لتطوير المستمر للوسائل الاتصالية التقليدية:
أحدثت التطورات الراهنة في الحاسبات الإلكترونية ونظم الإرسال والاستقبال التلفزيوني تغييرات في أساليب إنتاج بعض الوسائل التقليدية، مثل الوسائل المطبوعة كالجريدة والمجلة وصناعة الصحافة بشكل عام حيث شهدت التسعينيات المزيد من تحول الصحف (جرائد ومجلات) الى الآلية الكاملة في عملية الانتاج من خلال ادخال الحاسبات الالكترونية، ووسائل الاتصال السلكية واللاسلكية في معظم مراحل الانتاج بدءا من توصيل المواد الصحفية الى مقر الصحيفة بالاستعانة بأجهزة الفاكسيميل والحاسبات الالكترونية، وفي عمليات المعالجة والانتاج الطباعي بدءا من تحرير النصوص والصورة على شاشات الحاسبات الالكترونية، حتى عملية الاخراج الكامل والتجهيزات للصفحات على الشاشات، ومنها الى المجهز الآلي للصفحات، حيث تخرج الصفحات مجهزة من الحاسب الإلكتروني الى سطح الطابع مباشرة، وهناك توظيف كبير للتكنولوجيات الرقمية في التقاط الصور الفوتوغرافية وفي معالجتها فنيا الى جانب المواد المصورة الأخرى، كما تطورت أساليب توثيق المعلومات الصحفية بحيث اختفى الأرشيف اليدوي التقليدي وحتى المصغرات الفيلمية بشكلها التقليدي، ليحل محلهما الأرشيف الإلكتروني الذي تجهز محتوياته وتنسق خلال عملية صف الجريدة، كما يستعان الآن بأقراص الليزر المدمجة في تخزين أعداد الصحيفة السابقة، وتم ربط مراكز المعلومات الصحفية ببنوك المعلومات المحلية والدولية وشبكاتها، وتم تطوير أساليب طباعة الصحف في أكثر من موقع في الوقت نفسه، من خلال تحسن أسلوب الارسال وتسريعه، وذلك لاصدار الطبعات الإقليمية والمحلية في الصحف.
تأثير تكنولوجيا الاتصال على الوسائل الاعلامية:
أثرت التطورات الراهنة في تكنولوجيا الاتصال على الاتصال الجماهيري وبوجه خاص على وسائله وعليه كعملية مستمرة متصلة ذات أطراف متعددة، ويمكن رصد بعض التأثيرات التي أحدثتها التطورات الراهنة في تكنولوجيا الاتصال على وسائل الاتصال الجماهيري في الجوانب الآتية:
أولا: التأثيرات على وسائل الاتصال التقليدية:
إن التكنولوجيا الاتصالية الجديدة لاتلغى وسائل الاتصال القديمة ولكن تطورها وتغيرها بشكل ضخم، فقد تغير الفيلم السينمائي بعد ظهور الصوت وكذلك اللون، والحال ينطبق على الجرائد والمجلات بظهور مستحدثات جديدة في مجال صف حروف الجريدة وتوضيبها، وفي نظم الطباعة، ونظم إرسال الصفحات عبر الأقمار الاصطناعية مما أثر على أساليب التحرير والاخراج والانتاج بشكل عام، كما تغير التلفزيون بعد ظهور كاميرات الفيديو المحمولة، وبعد تصغير كثير من المعدات اللازمة للعملية الانتاجية وتطويرها.
فكل تكنولوجية اتصالية جاءت لتطور تكنولوجيات سابقة تقليدية كانت تعد أساساً امتداداً للحواس الإنسانية (السمع- البصر) وذلك في كل مستويات الاتصال.
فعلى مستوى الاتصال الذاتي كانت الوسائل التقليدية للاتصال هي: تدوين الملاحظات، والمذكرات الشخصية، الأجندة، الصور الفوتوغرافية، الآلات الحاسبة، أما المستحدثات التكنولوجية الراهنة فهي الأشرطة المسموعة أو المرئية، برامج الحاسبات الالكترونية واستخدامها في كل المشكلات، وعلى مستوى (الاتصال الشخصي) Interpersonal كانت الوسائل التقليدية هي: المقابلة، البريد، التليفون، التلغراف، آلات النسخ، أما المستحدثات التكنولوجية الراهنة فهي عقد المؤتمرات عن بعد تلفونيا والكترونيا وعن طريق الفيديو، والبريد الإلكتروني، التليفون المتحرك، التليفون المرئي.
