الفضائيات الموجهة: جزء من حرب إعلامية لكسب العقول والقلوب
حرب اعلامية عبر الفضائيات المختلفة
"الحرة"، "بي بي سي" و"دويتشه فيله" قنوات تنقل رسالتها الإعلامية إلى العالم العربي بالعربية. "الجزيرة" بالمقابل تتجه إلى إطلاق قناة بالإنجليزية. ما سر الاهتمام بلغة الآخر؟ هل هذا جزء من حرب اعلامية لكسب معركة الرأي العام؟
"السلطة الرابعة"، هكذا يطلق على الصحافة لقوة نفوذها وقدرتها على السيطرة على العقول البشرية من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. ونظرا للتأثير الكبير لهذه السلطة فان المراقبين يرون ارتباطا كبيرا بين ما تقدمه من مواد إعلامية وبين الثورات والحركات الجماهيرية التي استطاعت ان تقتلع أنظمة دكتاتورية من جذورها. كما انها تساعد على الإطلاع على كل ما يجري من أحداث ساخنة في مختلف بقاع الأرض وكأن سكان العالم يعيشون سويا في قرية صغيرة واحدة. وتعتبر منطقة الشرق الأوسط إحدى أكثر المناطق في العالم سخونة، مما جعلها محط أنظار معظم وسائل الإعلام العالمية. أهمية أحداث الشرق الأوسط تكمن في أن تداعياتها لا تقتصر على الدول الواقعة فيها فقط، بل على العالم أجمع. فمن حرب الخليج الى حرب أفغانستان الى انتفاضة الأقصى الى ازمة الملف النووي الايراني، كلها احداث أخذت الصبغة العالمية واهتمت وسائل الاعلام بنقل أحداثها بالصوت والصورة الى جميع انحاء العالم. ولذلك ليس من الغريب أن تقوم معظم وسائل الإعلام الدولية بفتح مكاتب صحفية خاصة بها في موقع الحدث وبنشر مراسليها ليغطوا الأحداث بشكل كامل.
أفكار غربية بعبارات عربية
CNN قناة أمريكية حققت نجاحا كبيرا على مستوى العالمكان الإعلام سابقا يُستغل لسياسة الدولة وإيصال المعلومات الموجهة التي تبرز إإنجازات ذاك الرئيس أو ذاك الأمير وتخفي الكثير خلف السحاب. فالأنظمة الشمولية لم تكن يوما معنية بأن يعرف مواطنوها الحقيقة كاملة أو أن يتصلوا أو يتواصلوا مع العالم الخارجي. لكن الإعلام الحديث كانت بدايته عندما قامت القنوات الفضائية الغربية والانترنت بغزو العالم بما فيه العالم العربي. وبعد فترة ليست بالقصيرة تمكن العالم العربي من اللحاق بالركب الإعلامي وإطلاق القنوات الفضائية المتعددة معتمدة في ذلك على كادر إعلامي مؤهل بثقافة إعلامية رفيعة المستوى، مما جعل العرب أقل اعتمادا على وسائل الإعلام الغربية في الإطلاع عما يجري حولهم من أحداث. وعندما لمست الدول الغربية ذلك التطور الهائل في مستوى الإعلام العربي لم تكتف ببث الأخبار باللغة الإنجليزية فقط، بل أخذت تتطلع لنشر الأخبار باللغة العربية أيضا للوصول الى عقل كل عربي وعلى وجه الخصوص جيل الشباب، جيل المستقبل. فبعد أن حققت القناة الأمريكية الشهيرة CNN نجاحا هائلا في جميع دول العالم، تنبه الأمريكيون الى ضرورة وجود قناة تكون موجهة الى الوطن العربي بالذات، تزوده بالمعلومات من وجهة نظر الغرب لكن عبر عبارات عربية، فمن هنا ولدت فكرة إنشاء قناة "الحرة".
إعلام غربي بلغة عربية
الحرة قناة أمريكية موجهة للعالم العربيعملت الإدارة الأمريكية على تأسيس قناة تلفزيونية بتمويل من الكونغرس أسموها "الحرة". ولعل من أهم مهامها تحسين صورة الولايات المتحدة في العالم العربي ونقل وجهة النظر الامريكية من تطورات الاحداث في المناطق العربية. ومنذ نشأتها قوبلت المحطة الناطقة بالعربية والمتمركزة في واشنطن بتشكيك ونقد حادين، وفشلت فشلا ذريعا، إذ لم يتقبل الشباب العربي هذه القناة، واعتقد أنها تسعى الى السيطرة عليه وغسل دماغه لا أكثر. وفي حوار لنا مع الخبير الإعلامي الدكتور عبده جميل المخلافي المتخصص في فلسفة الإعلام الفضائي العربي قال:"لاشك أن الهدف الرئيسي الذي سعت اليه الإدارة الأمريكية من وراء إطلاق قناة الحرة هو كسب الرأي العام العربي لصالح السياسات الأمريكية ومنافسة القنوات العربية التي تُتهم بأنها تحرض بشكل علني ضد هذه السياسات وزرع الكراهية في قلوب العرب تجاه أميركا مثل قناة الجزيرة على سبيل المثال. وقد جاء مشروع الحرة، وكذلك راديو سوا، في إطار ماعرف بحملة "الدبلوماسية العامة" التي أطلقها منظروا إدارة جورج دبليو بوش بالتوازي مع مايعرف "بالحرب على الإرهاب" لكسب قلوب وعقول العرب. وفي تصوري فإن قناة الحرة لم تحقق هذه الأهداف لأسباب عديدة منها: أنها لم تستطع كسب المشاهد العربي لأنه يعرف مسبقا أن هدفها إلهائه عن ممارسات السياسة الأمريكية في المنطقة العربية.كما أنها لم تستطع أن تكون حرة فعلا في تقديم جميع وجهات النظر."
