منتديات طلبة علوم الاعلام و الاتصال جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات طلبة علوم الاعلام و الاتصال جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم

أنا أتنفس حرية فلا تقطع عني الهواء
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
سجل و احصل على خدمات مجانية فقط على منتديات طلبة علوم الإعلام و الإتصال جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم : تصاميم مجانية (إعلانات،شعارات، ملصقات،مطويات)  ، الإستمارة الإلكترونية .
 

الساعة الأن
الحملة العربية للمواطنة
مواضيع مماثلة
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
عبد الحميد بن باديس
سحابة الكلمات الدلالية
العامة الاذاعة البحث تخرج الإعلام السودان تاريخ علوم الحملة مفهوم المؤسسة مذكرة تعريف كتاب الصحافة وسائل والاتصال الاعلام الاعلامية المتخصصة الاتصال العلمي العلاقات الصحفي وكيلكيس الحملات
بوابة أساتذة المنتدى


 

أستاذ باهر الحرابي*ج ليبيا الشقيقة* اتصل به...هنا

 

أستاذ الياس قسنطينى*ج قسنطينة* اتصل به...هنا


اقرأ | أوقف

اعلانات


 ***




***


Communiqué du Rectorat بيان من رئاسة الجامعة Décret présidentiel abrogeant le décret 10-315 المرسوم الرئاسي المتضمن الغاء المرسوم 10ـ315 


***


***

********************************************** ***



 



اقرأ | أوقف

المواضيع الأخيرة
» طلب مساعدة عاجلة
مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** I_icon_minitimeالأحد مارس 17, 2019 10:30 am من طرف سعاد طلمنكي

» طلب مساعدة عاجلة
مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** I_icon_minitimeالأحد مارس 17, 2019 10:28 am من طرف سعاد طلمنكي

»  طلب مساعدة في وضع اشكالية للبحث مع العلم ان المدكرة هي مدكرة مقدمة لنيل شهادة ماستر اختصاص اعلام و اتصال
مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** I_icon_minitimeالأربعاء يناير 04, 2017 3:58 pm من طرف Paino Pianic

» طلب مساعدة في وضع اشكالية للبحث مع العلم ان المدكرة هي مدكرة مقدمة لنيل شهادة ماستر اختصاص اعلام و اتصال
مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 21, 2016 2:41 pm من طرف Paino Pianic

» روبورتاجات وتحقيقات لطلبة جامعة مستغانم يمكنكم مشاهدتها من هنا
مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** I_icon_minitimeالجمعة ديسمبر 02, 2016 5:59 pm من طرف rihabsrawi

» مدخل لعلم الاقتصاد السياسي +كتاب للتحميل+
مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** I_icon_minitimeالخميس نوفمبر 24, 2016 10:51 pm من طرف azizgs

» مساعدةانا بحاجة الى بحث
مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** I_icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 22, 2016 6:22 pm من طرف hibabiba

» طرق التحكم في الاعلام والتوجيه
مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** I_icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 22, 2016 6:13 pm من طرف hibabiba

» مجموعة من البحوث
مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 19, 2016 3:48 pm من طرف aliomar539

le site de la Faculté des Sciences Sociale

عدد الزوار

.: عدد زوار المنتدى :.

اتصل بنا

خدمات مجانية


 

 مقالات و أراء مهمة*** الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات***

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المراسل
عضو مجتهد
عضو مجتهد



عدد المساهمات : 286
تاريخ التسجيل : 20/11/2010

مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** Empty
مُساهمةموضوع: مقالات و أراء مهمة*** الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات***   مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** I_icon_minitimeالجمعة يناير 21, 2011 8:04 pm




الانتفاضة
التونسية: الدوافع والتداعيات



شكلت الانتفاضة
الاجتماعية التونسية التي اندلعت شرارتها من مدينة سيدي
بوزيد (270 كلم جنوب غرب العاصمة تونس)، نهاية لدورة تاريخية
وبداية لمسار
جديد، سيكون بالضرورة مختلفا عن المرحلة السابقة. واكتسحت
الحركة
الاحتجاجية
التي فجرها انتحار الشاب محمد بوعزيزي يوم 17 ديسمبر / كانون
الأول 2010 أمام مقر
محافظة سيدي بوزيد، جميع المحافظات تقريبا، وشملت قرى
صغيرة لم يسبق أن تحركت حتى أثناء الإضراب العام الذي دعا
إليه الإتحاد
العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية الوحيدة) في 26 يناير
/ كانون
الثاني
1978، و"انتفاضة الخبز" في 3 يناير / كانون الثاني 1984. وما فعله
بوعزيزي لم يكن حركة
غير مسبوقة، إذ سمع التونسيون عن أعمال يائسة مشابهة
رغم أن وسائل الإعلام الرسمية ظلت تلفها بغلالة كثيفة من
الصمت، أو تُقدمها
بوصفها حوادث معزولة لا دلالة لها.


اضطرت الخصاصة بوعزيزي، خريج
الجامعة، للعمل بائعا متجولا للخضر والفواكه من أجل
إعالة أسرته. ولما طاردته الشرطة البلدية وضيقت عليه الخناق
حاول مقابلة
محافظ سيدي بوزيد أملا بإنصافه، فاحتُجزت عربته وتلقى صفعة
من شرطية أهدرت
كرامته، فأضرم النار في جسده وتوفي بعد نحو أسبوعين في
مستشفى بالعاصمة
متأثرا بحروقه. كان لذلك الفعل الخارق صدى بعيدا في
الولايات المحرومة،
سرعان ما أتى منها رجع الصدى. والعنصر الجديد الذي جعل خميرة
التمرد تصل
إلى كل المناطق يكمن في الأعداد المتزايدة من خريجي التعليم،
وخاصة
الجامعات،
الذين أنهوا دراستهم ووجدوا أنفسهم فريسة للبطالة والخصاصة، إن
في منابتهم الأصلية أم
في مستقر الهجرة المؤقت في ضواحي العاصمة أو بعض
المدن الكبرى الساحلية. هذا الجيل، الذي كان قطب الرحى في
الانتفاضة
الاجتماعية،
هو بالتحديد أولئك الشبان الذين لم يعرفوا في حياتهم سوى نظام
زين العابدين بن علي،
والذين فتحوا عيونهم على شعاراته وإعلامه وبرامجه
التنموية، إلا أنهم عاشوا واقعا أبعد ما يكون عن تلك الصورة
الافتراضية
التي لا ينفك يصنعها الإعلام المُوجه ويُروجها في الداخل
والخارج
.