وعلى مستوى (الاتصال الجمعي) كانت الوسائل التقليدية هي الاتصالات المواجهية المتمثلة في الندوات والمؤتمرات وحلقات النقاش والخطب،أما المستحدثات التكنولوجية فهي عقد المؤتمرات عن بعد، اتصالات الحاسب الإلكتروني، وعلى مستوى (الاتصال التنظيمي) (المؤسسي Organizational) كانت الوسائل التقليدية هي: الاتصالات السلكية واللاسلكية الداخلية، أما المستحدثات التكنولوجية الراهنة فهي عقد المؤتمرات عن بعد، البريد الالكتروني، الفاكسيميل، نظم المعلومات، الإدارة بالحاسبات الإلكترونية، المعالجة الالية للمعلومات.
وعلى مستوى الجماعات الكبيرة كانت الوسائل التقليدية هي: الميكروفونات، أجهزة عرض الشرائح، الصور المتحركة، أما المستحدثات التكنولوجية الراهنة فهي عروض الفيديو، أنظمة الحاسبات الالكترونية متعددة الوسائط.
وعلى مستوى (الاتصال الجماهيري) كانت الوسائل التقليدية هي: الجريدة، الراديو، التلفزيون، الفيلم السينمائي، الكتب، لوحات العرض، بينما المستحدثات التكنولوجية الراهنة هي: التلفزيون السلكي ، التلفزيون بالاشتراك، أنظمة النصوص المتلفزة(التليتيكست والفديوداتا) الاستقبال التلفزيوني المباشر من الأقمار الاصطناعية، أجهزة الراديو والمسجلات المحمولة، ألعاب الفيديو، أنظمة المعلومات الرقمية، الكتاب الالكتروني، أقراص الليزر Disk، Disc مدمج.
ومن خلال ماسبق يمكن القول أن التكنولوجيا الاتصالية الراهنة بوسائلها الاتصالية المختلفة، لم تقض على التكنولوجيا القديمة بوسائلها المختلفة، بل انها شكلت امتداداً طبيعياً وتطويرا لهذه الوسائل القديمة.
سمات تكنولوجيا الاتصال:
على الرغم من أن الوسائل الاتصالية التي أفرزتها التكنولوجيا الاتصالية الراهنة تكاد تتشابه في العديد من السمات مع الوسائل التقليدية، الا أن هناك سمات للتكنولوجيا الاتصالية الراهنة بأشكالها المختلفة مما تلقي بظلالها وتفرض تأثيراتها على الاتصال الانساني بوسائلها الجديدة.
وأبرز هذه السمات التي تتصف بها التكنولوجيا الاتصالية الراهنة هي:
التفاعلية:
وتطلق هذه السمة على الدرجة التي يكون فيها للمشاركين في عملية الاتصال تأثيراً على أدوار الآخرين وباستطاعتهم تبادلها، ويطلق على ممارستهم الممارسة المتبادلة أو التفاعلية (Interactive Communication)، وهي تفاعلية بمعنى ان هناك سلسلة من الأفعال الاتصالية التي يستطيع الفرد (أ) ان يأخذ فيها موقع الشخص (ب) ويقوم بأفعالة الاتصالية، المرسل يستقبل ويرسل في الوقت نفسه، وكذلك المستقبل، ويطلق على القائمين بالاتصال لفظ مشاركين بدلا من مصادر، وبذلك تدخل مصطلحات جديدة في عملية الاتصال مثل الممارسة الثنائية، التبادل، التحكم، ومثال على ذلك التفاعل في بعض أنظمة النصوص المتلفزة.
اللاجماهيرية:
وتعني أن الرسالة الاتصالية من الممكن ان تتوجه الى فرد واحد أو الى جماعة معينة، وليس الى جماهير ضخمة كما كان في الماضي، وتعنى أيضا درجة تحكم في نظام الاتصال بحيث تصل الرسالة مباشرة من منتج الرسالة الى المستفيد.
اللاتزامنية:
وتعنى إمكانية إرسال الرسائل واستقبالها في وقت مناسب للفرد المستخدم ولاتتطلب من كل المشاركين ان يستخدموا النظام في الوقت نفسه، فمثلا في نظم البريد الإلكتروني ترسل الرسائل مباشرة من منتج الرسالة الى مستقبلها في اي وقت دونما حاجة لتواجد المستقبل للرسالة في وقت إرسالها.
قابلية التحرك أو الحركية:
فهناك وسائل اتصالية كثيرة يمكن لمستخدمها الاستفادة منها في الاتصال من اي مكان الى آخر اثناء حركته، مثل التليفون النقال، تليفون السيارة أو الطائرة، التليفون المدمج في ساعة اليد، وهناك آلة لتصوير المستندات وزنها عدة غرامات، وجهاز فيديو يوضع في الجيب، وجهاز فاكسميل يوضع في السيارة، وحاسب الكتروني نقال مزود بطابعة.
