بسم الله الرحمن الرحيم
المكتوب والمرئي.. كلاهما إعلام، يوصل رسالة إلى القارئ أو المشاهد. يوصف الأول بالعمق والثاني أنه سطحي. الأول يعتمد على التحليل والكلمة، والثاني يعتمد على الصورة والصوت. لاشك أن الثاني يجذب أكثر، وهو منتشر بشكل أكبر، لكنه قد لا يستغني عن الأول وإن علا نجمه. لذلك فالقول عن ‘’انتهاء’’ الصحافة المكتوبة أمر ليس صحيحاً في مطلقه. لكن الأول يعاني تحديات كبيرة تهدد استقراره وثباته ومواصلة أدائه. فهو يشتكي أصلاً من شح من جيل لديه الخبرة وجيل آخر يدخل الفضائيات بقوة. كما أن هجرة الكتاب إلى المرئي في ازدياد، وعندما يقدمون برامج الحوار الجاد فهم يتميزون. لكن تبقى هنالك تحديات يواجهونها. تحديات شخصية وتحديات يواجهها القطاع بإجماله. كما أن المكتوب ينقسم إلى نوعين، مطبوع وإلكتروني. المطبوع يواجه انحساراً وتراجعاً يدخل الإلكتروني كأحد أسبابها، ونتيجة لصعود نجم الإلكتروني، فهو يأخذ نصيباً يزيد بشكل تدريجي من حصة الإنفاق الإعلاني. كما يشهد المطبوع تراجعاً عالمياً تم قياسه ونشره في تقارير مختلفة. إضافة إلى تحديات القتل والاختطاف والتهديد التي تواجه الإعلاميين يأخذ منتسبو المكتوب النصيب الأكبر منه.
$ - قسم الدراسات والتطوير
والسطور القادمة ورقة أعدها الباحث محمد الهاجري لتقديمها في منتدى الإعلام العربي والذي عقد بدبي. وقد جمع الكثير من الإعلاميين والتنفيذيين في قطاع الإعلام. وعلى هامش هذا اللقاء تم توزيع جائزة الصحافة العربية، وتم تكريم الزميل غسان الشهابي نائب مدير التحرير في صحيفة ‘’الوقت’’ لفوزه بجائزة قسم الصحافة السياسية. ويذكر أن الحضور إلى المنتدى يتم عبر دعوات خاصة يوجهها المنتدى. وقد تمت دعوة أربعة صحافيين من البحرين، ثلاثة منهم من الوقت. لذا فقد سجلت الوقت حضوراً متميزاً في المنتدى.
والورقة التي أعدها الباحث في قسم الدراسات والتطوير تتناول موضوع انتقال الصحافيين من الإعلام المرئي إلى الإعلام المكتوب، والتحديات التي تواجه هذا الانتقال.
في تقرير صدر عن مؤسسة راند للدراسات وهي مؤسسة أميركية، حول ثورة المعلومات في الشرق الأوسط. وهي تتألف من مجموعة من التقارير كتبها مختصون تتناول التوجهات الأمنية الآخذة في البروز والتي سوف تشكل منطقة الخليج العربي على مدى السنين القادمة.
وهي تبحث في الموضوعات التي ستؤثر في الأمن الإقليمي، وهذا يشمل التوقعات المستقبلية في مجالات الإصلاح الاقتصادي والسياسي، العلاقات المدنية - السياسية، تبدل الأنظمة، امن الطاقة، انتشار تقنيات المعلومات الجديدة، انتشار أسلحة الدمار الشامل.
ترى الدراسة بأنه قد تطورت بيئة المعلومات والإعلام على مدى العقدين الأخيرين في الشرق الأوسط بشكل واسع وسريع. وقد جاء بعض هذا التطور من خلال منجزات التقدم التكنولوجي الفائق الأخير مثل الانترنت، في حين جاء جله، وهو الأهم، من خلال تقنيات أقدم عهداً مثل التلفزيون الفضائي وأجهزة التصوير والاستنساخ وآلات الفاكس وأجهزة الفيديوكاسيت. وبذا تهيأت للناس في الشرق الاوسط وسائل وقدرات أعظم بكثير لتبادل الأفكار مما كان متاحاً لهم من قبل.
التلفزيون
عندما ظهر التلفزيون في العالم العربي في ستينات وسبعينات القرن الماضي سقط هذا الجهاز في دائرة الوسائل الإعلامية التي ترعاها وتسيطر الدولة عليها. كما دأبت محطّات التلفزة على بث أخبار النشاطات التي يقوم بها رموز النظام على مدى اليوم التالي لذلك اليوم.
