بعد أكثر من 190 سنة تقريبا على صدور أول صحيفة عربية , وهي الصحيفة العراقية جورنال عراق باللغتين العربية والتركية , وأكثر من 180 سنة تقريبا على صدور أول صحيفة عربية رسمية – ونقصد - صحيفة الوقائع المصرية التي أصدرها محمد علي باشا في عام 1828م , لا يزال السؤال الأكثر صعوبة ومرارة في تاريخ هذه السلطة يتكرر بين الحين والآخر على لسان الكثير من المثقفين والأدباء والمراقبين لحركة تطور ونضوج الصحافة العربية , وهو : هل حققت الصحافة العربية بعد كل هذه السنوات الطويلة من ممارستها لهذه المهمة الحضارية والثقافية والقومية الدور والرسالة الإعلامية الحقيقية التي تتحمل مسؤوليتها تاريخيا ؟
ربما أن الإجابة على هذا السؤال لدى البعض منا أسهل بكثير مما هي عند البعض الآخر , كون الإجابة على بعض الأسئلة في كثير من الأوقات لا تحتاج إلى خبير أو متخصص في استقراء الحقائق وقراءة ما بين السطور , فأنت فقط بحاجة إلى بعض المتابعة اليومية لحركة شراء تلك المجلات والصحف ومواعيد وصولها إلى نقاط التوزيع , والاستماع إلى بعض أراء قراءها قبل وبعد تصفح أوراقها , وتكون قد حصلت على نتائج شبه مؤكدة عن الوضع العام لتطور ونضوج حركة تلك الصحف ومدى ما حققته طوال كل تلك السنين 0
.
وحتى لا يقال بأننا متحاملين كثيرا على صحافتنا العربية , أو أننا نهضم حق الكثير من الانجازات التي حققتها طيلة تلك السنوات " كما يقول البعض " , فإننا سنطرح بعض التساؤلات على من كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ من القائمين على " أمانة " هذه المهمة الحضارية والقومية والثقافية العربية , وذلك في محاولة منا لتقريب الصورة الحقيقة والمشهد الواقعي الغالب على تلك البيئة الثقافية , أملين من وراء ذلك تحقيق بعض " النقد البناء الهادف " للوصول إلى نتيجة تحترم حق الشعوب العربية في حصولها على الخبر والمعلومة والفكر الإعلامي الناضج والهادف 0
ولعلنا نختصر تلك الغابة المتشعبة من الأسئلة الكثيرة في التساؤلات التالية : أولا : هل استطاعت الصحافة العربية بعد كل هذه السنين الطويلة من تحقيق مهمتها القومية والحضارية التي تقتضي منها ضرورة إيصال صوت الشعوب العربية المقهورة وقضاياها المصيرية والتحديات والعقبات التي تواجهها إلى العالم الخارجي ؟ 0
ومن ثم هل حققت دورها الإنساني في المجتمع العربي داخليا كوسيلة غاية في الأهمية لتوعية وتثقيف الشعوب العربية بحقوقها المدنية والدفاع عن حرياتهم ومطالبهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ؟ وهل هي فعلا سلطة رابعة كما هي في كثير من دول العالم , أم مجرد " أدوات تحركها السلطة الرسمية كيفما تشاء " ؟
وهل استطاعت الصحافة العربية تحقيق مهمتها الوظيفية التي تتطلب منها القدرة على الوصول إلى الخبر والتحقق من صحته وسلامة المعلومات الواردة فيه ومن ثم إيصاله إلى القارئ العربي بشكل أمين ؟ وبالتالي امتلاكها القدرة على الاستقلالية الإعلامية في نشر بعض الأخبار والتحقيقات الصحفية , أم هي مجرد صحافة للقص واللصق لا أكثر ؟
والحقيقة التي يجب أن لا تنكر هنا هي استحالة التعميم في هذه المسالة , فهناك – وللأمانة – العديد من الصحف العربية التي استطاعت بشكل أو بآخر إيصال صوتها الإعلامي ورسالتها الإنسانية والقومية والحضارية كما يفترض منها , بل ونجح البعض منها – ولله الحمد - في التفوق حتى على أمثاله من الإعلام الأجنبي 0
في وقت ظل فيه البعض الآخر من تلك الطفيليات الإعلامية المحسوبة على الإعلام العربي مجرد فراغ إعلامي " تجاري " يحاول تمضية وقته وتضيعه بطريقة أو بأخرى , وذلك بتخدير الشعوب العربية واستنفاد طاقات أبناءها في الارجاس والادناس والانحلال والمجون وإفساد عقول شباب الأمة , وهي حقيقة لا يمكن بحال من الأحوال إنكارها , فأنت لا تحتاج سوى للنظر إلى واجهات تلك الصحف " الصفراء " وما تحتويه صفحاتها من أخبار ماجنة ومنحلة تروج للفساد وهدم الأخلاق الإسلامية والعادات العربية الأصيلة 0
ومما يؤسف له في هذا الجانب أن " الكثير " من الصحف العربية اليوم لم تستطع بعد حتى الساعة أن تحرر نفسها من قيود الرجعية والسلطوية والربحية التجارية البحتة , رغم أن هذه الأخيرة هي حق مشروع لا يمكن إنكاره , إلا أن تحولها إلى غاية لملئ الجيوب على حساب الفضيلة والهدف الإعلامي الاسمي , هو ما يجعل منها " صحافة شيطانية " لا تسمن ولا تغني من جوع 0
كما لا زالت وبعد أكثر من قرن ونصف على ظهورها إلى الوجود , وفي ظل هذا التطور الإعلامي الدولي الذي يفترض أن تعيشه وتعايشه , تعاني العديد من الإشكاليات الصحفية والثقافية والفنية والإدارية , مع الإشكالية الأكبر في عالمنا العربي وهي عدم قدرتها على تجاوز القوانين الوضعية والتحرر من قيود السلطة المركزية ومقصات الرقيب , هذا بالإضافة إلى ضعف قدرتها على التواصل العالمي وضعف التسويق والدعاية لها خارجيا , مع فشل اكبر في تقدير قيمة الكاتب والصحفي والإعلامي من الناحيتين المادية والتسويقية 0
نعم 000 يجب أن تكون صحفنا العربية منابر ثقافية وعلمية ترفع من مكانة الأمة الإسلامية وقلبها العربي النابض بين أمم الأرض , ورسائل أممية وحضارية وتاريخية قبل ان تكون هدف شخصي يسعى من خلاله الصحفي والإعلامي إلى " المنصب " و " السمعة " والانتشار , وصوت للسلام والإنسانية المقهورة والمعذبة قبل أن تكون منابر لأصحاب الثروات والمناصب , وصوت للحرية والعدالة والمساواة لا صوت للمطبلين للسلطة والاستعمار وأعوانه 0
حينها فقط لن نلوم الإعلام العربي على تضييع فلسطين والتصالح مع المستعمرة الإسرائيلية الكبرى ثقافيا , ولن نلوم الإعلام العربي المرئي والمسموع والمقروء على الحروب العربية – العربية التي لا زالت مشتعلة حتى الساعة على الحدود من خلال أطنان الاسياج الشائكة وتأشيرات الدخول , وملاعب كرة القدم والتفرقة بين الأديان والمذاهب والقوميات والطائفيات 0
محمد السلوادي عاشق الانتر
01:21 - 08/17 معلومات عن العضو رد على الموضوع بإضافة نص هذه المشاركة