هل من ضوابط قانونية للصحافة الالكترونية ؟
صحيح ان الاعلام أصبح مثل الوجبات السريعة ، ولكن من دون الخروج على القانون او تعليمات اي مؤسسة اعلامية تتحمل المسؤولية الكاملة او المشاركة فيها .. ويقف ادريان مونك رئيس قسم الصحافة والنشر بجامعة ستي في لندن معالجا هذا الموضوع ، ليقول : ان الصحافة الورقية العادية ستنتهي عام 2040 نهائيا ، وستصبح الصحافة الالكترونية الجوالة خارقة للتصورات ، ولكنها محكمة اشد الاحكام في الارسال والاستقبال ليس فقط للمعلومات ، بل للرأي العام وتحديد مساراته .. ان التكنولوجيا الحديثة ستحدد قيمة المعلومة وتأثيرها فيه . وعليه ، لابد ان تحافظ اية مؤسسة اعلامية على ما يفرضه عليها قانون المطبوعات. ان الانسان في القرن العشرين كان مولعا باختيار ما يعجبه ان يقرأ من حقول صحافة ، ولكن لا مجال للاختيار في هذا القرن ، فامامه كل العالم ممتلكا حريته في التعبير ، ولكن بنفس الوقت لا يمكن ان تنفلت لتصبح اداة للايذاء والقسوة والسرقات سّرا او علانية سواء ضد مؤسسات رسمية ، او ضد نقابات وتجمعات ومنتديات وضد رموز واشخاص معينيين . ان الثقافة الاعلامية المعاصرة وخصوصا الالكترونية على النت ـ مثلا ـ تكاد تكون معدومة في محيطنا العربي ، وعموم دول عالم الجنوب ، فالانسان يستخدم الانترنيت من دون ان يعرف مستلزماته القانونية .
لابد ان يدرك المرء ان ادوات التحرير الورقي في الماضي هي غيرها اليوم .. وعلى المحرر الالكتروني اليوم ان يحسب الف حساب لما يمكن ان يحدثه اي خطأ من الاخطاء ازاء القضاء . صحيح ان الاخطاء اللغوية والاملائية والمعلوماتية .. قد كثرت عربيا اليوم في ما ينشر على النت مقارنة بما ينشر في الصحافة الورقية ، ولكن هذا كله نتيجة او محصلة لما لم يمر ليس على مقص الرقيب ، بل لم يمر اصلا على المحرر الصحفي . هذه تسمى اخطاء عادية ، ولكن غير مسموح بها مطلقا في الاعلاميات المنطلقة باللغات العالمية الاخرى .. في حين ان الاخطاء العادية غدت تراكمية ومخيفة في اللغة العربية وبقية اللغات الشرقية . اما الاخطاء المقصودة ، فهي التي تسبب مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية وشخصية .. وتقود في بعض الاحيان الى القضاء وتكلف اضرارها كثيرا .
من الصواب ان يشارك كل انسان على النت ، وهذا من ابسط حقوقه ، ولكن من الخطأ الكبير استخدام النت او الويب ، وسيلة للتشهير والقذف والسباب والتجريح ، او حتى لاغراض شخصية مبتذلة في العرف العالمي .. ونحن نتابع كثرة المشاكل والدعاوى التي تحال في لوائح على القضاء من قبل اطراف عدة بسبب التجاوزات التي تقف من ورائها مؤسسات اعلامية ، والتي تدركها جيدا ، ولكنها اصبحت تجارة في ان تكسب من ذلك وتعّوض عنه ! لقد اطلعنا قبل مدة من الزمن ان الدول العربية قد تبنّت وثيقة تضيّق هامش حرية القنوات الفضائية العربية ، وتنصّ على عقوبات في حال " تناول القادة والرموز الوطنية والدينية بالتجريح " والوثيقة التي قدمت على انها مبادىء "تنظيم" البث الفضائي في المنطقة العربية تم تبنيها من قبل 21 من 22 وزير اعلام في الدول الاعضاء في جامعة الدول العربية خلال اجتماع استثنائي عقد بمبادرة من مصر. وهنا أسأل القائمين على اصدار هكذا وثيقة : لو لم يكن الاعلام المرئي العربي قد وصل الى درجة من القسوة والتجريح ، لما اجتمعتم واصدرتم هكذا وثيقة ؟ وانتم تعلمون بأن للدول في كل العالم قوانين تمنع منعا باتا استخدام القذف والسب والشتيمة في كل وسائل الاعلام ، وان القضاء هو المختص بذلك .. وان دخول اي مؤسسة اعلامية او جهاز الى ساحة القضاء لا يقتصر الخروج منه على الغرامة وحدها ، بل هناك الخسارة المعنوية في السوق الاعلامية. صحيح ان العرب قد اعتادوا منذ خمسين سنة على ترديد الشتائم والسباب في الراديو والخطابات السياسية ، ولكن ينبغي من تشريع ادوات لضبط الصحافة الالكترونية التي يستغلها البعض باسماء وهمية او مستعارة !
ان القنوات الفضائية يشاهدها الملايين من الناس ؟ لماذا لم تشملوا ما يدور من تجريحات واسوأ انواع القذف على اجهزة النت التي دخلت بيوتنا ومكاتبنا وجامعاتنا وكل مؤسساتنا ؟؟ وايضا : لماذا يعصم القادة والرموز الوطنية والدينية من التجريح ؟ من يعصمني انا وغيري من المثقفين والكّتاب والمؤلفين والاعلاميين والصحفيين من هذا الداء المستشري في كل مكان ؟ واذا تحجج البعض بحرية التعبير .. فهل تبيح الحريات القذف والاساءات ؟ واذا استطاعت المؤسسات استعادة حقوقها في المحاكم .. فكيف باستطاعة اي مواطن ان يأخذ حقه ويسترجع كرامته اذا كان القضاء في معظم دولنا لم يتضمن حتى الان اية تشريعات بصدد الاعلام المرئي او الالكتروني ؟ ان الرموز السياسية والدينية على العين والرأس ، ولكن هناك رموز اخرى للفكر والادب والفن والمجتمع .. بحاجة الى حماية . ان اصدار الوثائق لا ينفع ابدا ، واطلاق الدعوات لا تأثير له على وجه الاطلاق .. انظروا الى دول العالم الاخرى وتشريعاتها بهذا الصدد ، كي ترجع الحق الى نصابه ، وكيف يكون القضاء ؟ انها تشريعات لا تعتني فقط بالقادة والرموز .. ، بل تعتني حتى بأصغر مواطن له حقوقه وواجباته. ان التعبير عن الرأي والحريات متاحة ، ولكن من دون استغلال تكنولوجيا المعلومات باسماء وهمية او خفية . فهل ثمة ضوابط وتشريعات في بلداننا بهذا الصدد؟