كتب: د.كامل القيّم /أستاذ مادة الإعلام والاتصال /جامعة بابل-العراق
مفهوم
الاتصال الإنساني Communication يشير مفهوم الاتصال إلى العملية أو الطريقة التي بموجبها تنتقل الأفكار والمعلومات والخبرات بين الناس ،وتأخذ هذه العملية سياقات وأفاق متعددة ،تنضوي على طرق بدائية وبسيطة ،كالإشارة والرموز الصوتية وبعض الطقوس الدينية ولاجتماعية ،وبين ماهو تقني ومعقد، يتمثل باستخدام الأقمار الصناعية والإشارات الرقمية….وصولا إلى التفاعل عبر الانترنيت (Internet) .
والاتصال يشكل محوراً اساسياً وحيوياً لوجود وتطور المجتمعات البشرية ، بوصفه يحمل معظم عمليات التفاعل الإنساني ( interaction human) والتناقل المعرفي والحسي بين الأفراد والجماعات ،فألانسان كائن اجتماعي فيه نزوع إلى الاتصال ببني جلدته ،وتأخذ هذه النزعة صفة ملازمة طيلة ما يهبه الله من رزق الحياة. ويرتبط التفاعل والتكيف الإنساني في الاتصال إلى حد كبير بالإطار الدلالي( FROM OF REFERENC ) أو اللغة المشتركة ،والتي تعد إحدى مقومات نجاح ذلك التفاعل ،ومن ثم نجاح عملية الاتصال برمتها ،على أساس ان التفاعل الاجتماعي يتضمن عناصر ومكونات ذا تنظيم بشري ،هي الأفراد والجماعات والمجتمعات ،وعمليات معرفية مختلفة كالإحساس والإدراك والتفكير،وما ينتج عن هذه العمليات من متغيرات وتعديلات في السلوك والاتجاهات والمواقف لغرض التكيف مع البيئة الاجتماعية وغالبا ًما يقترن هذا النشاط بسمات تأثير وتشويق تتضمن الجمال والفاعلية والوضوح ،بقصد المشاركة(Participation ) ، والتعبير عن المعاني لإيجاد فهم افضل للبيئة الاجتماعية ،فالفرد يمضي يومه متحدثاً،أو مستمعاً، أو قارئاً ..منتجاً ومستوردا للرموز( symbols ) فهو بهذا الفعل محاصر ومقحم تماما في كل مكان أو زمان بنشاط اتصالي ما. وتتنوع طرق وأساليب الاتصال وفقا لظروف الجماعة ،كتوزيعها المكاني وحجمها ،وبنائها الاجتماعي ،بالإضافة إلى مستوياتها الحضارية والاقتصادية ،فضلا عما تكتنف العملية من مقاصد وأغراض وهكذا،حيث تتراوح هذه الطرق والأساليب، من الإشارات الغامضة غير المحددة، إلى القواعد المقننة ،ومن الكتابة التصويرية البدائية إلى فن الاختزال الدقيق للعلامات الرياضية الواضحة والمحددة،ومن الصرخة التلقائية التي تنطلق بها القبائل البدائية والتيتحمل معنىً جمعي معين،إلى الاصطلاحات العلمية المتداولة دقة وتفصيلاً. هذه المعاني والاصطلاحات وا لإشارات (الرموز) تفهم ويتم تبادلها في نطاق أو نسق جماعي، أو اجتماعي مختلف في الحجم والفاعلية والكيفية، تبعاً للسياقات التي تؤلف (المجال الاتصالي ) ومدى التقارب الرمزي( اتفاقي Consensual) ،فمثلما هناك اختلافات واستخدامات خاصة ومحددة لرموز الاتصال، فان هناك إجماع أو شيوع (Spread) لبعض الأفكار التي تؤدي معنى معين. ويختلف الأفراد كما الشعوب اختلافاً كبيرا من حيث قدرتهم على الاتصال ،من طبيعة الفرص السانحة أمامهم –القنوات – كما إن الفروق المعرفية (فجوة المعرفة )أيضا لها دور في تلك القدرة وهذه لها عناصر،كالمستوى الثقافي ،والاستعداد و والذكاء والمركز الاجتماعي والاقتصادي