قابلية التحويل:
وهي قدرة وسائل الاتصال على نقل المعلومات من وسيط لاخر كالتقنيات التي يمكنها تحويل الرسالة المسموعة الى رسالة مطبوعة وبالعكس، وهي في طريقها لتحقيق نظام للترجمة الآلية ظهرت مقدماته في نظام مينيتيل الفرنسي.
قابلية التوصيل:
وتعنى إمكانية توصيل الأجهزة الاتصالية بتنويع أكبر من أجهزة أخرى بغض النظر عن الشركة الصانعة لها أو البلد الذي تم فيه الصنع وذلك عن طريق وضع معايير فنية لهذه الاجهزة يتم الاتفاق عليها بين هذه الشركات.
الشيوع أو الانتشار:
ويعني الانتشار المنهجي لنظام وسائل الاتصال حول العالم وفي داخل كل طبقة من طبقات المجتمع،وكل وسيلة تظهر تبدو في البداية على أنها ترف ثم تتحول الى ضرورة، نلمح ذلك في التليفون، وبعده الفاكسيميل، وكلما زاد عدد الاجهزة المستخدمة زادت قيمة النظام لكل الأطراف المعنية، وفي رأي (الفن تولفر) ان المصلحة القوية للأثرياء هنا أن يجدوا طرقا لتوسيع النظام الجديد للاتصال لاليقصى من هم أقل ثراء، حيث يدعمون بطريقة غير مباشرة الخدمة المقدمة لغير القادرين على تكاليفها.
التدويل أو الكونية:
البيئة الأساسية الجديدة لوسائل الاتصال هي بيئة عالمية دولية، وذلك حتى تستطيع المعلومة ان تتبع المسارات المعقدة وتعقب المسارات التي يتدفق عليها رأس المال الكترونيا عبر الحدود الدولية جيئة وذهابا من أقصى مكان في الارض الى ادناه في اجزاء على الألف من الثانية، الى جانب تتبعها مسار الأحداث الدولية في أي مكان من العالم.
التأثيرات على الجمهور:
من خلال تعدد قنوات الاتصال المتاحة أمام الأفراد, فلقد اتاحت تكنولوجيا الاتصال الحديثة المتمثلة في الأقمار الاصطناعية، والحاسبات الالكترونية ووصلات الميكروويف، والالياف الضوئية عددا كبيرا من خدمات الاتصال خلال العقدين الماضيين، مثل التلفزيون الكابلي التفاعلي، والتلفزيون منخفض القوة، والتلفزيون متعدد النقاط، ونظام الارسال المباشر من القمر الاصطناعي، والفديو كاسيت، والفديو ديسك، وأجهزة التسجيل الموسيقي المطورة، وخدمات الفيديو تكس، والتليكست والاتصال المباشر بقواعد البيانات، وهذه الوسائل تخاطب الافراد وتلبى حاجاتهم ورغباتهم الذاتية وان هذه التكنولوجيا الاتصالية الراهنة تتسم بسمة أساسية وجديدة في الوقت نفسه على عالم صناعة الاتصال، وهي التفاعل بين المستقبل والمرسل.
وعن العقبات التي تواجهها صناعة تكنولوجيا المعلومات يقول عبد القادر الكرملي من العقبات التي تواجهها تكنولوجيا المعلومات هي معضلة تعريب المصطلحات الاجنبية، وتباين وعي القراء بقضايا تكنولوجيا المعلومات مشيرا الى ان قارئ مطبوعات تقنية المعلومات يعاني من ظاهرة تعدد الترجمات العربية للمصطلح الانكليزي الواحد، حيث لاتنجو من التعددية حتى أكثر المصطلحات بساطة ويزيد عدد الترجمات المتداولة لبعض المصطلحات عن اثنتي عشرة ترجمة مما يعد تشويشاً كبيرا على ذهن قاريء مطبوعات تقنية المعلومات لاسيما انها لاتظهر فقط باختلاف الكتاب بل لدى الكاتب الواحد وحتى في المقالة الواحدة احياناً.
وهناك حل شامل لهذه المشكلة يعتمد على انشاء موقع تفاعلي لمصطلحات تقنية المعلومات، وان تتبنى هذا المشروع احد الجهات المهمة ويجب ربط اللغة العربية والجهات الاخرى التي تعمل على تعريب مصطلحات تقنية المعلومات بهذا المشروع عن طريق الانترنت واعطائها دورا اشرافيا مما يسهل التنسيق بينها مما يؤدي بناء ذاكرة جمعية للترجمة وتوحيد المصطلحات بشكل تلقائي ليوفر وقتاً طويلا مهدرا في الكتابة أو الترجمة في مجال تقنية المعلومات ويجنب القراء سوء الفهم الناجم عن فوضى المصطلحات*.
