عندما تصبح أمريكا حارسة لأحلام الشعوب
أحمد الأشقر
2010-12-02
في الطريق إلى رام الله، تشعر للحظة ما كم أن أمريكا رائعة، وكم أن الشعب الأمريكي شعب محب للشعب الفلسطيني وداعم لآماله وتطلعاته، عشرات اللافتات الضخمة التي تملأ شوارع الضفة الغربية تتحدث عن الإنجازات العظيمة التي حققتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المعروفة بـ 'اليو أس أيد'، إنجازات رائعة في مجالات الأمن والتنمية والاقتصاد والحكم والصناعة والثقافة وغيرها، حتى يخيل لك للحظة ما أن أمريكا دخلت بيوتنا ونامت على أسرتنا وأعطتنا جرعات مجانية لمضاجعة الوهم حتى لا ننجب الحقيقة المرة.
ما الذي يحدث في البلد؟ هل أصبحت أمريكا على حين غرة حارسة لأحلام الشعوب؟ من يحكم من؟ وهل الـ'يو أس أيد' حكومة ظل للشعب الفلسطيني تقدم له الخدمات على كافة الأصعدة؟
في الطريق إلى رام الله صور لفلسطينيين مبتسمين تحملها لافتات الـ'يو أس أيد' المنتشرة في كل مكان، أطفالا ونساء ورجالا، ترتسم البسمة على شفاههم، ابتســامة فلســـطينية بنـــكهة أمريكـــية، نكهة التمويل السخي لإنعاش الموت السريري في الــحالة الفــلســـطينية، تجميل الميت المذبوح بقليل من 'الماكياج'.
في غزة تسقط القنابل الأمريكية على رؤوس الأطفال، وهنا يبتسم البعض عرفاناً لها ولدولاراتها الخضراء، هل أصبحت ثقافتنا خضراء بلون الدولار؟ في العراق تدك البيوت بالصواريخ الامريكية، وهنا نتسابق على 'بروبوزالات' تمويلية لجلب الدعم واستدرار رحمة أمريكا العظيمة، هل أصبحت أمريكا رب السلام في بلد محاصر بالحواجز والقتل والحصار والفيتو الامريكي؟ هل أصبحت أمريكا هبة الله للفلسطينيين الجوعى؟ ربما!
سيقول البعض ان الـ'يو أس أيد' مؤسسة أهلية لا أهداف سياسية لها، أو أنها مؤسسة إنسانية تعنى بالمواطن الجائع والشعوب المقهورة، أو أنه لا ضير من الضحك على ذقون 'الأمريكان' وسرقة أموالهم، سيقولون ما يقولون من وهم يسوغ هذا الجحيم الامريكي الذي ينصب على رؤوس أطفالنا في كل مكان، لن أصدق أنا بالطبع، ولن يصدق كل من يملك ذرة وعي أن أمريكا أصبحت في لحظة تاريخية حاضنة السلام والحب، وأنها 'سانتاكلوز' الجديد الذي يقدم الهدايا لأطفال فلسطينيين فقدوا آباءهم شهداء او أسرى بأدوات امريكية وأيد صهيونية.
سأحاول أن أقنع نفسي بذلك، ولكن! كيف سنقنع الفتية الفلسطينيين وهم يخرجون من مدارسهم ويرون هذه اللافتات كل يوم بأن أمريكا لا تقدم الهدايا للشعب الفلسطيني؟ كيف سأقنعهم بأن الطائرات التي قضَّت مضاجعهم في مدن الضفة الغربية وهدمت البيوت على رؤوسهم هي طائرات أمريكية؟ كيف وكيف وكيف، أنا أدرك أنَّ التاريخ لا يرحم، ولكنَّ أطفالنا بحاجة إلى انتباهة منا والتفاتة صادقة إلى حجم التخريب الذي بدأ يغزو وعيهم، التزييف المتعمد لحقيقة أن أمريكا هي العدو اللدود لآمال الشعوب المقهورة في هذا العالم، أمريكا القنبلة النووية الأولى، وملايين الاطنان من الديناميت والصواريخ على كابول وبغداد لا يمكن أن تكون صديقة لأحد، ولا يمكن للشعب الأمريكي الذي يصفق للإدارات الأمريكية المتعاقبة ويدعم دولة الاحتلال في جرائمها يمكن أن يكون رحيما ويقدم الهدايا لأطـــفال فلسطين، هذه الخطــــة الأمريكية لغزو ثقافتنا تبدأ من تشويه وعي أطفالنا الذين سيكبرون الآن وهم أوفياء لأمريكا التي بنت لهم المدارس وعبدت لهم الطرقات وأرســـلت آباءهم إلى نزهات فندقية في عواصم العالم، جيل كامل سيكون مؤمناً تماماً بأنَّ أمريكا لم تعد صديقة للحكومات فقط، بل أصبحت منارة للإنسانية والعدالة الاجتماعية.
أين دور المثقفين الفلسطينيين من هذا الغزو الرحيم؟ غزو الإعلام والتمويل وتشويه الحقائق، قد أستطيع أن أكتب وأنا أعلم أنني لن أغير في حقيقة ما يحدث، ولكنني على الأقل أستطيع الآن أن أُعلّق لوحة كبيرة في بــــاحة منــــزلي الصغيرة ليراها طـــفلاي الصغيران كل يوم، وأن أرسم عليها صورة قنبلة وأكتب تحتها باللغة الانكليزية ' made in America ' وبالعربية 'هدية من الشعب الأمريكي' وطبعا لن أنسى أن أضع أيضا صورة الطفلة هدى أبو غالية التي فقدت عائلتها على شاطئ غزة بالهدايا الأمريكية ...
' كاتب وشاعر فلسطيني