ساميه المشرفون
الأوسمة : عدد المساهمات : 69 تاريخ التسجيل : 13/11/2010
| موضوع: حرية الصحافة الخميس ديسمبر 09, 2010 11:17 pm | |
|
حرية الصحافة
تُغتصب حرية الصحافة يومياً في مختلف دول العالم سواء كانت تلك التي تدعي الديمقراطية والحرية والتقدموالازدهار أو تلك التي تعاني من ويلات النزاعات والحروبوالفقر والجهل والتخلف.
فالصحافة هي الوسيلة الاستراتيجية التي تحلمأي سلطة في العالم بالاستحواذ عليها بكل الطرق والوسائل للوصول إلى عقول وقلوبالجماهير وتمرر ما يحلو ويطيب لها من رسائل وأفكار.
وفي حال انعدام القوانين والتشريعات ومؤسسات المجتمع المدني القوية والنقابات والاتحادات الصحافية الفاعلة فيكون مصير هذهالأداة الاستراتيجية في المجتمع تحت رحمة سلطةالمال والسياسة. وفي هذه الحالة تحدد معايير ومبادئ حرية الصحافة وفق ما يتناغمويتناسق مع مصالح وأهداف هاتين السلطتين ومن يمثلهما في المجتمع.
يعود علينا الثالث من مايو في كل سنة ليذكرنا بحرية الصحافة ووضعها في العالم العربي الذي يعاني الكثير في مجالالحريات الفردية ومنها حرية الرأي والتعبير والصحافةكما يفتقر إلى المجتمع المدني ومختلف المؤسسات التي من شأنها أن تناضل وتعملجاهدة من أجل إرساء تقاليد وأعراف تمجد هذه الحرية التي تعتبر مفتاح الديمقراطية والحكم الرشيد وإشراك الشعب في صناعةالقرار.
الغريب في الأمر أن الجميع يتغنىبحرية الصحافة وأهميتها للعمل السياسي والاقتصادي الناجح، لكن في المقابل نلاحظ أن الغالبية تحاول مصادرة هذهالحرية والسطو عليها من أجل تحقيق أهدافها ومصالحهاالضيقة. فالأنظمة السياسية في الغرب والشرق والشمال والجنوب تتغنى بحرية الصحافة لكنها كلها تتهافت على السيطرةوالتحكم ومصادرة حرية وسائل الإعلام.
في معظم دول العالم «مافيا» المال والأعمال والسياسة لا تؤمن بحرية الصحافة ولا بالرأي والرأي الآخر ولا بالتناوب علىالسلطة ولا بالشفافية، وأصبح من يملك المالوالنفوذ والسلطة له حق التعبير والرأي، أما باقي شرائح المجتمع فتكتفي باستهلاك ما يُقدم لها بدون مساءلة ولا استفسار.
إخبار الرأي العام وإيجاد سوق حرة للأفكارأصبحت من المهمات الصعبة في معظم دول العالم، الأمر الذي يضع القائم بالاتصال بينالمطرقة والسندان، فهو أخلاقيا ومهنيا وعمليا مطالب بإعلام وإخبار الرأي العام ومن جهة أخرى يجد نفسه تحت ضغوطومضايقات لا ترحم من أجل إرضاء أصحاب النفوذ والمالوأصحاب السلطة.
يعكس النظام الإعلامي في العالم العربي البيئة السياسيةوالاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات العربية، وما دامت أن السلطة تصادر الفعل السياسي فهي بذلك تصادر حريةالصحافة، الأمر الذي يجعل من الجهاز الإعلامي في الوطنالعربي وسيلة في يد السلطة تتصرف فيها. كما تشاء ووفق خطها السياسي والمسارالتي تحدده لها. وهكذا بدلا أن يكون الجهاز الإعلامي في خدمة التنمية المستدامة وتنمية الفرد وتنوير الرأي العاموالكشف عن الفضائح والفساد والتجاوزات يتحول إلىوسيلة لإخفاء المستور وتبرير الباطل والتلاعب بالعقول وفبركة واقع مزيف لا علاقة له بالواقع الذي تعيشه الجماهيرالعريضة في المجتمع.