وفيما نقف اليوم امام عقبة هذه النقلة الجديدة في عالم تكنولوجيا المعرفة يبدو العالم منقسماً الى ثلاثة اقسام:
· أن 15% من سكان العالم يحصلون تقريباًعلى كل الابتكارات التكنولوجية الحديثة .
· ان 50% من سكان العالم قادرون على استيعاب هذه التكنولوجيا استهلاكاً وانتاجاً.
· أن بقية سكان العالم 35% يعيشون في حالة انقطاع وعزلة عن هذه التكنولوجيا.
واذا كان هذا الواقع لعالم اليوم يعني شيئاً فانه يعني ان مقولة العالمية التي اطلقها في عام 1962 مارشال (ماكلوهن) لم تصح، ولايبدو انها سوف تصح في المستقبل المنظور برغم كثرة استخداماتها في الادبيات الاعلامية والثقافية الحديثة.
ان الجمع بين الغنى والمعرفة من جهة اولى والجمع بين الفقر واللامعرفة من جهة ثانية يكون حالة انشطارية في المجتمع الانساني تحمل في طياتها مضامين أشد خطورة من الانقسام القائم منذ عقود بين الشمال الغني والجنوب الفقير، فنسبة الفجوة في الثروة بين اثرياء العالم وفقرائه كانت بنسبة 30 الى واحد في الستينيات ولكن بعد عشر سنوات تضاعفت هذه النسبة واصبحت بنسبة 60 الى واحد، وفي أقل من عقد من الزمن أصبحت النسبة في عام 1997 هي 74 الى واحد فعلى صعيد الملكية ان 200 بليونير فقط يملكون اكثر مما يملكه جميع سكان العالم وعلى صعيد الانتاج فان 600 مليون أنسان في الدول الفقيرة ينتجون أقل من ثلاثة من أصحاب المليارات، وفي العالم 40 شركة كبرى متعددة الجنسية تملك كل واحدة منها اكثر مما تملكه مائة دولة من الدول الفقيرة.
اما نسبة الفجوة المعرفية فانها اشد خطورة ذلك أن عشرة شركات كبرى فقط من شركات الاتصال تسيطر على 86% من السوق، وان عشرة دول فقط تقدم 95% من براءات الاختراع والاكتشاف في العالم ذلك ان المعرفة تقود الى المزيد من المعرفة، وبالتالي الى المزيد من الغنى والثروة والعكس صحيح.
ولاشك ان حجم العالم ينكمش بفضل شبكة الاتصالات والتواصل التي تلفه طولاً وعرضاً ولكنه كان كذلك ولو بقدر أقل من القرن الماضي ايضاً فقد كانت الامبراطوريات (الاوربية) تتغلغل في زوايا العالم المختلفة تربطها شبكة التلغراف والسفن البخارية، ثم جاء الراديو والتلفاز والهاتف وبعد ذلك الطائرات النفاثة والاقمار الاصطناعية لتزيد من حجم انكماش العالم وتضاؤله ولترسم حدوداً من نوع جديد بين الامم والشعوب، هي حدود المعرفة واللامعرفة، وهي على كل حال ليست كالحدود السياسية محدودة وثابتة ولكنها حدود معرفية -اجتماعية- اقتصادية متحركة ومتغيرة.
ان ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال الراهنة قضت على معظم اساليب الحياة التقليدية، وان شبكات المعلومات والنشرات الالكترونية وكوابل الالياف البصرية ستعمل على تطوير صناعة الصحافة بنسبة أسية 3،6،18،36،72 وهكذا وتغيرها تغييرا جذريا، لتتحول من صحافة ورقية مطبوعة الى صيغ رقمية تنقل عبر الكوابل وخطوط التلفون الى اجهزة الكومبيوتر المنزلية ليقرؤها القارئ من خلال شاشة الكومبيوتر.
