الموقع الإلكتروني للجريدة اليومية
جواد البشيتي
من أوجه، ومن أسباب، انتفاء، أو تضاؤل، الجاذبية السياسية والفكرية للصحافة اليومية (الورقية) عندنا، والتي لولا تلبيتها لحاجات معيَّنة لشاريها وقارئها لا تمتُّ بصلة إلى السياسة والفكر، كالإعلان التجاري، لتعذَّر أن تَجِد لها مكاناً في السوق، أنْ ليس من تفاعُل يُذْكَر بينها وبين القرَّاء، وكأنَّ العلاقة الصحافية، وبوجهيها السياسي والفكري على وجه الخصوص، بين الجريدة والقارئ ينبغي لها أن تظلَّ إلى الأبد علاقة من طرف واحد، ينتقل فيها التأثير في اتِّجاه واحد فحسب، من الجريدة إلى القارئ، مع أنَّ الإعلام في ثورته الإلكترونية المتعاظِمة المتسارِعة أصبح في مقدوره، لو ثار على استمرار حُكم الأموات للأحياء، أن يؤسِّس لعلاقة جديدة، ثورية، تقوم على التفاعل الحر والدائم والمُثْمِر بين الطرفين، أي بين الجريدة والقارئ.
وإنِّي أرى مأساة صحافتنا اليومية على خير وجه في علاقة "اللا علاقة" بين الكاتب الصحافي مع مقالته اليومية، أو غير اليومية، وبين القرَّاء، الذين نَجْهَلَهم، ويجهلهم الكاتب ذاته على وجه الخصوص، فلا يُعْرَف من أمرهم شيئاً، كأنواعهم، وعددهم، وكيف قرأوا وفهموا وتأثَّروا، فالكاتب بنشره مقالته في الجريدة اليومية، وبتوقُّعه "النتائج"، إنَّما يشبه صانعاً يُنْتِج ليستهلِك هو ما أنْتَج، فلا وجود لـ "سوق حرَّة"، يَحْكمها قانون "العرض والطلب"، ويَعْرِف "المُنْتِج" من خلال مستوى، أو درجة، اعتراف المجتمع (عَبْر الحجم النسبي لـ "الطلب") بقيمة، ووزن، وأهمية، ما بذله من جهد ووقت في صنعه لبضاعته.
ولعلَّ انتفاء ما يشبه "السوق الحرَّة" هو ما يجعل الكاتب يزن بـ "ميزان الوهم"، أو بـ "ميزانه الذاتي (غير الموضوعي)"، ما يُنْتِج، ويَنْشُر، من آراء في شكل مقالات.
وللسبب ذاته، نَجِد، لدى إحصاء القرَّاء، أنَّ حجمهم يقلُّ عن حجم الكتَّاب، وكأنَّ للقارئ الواحد عندنا خمسة كتَّاب!
ولجعل العلاقة، علاقة.. علاقة متبادلة، أي علاقة تفاعل وتأثير متبادل بين طرفيها، لا بدَّ، على ما أرى ويرى معي كثيرون، من أن تؤسِّس كل جريدة يومية موقعاً إلكترونياً لها، على أن يُفْتَح باب هذا الموقع على مصراعيه أمام "قَلَم" القارئ، فيدلي برأيه، بحرِّية تامَّة، في الجريدة، خبراً، ومعلومةً، ومقالةً، وصورةً، .. إلخ.
ويمكن أن نضيف إلى هذا "الاتِّصال" بين القارئ والكاتب أنماطاً أخرى من الاتِّصال، التي منها الاتِّصال عَبْر "البريد الإلكتروني" للكاتب، وعَبْر "الموبايل"، والهاتف.
وإنَّ من الأهمية بمكان، أيضاً، أن يملك الموقع الإلكتروني للجريدة اليومية خاصية إحصاء القرَّاء، فيُعْرَف، مثلاً، عدد القرَّاء الذين "قرأوا" هذا الخبر، أو هذه المقالة، .. إلخ.
أمَّا أهمية ذلك فلا يبخسها، أو يضرب عنها صفحاً، إلاَّ كل من له مصلحة في تشييد، وإعلاء، مزيد من الأسوار بين القارئ والكاتب، وفي الإبقاء على صحافة "One Way"!
إنَّ على الجريدة اليومية، التي تريد معرفة وزنها في غير ميزان مبيعاتها التي يتحكَّم في حجمها "الإعلان التجاري"، وما يشبهه لجهة الحاجة التي يلبِّيها، أن تتوفَّر على تأسيس موقع إلكتروني لها بمثل هذه الخواص؛ وإنَّ من حق الكاتب والقارئ أن يؤسِّسا لعلاقة جديدة بينهما، فيؤثِّر كلاهما، ويتأثَّر، بالآخر، فنرى، من ثمَّ، الكاتب وقد أصبح قارئاً للقارئ؛ والقارئ كاتباً (وناشِراً بالتالي) لرأيه في ما يَكْتُب (ويَنْشُر) الكاتب.
عندئذٍ فحسب يتضاءل الوزن النسبي لـ "التجارة" في الصحافة، ويَعْظم الوزن النسبي للسياسة والفكر، وتغدو صحافتنا جديرة بلقب "صاحبة الجلالة"؛ وشتَّان ما بين لقب "صاحبة الجلالة" ولقب "صاحب دُكَّان (أو بقالة)"!