قبل أن تغلق صحيفة (أوان )سألت رئيس تحريرها د. محمد الرميحي في الملتقى الإعلامي الأخير قبل مدة ليست ببعيدة عن تاريخ إغلاقها : متى ستتحول الصحافة الورقية إلى صحافة إلكترونية ؟ ورحلت أوان الورقية ورحلت إجابتي معها ورحل الرميحي بسؤالي دون أن يجيب عليه .
والحقيقة أن أوان ليست الصحيفة الأولى التي ودعت عالم الصحافة في الكويت فقد سبقتها جريدة الصوت وربما هناك صحف أخرى في الطريق خصوصا وأن تأثير الأزمة العالمية لم ينته وأن الاقتصاد لم يتعافى بشكل نهائي بعد الأمر الذي يجعل بعض الصحف الجديدة ترزح تحت طائلة الديون أو غلبة المصروفات على الإيرادات بسبب عدم تمكنها من تحقيق نسبة اشتراكات أو إعلانات تعود عليها بمال يمكنها من الصمود في وجه هذه الأزمة الكاسحة .
ترى هل سنعود في الكويت إلى المربع الأول في عالم الصحافة وهل ستصدق مقولة وزير الإعلام الأسبق د. أنس الرشيد حين قال بعد إقرار قانون المطبوعات أن كل الصحف الجديدة ستختفي وستعود الصحافة كما كانت؟
ولست معنيا هنا بتصديق المقولة أو بتكذيبها فهناك صحف جديدة استطاعت أن تكذب هذه المقولة وتمكنت من احتلال مكانة في عالم الصحافة الورقية وأوجدت لها قراء ومتابعين ومشتركين رغم الحروب التي تشن عليها والقضايا التي ترفع ضدها بسبب كشفها للحقائق وتسليطها الضوء على بؤر الفساد ورغم الأقاويل التي تثار حولها من الحاقدين والمحاولات المغرضة لتصغيرها وتحجيمها من الساعين خلفها بالبغضاء لأهداف شخصية أو طائفية إلا أنها بمنهاجها الإعلامي السليم تمكنت من تجاوز كل ذلك وأصبحت تنافس الصحف الكبرى وتعبر عن حال ولسان المجتمع الكويتي .
الحاجة ماسة في نظري إلى تحويل الصحافة الورقية إلى إلكترونية أو أن تأتي الصحافة بالاثنين معا حتى لا تجد الصحافة الورقية نفسها فجأة خارج السرب الإعلامي والصحافي وأعتقد أن الصحافة الإلكترونية لا تكلف ما تكلفه الصحافة الورقية من أموال طائلة وقد توفر على الملاك الكثير من المصروفات .
كما أن من أسباب إغلاق بعض الصحف اليومية أو التي ستغلق مستقبلا وهذا ما لا نرجوه هو ارتفاع تكاليف الطباعة وتقليص الإعلانات وتراجع الاشتراكات كل هذه الأمور باتت تؤرق العديد من أصحاب الصحف حيث دفعتهم ظروف الأزمة العالمية إلى اتخاذ قرار صعب يقضي بإغلاق الصحيفة وتسريح العاملين فيها كما حدث مع الصوت وأوان في الكويت وحدث في المغرب قبل إسبوع وحدث في البحرين أيضا مع صحيفة الوقت التي توقفت للأسباب نفسها ولا نعلم الدور سيأتي على أي صحيفة في المستقبل ؟
أنا أعلم أن الصحافة الورقية ستكون حاضرة دائما ولها قرائها لأنه مهما تقدم الزمن وتطور العصر تبقى الحاجة إلى الورق ملحة وتبقى مراعاة أذواق الناس في الحسبان فليس كل الناس تستهويهم القراءة الإلكترونية وليس كلهم أيضا يعشقون التصحف الورقي ولكن علينا أن نراعي التأثيرات وأن نحسب حساب الظروف ، على الصحف الورقية أن تفعل ذلك حقا حتى لا تجد نفسها على حافة الإفلاس .
أعود وأؤكد أن اختفاء بعض الصحف لا يعني أن عصر التكنولوجيا هو الحقيقة المطلقة التي يجب على الصحافة الورقية اعتناقها ولكن يجب عليها أن تعمل أيضا حسابها للمستقبل وأن تخرج بأقل المخاسير إن فرضت عليها الظروف أن تقلص مصروفاتها فالمنطق يقول أنه يتوجب عليها حيئذ أن تخسر الورق على الأقل عوض أن تخسر مهنة الإعلام كلها.
وهناك أمثلة حية في هذا المجال في العالم أجمع وليس في الكويت فحسب فعلى سبيل المثال صحيفة (Christian Science Monitor) التي توزع أكثر من 500 ألف نسخة كل صباح، توقفت عن الصدور كمطبوعة ورقية، واكتفت بموقعها على الانترنت فقط ولحقت بها صحيفة سياتل بوست انتلجنسر الأسبوعية التي توقفت عن الصدور بشكل ورقي نهائيا، بعد ما يزيد على 146 عاما، الأمر الذي يمثل ناقوس خطر يدق أمام أبواب العديد من الصحف الأمريكية الكبيرة مثل نيويورك تايمز التي تواجه مشكلة مالية وقررت أن تبيع مجلة تابعة لها كي تتمكن من تجاوز الأزمة ,وهناك تقارير تقول إن عدة صحف أميركية بدأت تودع الورق للأبد .
كما أن الخبراء الإعلاميين يؤكدون أن الصحف الورقية لن تختفي عن الأضواء مهما تغلبت عليها الصحافة الإلكترونية فبعض الصحف الورقية التي تعمل وفق منهجية ورؤية إعلامية واقتصادية سليمة تمكنت وكما تشير الاحصائيات والتقارير من الصمود في وجه الأزمة العالمية وليس ذلك فحسب بل وحققت أرباحا .
لكننا نسأل ونحن نعيش كل هذا التطور التنكولوجي والرقمي الرهيب هل نبقي صحافتنا الورقية في الكويت في مكانها كما هي دون أن نطورها تنكولوجيا مراعاة للظروف الزمكانية ( المكان والزمان ) ؟ أم نستفيد من التطور العلمي والتكنولوجي ونطورها لتتكيف مع الظروف الزمكانية وتحسبا لأي طارئ يدفعنا للتخلي عن عالم الورق بعد أن بلغ عمر الصحافة المطبوعة العالمية أكثر من 400 عام خصوصا ونحن نعيش في ظل منافسة تكنولوجية محمومة ورهيبة بدءا بالراديو ومرورا بالتلفاز وانتهاء بالإعلام الرقمي .؟!!