وفضلاً عن هذا التحديث المتسارع في تكنولوجيا صناعة الصحف سوف تظهر ايضا أنواع جديدة من تكنولوجيا وسائل الاعلام، أذ يمكن من خلال التليتكستTeletext نقل مئات الصفحات من المعلومات في شتى المجالات عبر الاقمار الاصطناعية أو المحطات التلفزيونية الى اجهزة المشتركين التلفزيونية او عرضها على شاشات الكومبيوتر، ومن خلال منصات النشرات الالكترونية وشبكات الكومبيوتر المتصلة هنالك نوع جديد من منتديات الاتصال والحوار في شبكة الانترنت، وهناك كم هائل من معلومات يمكن الحصول عليها بيسر وسهولة وسرعة فائقة، كما اتسع ايضا نطاق صناعة النشر الالكتروني واصبحت تضم مايعرف بالفديوتكس * Videotex والبريد الالكتروني.
ومن الخصائص العامة المميزة لهذه الوسائل الجديدة من وسائل الاعلام ان المتلقي لن يكتفي بدور المشاهد السلبي، بل سيتفاعل على هذه الوسائل تفاعلاً ايجابيا ويصبح قادراً على تحديد محتوى الرسالة الاعلامية، وتوقيت تلقيها، كما ان تكنولوجيا الاتصالات الحديثة قضت على مركزية وسائل الاعلام والاتصال، أذ تعمل الاقمار الاصطناعية على لامركزية محطات البث التلفزيوني، ويتم اعداد بيئة وسائل اعلام المستقبل وفقا لاهتمامات الجماهير ورغباتهم، ولن يرتبط الناس بوسائل الاعلام من خلال المساهمات الجغرافية فقط إذ دائما ماسيرتبطون معاً من خلال اهتماماتهم المشتركة ومايحتاجونه من معلومات .
ونتيجة لذلك ستتحول المجتمعات الجغرافية الى (مجتمعات فكرية) بمعنى ان حدود المجتمع لن تتحدد بالحدود الجغرافية وانما ستحددها الاهتمامات الفكرية المشتركة غير المقيدة، وسوف يدعم هذه الاتجاهات اللامركزية انخفاض تكاليف وسائل الاتصال الالكتروني نتيجة انتشار الاقمار الاصطناعية وتكنولوجيا الالياف البصرية ومايستحدث من تكنولوجيا جديدة.
ان تكنولوجيا وسائل الاعلام والاتصال الحديثة جعلت الصحافة تفقد اهميتها التقليدية، اذ أصبح فيض المعلومات الخام متاحاً للجميع، واصبح افراد المجتمع قادرين على مجادلة الصحفيين، وتفنيد آرائهم، بل ومنافستهم مما جعلهم يفقدون هيمنتهم على الاخبار والمعلومات، وستعمل هذه التكنولوجيا على خلق منتدى واسعاً للتواصل الاجتماعي حيث تستطيع الجماهير الانخراط في حوار متواصل ومتفاعل، لاتكتفي فيه بدور المتلقي السلبي بل تشارك مشاركة ايجابية وتدلي برأيها مباشرة في جميع القضايا المطروحة للمناقشة.
أثر تطور التقنيات على الصحافة
تعد الصحافة الوسيلة الاعلامية الاولى التي حصلت البشرية من خلالها على المعلومات والاخبار والمعارف والافكار، كما انها أسهمت بأضاءة جوانب كثيرة في حياة البشر محدثة فيها الكثير من التحولات.
وقد تعرضت الصحافه لمجابهة الوسائل الاعلامية الاخرى التي توالى ظهورها تباعاً، وتعالت الصيحات بان هذه الوسائل سوف تحدث تأثيراً سلبيا كبيرا على الصحافة، الا ان الصحافة استطاعت ان تطور نفسها وتغير من محتواها لتصبح متفاعلة مع الجماهير وتاريخ الصحافة تاريخ لعناصر ومكونات كثيرة، فالصحف ليست اشياء فحسب بل هي اشخاص وعمليات وتاثيرات وتأثر ووظائف وانجازات وغيرها من التحولات والتغيرات التي ادخلتها الصحافة على نفسها من تنوع بالاخبار، واعمدة ثابتة وصور كاريكاتورية وغيرها من الفنون الصحفية المتعددة علاوة على ذلك الارقام والاحصاءات المختلفة فضلاً عن الجماعات الضاغطة، او الاحزاب والقوانين والاعتبارات المتعددة التي تحكم تلك العملية.
وكشفت دراسة اجرتها جامعة ميشيغان الامريكية ان الصحف كان لها التاثير الاكبر على مشاركة اصحاب مستويات التعليم الجيدة في الانتخابات، في الوقت نفسه لم يكن للتلفزيون التاثير الذي يماثل الصحافة لضعف وجود تعبئة للمعلومات فيه ،فلم تستطع اخبار التلفزيون ان توفر معلومات عميقة ومن المستحيل لهذه الوسائل الاعلامية الاخرى ان تصل الى عمق الصحف في تقويم المعلومات وهذا من اهم العوامل التي تحفظ للصحافة استمرارها في مواجهة الوسائل الاخرى .
