حرية الصحافة في أفريقيا .. منحة ممن يملك السلطة
تقرير هيلين ميشاود
03-05-2007
في تقريرها السنوي عن حرية الصحافة في القارة الإفريقية، أعلنت مؤسسة الصحافة العالمية(International
Press Institute) عن تصاعد حالات الاعتداء على الصحفيين في أفريقيا جنوب الصحراء. وأضافت أن أغلبية الاعتداءات تقوم بها الحكومات أو جهات أخرى مفوضة من قبلها.
أما مجموعة مراسلون بلا حدود(Reporters Without Borders) فقد ركزّت على ازدراء الصحفيين وقلة الاحترام لهم وعلى الاتفاقيات التي من شأنها توفير الحرية للعمل الصحافي كعامل أساسي في علاقات الحكومة ووسائل الإعلام في القارة الأفريقية.
و ذكر تقرير مراسلون بلا حدود أن أريتريا، كينيا، يوغندا، زيمبابوي، تشاد، جمهورية الكنغو الديمقراطية، نايجيريا، جامبيا، وساحل العاج، هي من دول الأكثر عداوة اتجاه الصحفيين. مع أن "جميع هذه الدول وقّعت على مجموعة من المعاهدات التي تهدف لضمان الحريات المدنية والسياسية".
ولكن التقرير يثني على بعض الدول مثل موريتانيا التي وفت بوعدها وحرصت على توفير حرية الصحافة. وكذلك اشاد التقرير بدول أخرى مثل ناميبيا، بوتسوانا، موريشيوس، وموزمبيق، التي حافظت على "مستوى مقبول من حرية الصحافة في بلادهم".
وأما هؤلاء الصحفيون الذين لا يزالوا يواجهون المضايقات من حكوماتهم فينصحهم تقرير مراسلون بلا حدود بـأن "الصبر هو السلاح الأفضل في مواجهة هذه المضايقات".
يعتبر الكثير من الصحفيين الأفارقة أن السجن من الطقوس المسّلم بها لدخول مهنة الصحافة. وأن الصحفي الحقيقي لا بد من دخوله السجن مرة واحدة على الأقل بسبب ما قاله أو نشره.
توم كامارا، ناشر الصحيفة من ليبيريا ضايقته الحكومة مرارا في الماضي، يقول أن الحكومة هناك منذ الانتخابات الديمقراطية في العام 2005، لا تعتقل الصحفيين، بل تهددهم بالمحاكمة فقط. ويفسر هذا التحول في المعاملة قائلا:
"الأمر متعلق بمن في يده السلطة في أفريقيا. فمنذ انتخاب أيلين جونسون- سيرليف، التي كانت معتقلة سياسة عذّبت ومن ثم أُبعدت عن بلادها، فقد تحولت المعايير وتغيرت طرق المعاملة. بما أن جونسون- سيرليف حوكمت بسبب أرائها فلا يتوقع أن تسئ معاملتنا وكبت آرائنا".
عصرالنهضة
وبالرغم من هذا التحول إلا أن قوات الأمن في اعتدت عدة مرات العام الماضي قامت على الصحفيين ولكن ليس بالمستوى التي اعتادت عليه في قمة الحرب الأهلية في العام 1993 والذي هو العام الذي أنشأ فيه كامارا صحيفته "الديموقراطي الجديد" أو"New Democrat".وفي غضون خمس سنوات قامت حكومة الرئيس الليبيري السابق تشارلز تيلر بحرق المكاتب ومنع نشر الصحيفة مما حدا بناشرها كامارا على طلب حق اللجوء السياسي في هولندا. منذ عودته لبلادة يتمتع كامارا بما يسميه بالنهضة في الإعلام الليبيري قائلا:
" هذا نجاح هائل لم نعهده من قبل، ونأمل أن نسير إلى الأمام وأن لا نعود للماضي لأننا عانينا الكثير منذ العام 1980 حين تعرض الصحفيون للإساءة و الإعدام. هنالك تغير نوعي ومنعش منذ الانتخابات. هنالك تبادل فكري حقيقي. بإمكانك أن تنشر وتفصح عن ما تريد".
"لم يُعتقل أو يُحقق مع أي صحفي بسبب ما نشره أو أذاعه على الهواء. وهنالك تفاعل قوي بين الحكومة ووسائل الإعلام وتكاثر في الصحائف ومحطات الإذاعة في جميع أنحاء الدولة.
"لدينا في مونروفيا خمسة جرائد يومية و30-36 مجلة دورية. وهنالك محطة إذاعة في كل تجمع سكاني وحتى في المناطق النائية. وهذا تحول نوعي في غضون سنتين فقط.