انتحار
وشهادات بلا جدوى



والشابان اللذان انتحرا
لدى انطلاق الانتفاضة في سيدي بوزيد، وهما محمد
بوعزيزي (26 عاما)، وحسين الفالحي (25 عاما) الذي تسلق عمودا
كهربائيا
مُعلنا قرفه
من العوز والبطالة قبل أن يتفحم، يرمزان إلى يأس ذلك الجيل
الجديد ليس فقط من تحقيق أحلام المستقبل، التي تملأ صدر رأس
كل شاب، وإنما
حتى من تأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة. وإذا كانت
الإحصاءات الرسمية
تُقدر نسبة العاطلين بـ 14 في المائة من القوى التي هي
في سن العمل، إلا
أن الخبراء الاقتصاديين يؤكدون أنها تتجاوز 20 في
المائة في المحافظات
الداخلية، وتشمل 30 في المائة من الشبان المنتمين للفئة
العمرية ما بين 15
إلى– 29 سنة. وتُعتبر هاتان النسبتان من أعلى نسب البطالة في
العالم
العربي، ما
أوجد قطاعات واسعة من المحرومين والمهمشين الذين شكلوا وقودا
للانتفاضة الاجتماعية في مختلف المناطق.


لكن الأهم هو ارتفاع
نسبة المتعلمين والخريجين بين هؤلاء العاطلين،
الذين شكلوا في السنوات الماضية اتحادا للخريجين العاطلين،
إلا أن
الملاحقات
الأمنية والاعتداءات شلته. وبهذا المعنى فالعاطل التونسي يشكل
أنموذجا خاصا لكونه ليس
عديم التكوين ولا فاقدا للخبرة، بل إن مستواه
العلمي يحول دون عثوره على فرصة للعمل. وخلال العقد الأخير،
ارتفعت نسبة
الباحثين عن وظائف من بين حملة الشهادات، من 20 في المائة من
القوة العاملة
سنة 2000 إلى 55 في المائة سنة 2009. وتُعزى تلك المفارقة
إلى عدم مواءمة
النظام التعليمي لمتطلبات سوق العمل، مما أفرز كتلة بشرية
هامة من المهمشين
الذين يدفع بهم القنوط إلى الانتحار.


غير أن إحدى السمات
المُميزة لظاهرة البطالة في تونس، مقارنة بالمغرب
والجزائر مثلا، هي أن مرونة العاطلين تمنحهم القدرة على
إيجاد أعمال مؤقتة
في قطاعات اقتصادية موازية، مثل بيع الخضار على العربات وغسل
السيارات
الخاصة
والعمل في ورشات البناء، وهو ما أفرز متعلمين يقبعون في أسفل السلم
الاجتماعي، ولا يتمتعون
حتى بالحقوق التي يتمتع بها الباعة الدائمون أو
البناءون العاديون.


وبالنظر لتشدد البلديات
التونسية في فرض قوانينها وقراراتها بملاحقة
أولئك الباعة الهامشيين يوميا، ما حمل محمد بوعزيزي على
الانتحار في سيدي
بوزيد، وقبله عبد السلام تريمش في المنستير، اعتبرها الخبراء
الاقتصاديون
أنها الأكثر تشددا من نظيراتها في الجزائر والمغرب (1). ورأى الخبير الاقتصادي الحسن عشي أن غياب المرونة
حال دون جعل القطاع الموازي متنفسا لاحتقان سوق العمل
في تونس. وقدر عشي نسبة "فرص العمل" البديلة
المتاحة للخريجين في هذا
القطاع بـ20 في المائة فقط في مقابل 40 في المائة في المغرب
و45 في المائة
في الجزائر و50 في المائة في مصر (2).


ومن الطبيعي أن انسداد
الآفاق هذا يقود إلى الحلول اليائسة، خصوصا بعدما
ساهم استفحال الأزمة الاقتصادية في أوروبا طوال العامين
الماضيين في تراجع
المراهنة على الهجرة غير الشرعية، التي كان قسم مهم من
العاطلين الشباب
يلجئون إليها، رغم المخاطر، للتخلص من مرارة البطالة والخروج
من مآسيهم
.


وفي مناخ مُحتقن كهذا،
لا مجال فيه حتى للمخاطرة بالقفز إلى قوارب الموت
بعد فقدان الأمل في الجنة الموعودة، تكاثرت ظاهرة الانتحار
بوصفها علامة
على القنوط ونتيجة لانسداد كافة السبل أمام قطاعات واسعة من
الشباب. ويُقدر
عدد المُنتحرين في تونس بألف شخص سنويا، وهي نسبة مرتفعة في
بلد لا يتجاوز
عدد سكانه 10 ملايين فرد، ما يعني أن هناك مواطنا واحدا يلجأ
للانتحار من
كل ألف مواطن، على رغم الموانع الدينية والاستهجان الاجتماعي
والأخلاقي
لهذه
"الحلول". ومن الأرقام ذات الدلالة في هذا المجال ما صرح به الدكتور
أمان الله السعدي،
الأستاذ في كلية الطب ورئيس قسم الإنعاش الطبي بـ"مركز
الإصابات والحروق البليغة"، من أن 12 في المائة من
الوافدين على المركز هي
حالات تخص من حاولوا الانتحار. كما أفاد أيضا أن المركز سجل
280 حالة
انتحار في
2010 منذ بداية العام حتى تشرين الأول/ أكتوبر فقط، أي بمعدل 28
حالة شهريا، أو حالة
انتحار في كل يوم تقريبا
.