والمناخ الاتصالي ، اذاً هناك متغيرات تؤثر في مدى وكيفية المشاركة ومدياتها ،والتفاعل في إطار هذا المصطلح (الاتصال) ،ففي مجال الإشارات ( مثلا نرى الممثل المدرب يفوق الشخص العادي من حيث القدرة على توصيل ما يريده إلى الناس،كما يتفوق الرسام التشكيلي على الآخرين بلغة الألوان ،وبقراءة الرموز البنائية للوحة أو الشكل الفني من حيث-التناسب اللوني والحجمي،والمساحات ،والتناظر، تجسيد الموضوع،كما يوجد تباين في مجالات الاستخدام اللفظي والقدرة الكلامية والاقناعية لدى الأديب،والشاعر ،والخطيب،إذ يتمتع هؤلاء بقدرة في التنوع اللغوي والبلاغي ،حيث يتحدثون وينسجون رسائلهم املاً في التأثير.ومفهوم الاتصال كما عرفه دان نومو (Dan Nimo ) بأنه ( عملية تفاعل اجتماعي يستخدمها الناس لبناء معانِ تشكل في عقولهم صوراً ذهنية للعالم ويتبادلون هذه الصور الذهنية عن طريق الرموز) فيما عرفه أحد المختصين العرب على أنه ( العملية الاجتماعية التي يتم بمقتضاها تبادل المعلومات والآراء والأفكار في رموز دالة ،بين الأفراد والجماعات داخل المجتمع وبين الثقافات المختلفة لتحقيق أهداف معينة ).وتأسيسا على ما تضمنته التعريفات أعلاه فان النشاط الاتصالي ،بمفهومه العام عملية مستمرة تؤثر وتتحكم في مجرى الاستجابات المتعددة التي يطلقها الفرد تجاه المثيرات ( Exciting ) فان هذا التأثير والتحكم ينطوي تحت غرضيات متعددة( Multi- Purpose ) ومسببات بعضها تتعلق بخصائص بناء الاتصال ، والآخر متعلق بالحاجة إلى التكيف الاجتماعي والدفاع عن الذات من خلال أبعاده الذاتية والشخصية. (Signals
خصائص الاتصال الإنساني
من خلال مضامين التعريفات في أعلاه ،يمكن الإشارة إلى محددات وخصائص العملية الاتصالية بكونها نشاطا إنسانيا تفاعليًا بين الأفراد ،ومن هذه المحددات :
أولا/ عملية مستمرة (دينامية)
العملية الاتصالية نشاط مستمر لا تتوقف أو يتجمد عند نقطة أو حالة أو واقع معين ، إنما تعتمد على مجمل العوامل الشخصية والثقافية والبيئية ،والتي بدورها توحّد الشخص مع الظرف أو الموقف ،تحت تسمية (الموقف الاتصالي Communication Stand ) إذ إن انتقال المعلومات بين الأفراد ،سواء أكان هذا الفرد مستقبلاً أم مرسلاً،خاضع إلى سلسلة طويلة من الخبرات والانطباعات والعوامل التي تتصل بمواقف أخرى اكثر تعقيداً ،وبذلك فان عملية الاتصال لا تحدث من فراغ ،إنما هي تراكماً وانسجاماً وسياقات أخرى متصلة. هذا الاستمرار والدينامية تعني نشاطاً تفاعليا ًتراكمياً ( Accumulative ) مسلسلاً بين عناصر المنظومة –مجمل التكوينات والعناصر- التي تشكل الفعل الاتصالي ،ومن خلال هذا النشاط تنمو وتتطور وتتغير مفاهيمه وسلوكياته نحو المثيرات والمواقف تبعا لسياقاته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ،ذلك إن النشاط الاتصالي مرتبط إلى حد كبير بالخلفيات ( ذكريات ،تجارب ،صور ذهنية، اتجاهات …الخ،ومرتبط بالوقائع والاعتقادات التي تضيف الى ذلك الهدف باعتبار إن الاتصال مجهود غرضي،جاه يقع ضمن إنشاء وصياغة المعاني بقصد الاشتراك بين طرفي عملية الاتصال ( المرسل والمستقبل ).