تكمن جدلية حرية الصحافة والديمقراطية في أن الأخيرة تقوم أساسا على الاتصال السياسي الحر والشفاف وكذلك حرية التعبير والفكرما يتطلب وجود إعلام يراقب وينتقد ويكشف ويستقصيويستجوب ويثير القضايا الرئيسية والحساسة في المجتمع للنقاش والجدال. فالأطراف الفاعلة في الحياة الاجتماعيةوالسياسية والاقتصادية والثقافية بحاجة إلى وسائط إعلاميةومنابر للمعارضة والاختلاف في الرأي، والتعبير عن وجهات النظر المختلفة...الخ.
إن أي تراجع في حرية الصحافة يعني تراجع في الديمقراطية، وتاريخ حريةالصحافة في مختلف دول العالم يؤكد فكرة التأثير المتبادل بين الديمقراطيةوالصحافة. فالأنظمة السياسية الدكتاتورية أو السلطوية لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تنعم بصحافة حرة وقوية ونفس الشيءيمكننا قوله عن تلك الأنظمة التي لا تؤمنبالتعددية الحزبية وبحرية الرأي والتعبير. فصحافة هذه الأنظمة تكون دائما أحادية الاتجاه تخدم من يشرف عليها ويمولهاويسيطر عليها.
ما زالت السلطة في العالمالعربي تنظر إلى المنظومة الإعلامية على أنها أداة لتثبيت شرعيتها وبسط نفوذها وتمرير خطابها السياسي بعيدا عنطموحات الجماهير ومطالبهم. السلطة في العالم العربيعجزت على بناء المؤسسات اللازمة لضمان المشاركة السياسية الفاعلة ولضمان رأي عامقوي وفعال، ونتيجة لكل هذا فإنها فشلت كذلك في بناء نظام إعلامي قوي وفعال يقومبرسالة الإخبار والاستقصاء والتوعية والتثقيف وإشراك مختلف فئات المجتمع في الحوار والنقاش وليس سلبياً يستقبلويٌؤمر، نظام إعلامي يؤمن بالاتصال الأفقي ويعملعلى إشراك مختلف الشرائح الاجتماعية في العملية السياسية وفي اتخاذ القرار، نظام إعلامي رسالته الشريفة هي كشفالأخطاء والعيوب وليس التلميع والتبرير.
فإذاكان واقع الإعلام العربي على هذا الشكل هل يحق لنا أن نطالب بنظامإعلامي دولي عادل ومنصف ونحن لم نرتب أمور بيوتنا؟
هليحق لنا أن ننتقد العولمة الإعلامية والثقافية ونحن لم نتسلح بالشجاعة الكافية لإعطاء الحرية اللازمة لجهازنا الإعلامي ليقومبدوره كما ينبغي؟
هل يحق لنا أن ننتقد الوكالات العالمية للأنباء على القيمالإخبارية التي تنقلها وعلى التغطية السلبية والمضللةالتي تقوم بها في مختلف أرجاء العالم؟
هليحق لنا أن ننتقد الغرب وخاصةالولايات المتحدة الأميركية لسيطرتها على الصناعات الإعلامية والثقافية العالمية ؟
وكيفيا ترى سنواجه القرن الحادي والعشرين ونحن لم نعرف بعد كيف نوظف ونستغلجهازنا وصناعاتنا الإعلامية والثقافية كما ينبغي.
يحتاج النظام الإعلامي العربي الراهن إلى نظرة نقدية جادة مع نفسه كما يحتاج إلى مراجعة الذات وهذا للوقوف على السلبياتوالتعلم من الأخطاء والهفوات السابقة للانطلاق بخطىقوية وإيجابية نحو مستقبل لا يكون فيه الإعلام وسيلة للسيطرة والتحكم والتلميع والتملق وإنما وسيلة للحوار والنقاشوالعلم والمعرفة والإبداع والابتكار.
د.محمد قيراط
| |
|