الرهان
الأوربي والبطالة المزمنة



نهض نمط التنمية الذي تم
إرساؤه طيلة العقدين الماضيين على استثمار عنصر
أساسي، هو الأيدي العاملة الرخيصة، لمنافسة البلدان
المتوسطية المماثلة على
استقطاب المستثمرين الأجانب. وركز نمط التنمية هذا على
قطاعين أساسيين هما
المنسوجات والملبوسات وتصنيع قطع الغيار الميكانيكية
والكهربائية
والالكترونية، التي تأتي مادتها الأولى من الخارج ثم تعود
إليه، من دون
الارتباط بحلقات إنتاجية أفقية. ومن هذه الزاوية، لا يحتاج
هذا النمط من
المصانع إلى ذوي التكوين العالي والكفاءة والمهارة، لأن
هؤلاء سيتقاضون
مرتبات مرتفعة، وإنما إلى سواعد رخيصة تضمن الضغط على كلفة
الإنتاج. وتجاوز
عدد تلك المصانع 5624 في 2010، من بينها 2717 مصنع مُصدر
بالكامل، وهي
تُشغل بين 10 عمال فما أكثر. (3).


والخلل البنيوي الآخر
في هذا النمط التنموي اعتماده بصورة رئيسية على
الأسواق الأوروبية التي تستأثر بنحو 80 في المائة من
صادرات البلد، مما جعل
أي ركود في الطلب الأوروبي ينعكس سلبيا بصفة آلية في
الاقتصاد التونسي
.


أما القطاع السياحي،
الذي يشكل مصدر الدخل الثالث بعد الفوسفات
والمكونات الكهربائية والميكانيكية، فلا يفتح بدوره آفاقا
حقيقية لهؤلاء
الخريجين لأنه يعتمد أيضا على ذوي المهارات المتدنية، وهو
موجه أساسا
للأوروبيين ذوي المداخيل المنخفضة والمتوسطة.


وبالإضافة إلى تلك
الأسباب الهيكلية، هناك أسباب ظرفية زادت الوضع
اختناقا والشبان ضيقا بحياتهم، في مقدمتها تداعيات الأزمة
الاقتصادية
العالمية التي عصفت بالدول الأوروبية في 2009، ما أثر تأثيرا
مباشرا في
الاقتصاد
التونسي. وتجلى ذلك من خلال انكماش الاستثمار، وتراجع الإقبال
السياحي، وانخفاض
استهلاك الملبوسات والسيارات، مما فاقم من المصاعب التي
واجهها الاقتصاد التونسي في 2009 و2010.


وأفادت إحصاءات رسمية
أن الاستثمارات الجملية المُستحدثة في القطاع
الصناعي تراجعت بـ20 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى
من 2010 مقارنة
بالفترة نفسها من 2009 . لكن من المهم أن نعرف أن
الاستثمارات الأجنبية في
تونس تراجعت بين الفترتين بأكثر من 61 في المائة بحسب
الإحصاءات نفسها
(4).


ربما يمكن للدولة أن
تمتص نسبة وإن ضئيلة من طالبي العمل، من خلال
التوظيف في القطاع العام، إلا أن الاتجاه الجديد الذي تم
إقراره بالاتفاق
مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنصيحة منهما، هو
التخفيف من دوره،
وترافقت تلك الاختلالات الهيكلية مع اختلال هام آخر يتعلق
بعدم التوازن
التنموي بين المناطق الشرقية، الواقعة على الشريط الساحلي،
والمناطق
الداخلية،
وظل هذا التفاوت الموروث من فترة حكم الرئيس الحبيب بورقيبة
(1956 – 1987) يتعمق طيلة العقدين الماضيين. فبلغ حجم
الاستثمار في قطاع
الصناعة في المناطق الشرقية 689 مليون دينار(472 مليون
دولار) في الأشهر
الثلاثة الأولى من 2009 و 587 مليون دينار (402 مليون
دولار) خلال الفترة
نفسها من 2010، فيما لم يتجاوز الحجم في المناطق الغربية،
التي تُعتبر
مناطق ظل، 258 مليون دينار ( 177 مليون دولار) في 2009
و172 مليون دينار
تونسي (118 مليون دولار) في 2010. بل إن التفاوت ظهر جليا
حتى في نسبة
التراجع بين مناطق وأخرى، إذ لم يتجاوز 15 في المائة في
المحافظات
الساحلية،
فيما وصل إلى أكثر من الضعف (33 في المائة) في المحافظات
الداخلية.


بهذا المعنى نفهم لماذا
انطلقت الثورة الاجتماعية غير المسبوقة من الوسط
الغربي، وانتشرت أساسا في المناطق المحرومة التي تُعاني من
التهميش. وفي
أجواء الشعور بالحيف الجهوي والغبن الساري بين أبناء تلك
المحافظات
المنسية،
ترعرعت مُسوغات التمرد الجماعي، الذي لم يكن ينتظر أكثر من عود
ثقاب، سرعان ما قدحه
الشاب بوعزيزي بإقدامه على فعل تراجيدي شديد الرمزية،
مكثف الدلالة، بعيد الصدى.





