بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على نبينا محمد عليه و آله و صحبه أفضل الصلاة و السلام.
ذاكرة التلفزيون.
بقلم: عابد هاشم.
* كثيرة هي المواد التي تحرص بعض القنوات الفضائية على تقديمها بغية العرفان والتذكير بالماضي ورواده في هذا المجال أو ذاك، وهذا يحسب بكل اعتزاز لحس القائمين بشؤون هذه النوعية من القنوات، إلا أن ما يقلل من تمام هذه الالتفاتة لأعمال الأمس وروادها يكمن في انعدام أو تدني الآلية المعنية بعرضها. شدني يوم الجمعة الماضي من قناة اليمن الفضائية برنامج بعنوان «ذاكرة التلفزيون»، قام مقدم البرنامج عبد الله العروني بعرض فيلم توثيقي عن المذيع الراحل محسن الجبري والبرنامج الذي كان يقدمه بعنوان «صور من بلادي»، هذا البرنامج أنتج عام 1977م، ويعني بالتعريف بمناطق ومدن وقرى اليمن، واستعراض ما تمتاز به من عادات وتقاليد وتراث، وبين عرض كل جزء من هذه المادة التوثيقية والجزء الذي يليه يحرص مقدم البرنامج على إعطاء بعض المعلومات عن سيرة المذيع الراحل محسن الجبري ــ يرحمه الله، وما قدمه من إسهامات وبرامج على مستوى الإعلام اليمني بشكل عام والإذاعة والتلفزيون على وجه التحديد، وكان برنامج «صور من بلادي» ــ كما وصفه العروني ــ أشبه بموسوعة توثيقية، وأقول هو كذلك وأكثر، ثم يشير العروني إلى ما حققه البرنامج التوثيقي من أصداء وشهرة، مستدلا بما كتب في صحيفة الجمهورية ــ آنذاك ــ عن ما بثته قناة الـ «بي بي سي» من تغطية خصصت لمسابقة الأفلام التوثيقية التي فاز بها الفلم التوثيقي اليمني.
** كم سررت بما شاهدته من معد ومقدم برنامج «من ذاكرة التلفزيون» عبد الله العروني، فلم يقتصر دوره على مجرد التنويه عن ماهية المادة التي سيقوم بعرضها، بل مارس دور المعد والمقدم كما ينبغي، خاصة لبرنامج على هذا النحو من الأهمية في مواد وما تستوجبه من إثراء وتعزيز، وهو ما كان حاضرا في تلك الحلقة من البرنامج وبكفاءة وتمكن مقدمه الذي أضفى بما قدمه من معلومات وبحسن اختياره لأوقات تمرير هذه المعلومات بين كل جزء وآخر من المادة التوثيقية عند عرضها.
** ومع كل جزء كنت أشاهده من برنامج «صور من بلادي» ومقدمه الراحل محسن الجبري ــ يرحمه الله ــ لم يغب عن قلبي وذاكرتي وتذكري الرمز المبدع خالد زارع ــ يرحمه الله، وكيف لا يمثل بيني وبين ما كنت أشاهده، خاصة أن ما أشاهده يحاكي أحد إبداعاته من حيث الفكرة والهدف والآلية، ومن ينسى «ربوع بلادي» الذي ظل ــ يرحمه الله ــ يثرينا بحلقاته طوال ثمانية أعوام من 1395 حتى 1403هجرية (1975 ــ 1983م).
** وأمام ما قد يحول دون إعادة مثل هذه النوعية من البرامج التوثيقية، تبقى ذاكرة التلفزيون وأرشيفه متى حظيا بذلك النموذج الإيجابي من الإعداد والتقديم بمثابة السبيل الأمثل للعرفان بأفكار وجهود وإسهامات كل مبدع ومبرز وحتى لا تدفن جهودهم وأعمالهم بعد رحيلهم، وكما أن في تسليط الضوء على مثل هذه الأعمال الرائدة ما قد يستحث من بوسعهم مواصلة مثل هذه الفكرة وتطويرها وفق المتغيرات والمستجدات الحديثة، ذلك لأن مثل هذا البرنامج التوثيقي هو تعريفي وتثقيفي في الوقت نفسه، وهذا الجانب لا يستغني عنه بتعاقب السنين وتواصل عجلة التقدم.. والله من وراء القصد.
تأمل:
الحياة بقاء الذكر بعد الموت، والعكس صحيح.