ثانياً / تفاعل اجتماعي
يشير مفهوم التفاعل (Interaction ) إلى(أي موقف يتبادل التأثير فيه شيئان أو اكثر،ويتضمن نوعا من الاحتكاك والمبادلة ،بحيث يكون حافزا لردود فعل الطرف الآخر ).وبما إن الاتصال عملية اشتراك واندماج مقصودة( Deliberate Communication Process ) بين الأفراد والجماعات فانه بذلك يرتبط عضوياً بمرجعياتهم الاجتماعية والسياسية ونسق بنائهم الثقافي والايكولوجي.
ويرى الكثير من الفلاسفة أمثال هوسرل ( Husserl ) وهيديجر ( Heiddeger ) على ان التفاعل هو جوهر الاتصال ،فعلى المستوى الذاتي ( Interpersonal ) يعطي الأفراد دلالات ومعاني وتفسيرات للرسائل ذاتياً،قد يختلفوا عن الآخرين ،ذلك ان الفرد يتفاعل بشكل نشط مع المؤثرات البيئية والاجتماعية من خلال طبيعته السيكولوجية والاجتماعية وتراكم خبراته،كما انه على النطاق الشخصي غالباًما تحمل الموروثات والطبائع بعدا أساسيا في إضفاء طابع إيجابية الاتصال ويمكن الجزم من أن المجتمع الكوني لا يستطيع الحياة من دون الاتصال، وبالمقابل فالاتصال لا يمكن أن يحدث ألا داخل إطار أو نسق اجتماعي،
ثالثا / نظام من الرموز
تشكل العلاقة الرمزية جوهر العملية الاتصالية ، وتقع قاسماً مشتركاً بين عناصرها ، والرمز ( هو ما يستخدم عمدا" ليحل محل الشيء أو معنى آخر) . والرمز ( Symbol ) حسب مفهوم وايت ( White ) هو (( شيء يكتسب قيمته أو معناه ممن يستخدمونه ))، فالمعنى ليس أصيلا في الرمز ،إنما ينشأ معنى الرمز من التفاعل الإنساني ،كما يبقي عليه ويثريه ،وهو ما يسمى بالتفاعل الرمزي ( interaction symbolic ) والذي يعد الشكل المثالي من التواصل المميز والملازم للحياة الاجتماعية وأداته في البقاء والاستمرار ، فضعف المشاركة الرمزية تجعل الفرد منعزلاً وغريباً وضعيفاً إلى حد كبير، وكذلك الترميز يعني (( العملية التي على وفقها يقوم الأفراد بتحويل الأفكار والمهارات والمفاهيم في أشكال مختزلة ،وبشكل عمدي أو تلقائي ،ليتم إدراكها ،ومن ثم تعديل السلوك في ضوئها أو القيام بنقلها إلى الآخرين )).
التشويش( العرقلة ) في عملية الاتصال :
هو كل معوقات الاتصال بين المرسل والمستقبل والتي تحول دون وضوح الرسالة وبالتالي وصولها بشكل تام أو مؤثر ،وهناك نوعان من التشويش ،الأول ينجم عن النقل عبر القناة أو الوسيلة يسمى التشويش الميكانيكي أو تشويش القناة (Channel Noise) ،ويشمل كل ما يسبب اضطراباً أو تعويق في سلامة وسريان النقل الطبيعي للرسالة الاتصالية ،مثل الأصوات التي تحدثها العوامل الجوية أو الميكانيكية للآلات ،أو التداخل في موجات الراديو أو عدم وضوح الصورة الـTV،أو الطباعة السيئة للوسائل المقروءة ،عدم وضوح أو جمال الخط أو الرسم ..الخ . والثاني يسمى (التشويش الدلالي ) أو التشويش في دلالات الألفاظ ،فانه يحصل عند استعمال المصدر لكلمات لا يتسع لها قاموس أو فهم الجمهور ،أو يتناول موضوعات ليس للمتلقي معرفة بأولياتها ،أو استعمال كلمات أو معاني أو دلالات تحمل معنى ً أو قصداً معيناً بالنسبة للمرسل بينما تحمل معنى مختلف بالنسبة للجمهور ،ويعّد فهم أو تفسير الرسالة الواحدة بمعانٍ مختلفة من قبل الجمهور تشويشاً لغوياً أو دلالياً .