الحرب الالكترونية طعم الحرية


لا يكفي استعراض الأسباب
الاجتماعية والاقتصادية للإحاطة بدوافع الانتفاضة،
خاصة أن حركة احتجاجية مماثلة تفجرت سنة 2008 في منطقة الحوض
المنجمي
الواقع في
محافظة قفصة (جنوب سيدي بوزيد)، تم تطويقها بواسطة تدابير أمنية
وقضائية صارمة. والقاسم
المشترك بين الحركتين ليس الانتفاض من أجل الحق في
العمل وحسب، وإنما المطالبة بالعدل في توزيع التنمية على
المناطق المختلفة
. ولم يكن اللجوء إلى الشارع في الحالتين سوى الملجأ الأخير
لإبلاغ صوت تحول
البيروقراطية والانغلاق الإعلامي دون بلوغه إلى صناع القرار.
بهذا المعنى
أتت انتفاضة سيدي بوزيد ثمرة لعقدين من الاحتقان الذي لم يعد
المواطن يجد
في ظله من يسمع شكواه.


ويمكن القول إن جيل هذه
الانتفاضة لم يذق طعم الديمقراطية ولم ينعم
بتعددية أو بحريات منذ وصوله إلى هذا العالم، بينما أقنعته متابعته
لوسائل
الاتصال
والإعلام الجديدة بأنه لا يقل أحقية ولا تأهيلا عن الشعوب الأخرى
في ممارسة الديمقراطية.
ولذلك لاحظنا أن مطالب التشغيل والتنمية العادلة
تتداخل مع المطالب السياسية، سواء في سيدي بوزيد أم في المدن
والقرى التي
امتدت إليها الاحتجاجات. فالحكم ظل معزولا عن الشباب رغم أنه
حاول طيلة
السنوات
الأخيرة استمالتهم وتحفيزهم على الانخراط في الهياكل الحزبية
والمنظمات الموازية، بما في ذلك منحهم امتيازات مادية.
وأظهرت دراسات
ميدانية أعدتها مؤسسات رسمية أن الشباب يُعرض عن النشاط
السياسي
والاجتماعي،
ولا يكترث حتى بقراءة الصحف، فضلا عن قراءة الكتب. وشكلت تلك
الدراسات تحذيرا للسلطات من عقم سياسة التدجين والتطويق
المُنتهجة مع
الشباب. إلا أن الدرس المُستخلص منها ذهب في الاتجاه العكسي،
إذ أعلنت
الدولة سنة
2009 سنة للشباب، وأوجدت في سياقها برلمانا صوريا للشباب، بعد
تنزيل سن الانتخاب من
20 إلى 18 سنة. وكانت تلك الإجراءات بمثابة المساحيق
التي لم تجتذب الشباب، إذ ظلت المسافة تتعمق بين الجانبين،
وطفت تلك
القطيعة على
السطح عندما اندلعت حرب الكترونية بين أجهزة الحكم وفئات نشطة
من الشباب، مازالت
فصولها مستمرة إلى اليوم
.


بدأت الحرب بقصف مواقع
الكترونية منتقدة أو ساخرة وتطورت إلى اعتقال
مدونين شبان وإقفال البريد الالكتروني لآخرين، من أجل قطع
الشباب عن العالم
الخارجي، وخاصة عن حركة التدوين الجريئة في العالم العربي،
وتحديدا في
مصر. وكان الحكم يخشى، مع انتعاش الحركة النقابية في بعض
الجامعات، أن
تستعيد الحركة الطلابية الزخم الذي عرفته أيام العهد
البورقيبي، وتتحول إلى
قوة رفض يصعب ترويضها. لكن لم يتوقع الحكم أن يخرج الشبان
بتلك القوة
والكثافة إلى الشوارع خلال الانتفاضة، إذ كانوا العمود الفقري للمظاهرات، وإن لوحظ أيضا أنها لم
تقتصر عليهم، وإنما شارك فيها أيضا المدرسون
والموظفون والنقابيون وكوادر بعض الأحزاب السياسية.


الاحتجاجات
تتسرب من قبضة الشرطة



خلافا للحركة
الاحتجاجية التي اندلعت في منطقة الحوض المنجمي في محافظة
قفصة سنة 2008، اخترقت الحركة الاجتماعية في سيدي بوزيد
الحدود التي أريد
حصرها فيها، وانتشرت في المحافظات المجاورة لتمتد إلى أرخبيل
قرقنة شرقا
وبن قردان جنوبا وجندوبة شمالا. وكانت في مقدمة العوامل
المُحرضة على
التظاهر في تلك المدن الرسائل المتناقلة بواسطة الإنترنت
والصور المتبادلة
عن طريق "فيس بوك"، حتى أن الدعوة للمظاهرات كانت
تنطلق أحيانا من "فيس
بوك" لتتناقلها ألسنة الناس وتشيع في أنحاء المدينة أو
القرية. إنها ثورة
معلوماتية جديدة فرضها الشباب على السلطات فرضا، فاستطاعت
الالتفاف على
جميع الحواجز وتدمير قواطع الرقابة التي كانت تصادر صحيفة
وتحجب مدونة
وتقطع خط هاتف جوال.


لم يكن هذا العنصر
حاضرا بمثل هذه القوة خلال هبة الحوض المنجمي، ما
سهّل على السلطات الأمنية السيطرة على الوضع هناك واتخاذ
إجراءات انتقامية
بعد تهدئة التوتر، بما فيها سجن من اعتبرتهم "رؤوس
الفتنة" ومحاكمتهم
. وتقودنا هذه الملاحظة إلى محاولة تبين موقع انتفاضة سيدي
بوزيد من الحركات
الاجتماعية السابقة في تونس، وكذلك مواطن التشابه والاختلاف
بينها وبين هبة
الحوض المنجمي القريبة منها زمنيا.


