكنهم الانتفاع بالخدمات الصحية والمياه).
وحسب الإحصائيات ف ق انخفضت نسبة الفقر المطلق في العالم العربي من 1972 إلى سنة 2002 في المتوسط من 10، 10% إلى 2.6% أما الفقر العادي فقد انخفضت نسبته من 38% إلى 30%، ويرجع الإنخفاض إلى تأثير توزيع وإعادة توزيع المداخيل النفطية والتشغيل المكثف في القطاع العام.
ب- معدل البطالة: ويشمل جميع أفراد القوى العاملة الذي ليسوا موظفين ويتقاضون مرتبات، أو عاملين مستقلين كنسبة مئوية من القوى العاملة.
وبما أن معظم سكان الدول العربية هم شباب فإن معدلات البطالة ارتفعت وتخطت 10% وقد اشترت بدرجات متزايدة خاصة بين الداخلين لسوق العمل من خريجي الجامعات ونسبة أكثر بين الإناث، ويقدر عدد الداخلين في السوق ب 47 مليون طالب عمل بحلول 2001.
ج- نوعية الحياة: يستخدم هذا المؤشر لقياس عدد الأشخاص الذين لا يتوقع لهم أن يبلغوا سن الأربعين كنسبة مئوية من مجموع السكان، وكذلك نسبة السكان الذين لا يتيسر لهم الانتفاع بالمياه المأمونة والخدمات الصحية ومرافق التنظيف الصحي والتي تعد مسألة أساسية للتنمية المستدامة.
د- التعليم: يستخدم التعليم لقياس نسبة الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 15 سنة والذين هم أميون والمعدل الإجمالي للالتحاق بالمدارس الثانوية والذي يبين مستوى المشاركة في التعليم الثانوي.
وقد بلغت نسبة الشباب في سن الدراسة في التعليم العالي (18-24 سنة) الذين يزاولون دراساتهم العليا في سنة 2001 حوالي 20% من هذه النسبة تفوق متطلباتها في الدول النامية والمقدرة في المتوسط ب 12% في حين يشكل الأميون من 39% من السكان البالغين في الوطن العربي.
ه- معدل النمو السكاني: يقيس هذا المؤشر معدل النمو السكاني للسنة ويعبر عنه كنسبة مئوية ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة يقدر متوسط معدل النمو السكاني العربي خلال الفترة 1995-2003 بنحو 2.4% متراجعا من حوالي 2.4% خلال الفترة 1985-2000؛ ومن المتوقع أن يستمر اتجاه النمو السكاني.