ان الصحافة تتمتع بمميزات عديدة قياساً الى الوسائل الاعلامية الاخرى إذ أن هذه المميزات تعطيها القدرة على الاستمرار في ظل مواجهة الوسائل الحديثة، فيستطيع الانسان ان يقرأ الصحيفة مرات عدة بيسر وسهولة، فالمذياع والتلفزيون يفتقدان هذه الميزة المهمة التي تتيحها الصحافة للانسان المتلقي تعطيه القدرة على امتلاك المعلومات، وبالتالي امكانية تحليل الأفكار بشكل افضل واكثر دقة وتفصيل فضلاً عن التعمق في تناول الموضوعات، وهذا مايجعل الصحافة اكثر تأثيرا في الرأي العام عن غيرها من الوسائل الاخرى، وانها اي الصحافة ستظل حافظة لمواقعها وسط الوسائل الاعلامية الاخرى.
الصحافة وتأثير التكنولوجيا:
ان الصحافة تعرضت في مسيرتها الى الكثير من التطورات إذ ظهرت العديد من الوسائل الاعلامية الاخرى مثل المذياع الذي دار جدل طويل عند ظهوره ومايمكن ان يحدثه من تهديد للصحافة، الا ان الامر جاء على عكس ذلك تماماً فقد استمرت الصحافة وارتفع اداؤها ولم تؤثر الاذاعة على الصحافة كما كان متوقعاً كذلك جاءت الثورة التكنولوجية الاخرى بظهور وسيلة اعلامية ثالثة وهي التلفزيون ليستمر الجدل حول مدى تأثير هذا الجهاز على الصحافة، وانه سوف يحل محلها بشكل اوبأخر الا ان الصحافة استطاعت ان تطور نفسها وتؤكد كونها الوسيلة الاكثر تاثيرا والاعمق في المعلومة .
وقبل الاذاعة عندما ظهرت السينما ترددت الاقاويل بانها ستؤثر سلباً على الصحافة ولكنها ظلت الوسيلة الاسهل في الرجوع اليها والامتاع في تناولها بين الوسائل الاخرى، وهو ما انطبق ايضا على التلفزيون حتى جاءت الثورة المعلوماتية الجديدة بظهور الانترنت لتعود الكرة من جديد حول تأثير هذه الوسيلة على الصحافة فانها لاشك سوف تؤثر على الصحافة، ولكن ليس بالشكل القوي والجاد وخاصة في العالم الثالث الذي لاتزال الغالبية العظمى من مواطنيه تعاني من الامية في هذا المجال، الاانها ستعطي فرصة مهمة للصحافة التقليدية لكي تطور من نفسها وترفع من مستوياتها لتعطي المعلومة الاعمق والاهم ،فلاشك ان هذه التكنولوجيا تعطي مزيداً من الانتشار وبشكل افضل دائما.
كما ان بامكان الصحف ان تضع استراتيجية مهمة لمواكبة أحداث العصر وتكنولوجياته ولاشك ان الاعلام له تأثير قوي في تغيير المجتمعات والتحولات الفكرية والسياسية والا جتماعية لدى كل الشعوب .
وكانت الصحافة احدى اهم الوسائل الاعلامية التي لعبت ولاتزال هذا الدور ان دور الصحافة يكمن دائماً في ثقة المتلقي من مصادر الصحافة، كما استطاعت ان تطور نفسها بتطوير المجتمعات وان تستفيد من التطورات التكنولوجيةفبالرغم من ظهور العديد من الوسائل الاعلامية الاخرى الا ان الصحافة لاتزال العين التي يرى من خلالها الجمهور مايحدث حول العالم، وان كل فرد يجد فيها مايبحث عنه ويناسب مستواه .
ان وسائل الاعلام استفادت بشكل كبير من ثورة المعلومات حيث اتاحت كما هائلا من المعلومات وجاءت ثورة الاتصالات لتؤكد هذه الفائدة من خلال نقل المعلومات ثم كانت ثورة التكنولوجيا الرقمية التي اتاحت العديد من الامكانات من خلال توفر خدمة الارسال والبث الاذاعي والتلفزيوني دون عوائق.