لا خلاف على أن منطلق
حركات التمرد الشعبية خلال نصف القرن الأخير كان
اجتماعيا، وإن تحولت في كثير من الحالات إلى صدام سياسي مع
السلطات،
فالإضراب
العام الذي شنه الإتحاد العام التونسي للشغل في 26 كانون الثاني
/ يناير 1978 كان، رسميا،
للدفاع عن حرية العمل النقابي في وجه الحزب
الحاكم. إلا أنه لم يكن بعيدا عن الصراع على خلافة الرجل
العجوز الحبيب
بورقيبة، والتي كان الحبيب عاشور، زعيم الإتحاد وغريم الرئيس
الراحل، أحد
فرسانها البارزين. وأتت الانتفاضة الثانية الكبرى التي سُميت
بـ"انتفاضة
الخبز"، والتي اندلعت في أواخر 1983 وانتهت يوم 4 كانون
الثاني / يناير
الموالي، ردا شعبيا عارما على الزيادة في أسعار الخبز، ولم
تهدأ إلا بعدما
خاطب بورقيبة المواطنين عبر التليفزيون ليُعلن إعادة الأسعار
إلى ما كانت
عليه قبل الانتفاضة. وكانت انتفاضة الحوض المنجمي (2008) آخر
الحركات
الجماهيرية
التي قادها نقابيون، وإن كان زعماء تلك الانتفاضة مُجردين من
مسؤولياتهم النقابية لدى اندلاعها بقرار من قيادة الإتحاد
العام التونسي
للشغل، قبل الرجوع عن القرار والمطالبة بإخلاء سبيلهم. أما
انتفاضة سيدي
بوزيد فأتت ممن هم على هامش الدولة والهيئات النقابية
والسياسية، إذ لم يجد
هؤلاء الشباب محلا لهم من الإعراب في التوليفة الجديدة التي
آلت إليها
تونس بعد 23
سنة من "عهد التغيير"، والتي لم تمنحهم الوظيفة ولا لقمة العيش
ولا حتى الحد الأدنى من
الكرامة
.


غير أن الانتفاضة سحبت
إليها في زخم أمواجها صغار الأجراء والفئات الوسطى خاصة
في المناطق الواقعة وراء خط الفقر المُمتد من محافظة جندوبة
شمالا إلى
محافظتي
قبلي وتطاوين جنوبا. وعلى الرغم من أن مركز ثقل الانتفاضة ظل طيلة
نحو شهر متمحورا في
منطقة الوسط الغربي (سيدي بوزيد والقصرين)، فاللافت
أنها اجتاحت أيضا محافظات تُعتبر محظوظة نسبيا مثل صفاقس
وبنزرت وسوسة
. وهذا يعني أن انتفاضة سيدي بوزيد ارتدت طابعا وطنيا شاملا
خلافا لجميع
الهبات السابقة في عهد بن علي، وآخرها هبات قصيرة الأمد
اندلعت في كل من
الصخيرة وبن قردان وجبنيانة وقصر قفصة بنفس الكيفية وتحت نفس
الشعارات خلال
العامين الماضيين، وهو دليل على أن العناوين التي طرحتها
انتفاضة سيدي
بوزيد كانت نابعة من شعور عام بالضيم وغياب الحرية يسود جميع
المناطق بلا
استثناء. وهذه سمة أولى بارزة كانت لها تداعياتها في قرارات
الحكومة التي
لم تستطع التعاطي معها كقضية مناطقية، مثلما فعلت مع منطقة
الحوض المنجمي
.


أما السمة الثانية، فكانت
متصلة ببعض الآثار الإيجابية لحركات العولمة
التي منحت الانتفاضة القدرة على إيصال صوتها وصورتها إلى
العالم ساعة بساعة
تقريبا، ومكنت المناطق الأخرى من مواكبتها والتجاوب الفوري
معها. فما أن
سمع الناس بمجزرة القصرين وتالة والرقاب يومي 8 و9 كانون
الثاني / يناير
حتى سارت المظاهرات في شوارع سوسة وصفاقس، وأعلن النقابيون
إضرابا عاما في
صفاقس يوم 10 من الشهر الجاري. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن
الانتفاضة
الحالية
اتسمت بكثرة عدد المدونين الذين تلاحقهم السلطات بالاعتقال وضرب
المواقع ومصادرة
الحواسيب، بعدما أدركت خطورة دورهم في تغذية التمرد
.


والسمة الثالثة، هي
أنها استفادت من تأطير الكوادر السياسية والنقابية
الوسطى في مختلف المدن والقرى، خلافا لبعض التحاليل التي
أكثرت من الحديث
عن "غياب التأطير السياسي". ويكفي استعراض أسماء
اللجنة التي قادت التحركات
في بوزيد على إثر انتحار محمد بوعزيزي لندرك ثقل الحضور
السياسي، ناهيك عن
أن الناطق الرسمي باسمها (الذي اعتقلته السلطات ثم اضطرت
لإطلاقه) هو عضو
قيادي في الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض.


وفي هذا السياق ظهر
تمايز بين الأحزاب السياسية خلال هذه الانتفاضة بين
من انتظر تمييز الخيط الأبيض من الأسود، ومن بادر إلى اتخاذ
خطوات عاجلة
لحمل الحكومة على الاستجابة لمطالب المنتفضين، على غرار
المؤتمر الصحفي
الذي عقدته قيادة الديمقراطي التقدمي في اليوم الثامن من
اندلاع الأحداث
للمطالبة بإقالة وزيري الداخلية والإعلام وإفساح المجال أمام
مسؤولي لجنة
الانتفاضة لمخاطبة وسائل الإعلام الدولية. وارتقت المعارضة
إلى مرحلة أعلى
لما توافقت على التنسيق بين تياراتها المتنافسة واتخذت موقفا
مشتركا في 9
كانون الثاني / يناير طالب الحكم بوقف إطلاق النار على
المتظاهرين وسحب
قوات الجيش والشرطة إلى الثكنات. وهذا وجه من وجوه تأثير
الحركة الجماهيرية
الإيجابي في إنضاج شروط الانتقال من مرحلة إلى أخرى في تاريخ
البلد
.


