مبارك أخفق في وضع أساس لنقل السلطة
2011-01-31
القاهرة ـ من جوناثان رايت ـ رويترز - كانت المناسبة
أزمة عامة تلك التي تولى فيها الرئيس المصري حسني مبارك السلطة في أعقاب
حادث مجلجل من أحداث العنف السياسي الذي اقترن بتمرد مسلح.
وبعد 30
عاما مازال مبارك يتشبث بالسلطة وسط احتجاجات عنيفة لقي فيها أكثر من 130
شخصا مصرعهم في الشوارع ولم يتضح بعد الاسلوب الذي ستنتقل به السلطة في
البلاد.
وخلال هذه العقود الثلاثة ورغم عشرات الوعود الفارغة لم يفعل مبارك شيئا
لوضع إطار مؤسسي لانتقال السلطة بطريقة سلمية وديمقراطية في مصر أكبر دول
العالم العربي سكانا.
بل إنه عمل على تكريس نظام لم يكن فيه للحياة السياسية بالمعنى المتعارف عليه أي وجود يذكر وأدار شؤون البلاد وكأنها جيش أو مؤسسة.
يدين مبارك بالرئاسة للرئيس أنور السادات الذي رأى فيه تابعا مخلصا وعينه
نائبا للرئيس عام 1975. وكان مبارك في ذلك الوقت قائدا للقوات الجوية بلا
أي خبرات أو طموحات سياسية.
في عام 2005 قال مبارك في مقابلة تلفزيونية إنه حين استدعاه السادات للقصر
الجمهوري كان أقصى توقعاته أن الحال سينتهي به سفيرا لمصر في إحدى العواصم
الأوروبية.
وفي السادس من أكتوبر تشرين الاول عام 1981 أردى متمردون اسلاميون السادات
بالرصاص في عرض عسكري بالقاهرة وملأ مبارك الذي كان جالسا بجوار السادات
وأصيب بجرح طفيف في يده الفراغ وسط مشاعر ارتياح واسعة النطاق بين
المصريين.
وفي الوقت نفسه حاول المتمردون الاسلاميون الذين أغضبتهم معاهدة السلام
التي وقعتها مصر مع اسرائيل الاستيلاء على مدينة أسيوط بصعيد مصر فما كان
من مبارك إلا أن أرسل إليهم الجيش لسحق التمرد.
وكان لحضوره ومسلكه الذي اتسم بطابع الحذر وقع طيب على بلد هزه حادث اغتيال السادات ومخاوف من الفوضى والحرب الاهلية.
لكن ما أن تولى مبارك السلطة فإنه لم يقدم للمصريين أي رؤية سوى التنمية
الاقتصادية في ظل النظام الشمولي الذي ورثه عن ضباط الجيش الذين أطاحوا
بالنظام الملكي عام 1952.
وكلما سنحت الفرصة كان مبارك يتحدث عن الديمقراطية لكن أفعاله لم تشر قط
إلى أنه استوعب مفهوم الديمقراطية بما يعني إمكانية التقاعد المبكر أو ترك
السلطة عن طريق الانتخابات.
وفضل مبارك أن يتحدث عن الامن والاستقرار وصور نفسه على أنه أب حنون يحمي
البلاد من مجموعة من الأعداء بعضها حقيقي وبعضها من وحي الخيال.
وخلال أزمة أقل بكثير خلال الانتخابات الرئاسية عام 2005 عندما كانت
واشنطن تضغط عليه من أجل مزيد من الانفتاح رفض بكل ازدراء ما نصحه به
مثقفون من ضرورة اقامة مؤسسات حقيقية.
وظل مبارك إلى عام 2005 المرشح الوحيد في الاستفتاءات الرئاسية بل انه في
تلك السنة لم يتنازل ويوافق على إجراء مناظرة مع منافسه الرئيسي أيمن نور
المحامي الليبرالي الذي دخل السجن بعد ذلك لعدة سنوات بسبب اتهامات مشكوك
في صحتها بتزوير توقيعات.
حتى التنمية الاقتصادية كانت بطيئة ومتفرقة حتى أقنعه ابنه جمال المصرفي
السابق باشراك رجال أعمال واقتصاديين من أصحاب الاتجاه الليبرالي الجديد
كوزراء في الحكومة.
وانتعش النمو الاقتصادي وبلغ 7.2 في المئة في السنة المالية 2007-2008 لكن
الفجوة اتسعت بين الاغنياء والفقراء وظل التضخم مرتفعا وارتفعت شكاوى
الفقراء من أن فوائد هذا التحسن لم تصل إليهم.
وعلى الصعيد السياسي لم يتغير شيء يذكر. فقد ارتقى رجال أعمال من أصدقاء
جمال مبارك ومعارفه المراكز العليا في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم
الذي تحولت مكاتبه إلى هدف رئيسي في الانتفاضة الحالية.
ومع تقدم العمر به وازدياد شعوره بالرضا عن الوضع تغاضى مبارك أو غض الطرف
عن التآكل التدريجي لسيادة القانون الأمر الذي زاد من صعوبة تحقيق انتقال
سلس ومقبول على نطاق واسع للسلطة.
وكان رجال شرطة يمارسون التعذيب بكل صلف مع من يتحدى سلطتهم واحتكر ساسة
فاسدون المشهد السياسي بالتلاعب بالانتخابات واللوائح بما يقصي كل
منافسيهم. ثم يقول المسؤولون إن الانتخابات كانت نزيهة وإنهم يحققون في أي
حالات للتعذيب.
وبدا أن الاخطار لم تدر بخلد مبارك فقد سئل العام الماضي عمن سيخلفه في الرئاسة فقال "الله أعلم".
وتتفق السفيرة الامريكية في القاهرة مارجريت سكوبي مع هذا الرأي إذ قالت
ملخصة رؤية مبارك في برقية سربها موقع ويكيليكس "يبدو أنه يضع ثقته في
الله والقوات المسلحة ذات النفوذ المتغلغل (في الدولة) وقوات الامن
المدنية لتحقيق انتقال منظم للسلطة."
القدس العربي