ان التكنولوجيا ليست كل شيء والاهم منها الانسان، وماذا يريد ان يوصل من ورائها هناك من يقول ان الانترنت ستنافس الصحافة المكتوبة والبعض يقول العكس ان الانترنت هي وسيلة يستعملها اصحاب الصحف والناشرون لوضع المعلومات عليها حتى يستطيع الناس الاطلاع عليها في انحاء العالم، فلا احد يأخذ دور الآخر، بل المهم ان تعرف الوسيلة الاعلامية كيف تخاطب بلغة عصرها، فالراديو لم يلغ الصحافة، والتلفزيون لم يلغ الراديو ولا الصحافة المكتوبة والفديو لم يلغ التلفزيون، والمهم ان لاتلغي الصحافة نفسها، أي يجب على اصحاب الصحف والناشرين كيف يتوجهوا بلغة العصر الى القارىء ولذلك نرى ان الصحافة الامريكية تغيرت، وتحولت الى صحافة اختصاص وعلينا تبعا لذلك معرفة كيفية استعمال التكنولوجيا لتطوير الاعلام ان كان مكتوباً ام مرئياً ام مسموعاً .
لقد ادت الثورة المعلوماتية والتكنولوجية الى وضع الصحافة المعاصرة امام تحديات جديدة اتاحت لها فرصا لم يسبق لها مثيل سواء كان ذلك في غزارة مصادر المعلومات، أو في سرعة نقلها أو في استخدامها وانعكست هذه التطورات على اساليب جمع وانتاج وتوزيع المعلومات في اجهزة الاعلام الرئيسة الثلاث المطبوعة والمسموعة والمرئية، وكذلك خلقت هذه التطورات جمهورا جديدا متميزا يعتمد على الانترنت وشبكات نقل المعلومات الالكترونية في تلقي المعلومات، وسارعت بالتالي اجهزة الصحافة العصرية الى استقطاب هذا الجمهور الجديد عن طريق اضافة شبكة الانترنت الى وسائلها التقليدية في نقل وتسويق النتاج الصحفي، ان وفرة المعلومات وتدفق الاتصال سوف يسهم في اتاحتها بشكل لم تعرفه البشرية من قبل، حيث أضحت المعلومات وفيرة بشكل لايمكن لاي متخصص ان يتابع معه مايستجد في حقل تخصصه، حيث لعبت تكنولوجيا الاتصال والمعلومات دوراً في:
1. وفرة المعلومات في جميع المجالات وعدم امكانية احتكارها من قبل الصحافة فقط .
2. اتاحة هذه المعلومات لمن يستطيع الوصول اليها تقنيا واقتصاديا وفنيا وثقافيا وخاصة من خلال الانترنت والفضائيات ووكالات الانباء.
3. ان التوسع في الاتصال وخصوصاً عبر شبكات القنوات الفضائية والتلفزيونات الخطية والانترنت، وربط الكومبيوتر وشاشة التلفزيون ليكونا جهازا واحداً سوف يتيح فيضان الاتصال اقليميا ودوليا ويعزز التنافس مع الصحافة بشكل كبير.
ان استخدام التطور العلمي والتكنولوجي في صناعة وانتاج الصحف اصبح ضرورياً وله فوائد من حيث:
أ- مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية في مجال الاعلام.
ب- مواجهة عصر المعلومات والاتصالات.
ج- تطوير العملية الانتاجية للصحف وغيرها من المطبوعات لتحقيق الفائدة المثلى لصناعة الصحافة والطباعة والنشر .
د- الموازنة الاقتصادية بين تكلفة الانتاج والعائد المحقق.
هـ- اعادة تخطيط المهام والمسؤوليات في الحقل الصحفي بما يناسب روح العصر.
و- مواجهة المنافسة بين الصحافة والتلفزيون.
واصبحت الاقمار الاصطناعية تستخدم بشكل واسع في صناعة الصحف ونقل النسخ الى محطات بعيدة ففي مؤتمر عقدته صحيفة الفايننشيال تايمز حول مستقبل صناعة الصحف والاثار المحتملة الحديثة ...قيل انه اذا كانت هناك امكانية طباعة صحيفة بصورة اقتصادية في 9 أو 10 بلدان في العالم فلن يكون هناك سبب في عدم توقع اليوم الذي تجد فيه انفسنا قادرين على الطباعة في كل مدينة حيث يوجد قراء، أو حتى في اماكن التوزيع المهمة والمدن والانفاق والمطارات، بل وفي كل دائرة مهمة أو في المساكن والمنازل وعندما يستلم المشترك الإشارة الإلكترونية تعطيه نسخة مطبوعة من صحيفته اليومية.
