برقيات اميركية تصف كيف كاد القذافي يتسبب في كارثة نووية في نوبة غضب على الامم المتحدة بسبب خيمته السبت ديسمبر 4 2010
القذافي كاد يتسبب بكارثة نووية بسبب خيمته
لندن –
– تكشف وثائق دبلوماسية اميركية سربها موقع ويكيليكس اخيراً ان الزعيم الليبي معمر القدافي كان على استعداد لان يترك كميات من اليورانيوم العالي التخصيب في بلاده عرضة لاستيلاء الارهابيين عليها، او لانصهار مدمر، لكي تتعلم الامم المتحدة درساً اراد ان يلقنها اياه.
وتقول صحيفة "ذي غارديان" البريطانية في عددها الصادر اليوم استناداً الى البرقيات المسربة ان الولايات المتحدة ظلت تتكتم على احتمال حدوث "كارثة بيئية" عندما وصلت شحنة كبيرة من اليورانيوم العالي التخصيب الى درجة قريبة من الانفلاق في ليبيا وتسريب مواد مشعة في الجو.
وتضيف ان الحادثة انكشفت "عندما تراجع الزعيم الليبي المتقلب الاطوار معمر القدافي فجأة عن تعهد بالتخلص من اليورانيوم المخصب بدرجة تصلح لانتاج اسلحة، في ما يبدو انعكاساً لفورة غضب نتيجة اهانة دبلوماسية تلقاها في نيويورك عندما لم يُسمح له بنصب خيمة خارج مقر الامم المتحدة.
واوضحت الرسائل التي تسربت ان شحنة من سبعة براميل معدنية – تزن كل منها خمسة طنان مختومة لغايات النقل وليس التخزين - تُركت في باحة احدى المنشآت النووية الليبية من دون حراسة الا من حارس مسلح واحد. وفزع دبلوماسيون اميركيون وروس لمحادثة مسؤولين ليبيين حول هذا الامر، بينما حذر علماء من ان اليورانيوم داخل البراميل بدرجة عالية من الاشعاع وان حرارته بدأت ترتفع بسرعة. وكانت تلك المواد في الاصل جزءا من خطة القذافي لانتاج اسلحة نووية.
وقال السفير الاميركي جين كريتز في رسالة سرية بعث بها من طرابلس الى واشنطن ان "خبراء الطاقة يشعرون بقلق شديد في ما يتعلق بالمخاطر التي تتعلق بالامن والسلامة. ووفق ما ذكره خبراء وزارة الطاقة فان امامنا شهرا واحدا لايجاد حل لهذا الوضع قبل ان تتحول المخاطر المتعلقة بالامن والسلامة الى ازمة.
"ان درجة حرارة وقود اليورانيوم العالي التخصيب، وهو مادة مشعة، يمكن ان ترتفع الى ما يمكن ان يتسبب في انفلاق البراميل ونشر مادة نووية مشعة. وتفرض مشاعر القلق الامني وحدها علينا استخدام كل مصادرنا لايجاد حل في الوقت المناسب لهذه المشكلة، والا نسمح بتسرب اي نبأ عنها الى الصحافة".
وقد اعتُبرت البراميل التي تحتوي على 5.2 كليوغرام من اليورانيوم العالي التخصيب بانها قابلة "للنقل بسهولة"، وتمثل مكسبا هائلا للارهابيين او لدول تسعى لان تصبح نووية. وتبين من الرسالة ان مسؤولين اميركيين طالبوا الليبيين بتفكيك الرافعة القائمة في الموقع والتي يمكن ان تسمح للدخلاء بنقل البراميل الى اي شاحنة.
وكانت الحاويات قد بقيت في منشأة تاجوراء النووية الليبية. ولم يشاهد خبراء وزارة الطاقة "الا حارس امن واحدا ومعه بندقية (وان كانوا لم يعرفوا ما اذا كانت محشوة)".
وجاء فيها ايضا انه "بالنظر الى طبيعة (حاويات) اليورانيوم العالي التخصيب القابلة جداً للنقل وشروط السلامة المهترئة في تاجوراء، فان اي اشارة الى هذه المسألة في الصحافة يمكن ان تثير قلقا أمنيا خطيرا. ولا بد لنا ان نفترض ان الزعيم الليبي هو مصدر هذه المشكلة".
وتفجرت الازمة في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2009 عندما قال علي قشوط، مدير الطاقة النووية الليبي، في مكالمة هاتفية قبل قليل من وصول طائرة نقل روسية عملاقة من طراز "انتونوف 124-100" خاصة الى ليبيا لنقل اليورانيوم من اجل التخلص منه، انه تلقى "تعليمات" بمنع الطائرة من الهبوط.
