عام الإعلام الاجتماعي الجديد 2008
د. عمار بكار
قبل سنة من الآن فاجأتمجلة "تايم" الأمريكية الشهيرة جمهورها باختيارها لـ "أنت" YOUكشخصية عام 2006م، على أساس أن كل شيء في العالم يتجه نحو ما يسمى بـ"التشخيصية" Personalization، أي إعطائها البعد الشخصي الخاص بالمستخدم، حيث سمحت التكنولوجياللشركات أن تمنح الناس القدرة على عمل خيارات كثيرة تعكس أذواقهم ورغباتهمواحتياجاتهم في كل شيء يعملونه بما في ذلك استهلاك المادة الإعلامية واستخدامالإنترنت والجوّال وحتى السياسيين وصناع القرار صاروا يفهمون أكثر قيمة الفرد ويتجهونإليه بذكاء أعلى لإقناعه بقراراتهم السياسية والاقتصادية
في عام 2007 حصل عدد منالتغيرات السريعة التي أكدت أن ما يسمى "الإعلام الاجتماعي" أشهر مواقعالإعلام الاجتماعي موقع Facebook وموقع MySpace وموقع YouTube وغيرها من مئات المواقع التي تستخدم الأفكار نفسها في اتجاهاتمتخصصة، فهناك مواقع خاصة بالربط بين الباحثين عن أعمال وأصحاب الأعمال، ومواقعللتواصل بين الأصدقاء حول الكتب وغيرها من المواقع التي تحدثت عنها في مقالاتسابقة. Social Media والمتمركز حول الفرد منخلال مواقع الشبكات الاجتماعية يتمدد بسرعة ليأخذ مساحة واسعة في حياتنا اليوم.
ليس هذا فحسب، ففي هذاالعام انتقلت الشبكات الاجتماعية إلى جهاز الموبايل وبدأت تنمو بسرعة خرافية، بحيثسيتحول الموبايل خلال العالم المقبل (ولا شك) إلى جهاز يربطك بكل مجموعات الأصدقاءمن خلال هذه الشبكات لكن الخطير في هذه التحولات لهذا العام ليس نمو مواقعالإنترنت بل كونها بدأت تغير جذريا في مفهوم الإعلام الكلاسيكي نفسه، فبينما كانتوما زالت الرسالة الإعلامية متوجهة من "مرسل مؤسساتي" إلى"الجمهور" صارت تتوجه من الجمهور إلى الجمهور، في اتجاه يهدد أصل الصناعةالإعلامية بالخطر.
في عام 2007 تحول كثيرمنا وبشكل تلقائي إلى مرسلين جماهيرين، وهناك من فعل ذلك في أعوام سابقة، وبقيتمجموعات بسيطة ستتحول خلال الأعوام المقبلة، ولا أستغرب إذا صار الناس يحصلون علىمعلوماتهم من بعضهم بدلا من وسائل الإعلام بمجرد أن تجد مواقع الشبكات الاجتماعيةوالمنتديات وسيلة لتوثيق مصداقية هذه المعلومات المتبادلة بين الجمهور. للتوضيحأكثر، إذا استطاع موقع مثل YouTube إيجاد وسيلة تكنولوجية تلقائية توثق المعلومات المطروحة فيالفيديوهات المنشورة عليه فإنه سيتحول مباشرة لدى قطاع لا بأس به من الجمهور إلىمصدر إعلامي أساسي بدلا من وسائل الإعلام الكلاسيكية، وهذا أمر ليس بالصعب علىالإطلاق إذا وجدت الجهود الملائمة له.
إن نمو "الإعلامالاجتماعي" سمح بالعودة الهائلة لمصطلح "صحافة المواطن" وهو مصطلحنما خلال العقد الماضي للدلالة على محاولة جعل صوت الشخص العادي جزءا من معطياتالوسيلة الإعلامية، والآن صارت صحافة المواطن جاهزة للسيطرة على الساحة، وربما كانعلى وسائل الإعلام وعلى المعلنين قريبا جدا أن يبحثوا عن المواطن الذي يسمح لهمبالوصول من خلاله إلى الشبكات الاجتماعية التي يشترك فيها.
انتهى عام 2007م بانضمامنحو 100 مليون شخص إلى شبكات الإنترنت الاجتماعية، ولو نظرت إلى الرقم لأدركت أنهناك هجرة جماعية إلى مواقع تركز على العلاقات الشخصية والاهتمامات المتخصصة جداوتخلق مجتمعا إلكترونيا لم يكن يخطر ببالنا قبل عامين من الآن.
في عام 2008م سيتغيرالعالم أكثر، وسيكون للإنترنت والموبايل شأن أكبر، وستأتي التكنولوجيا لتحكمالعالم وتحدد مسار حياتنا المستقبلية، وستصبح الرسالة الفردية قابلة للانتشاروالتأثير بشكل أوسع بكثير، وسيحكم كل من يتجاهل هذه التغيرات على نفسه بالنهاية فيعصر سحيق القدم.
ما يقلقني في كل هذهالتغيرات أن "الإنسان" الذي يفترض أن تخدمه التكنولوجيا صار تابعا لها،وصار كل تغيير تكنولوجي يغير العالم بينما الإنسان يحاول اللحاق بالركب، ومايقلقني أكثر أن هذه التغيرات صارت تصل إلى العالم العربي بشكل يجعله مستهلكالمعطيات القرية العالمية الصغيرة بعيدا عن قضاياه وهمومه الأساسية.من ناحية أخرى،هذه التغيرات تحمل في ثناياها الكثير من الأمل، ولو أردت أن تعرف الأمل في ماذافاقرأ السطور أعلاه مرة أخرى."أنت" سيد العالم الجديد!
وكل ذلك بحسب رأي الكاتبفي المصدر المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:aleqt