تكنولوجيا الإعلام والبعد الاجتماعي:
إن دراسة تأثيرات الاتصال الاجتماعي أصبحت بلا شك من أساسيات العلوم وبالأخص ( في علوم الإعلام والعلاقات العامة والدعاية ) ،وهي إذا كانت لا تلقي اهتماماً ملحوظا ًفي الدول النامية ،فأن الدول المتقدمة أو التي في ركابها قد أولت اهتماما واحتضانا له بوصفهِ عصب التأثير الإعلامي والهيمنة السياسية والانتشار الثقافي ، إذ أُنشئت له مراكز بحوث ومعاهد وكليات مختصة لدراسة الظواهر الاتصالية، التي تنساب مع تفاعل مجتمعاتها ،بعدما غدا الاهتمام ليس مقصورا للتعرف على آثاره الاجتماعية المختلفة ،إنما توسع ليشمل اطراداً في الاستخدامات الحياتية والمهنية ،فظهرت فروع له،كالاتصال المحلى ،والاتصال الدولي،والتربوي،والريفي ،والإداري فضلاً عن الاتصال الفني ، وتفرعت منه تخصصات متعددة ،كالدعاية،والحرب النفسية،والإشاعة،والعلاقات العامة،والإعلان،والمعلوماتية ،بالإضافة إلى ميدانه الأساس والواسع(الإعلام Information) وما يتمخض عنه من أنشطه وميادين. وإذا ما تفحصنا طبيعة المشكلات على المستوى الدولي والإنسانينراها(اتصالية) ذلك أن التفاهم والتباغض،الفوضى والاستقرار،الخير والشر أساسهما،الكلمة،السلوك، الفكر،الصورة النمطية،التأريخ ،ثم القدرة على التأثير،وهذه جميعا مستلزمات وميكانزيمات إعلامية ،فضلا على ان أية صورة من صور التفاعل((Interactionسواءً أكان على المستوى الذاتي (تصورات الإنسان الذهنية تجاه المثيرات) أم مع الآخرين ،أم على المستوى الدولي،يدخل ميدان الاتصال وأحكامه،وإذا ما أردنا التوسع في رصد علاقات الاتصال بالحياة الاجتماعية والمهنية نقول (جميعنا اتصاليون ) ذلك إننا بشكل أو بآخر نبغي التأثير في الآخرين ،أو لنقل نعمل على تسهيل تفاهمنا مع الآخرين بشكل أفضل،أو للتعبير عما بداخلنا وما نريد إشراكه مع الآخر، لذلك ابتدع الإنسان قنواته للسير بهذا المنحى،حينما كان تلقائياً،وما الرقص،والطقوس،والشعائر،والرسم ،والتمثيل،والخطابة،ماهي إلا أدوات أراد بها التعبير عن نزعته الاجتماعية،ولازال هذا الوازع متأصلا في فيه، بعدما غدا الاتصال في بعض روافده منظماً،رسمياً،كما في التدريس،والمراسم الاجتماعية والتأليف،وصناعة الرسائل الثقافية من خلال الكتابات الصحفية والسينما والفيديو،والـ( C D) والرسائل الصوتية والمرئية الإلكترونية.. وغيرها كثير. ان تداعيات العصر من مكتشفات وصراعات ،أوجدت حاجة ماسة إلى ان نفهم ونتقصى كيفية عمل الفعل الإنساني في التأثير،وكيف يتأثر، وما حدود إشراك أدوات الاتصال والإعلام في هذا الصراع ،في ظل التعقيدات الهائلة التي خلفها تواتر وتراكم المعلومات والأفكار من قبيل ،الإنتاج المطبوع – كتب ،صحف، مجلات،- إصدارات علمية- و إنتاج السمعبصريات، الإذاعات الموجهة ،والمحطات التلفزية ،وإنتاج البرامج المدمج ة( C D) ، والهواتف المحمولة ،هذه المعطيات التي فاقت في السنوات الأخيرة عما أنتجته البشرية جمعاء منذ ولادتها . ونحن في طبيعة الحال نقع في خضم هذا التواتر وفي وسطهِ ،فعلينا إذاً أن نتعلم وان نعي بعناصر هذه الثورة المعلوماتية وما تشكله من تأثيرات سياسية ،واجتماعية وتربوية