وعندما تظهر أخبار مهمة وحقيقية لم تكن تلك التلفزيونات لتنقل تلك الأخبار. أما أكثر مظاهر الفشل في العمل الصحافي -بحسب التقرير- فقد ظهر عندما امتنع التلفزيون السعودي عن نقل مشاهد الغزو العراقي للكويت لمدة ثلاثة أيام لأنه لم يكن متأكّداً كيف سيكون التعامل الرسمي مع الحدث.
وقد بدأ التسرّب في النجاح الصحافي إلى التلفزيون العربي بعد انتهاء حرب الخليج في العام 1991 حيث شكلت تغطية قناة (سي إن إن) الإخبارية للحرب حالة من العطش المستمر بسبب الإنتاج والإخراج الجيد للقناة في إيصال المعلومات الى المتلقي العربي. وتلى ذلك التاريخ ظهور تدريجي للفضائيات، حتى أصبح بعضها، أحد أبرز صناع الإعلام في العالم.
وكانت أولى المحطات التي تغطي منطقة الشرق الأوسط هي محطة (ام بي سي) التي بدأ العمل بها في لندن في العام .1991
وقد أنتجت هذه القناة نموذجا للمغتربين المذيعين العرب فتذيع الأخبار الرسمية العربية إلى العالم العربي عبر القمر الصناعي. وقد بثت هذه القناة الحياة في فكرة غرفة للأخبار العربية فتعرض مذيعين ومراسلين من مختلف البلاد العربية. وبالإضافة إلى الأخبار، تقدم هذه القناة برامج ترفيهية وأفلام ومسلسلات أجنبية فكاهية ودرامية.
وبعد خمس سنوات استفادت قناة (الجزيرة) من خبرة قناة ام بي سي ونقلت هذه الخبرة الى مستوى آخر، فتم تأسيسها في قطر بدعم من الأمير النشيط الجديد للبلاد. فقد قدمت الجزيرة تغطية إخبارية مشتركة إضافة إلى تعزيز الشعور والانطباع الذي تنقله عبر مراسليها المحليين في المنطقة في بث حي، وكانت هناك مناظرات حية حيث إنها أصبحت حديث الشارع العربي.
وبتحررها من القيود السياسية التي تواجه القناة الفضائية السعودية ام بي سي، فإن الجزيرة اتبعت أسلوب الاختلاف في المناقشات في برامج مثل (أكثر من رأي) أو (الاتجاه المعاكس) التي يستضيف فيها المذيع العلمانيين والمتدينين أو اليمين واليسار أو حتى العرب والإسرائيليين.
وفي الحقيقة، أصبح ظهور الجزيرة سبباً في ارتفاع مستوى الحساسية في السعودية. ففي العام 1994 اتفقت هيئة التلفزيون السعودي الفضائي مع هيئة بي بي سي البريطانية على إخراج تلفزيون إخباري عربي، ولكن السعوديين سحبوا المشروع في العام 1996 بعد أن ظهر لهم أن المحتوى الذي قدّمته بي بي سي كان هجوميا. وتوقفت العملية في وقت كان القطريون فيه يبادرون لتنفيذ خططهم في محطة تلفزيون إقليمية، وانتقل الكثير من موظفي بي بي سي بسرعة الى الدوحة التي أعادوا فيها أنظمة عملهم. ومع نهاية عام 2001 تحولت قناة الجزيرة الى مصدر قلق لأميركا حيث كانت تغطي الأخبار وتصور بشكل واسع وأحياناً تتعاطف مع حركة طالبان التي كانت تسيطر على أفغانستان أثناء الهجوم الأميركي على البلاد.
الإنترنت
يوضح التقرير أن لدى معظم دول الشرق الأوسط الغنية باستثناء إسرائيل نوعاً من السيطرة الحكومية على شبكة الإنترنت، في حين أن الدول الأقل غنى افتتحت أسواقاً لتسويق خدمة الإنترنت. أما إجراءات منظمة التجارة الخارجية فإنها ستفتتح خدمات الاتصالات في الشارع لأعضائها، وكذلك الأعضاء الطامحين. ويحاول المتنفذون في سوق الإنترنت الوصول إلى خطط فتح أسواق جديدة مع تسارع وتائر الشبكة.