غير أن الأحزاب
السياسية لم تلتقط شعارا مركزيا في المظاهرات التي جابت
مدن البلاد، والذي تردد بقوة حتى في التجمعات النقابية في
قلب العاصمة، وهو
مكافحة الفساد ومحاسبة العائلات المتنفذة المتهمة بسرقة ثروة
البلاد. ربما
تهيبت المعارضة من طرح هذا الملف على الساحة العامة، لكن ذلك
لم يمنع
المنتفضين
من كسر المحظورات ووضع الإصبع على قضية ظلت شغلا شاغلا لفئات
مختلفة، بمن فيها فئة من رجال الأعمال، من دون القدرة على
ملامسة هذه
الصفيحة الحارقة.


نافذة
على وجه تونس الجديد



مجمل القول أن الانتفاضة
التي اندلعت شرارتها من سيدي بوزيد كانت غير متوقعة من
حيث التوقيت والمضمون والأشكال. وكان الحكم يعتقد أنه أفلح
في استخدام
الأساليب الوقائية التي فككت مصادر المعارضة السياسية
والنقابية وسدت جميع
منافذ التمرد وأقفلت المجال الإعلامي ومساحات الحركة التي
كانت متاحة
للمجتمع المدني. غير أن تلك العسكرة لم تؤد سوى لمزيد من
العنف لدى فيضان
الكأس بنزول قطرة انتحار الشاب بوعزيزي على سطحها.


بهذا المعنى غيرت
الانتفاضة وجه تونس لأنها فتحت الأفق أمام تغييرات
سياسية ومؤسسية إذا ما اقتنصت المعارضة الفرصة التاريخية
المتاحة بعد هذا
الزلزال الاجتماعي غير المسبوق. ومن المؤكد أن المعارضة
تذكر حصاد الصك
الأبيض الذي أعطي للحكم الجديد بعد الإطاحة بالرئيس الراحل
الحبيب بورقيبة
سنة 1987، لما تتعاطى مع مستجدات 2011 وما سيتلوها.



_______________
رشيد خشانة: باحث وإعلامي مختص في الشأن
المغاربي



المراجع:


(1) Lahcen Achy: Los Angeles Times
- 27 décembre 2010.


(2) Lahcen Achy:
Lexpress.fr - 8 janvier 2011


(3)
تقرير
سنوي لوكالة
تطوير الصناعة (حكومية).


(4) المصدر نفسه.










المصدر: مركز
الجزيرة
للدراسات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المراسل
عضو مجتهد
عضو مجتهد



عدد المساهمات : 286
تاريخ التسجيل : 20/11/2010

مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقالات و أراء مهمة*** الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات***   مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** I_icon_minitimeالجمعة يناير 21, 2011 8:06 pm

إستراتيجية
إسرائيل إزاء إيران وحزب الله










شهدت المنطقة تطورات متسارعة
خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة، وتشير معظمها إلى
أن تحركاً عسكرياً إسرائيلياً ما، قد تشهده الأجواء والسواحل
والأراضي
المجاورة،
وغالباً ما ستكون وجهته إحدى الساحات التالية: غزة، لبنان،
إيران. وطالما أنه لن يكون للحرب المتوقعة على الجبهة الأولى
تلك التبعات
الميدانية الإقليمية، فضلاً عن الدولية، فإن الحديث سيقتصر
هنا على
الاحتمالات
الواردة في الجبهتين المتبقيتين
.


علماً بأن التركيز
الإسرائيلي منذ إعلان فوز اليمين في الانتخابات
البرلمانية، بقي منصباً - وما زال- على الملف النووي
الإيراني. وفي ظل
تنامي المؤشرات الميدانية الأخيرة، والتحركات السياسية،
واللقاءات
المكوكية،
السرية منها والعلنية، فقد بات من الواضح أن توجهاً إسرائيلياً
ما يعد لإيران ولبنان،
وأن المنطقة حبلى بتطورات قد تبدو "دراماتيكية"، لا
يعلم أحد عقباها، فكيف
سيبدو الأمر؟



حرب
اللاخيار



شهدت الآونة الأخيرة
تغيرا في طريقة تناول إسرائيل لما بات يعرف
بـ"المسألة الإيرانية"، فبعد أن كانت تعتبرها
"مشكلة عالمية"، لن تتصرف
حيالها بشكل أحادي، أصبحت مؤخراً تلمح إلى أنها حرة الحركة
ضدها، وهو تطور
أخذ ينمو شيئاً فشيئاً، بما يحيل إلى صورة تظهر تل أبيب في
نهاية الطاف،
كما لو أنها مطالبة باتخاذ خطوة عسكرية ضد إيران، ولو بصورة
منفردة
.


علماً بأن أي عمل عسكري
ضد إيران سيكون من أهدافه الأساسية تحسين القدرة
الردعية لإسرائيل، في ضوء تراجع مستواها منذ سنوات في أعقاب
الانسحاب من
لبنان وتنفيذ خطة فك الارتباط عن غزة، وفي ضوء إخفاقها في
الحربين
الأخيرتين
2006، 2009. ومن المؤكد أن تل أبيب لن تتوانى عن استحضار شعارات
"الحرب التي فُرضت
علينا" و"حرب اللاخيار" وأن "الحرب من أجل بقائنا ذاته
".


ووفقاً لأحدث تقرير أعد
بتعاون مشترك بين شعبة التحليل في جهاز
الاستخبارات العسكرية "أمان" ومركز الأبحاث التابع
له
(1)
فإن
الموضوع الإيراني يقف على رأس التحديات السبعة
التي تواجه إسرائيل هذا العام، متوقعاً أن يبقى الخيار
العسكري مطروحاً
بجدية في أروقة صنع القرار، الأمر الذي يتطلب دعم خطط
استعدادات الجيش
ليكون جاهزاً للحظة المواجهة، ورفع مستوى التنسيق
الإستراتيجي مع واشنطن،
والتحذير من القيام بأي هجوم عسكري بشكل منفرد.