مراحل استخدام الوسائل الالكترونية في الصحافة:
لقد مرت الصحافة الحديثة بمراحل عدة في استخدامها للوسائل التكنولوجية الجديدة حيث بدأت الصحف منذ الستينيات في استخدام انظمة الجمع الالكتروني ،لتمثل بذلك بداية تحول الصحف الى استخدام الانظمة الرقمية، وفي هذا الوقت ومنذ حوالي 30 عاماً تقريبا دعا (فيليب ماير) الى استخدام الكمبيوتر في جمع الاخبار فيما عرف بصحافة التدقيق (Precision Journalism) كوسيلة تساعد في تطبيق اساليب العلوم الاجتماعية والنفسية في التغطية الصحفية، وحتى منتصف الثمانينيات لم يطبق الصحفيون هذه الرؤية بشكل متكامل في معالجة قصصهم الصحفية، لانها كانت تقتضي استخدام أنظمة حاسبات كبيرة ومعقدة، ولكن وبالتدريج بدأت تقنيات معالجة المعلومات القائمة على استخدام الحاسبات الالكترونية تدخل الى مجال معالجة الاخبار في الصحافة، حتى قال البعض انه لايوجد اختلاف كبير بين عمل التدوين الصحفي وعمل العلماء الاجتماعيين فكلاهما يدرس السلوك البشري ويجمع المعلومات ويحللها وينشرها .
ومع بداية التسعينيات من القرن الماضي بدأت تدخل أجهزة الحاسبات الالكترونية بشكل مكثف الى غرف الاخبار في الصحف الامريكية والكندية، وفي بلدان اخرى عديدة حيث بدأ استخدامها في الكتابة والتحرير والصف والجمع الاليكتروني وبدأت بعض الصحف تتحول الى الآلية الكاملة في عملية الانتاج من خلال ادخال الحاسبات الالكترونية، ووسائل الاتصال السلكية واللاسلكية في معظم مراحل الانتاج كما بدأت هذه الصحف تحول ملفاتها من القصاصات الورقية الى ملفات الكترونية وزادت عمليات التفاعل الالكتروني مابين قواعد البيانات والمعلومات المتاحة امام الصحف، وتم ربط بنوك المعلومات الصحفية ببنوك المعلومات المحلية والدولية كما تصاعد حجم قواعد المعلومات التجارية وتنوعت خدمتها المعلوماتية والصحفية.
وفي التسعينيات ايضا ومع تطور وسائل الاتصال وتقنيتها وانخفاض تكلفة اجهزة الحاسبات الالكترونية وتنوع احجامها، اصبح المندوبون قادرين على الاتصال بالنشرات الالكترونية المحلية والانترنت، وبفضل التقدم في الاتصالات السلكية والاقمار الاصطناعية فإن النصوص والصور والمخططات يمكن ان تنتقل بالفاكسميل من قارة الى اخرى ،كما تمكن الصحف من الطباعة في اكثر من مكان في الوقت نفسه وظهر هذا التطور في زيادة القدرة على التخزين الرقمي للصور، والاتجاه الحالي نحو الرقمنة الكاملة لكل مراحل الصورة من الكاميرا الى المسح الضوئي الى الانتاج الى معالجة الصور،حتى يتم عرضها على الشاشة لاضافة اللمسات اليها واخراجها، كما تزود وكالات الانباء الكبرى مشتركيها بوسائل استقبال الصور الرقمية فضلاً عن امكانية كتابة وطباعة مقالاتهم وادخالها مباشرة الى الحاسبات الالكترونية، فالتطورات الحديثة لم تجعل الصحفيين مضطرين للبقاء بصفة دائمة في الصحيفة نفسها، وساعدتهم على القيام بأعمال لم يكن بمقدورهم القيام بها من قبل.
كما أدت الى تنوع طرق جمع القصص الصحفية، وتحسنت طرق اتصالهم المباشر بالمصادر، وتوافرات امامهم عدة ادوات متخصصة تيسر لهم اداء مهامهم.
وبدأ استخدام الحاسبة الالكترونية كأداة للجمع والتقصي عن المعلومات وللوصول الى الوثائق والسجلات وتحليل قواعد البيانات، وان لم تتحول هذه الطريقة الجديدة الى اسلوب شائع في كل الصحف نظرا لتباين مجتمعاتها وامكانياتها وان ظهرت بعض البرامج التي تدعم تواجدها مثل البرنامج الذي اخترعه الصحفي (جبسون) الفائز بجائزة بوليترز وهو برنامج Nine Trak Express لمساعدة الصحفيين على تحليل الوثائق العامة باستخدام أجهزتهم الشخصية، وكذلك زيادة عدد المعاهد والكليات والمراكز المتخصصة في علوم هذا الفن الجديد الذي اصبح يعد من بين العلامات الفارقة في تاريخ جمع الاخبار الصحفية وواحداً من ابرز التحولات التكنولوجية في مجال التغطية الصحفية .