إن مستوى الرقابة على الانترنت ليس واضحاً في الكثير من الدول. ففي الوقت الذي تعتمد فيه مصر والأردن دخولاً حراً إلى الشبكة، فإن قطر والمملكة العربية السعودية تفرضان على المستخدمين لها أن يتحولوا إلى مواقع وكيلة عن فتح باقي المواقع بحيث تحدد الدخول إلى المواقع الموضوعية. كما أن محاولات التملص من تلك القيود هي محاولات شائعة جداً.
إن الاطلاع والتجسس على اتصالات الانترنت ووسائل استخدامه عملية شائعة وسهلة جداً في إدارات تلك الخدمة. وإذا كانت دوائر المخابرات المحلية لها القدرة والرغبة على ذلك فإنها لم تقم به بشكل علني.
أما عن منافسة الإعلام الإلكتروني للمطبوع، هناك تحد عالمي في الدول المتقدمة، لكن يغيب أو يختلف هذا التحدي مع الدول العربية خصوصاً وذلك لمحدودية انتشار استخدام الكمبيوتر عند السكان، حيث إن اجمالي المستخدمين لا يتجاوز 8% من السكان.
فالواقع العالمي يختلف مع الواقع العربي، فاتجاه ايرادات الاعلان تحول شيئاً فشيئاً نحو الإعلام الالكتروني. حيث نقلت وكالة رويترز بهذا الصدد تقريراً لشركة ‘’زينيث اوبتني ميديا’’، بأن التوقعات تشير الى ان حصة الصحف من الإنفاق الإعلاني سوف يتدنى من 8,29% بنهاية العام الحالي 3,29%، فيما يتوقع ان يقفز حجم الانفاق الاعلاني على الانترنت الى 8,3% هذه السنة والى 4,4% بعد سنتين.
أما بالنسبة للتحديات فيمكن تقسيم التحديات المتعلقة بالانتقال من الإعلام المكتوب إلى المرئي إلى قسمين، الأول يتعلق بالجانب الشخصي للأفراد المنتقلين، والثاني يتعلق بالقطاع بوجه عام.
تحديات شخصية
يعد الخوف من الجمهور، أكبر تحد لدى المنتقلين من الصحافة المكتوبة إلى المرئية. ويصف علماء النفس هذا الخوف بأنه الخوف رقم واحد في العالم. فالانتقال من غرف مغلقة في مباني الصحف إلى غرف مفتوحة مباشرة إلى الناس، يشكل رهبة وهاجساً كبيراً. أما عن مدى تقبل الناس للصحافي ومدى اقتناعهم به فيشكل تحد آخر.
كما يواجه المنتقلون تحدياً نوعياً في العمل، فالإعلام المكتوب والإعلام المرئي فنان مختلفان فالمرئي يعتمد على فن كتابة السيناريو والمكتوب يعتمد على تفصيل الأحداث والتحليل. والمرئي يحتاج لأدوات متعددة وجهد أكبر ووقت أكبر لإنجاز عمل والمكتوب يحتاج لأدوات وجهد ووقت أقل.
وهناك تحديات تقنية أثناء العمل في المرئي، كالتعامل مع أجهزة معقدة، في حين أن الأداة التي يتعامل معها صحافي المكتوب هي القلم وجهاز الحاسب.
والعمل في المرئي يحتاج إلى جهد كبير مضاعف مقارنة بالمكتوب. كما يحتاج إلى التزام دقيق بالوقت، والتواجد مكان الحدث بشكل ملزم قبل الحدث وبعده، حيث يتطلب الإلمام بكل اللقطات والكلمات والمداخلات، بينما في المكتوبة قد ينجز الصحافي عمله بشكل جيد من دون الحضور في الموعد المخصص.
والصحافة المرئية تتطلب صفات خلقية خاصة، كالتحدث اللبق، وسلاسة الكلام والنطق، والوسامة، والصوت القوي. إلا أن التحدي ضيق الوقت وعدم الإطلاع قد يشكل تحد كبير لصحافيي المرئي.
وهناك مهارة صعبة يمكن اكتسابها مع الوقت وهي الكلام والسماع في الوقت نفسه. كما ان صحافيي المرئي ينكشف خطأهم بشكل واضح أمام الجمهور، بينما يتوارى صحافيي المكتوب خلف القلم.
وهناك تحد يشترك فيه صحافيو المرئي والمكتوب معاً إلا أنه وبحسب الأرقام يكون صحافيو المكتوب أكثر عرضة له، وهو القتل والاعتداء. فقد شكلت نسبة الصحافيين المقتولين من الإعلام المكتوب نسبة 50% مقابل نسبة 39% للمقتولين من صحافيي الإعلام المرئي وذلك حسب تقرير أعدته لجنة حماية الصحافيين.