وهناك مؤشرات إسرائيلية
تشهدها المداولات الحكومية، وتصريحات المسئولين،
والاستنفار الاستخباراتي عبر تجميع معلومات شديدة الدقة عن
إيران
ومنشآتها،
فضلاً عن الاحتياطات الداخلية التي تتخذها بصورة لا سابق لها مثل
توزيع الأقنعة الواقية،
وتوفير الملاجئ وتجهيزها
.


ولعل التصريح الأكثر
وضوحاً جاء على لسان رئيس لجنة الخارجية والأمن في
للكنيست "تساحي هنغبي" خلال ندوة المعهد الأميركي
لدراسات الأمن القومي في
نيويورك حين اعتبر أن عام 2010 هو عام الحسم لإسرائيل فيما
يتعلق بالمنشآت
النووية الإيرانية، لأن إدارة "أوباما" لن تقدم
على شن هجوم وقائي
(2).


وتحضيراً لهذا الخيار،
أجرت الجبهة الداخلية تمرينات لتشغيل صفارات
الإنذار وفحص قدرات قوات الطوارئ في حالات القصف الصاروخي،
وتلقت سلطة
الإطفائية سيارات إضافية بشكل مفاجئ، ووصلت الطواقم العاملة
أوامر تلزمهم
بإلغاء إجازاتهم خلال الأشهر الأربعة المقبلة، واستمر سلاح
الجوّ في
التدريبات
على قصف مواقع بعيدة المدى، وأجرى تدريباً لتزويد طائرات "إف 16
" بالوقود في الجوّ.


إشكاليات
المسار العسكري



بالرغم من المعلومات
المتوفرة حول إعلان إسرائيل بأن كل الخيارات مفتوحة
في التعامل مع إيران، بما فيها العسكري، وأجواء التهديد
والحرب التي تخيم
على المنطقة، إلا أن عدداً من الاعتبارات ترتقي لأن تسمى
"إشكاليات وعقبات
" تحيط بهذا التوجه، من أهمها:


1.


2. تعقيد الموقف الأميركي،
واستنزاف الجيش في أفغانستان والعراق، إضافة إلى ما قد
يثيره أي تحرك عسكري إسرائيلي لحفيظة الدول والشعوب العربية
والإسلامية ضد
تل أبيب وواشنطن، كما سيمنح طهران فرصة جديدة على الصعيدين
السياسي
والأيديولوجي
لكسب الرأي العام
.


3. التسبب
بموقف روسي مناهض للضربة، ما قد يسهم في إفشال الجهود
الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، والتي
تريدها
الولايات
المتحدة أكثر صرامة
.


4. يختتم
الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" عامه الأول في البيت
الأبيض، وهو يبدو من
الناحية العملية كـ"بطة عرجاء"، لن يكون باستطاعته
اتخاذ مواقف وقرارات لها تبعات إستراتيجية بعيدة المدى،
فضلاً عن أن اسم
"إيران" بحد ذاته، عالق في الذاكرة
الأمريكية، بإخفاقات كبيرة، ويكفي
التذكير بالمحاولة الفاشلة لتحرير الرهائن الأميركيين،
وفضيحة "إيران غيت
"، وهي حوادث تضع
"حواجز نفسية" أمام المستوى السياسي الأميركي للوصول إلى
مرحلة العملية العسكرية.


5. إمكانية
نجاح العملية العسكرية تشوبها الكثير من الشكوك، لأنها
ستقع وإيران لديها
المعلومات والتقديرات بقربها، ومن المتوقع أن تتخذ
أجهزتها الأمنية خطوات لإحباط أي هجوم مكثف وفاعل ضد منشآتها
النووية،
وبالتالي
فمن الصعب تقدير طبيعة الأهداف والنتائج الناجمة عن هذه الضربة،
على الأقل في ضوء هذا
الاستعداد الكبير الذي تبديه
.


6. امتلاك
إيران لقدرات عسكرية مادية وبشرية كبيرة، ولها النفوذ
والقدرة على تحريك أكثر من ساحة، فقد توجه ضرباتها للقوات
الأمريكية
المتواجدة
في الخليج ودوله عبر منظومتها الصاروخية، ولها القدرة على تجييش
الجمهور
"الشيعي" في العراق ضد القوات الأميركية التي تعاني أصلاً من
المقاومة السنية، ولها
النفوذ والتأثير على حزب الله، الذي لا يخفي قدرته
على استهداف إسرائيل، ما سيؤدي لإشعال المنطقة.


وفي محاضرة أحيطت
بأجواء من التكتم والسرية، أبدى الجنرال احتياط "غيورا
آيلاند" -رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق،
وأحد أهم واضعي
الإستراتيجية الإسرائيلية الحالية- عدم حماسه تجاه الخيار
العسكري، بسبب
المحاذير التي يطرحها، ومنها:


  • لن تستطيع إسرائيل تجاهل انتقادات
    حلفائها، واتهامها بالدولة الهوجاء
    المتسرعة، تهدد الاستقرار الإقليمي، وتزعزع
    ركائز الاقتصاد الدولي وسط
    الأزمة المالية الخانقة، لتصبح منعزلة،
    إضافة للعزلة الحالية القائمة،
    وسيتدهور اقتصاد دول عديدة بسبب ما سيسمى
    لاحقاً "المغامرة الإسرائيلية
    ".
  • رغم تنامي فرص الخيار العسكري في
    حال عدم تمكن واشنطن من بلورة
    الائتلاف الدولي المعادي لطهران لتنفيذ العقوبات
    بشكل حازم، أو ألا يظهر
    الواقع الدولي نية للقيام بعمل بسبب مقولة
    "كل لنفسه"، هنا بالذات لن تكون
    الكثير من الخيارات أمام تل أبيب، وستعتمد
    الخيار العسكري لانحسار الحيز
    السياسي.



