ضوابط الفتوى وآليات التطبيق
محمد بن علي الهرفي
كتبت أكثر من مقال عن «حرب الفتاوى» وعن «الفتاوى الشاذة» وآثارها السلبية على مجتمعنا وعلى سمعة بلادنا وعلى ديننا كذلك، ولعل ما كتبته المحللتان النفسيتان الأمريكيتان عن بعض فتاوانا خير شاهد على ذلك، حيث جاء في ذلك المقال: «إن هذه الفتوى ما هي إلا تعبير نفسي عن ثقافة إسلامية وعربية مشوهة نفسيا تعاني من الحرمان من الصحراء القاحلة»، إلى غير ذلك من الأقوال الفاسدة التي كان هدفها الإساءة إلى الإسلام من خلال استغلال هذه الفتوى وغيرها.
جاء الأمر الملكي المنظم للفتوى علاجا لكثير من أمراض الفتوى وكان توجيهه من حيث الأساس لسماحة مفتي المملكة مؤشرا واضحا على أن جهة الإفتاء هي الجهة التي ينبغي أن تشرف على الفتاوى ولا تتركها عرضة لكل من هب ودب. وكان الأمر الملكي واضحا في الحديث عن خطورة الفتوى التي لاتتفق مع الكتاب والسنة، وأن تجاوز البعض على دور المؤسسات الشرعية هو إضعاف لها وإساءة لها في الوقت نفسه، كما تناول الأمر الملكي قضايا أخرى تصب في قضية أن الفتوى يجب أن تترك لأهلها وأن على دار الإفتاء أن تنظم الكيفية التي يجب أن تكون عليها الفتوى مستقبلا.
ولكن هذا الأمر الملكي يبرز أسئلة كثيرة حول كيفية تطبيق هذا الأمر ومن شخصيات بارزة في المجتمع مما يوحي أن هناك ما يمكن أن يختلف في فهمه هذا الطرف أو ذاك.
فمثلا: إن معالي وزير الشؤون الإسلامية أكد أن جميع السعوديين سيطالهم العقاب في أي مكان كانوا داخل أو خارج المملكة إذا خالفوا الأمر الملكي!!.
لكن الشيخ عبد الله بن منيع له رأي آخر في ذلك التوجه والفهم للأمر الملكي، فقال: إن هذا الأمر الملكي مقتصر على المملكة فقط وأجهزتها الإعلامية، أما خارجها فلا ولاية للدولة عليها.
ولعله يقصد بعض القنوات التي تستضيف سعوديين للإفتاء ــ أو ما في حكمه ــ مثل MBC أو اقرأ أو المجد وغيرها من القنوات.
كما أن البعض يرى أيضا أن المواقع الإلكترونية ليست تحت ولاية وزارة الإعلام، وبالتالي فلا يمكن محاسبة السعوديين إذا أفتوا فيها بما يمكن أن يوصف بأنه «فتاوى شاذة» مع أن وزارة الإعلام ترى أن هذا من مسؤوليتها.. وزير العدل أكد أن المحاكم ستقوم بواجبها في محاكمة كل المخالفين، ولكنه لم يقل كيف سيحاكمهم وما هي حيثيات تلك المحاكمات.
كما قلت الحديث حول هذا الأمر لم ينقطع ولن ينقطع ما لم تسارع دار الإفتاء بتوضيح كل الخطوات التي ستصاحب تطبيق الأمر الملكي.
الذي أراه أن نسمع من دار الإفتاء باعتبارها الجهة التي أنيط بها تطبيق الأمر الملكي إيضاحات دقيقة عن قضايا مهمة مثل: هل هذا الأمر الملكي يشمل السعوديين وغير السعوديين ممن يقيمون في بلادنا؟! ثم هل ما قاله الشيخ ابن منيع صحيح أم غير صحيح؟! لأننا نعرف أن مجموعة من السعوديين لهم برامج في عدد من القنوات غير السعودية.
والأهم من هذا: هل هناك فرق بين الفتوى والرأي الذي يتبناه شخص ثم يتحدث عنه في مقال أو محاضرة؟! مثلا: هناك من يقول: إنني أرى أن صلاة الجماعة غير واجبة.. ويقول: هذه ليست فتوى لكنه رأي اقتنعت به وتحدثت عنه.. وآخر يقول: إن عمل المرأة مع الرجل لا بأس به إذا كانت محتشمة، وأيضا: يقول هذا رأي وليس فتوى، وثالثا يقول: إن الذي يبيح الاختلاط ويصر عليه كافر!! وأيضا: هذا رأي وليس فتوى!! إلى آخر ذلك مما نراه في الصحف والمواقع الإلكترونية وسواها وكل يدعي أن هذه آراء يمكن الاختلاف حولها.. فهل ستجعل دار الإفتاء هذا النوع من الإفتاء الذي يجب أن يخضع لسلطة دار الإفتاء أم من الآراء التي يمكن الحديث عنها؟!
من المهم أن نسمع توضيحا دقيقا عن كل تلك القضايا ليكون الناس على دراية تامة بكل ما يفعلون.
ثم ما هي ضوابط الفتاوى الشاذة؟! الذين أفتوا بما وصف بـ «الفتاوى الشاذة» أنكروا أنها شاذة، ودافعوا عنها بقوة فمن يحدد شذوذها من عدمه وكيف؟!.
الذي أسمعه أن وزارة الإعلام بدأت باتخاذ بعض الإجراءات ومثلها وزارة الشؤون الإسلامية، وكان المفترض ألا يسارعوا بذلك حتى يروا ما تفعله دار الإفتاء وسماحة المفتي باعتباره الجهة الأساس تنفيذ الأمر الملكي.
إن وضوح آليات التطبيق في غاية الأهمية، ومن المهم أن يعرفها الجميع قبل بداية تطبيقها، وأسأل الله العون للجميع.