إذاعة هولندا العالمية: هل هنالك شعور لدى زعماء الحكومة بأنهم عانوا الكثير وحققوا السلام في البلاد ويجب على الإعلام أن لا ينتقدهم ويتساهل معهم؟
كامارا:
"طبعاً. تتمتع الرئيسة بإعلام جيد خارج البلاد فهي أول امرأة تتولى الرئاسة في أفريقيا لكنها تواجه المشاكل مع الإعلام الداخلي. تعتقد الحكومة أن من دور الإعلام هو مساندة الحكومة لكننا نقول لهم أن هدفنا هو إعلام عامة الشعب وليس دعم الحكومة. فالإعلام ليس وسيلة دعاية في أيدي الحكومة.
إذاعة هولندا العالمية : احتدم الجدل مؤخرا بين وسائل الإعلام والحكومة حول حرية الحصول على المعلومات بخصوص تكاليف سفر الرئيسة إلى الخارج.
كامارا: "من حق الشعب الذي يدفع الضرائب أن يعرف كيف تُصرف هذه الأموال. فإذا قامت الرئيسة بالسفر إلى الخارج فمن حق العامة أن يعرفوا تكاليف هذه الرحلة".
إذاعة هولندا العالمية هل يمكن اساءة استعمال الحرية؟
يخشى كامارا أن البعض يقوم بسوء استعمال الحرية. فالكثير من الصحفيين لا يتأكدون من معلوماتهم قبل نشرها. وهنالك من ينشر المعلومات بأهداف سياسية مشبوهه، أو يزايد على نشر مقالاته في الصفحة الرئيسية. وهذا ما تسميه الرئيسة سيرليف بصحافة دفتر الشيكات. ويعلل كامارا هذه الظاهرة قائلا: إن هجرة الصحفيين ذوي الكفاءة خلال الاضطرابات التي شهدتها البلاد في الثمانينيات وتحطيم معاهد التدريب أدى إلى دخول كوادر جديدة لا تملك الخلفية العلمية والعملية اللازمة لممارسة الصحافة. وبالإضافة إلى ذلك فإن رواتب الصحفيين ضئيلة جدا يبلغ معدل دخل الصحفي في الكثير من الصحف 20 يورو شهريا مما يؤثر سلبيا على مستوى العمل.
" وأما في صحيفتنا فإننا ندفع رواتب جيدة ونعوض تكاليف النقل. كما نوفر لهم اجهزة كمبيوتر (laptop) بالإضافة إلى تعويضات أخرى. ويتلقى الصحفي نسبة من الدخل المكتسب عن طريق الاعلانات التجارية التي يحصل عليها.
للتنافس إيجابياته
ويعتقد كامارا أن التنافس بين الصحف مهم جدا لأنه يؤدي إلى زيادة دخل الصحيفة عن طريق الاعلانات ويساهم في زيادة المبيعات:
" قبل الحرب كان متوسط مبيعات الصحف اليومية عشرة الاف نسخة يوميا. أما الآن فتتصاعد مبيعاتنا تدريجيا. فقد ابتداءنا ب 1500 ونقارب الآن على بيع 3000 نسخة يوميا. هدفنا أن نصل إلى مستوى مبيعات ما قبل الحرب. وإذا ازدهر الاقتصاد فسنتمكن من توفير شروط عمل أفضل للصحفيين.
وبسبب الكساد الاقتصادي التي تعانيه البلاد تحصل الصحف على اعلانات محدودة جدا، فهنالك على سبيل المثال مصنع واحد فقط للبيرة و آخر للمشروبات الغازية. وتعتمد صحيفة"New Democrat" في مصدر دخلها على الاعلانات الحكومية والجمعيات الأخرى كمنظمة الأمم المتحدة والمنضمات الغير حكومية ( .(NGOs
كامارا من الذين نجوا من السنين القاحلة لانعدام الحرية ويعلم أن السنوات القادمة تبشر بالخير، ولا سيما عند وصول الصحيفة مستوى الاعتماد على دخلها. فالصحيفة تتلقى الآن مساعدات خارجية من مؤسسات مثل مؤسسة "فري فويس الهولنديةFree
توم كامارا يعلق على تشارز تيلور
لم يكن تشارلز تيلور صديقا للإعلام في ليبيريا. فعند استلامه السلطة عام 1997، دمر وسائل الإعلام التي لا تروق له مثل صحيفتنا. كما حرق الإذاعة الكاثوليكية وستار راديو.
بنى تيلور إمبراطوريته الإعلامية ومنع الإعلانات الحكومية والتجارية عن المؤسسات الإعلامية التي لم تروق له. وابعد الكثير من الصحفيين حيث أنني جئت لهولندا عندما أغلق صحيفتنا. ساهم رحيل تشارلز تيلور في تحسين أوضاع الإعلام وانتشار حرية الصحافة في البلاد.