ويضيف المخلافي، مؤلف كتاب "قناة الجزيرة. لاعب إقليمي على مسرح الإعلامي العالمي"الذي صدر بالألمانية قائلا: "قد تبدو الرسالة الإعلامية للحرة على درجة عالية من المهنية، لكنها غير محايدة بالشكل الكافي الذي يقنع المشاهد العربي أنها حرة فعلا. فهي انعكاس مباشر للسياسة الأمريكية. كما أنها لم تستطع أن تسلب الجزيرة مشاهديها او تكون منافسا لها والسبب بسيط للغاية وهو أنها لم تستطع إثبات مصداقيتها كما أن المشاهد العربي ارتبط عاطفيا وفكريا بالجزيرة وهو يشعر أنها تعبر عن همومه وتعكس وجهة نظره وتقول مايود هو قوله. كما انها، اي الجزيرة، تقوم وبشكل لا يخلو من الجرأة بطرح الرأي والرأي الآخر سواء كان مساندا للولايات المتحدة الأمريكية أو معارضا لها". أما من الناحية الإدارية لقناة الحرة فيقول المخلافي:" يدير الحرة طاقم إعلامي مقيًد بأجندة محدده له سلفا وهي مستقاة من أجندة صناع القرار في وزارة الخارجية الأمريكية. وأعتقد انه يتوجب أولا ان تتغير السياسة الأمريكية تجاه العالم العربي حتى يغيِر الرأي العام العربي من موقفه من هذه السياسة. لابد من ان تتغير العقلية السياسية في البيت الأبيض أولا. عدا ذلك فانه لا الحرة ولا غيرها قادرة ان تقنع المواطن العربي بان يغيِر من موقفه تجاه السياسة الأمريكية".
الجزيرة نحو العالمية عن طريق اللغة الإنجليزية
المشاهد العربي يثق بما تقدمه له القنوات العربيةبعد النجاح الهائل الذي حققته قناة الجزيرة في عقدها الأول، تعتزم القناة إنفاق ما يصل الى 30 مليون دولار لافتتاح قناة باللغة الإنجليزية. المدير التنفيذي للقناة الانجليزية نايجل بارسونز قال معلقا على ذلك: "ما لم تكن هناك مشاكل سنكون على الهواء بحلول كأس العالم 2006. ولا نستطيع الآن إعلان تاريخ محدد للانطلاق لأنه من الصعب التنبؤ بالوقت الذي قد يستغرقه الضبط الفني الدقيق لبرامج التشغيل". وسيتم ربط مقر الشرق الأوسط بالدوحة في قطر بمراكز البث الإقليمية في كوالالمبور وواشنطن ولندن. ومن المتوقع أن تقوم المحطة بتوقيع اتفاقيات توزيع في الولايات المتحدة قبل انطلاقها مع شركات تقوم بتوصيل خدمة الكابيل للمنازل والأقمار الصناعية مباشرة. وستستهدف هذه القناة المسلمين الناطقين بالإنجليزية بالإضافة الى كل الذين يستخدمون الإنجليزية كلغة ثانية. وقال هوغ ميلز مؤلف كتاب (الجزيرة: كيف تحدت قناة إخبارية عربية العالم) أن:" القناة الجديدة ستعمل بجد لإثبات مصداقيتها، مرجحا أن تكون السنة الأولى بمثابة فترة تجريبية". وقد تكون هذه القناة أقل اهتماما بالسباقات الصحفية، فهي عوضا عن ذلك ستكون أولوياتها منحصرة في إثبات أنها بالرغم من كونها عربية التمويل فإنها ذات مصداقية وموضوعية لا تقل عن القنوات الغربية.
صراع متضاد على كسب الجمهور العربي
الجزيرة تطلق قناة جديدة باللغة الانجليزية من خلال هذا التسابق الإعلامي العالمي لفتح قنوات جديدة يلاحظ المرء أن جميع وسائل الإعلام العالمية عربية كانت أم غربية، تسعى الى كسب الجمهور العربي أينما كان. فالإعلام العربي يفتتح قنوات جديدة ناطقة باللغة الإنجليزية في محاولة منه لنقل الصورة حسب وجهة نظره لما يحدث في العالم العربي، والقنوات الغربية تعمل على فتح قنوات وبث برامج باللغة العربية، تخاطب فيها العالم العربي. ومن هذا المنطلق تسعى قناة BBC البريطانية لإطلاق برنامج موسع باللغة العربية. وهناك أنباء تتحدث عن احتمالية قيام مؤسسة دويتشه فيله الألمانية بزيادة فترة بثها باللغة العربية من ثلاث ساعات الى 12 ساعة يوميا ابتداء من شهر سبتمبر/أيلول المقبل.
نقل للفائدة