استراتيجيات التعامل مع الحملات الإعلامية الموجهة ضد المنظمات الخيرية الإسلامية
ورقة عمل مقدمة إلى مؤتمر باريس للمنظمات الإنسانية والخيرية 6-7/11/1423هـ الموافق 9-10/1/2003م
إعداد هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية بالمملكة العربية السعودية
ابحث في الصفحة
=============
تقديم:
بعد أحداث 11 سبتمبر برزت حملة إعلامية جائرة على المنظمات والجمعيات الخيرية في العالم الإسلامي. إذ استغلت بعض الصحف ووسائل الإعلام الغربية أحداث التفجيرات التي وقعت في برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية في واشنطن، للنيل من هيئات ومؤسسات العمل الخيري في العالم الإسلامي دون وجه حق.
ودرجت وسائل الإعلام تلك على تحديد قوائم بالدول والجمعيات الخيرية التي يشتبه في علاقتها بدعم الإرهاب – كما تدعي – وظهر تخبط واضح في أسماء المنظمات المدرجة، إذ كانت هناك أخطاء واضحة فاضحة في أسماء المنظمات وأسماء الأفراد على السواء. كما تحدثت التقارير عن تجميد الأرصدة، وشمل ذلك المنظمات والأفراد الذين ليست لهم أرصدة في الدول التي تنتمي إليها وسائل الإعلام تلك.
أهداف الحملة:
من أهم أهداف تلك الحملة: إفقاد المتبرع الثقة في المنظمات الخيرية الإسلامية، ما يؤدي بالضرورة إلى تقليل مواردها، ومن ثم نضوبها ويترتب على ذلك بالضرورة زيادة الأحوال البائسة التي تعيشها الغالبية الغالبة من المسلمين من فقر وجهل ومرض.
والواقع أن تفاقم هذه الأحوال في العالم الإسلامي سيؤدي بالضرورة إلى زيادة الإرهاب لا إلى التقليل منه. ويعلم أصحاب هذه الحملات ذلك ولا يجهلونه، ولكنهم يسعون عن عمد واضح إلى تأصيل وتجذير إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين عن طريق تهيئة المناخ الملائم لتفشيه وانتشاره، هذا المناخ الملائم هو انعدام أقل ضروريات الحياة الآدمية الكريمة في أوساط العالم الإسلامي، وزيادة مظاهر البؤس والعوز بين المسلمين، وذلك كله كانت وما تزال المنظمات الخيرية الإسلامية تسهم إلى حد ما في الحد منه والتقليل من آثاره. وعملها هذا هو الكفيل بالحد من الإرهاب بكافة أشكاله، حين ينتشر الوعي والتعليم والإدراك بين المسلمين، كما يُسد رمقهم وتستقر أحوالهم المعيشية بكافة مقوماتها، وبذلك لا يصبحون فريسة سهلة لأي توجهات غالية أو متطرفة، كما كان يحصل قبل ظهور الجمعيات والمنظمات الخيرية الإسلامية في الساحة العالمية.
وقد قامت هذه المنظمات بإغاثة اللهفان، وكفالة الأيتام، وإعفاف الأرامل والإنفاق على المساكين، وإشاعة التعليم والتدريب المهني وتحفيظ القرآن الكريم، بين فئات المحرومين في العالم الإسلامي التي تبلغ عشرات الملايين، وفي معسكرات اللاجئين الذين يشكل المسلمون 70% منهم حسب إحصائيات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. لذا فإن الحملات المقننة على المنظمات الإسلامية تهدف إلى تجفيف منابع الخير هذه، لتتيح الفرصة للجمعيات والمنظمات الغربية كي تحل محلها.
الفجوة في القدرات:
تؤكد التقارير والإحصائيات العالمية أن إنفاق المنظمات الخيرية الإسلامية في العالم محدودة للغاية، إذا ما قورن بإنفاق المنظمات الغربية الكبير، فقد أنفقت هذه المنظمات الغربية خلال عام واحد: 1997م أكثر من 200 مليار دولار. وفي الوقت الذي تتزايد فيه ميزانياتها كل عام، نجد أن ميزانيات الوكالات الدولية الكبرى لغوث اللاجئين والمنكوبين في العالم الذين ذكرنا أن 70% منهم مسلمون قد تم تخفيضها في العام الحالي بأكثر من مليار دولار. ولا تصل ميزانيات هيئات الإغاثة الإسلامية في العالم إلى عُشر واحد في المائة من ميزانيات الهيئات الغربية، ولا تشكل إمكانياتها شيئاً يذكر مقارنة بالقدرات التمويلية لهذه الهيئات. وقد ازدادت الفجوة بين المجموعتين اتساعاً بعد إطلاق بعض إعلاميي الغرب لتهمة الإرهاب التي يحاولون إلصاقها بالمنظمات والهيئات الإسلامية.
براءة المنظمات الخيرية الإسلامية من الإرهاب:
لا وجه لإلصاق تهمة الإرهاب بالمنظمات الخيرية الإسلامية، فهي تحقق ما تحتاجه البشرية من التكافل عن طريق إطعام الجائع وكسوة العاري وعلاج المريض وكفالة اليتيم ورعاية الأرامل والمساكين وتوفير المأوى الكريم للنازحين واللاجئين ممن فقدوا مساكنهم وأمتعتهم أو اضطروا لتركها بسبب الحروب أو الكوارث. كما تهيء هذه المنظمات مناخ التعليم للنشء فضلاً عن توفير متطلبات التعليم المهني والحرفي للشباب والفتيات والأمهات الأرامل. وكل ذلك يسهم في صنع مجتمع العمل والتنمية والتكافل الاجتماعي والقيم الفاضلة والقضاء على جميع مظاهر الانحراف والجريمة وإرهاب الناس والتسول والممارسات غير الأخلاقية.
