علي عكس ما تلقيناه من دروس أكاديمية مفادها أن الإعلام عماد التنمية، وأنه مؤثر سلبا وإيجاباً في خطط التنمية في أي دولة، في اعتقادي أن الأثر متبادل بين الإعلام والتنمية ولا يسير من مصطلح لآخر في اتجاه واحد بل المصطلحان يؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر به، بل في ظل عولمة الأزمات السياسية والاقتصادية والبيئية، وارتفاع كلفة تأسيس الوسيلة الإعلامية، فلا يمكن الحديث عن تنمية شاملة ما لم تسبقها تنمية للآلة الإعلامية وليس العكس، وتنمية الإعلام تبدأ بطرح سؤال جوهري من هو الإعلامي ؟ وما هي درجة الكفاءة المطلوب أن يبلغها ومستوي الثقافة التي تؤهله لممارسة العمل الإعلامي؟ والأهم ما هو الطريق العلمي الذي ينبغي أن يسلكه للارتقاء بمعارفه وقدراته علي الأقل في مجال تخصصه لتنمية قدراته النقدية، لضمان أن يتحمل مسئولية الرسالة الإعلامية كفاءات قادرة علي خلق إعلام ينبئ بالحقائق والمعلومات ويتنبأ بما يواجه الأمة من تحديات وقادر علي الغوص في الماضي لاستخلاص خبراته والتعمق في الحاضر للوقوف علي تحدياته واستشراف المستقبل بتوقعاته لقيادة الرأي العام إلي ما فيه خير الأوطان، وهنا لا فرق بين إعلام مؤيد للحكومة أو معارض لها الأهم أن يبني مواقفه علي حقائق ومستندات وأن يثبت أن الهدف هو الصالح العام وليس حملات توجهها المصالح والحسابات الشخصية الضيقة.
فلكي يشارك الإعلام في التنمية الشاملة ايجابياً لا مفر من إعداد عنصر بشري كفء يحمل مهارات ومقومات التواصل الإعلامي بمفهومة الشامل وضمير يعلي من مصلحة الشأن العام ويبني مواقف نابعة من قناعات أيا كانت المواقف والتوجهات، لأنها في النهاية سيقابلها طرح آخر نابع من قناعات مضادة مبنية علي رؤي نابعة من عقلية علمية نقدية هنا يكون الحوار الإعلامي منتجاً فكريا لا مثير عاطفيا بنائيا ودفاعيا و وقائيا في ذات الوقت ضد ما يحاك للوطن من مؤامرات في الداخل والخارج حوار عقول، قادرا علي طرح الحلول لما نواجهه من مشكلات وليس صراع حناجر.
ولتحقيق ذلك يتطلب الأمر إعادة صياغة المناهج الدراسية في الجامعات المختصة بتدريس الإعلام، وكذلك دور النقابات المهنية في تعديل تشريعاتها بما يضمن التزام أعضائها بالتدريب والدراسة المستمرة، ووضع ضوابط حقيقية لمن يحصل علي ترخيص مزاولة مهنة الإعلام، حتي لا نفاجأ أن عقول الأمة فريسة لمن لا مهنة له، وهذا يجب أن يضعه القائمون علي صياغة قانون نقابة الإعلاميين في الاعتبار، فليس من حق مالك الوسيلة أن يسعي للفنانين ولاعبي الكرة مع كامل الاحترام لهم ليدخلهم غرف نوم المشاهد بحثا عن ربح ولو كان علي حساب مصلحة الوطن، وقد رأينا ما فعلة هؤلاء في أزمة مباراة مصر والجزائر وما يفعلونه الآن من معالجات لأزمة حوض النيل بلا وعي ولا ثقافة.
قد يري البعض أن حرية التعبير تقتضي أن يقول كل فرد ما يشاء، نعم ولكن هناك فرقاً بين حرية الإعلام وحرية الرأي فالأخير نابع من شخص عادي يعبر عن رأيه علي مقهي أو من خلال مقال رأي أو مداخلة تليفونية أو في بريد القراء، لكن الإعلامي يبني رسائله وآراءه علي أسس علمية وبنية معلوماتية ومعرفية وقدرة خاصة علي التحليل أو هكذا ينبغي. وللحديث بقية