وكانت الحكومة الاميركية قد اعربت عن استعدادها لتسديد تكاليف قيام روسيا باستعادة اليورانيوم العالي التخصيب والتخلص منه. فقد كان مصدره اليورانيوم في الاصل من موسكو، لاغراض يفترض انها بحثية.
وجاءت موافقة ليبيا على التخلص من اليورانيوم العالي التخصيب كجزء من صفقة لنزع صفة الشخص المنبوذ عن القدافي بالتخلي عن برنامج اسلحة الدمار الشامل. وكان من المفروض ان يعيد بحلول خريف العام 2009 كل ما لديه من اليورانيوم العالي التخصيب، وان يبدأ بالتخلص من مخزونه من صواريخ "سكود بي". وفي نهاية العام 2010 كان المفروض ان يحول مصنع "الرابطة" للاسلحة الكيماوية الى معمل للادوية وان يتخلص من عناصر غاز الاعصاب. اما الخطوة التالية في العام التالي فكانت ان تدمر ليبيا مخزونها من غاز الخردل.
وعندما انكشفت ازمة اليورانيوم العالي التخصيب، واجه السفير الاميركي كريتز ابن الزعيم الليبي صاحب النفوذ سيف الاسلام الذي قال ان الليبيين "سئموا" وان "القدافي شعر بالاهانة بسبب الطريقة التي عومل بها اخيرا في نيويورك".
وسجل دبلوماسيون اميركيون في برقياتهم السرية ان مواطني القدافي شعروا بالحرج والخجل من "تصرفاته الشاذة" في نيويورك خلال شهر آب (اغسطس) المعني.
فقد رفض طلب القدافي نصب خيمة خارج مقر الامم المتحدة، كما لقي خطابه المجلجل لساعتين امام الجمعية العمومية بعداء واضح.
واقترح كريتز ان رسالة شخصية من هيلاري كلينتون الى القدافي يمكن ان تهدئ من "روع الدكتاتور". وقد ارسلت رسالة الاسترضاء على عجل في 3 كانون الاول (ديسمبر). ومع ذلك لم يحصل القدافي على اذن بنصب الخيمة. وظلت كميات اليورانيوم العالي التخصيب في الباحة، تزداد حرارة.
وتوجه ديبلوماسي اميركي للقاء وزير خارجية ليبيا على عجل "وشرح الكارثة البيئية التي يمكن ان تقع...ونسعى ايضاً الى عقد اجتماع مع مساعد سيف الاسلام... على امل ان يدرك كبار المسؤولين الليبيين المخاطر الحقيقية على الامن والسلامة".
وانفرج الوضع اخيرا في 7 كانون الاول (ديسمبر). اذ قالت الولايات المتحدة نها سترفض دفع مبلغ 800 ألف دولار مقابل عملية النقل الروسية ما لم يتم نقل الوقود رسميا في موعد اقصاه 18 كانون الاول (ديسمبر).
واخيرا سُمح لطائرة "انتونوف" العملاقة بالهبوط. وفجر يوم 21 كانون الاول (ديسمبر)، بعد شهر مرهق، اقلعت بشحنتها المشعة الى روسيا.
وقال فريق الطاقة النووية الاميركي الذي تابع الشحنة ان "المأزق الذي طال شهرا كاملا ترك اثاره على الدكتور علي قشوط، رئيس مؤسسة الطاقة النووية الليبية".
ويبدو ان العام الحالي حمل معه ازمة جديدة تتعلق هذه المرة بالتعهد بتدمير صواريخ "بي سكود" الـ240 لدى ليبيا. ونقلت رسالة دبلوماسية اخرى من طرابلس ان "الجنرال احمد الزوي يصر على ان الولايات المتحدة كانت المسؤولة بوجه عام عن تأخر ليبيا في تنفيذ التزاماتتها بتدمير صواريخ بي سكود.
"وقد انتقد الزوي الولايات المتحدة لتعطيل جهود ليبيا في البحث عن نظام اسلحة بديل ليحل محل مخون صواريخ سكود بي، ورفض ان يبحث في موعد التدمير. واصر على ان الاتفاق الثلاثي المعقود عام 2004 اشتمل على تعهدات اميركية وبريطانية لايجاد بديل".
ولم يتضح بعد ما سيتمخص عن هذا النزاع".
جريدة القدس