كيفية التصدي لهذه الحملات الجائرة :
أولاً : إجراءات تتصل بالهجمة الإعلامية على هذه المنظمات:
1- رصد كل ما ينشر في وسائل الإعلام عن العمل الخيري الإسلامي والشبهات التي تثار حوله ، والرد عليها في حينها ، وتفنيد الدعاوى الباطلة ، والتأكد من نشر الردّ في وسيلة الإعلام نفسها وفي مساحة إعلامية متساوية .
2-اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة لمقاضاة كل من يتسبب في إيذاء أو تشويه سمعة هيئة خيرية إسلامية أو من ينتسب إليها ، لاسترداد حقوقها والحصول على تعويضات مادية وأدبية عما لحق بها من ضرر ، وكي يشعر كل من تسوّل له نفسه أن يدلي بمعلومات كاذبة بأنه سيلقى جزاءه .
3- تمليك الرأي العام الحقائق من خلال توضيح استراتيجية عمل كل هيئة وجمعية خيرية في العمل والتعامل ، وصرف الأموال بكل شفافية عبر المقالات والتحقيقات الصحفية واللقاءات الإذاعية والتلفازية .
4- رفع التقارير الدورية عن إنجازات ونشاطات الجمعيات والهيئات الخيرية إلى المسؤولين والعلماء والكتّاب والصحفيين وكبار المتبرعين ، لطمأنتهم ولتمكينهم من الرد على كل من يحاول أن يزيف الحقائق من خلال المعلومات والتقارير غير المنصفة .
5- القيام بحملات إغاثية مشتركة مع منظمات خيرية عالمية بما في ذلك حملات العلاقات العامة المشتركة .
6- تعاون المنظمات الخيرية الإسلامية في العالم فيما بينها وإعطاء المنظمات والمؤسسات الإسلامية في الغرب دوراً طليعياً والتنسيق معها لتنظيم حملات إعلامية تعريفية ودفاعية عن العمل الخيري الإسلامي تخاطب المجتمع الغربي بلغته ومنطقة مستخدمة وسائله الحديثة .
7- تجميع ما لدى المنظمات والجمعيات الخيرية والإغاثية من مشروعات إعلامية للتنسيق فيما بينها والعمل على وضع مشروع استراتيجية (خطة عمل) إعلامية طويلة الأمد .
ثانياً : إجراءات تتصل بعمل المنظمات الخيرية الإسلامية عموماً :
1- أن تشرك هذه المنظمات الدول الإسلامية في عملها إشراكاً فاعلاً بحيث يعطيها ذلك المزيد من الغطاء الرسمي والحماية الدولية وهو ما تقوم به بعض المنظمات الخيرية السعودية التي تُنسّق تماماً مع سفارات المملكة العربية السعودية وممثلياتها المنتشرة في أنحاء العالم ، سوى تنسيقها مع مكاتب رابطة العالم الإسلامي في العالم .
2- أن تجسد هذه المنظمات الخيرية التواصل والتعاون والتنسيق مع المنظمات المحلية والإقليمية والدولية سواءً الحكومية منها والشعبية مثل : برنامج الغذاء العالمي ، والمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وسوى ذلك من المنظمات والهيئات الدولية ، فذلك يجعل برامجها مفتوحة على العالم ومنسجمة مع العمل الخيري العالمي .
3- أن تحرص هذه المنظمات على أن يكون عملها إنسانياً بحتاً ، بعيداً كل البعد عن الأغراض السياسية ، وأن لا يقتصر عملها الإنساني كالتعليم والصحة وسواهما على المسلمين فقط رغم أنهم أكثر حاجة من غيرهم فشمول غير المسلمين بهذه الخدمات يعطي لهذه المنظمات مصداقية أكبر عالمياً ، ويحميها من الكثير من المضايقات والاتهامات . كما أنه قبل ذلك كله لا يتعارض مع تعاليم الإسلام التي نصت على إغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج بغض النظر عن دينه كما قال صلى الله عليه وسلم : "في كل كبد رطبة صدقة" .
أن يكون عمل هذه المنظمات قائماً على نظام إداري ومالي دقيقين بحيث تكسب احترام وثقة جميع المتعاملين معها داخلياً وخارجياً ، فلابد من أن يكون لها جميعاً أنظمة إدارية منضبطة ، وأنظمة محاسبية واضحة بحيث لا يخفى على أحد سبل جمعها للأموال وسبل صرفها لها دون أي ثغرات أو علامات استفهام. ويتحقق ذلك بأساليب شتى ومظاهر عديدة كأن تكون لكل منظمة ميزانية مدروسة ، وأن يكون تعاملها مع البنوك الرسمية محلياً وعالمياً ، وأن يكون لها أجهزة رقابية صارمة قبل الصرف وبعده ، وأن يكون لها دليل محاسبي موحّد لجميع مكاتبها وفروعها لإحكام الرقابة على دورة الصرف والتحصيل وإحكام الدورة المحاسبية والمستندية ، وأن تستند إلى التقارير الدورية والزيارات الميدانية لمعرفة الوضع المالي والإداري في كل الفروع ، وسوى ذلك وسيكسب العمل المنظم هذه المنظمات والهيئات احترام جميع المتعاملين معها ، ويكون حافزاً للدول الإسلامية عموماً نحو العمل المنظّم .