وينصح صناع
الإستراتيجيات في إسرائيل دوائر القرار في مكتبي رئيس
الحكومة ووزير الدفاع في تل أبيب بالإجابة عن جملة من
الأسئلة "الملغومة
" قبل إعطاء الضوء الأخضر لطياري سلاح الجو بضرب
المنشآت النووية الإيرانية،
والأسئلة في هذا المجال كثيرة ومتنوعة.


ولئن استحضرت المؤسسة
العسكرية عدداً من السيناريوهات المتمثلة بـ
: ضربات جوية، عمليات كوماندوز، زعزعة الاستقرار الأمني بطريقة
ما، فإن
التعقيدات
ستكون في مرحلة ما بعد انطلاق الشرارة، وأن أي حرب مقبلة لن تكون
سريعة، بل ستمتد لفترة
طويلة، وستترك تداعياتها الدراماتيكية على المنطقة
.


إن ما تقدم من إشكالات
حاضرة في التفكير الإستراتيجي الإسرائيلي، مما
يجعل من إمكانيات القيام بالضربة العسكرية محدوداً، وربما
يقتصر على
التلويح به
دون تنفيذه، ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن تلك الإشكاليات،
لا تنفي كلياً أو
قطعياً إمكانية القيام بتوجيه الضربة المحدودة للمنشآت
النووية، وتحمّل العواقب بحدّها الأدنى.


الحرب
الثنائية



رغم كلفة هذا الخيار،
وصعوبة تحمل إسرائيل لتبعاته، إلا أن هناك استعداد له في
أروقة الجيش وأجهزة الأمن، وجد ترجمته في دراسة "حرب
مثلثة الجسور
" الصادرة عن وزارة الدفاع في تل أبيب.


ويستهدف هذا السيناريو
تدمير مواقع حزب الله أولاً بأول ثم احتلالها
وهضمها، وتصحيح الأخطاء المميتة الناجمة عن شح تدريبات
القوات الإسرائيلية
المهاجمة وقلة خبرتها القتالية، خاصة في صفوف الاحتياط.
وقدّرت مدة
"الانتهاء من الحرب اللبنانية الجديدة بستة
أسابيع" تبقى فيها القوات
الإسرائيلية في الأماكن التي احتلتها، والممتدة على طول
الحدود اللبنانية
الشرقية مع سوريا، متوقّعة أن تكون "المرحلة الثانية هي
الحرب الجوية على
إيران، في حال اضطرت تل أبيب لخوضها منفردة لإزالة الخطر
النووي، إذ سيتمكن
سلاحا الجو والصواريخ الإيرانيان من تدمير واسع للمدن
الإسرائيلية قبل
القضاء عليهما، إذا ما تدخل الجيش الأمريكي متأخراً".


وبناء عليه، يمكن إعداد
سيناريوهات للحرب المقبلة بنظر العديد من
المراقبين الواقعة حتماً، ومنها:


1. حرب
ضد إيران، تمهد إسرائيل لها عبر القيام بضربة جوية تستهدف بعض
المنشآت، ما سيدفع
الأولى للرد بحيث ستتساقط صواريخها البعيدة المدى على تل
أبيب، والقواعد الأميركية في بعض الدول العربية، وسيكون
جنودها هدفاً
يومياً للقوى العراقية المتحالفة مع طهران.


2. وخطورة
هذه
الحرب تكمن في استحالة معرفة التداعيات التي ستأتي بها وحجم الرد الإيراني، فضلا عن
المدى والوقت الذي قد تأخذه الحرب وتصبح المنطقة أسيرة
حرب استنزاف تستمر لسنوات، وستزعزع أمنها. كما تخاف إسرائيل
من أن تكون هذه
الضربة أشبه بسياسة "جز العشب" الذي يعود لينبت
مرة أخرى، حيث تقوم إيران
بعدها بإعادة البرنامج النووي مرة أخرى، مع أخذ المزيد من
الاحتياطات
لحمايته من أي ضربة أخرى محتملة.


3. عدم
توجيه ضربة مباشرة ضد إيران، بل استئصال أطرافها الإقليميين
وحزب الله تحديداً، بعد
أن بات عبئاً ثقيلاً على إسرائيل، ولهذا يجب ضربه
وتجريده بالكامل من سلاحه. وأهم مخاطر هذا السيناريو، إمكانية اختلاط الأوراق في سياق هذه الحرب حيث قد يصعب معرفة
مساراتها
وتأثيراتها
ومدة استمرارها
.


وربما يبدو مشروعاً
الحديث عن تقدير الأضرار التي قد تنجم عن "رد فعل
إيراني صاروخي تقليدي، برؤوس حربية عادية، ما بين 10-20% في
المرافق
الحيوية
كالمصانع والمطارات والمرافئ والمؤسسات العسكرية والاقتصادية،
وصولاً إلى 50% في صفوف
السكان والمزروعات ومخازن التموين هذا في حال حملت
"حشوات" كيماوية ، وستكون الخسائر بين
800-1500 قتيلاً، و4-7 آلاف مصاباً
".


وفي الوقت الذي ستتمكن
فيه المقاتلات الجوية والصواريخ الإسرائيلية من
تدمير 40-50% من المفاعلات النووية ومواقع التخصيب ومستودعات
تخزين
الصواريخ
ومواقع إطلاقها خلال 4-5 أيام، فإن إيران ستستمر بإطلاق الصواريخ
بمعدل 20-30 صاروخاً
بعيد المدى يومياً، ما سيبرّر عندئذ دخول الولايات
المتحدة المعركة بشكل حاسم(3).


وفي ضوء هذا السيناريو
"الكابوس" تستبعد الأوساط الإسرائيلية الإقدام
على "فتح جبهتي حرب ضد حزب الله وإيران في وقت واحد كما
كان مخططاً
أحياناً، وأن المعركة مع لبنان ستكون منفردة، ولكن شديدة
القسوة والتدمير،
استعداداً "للحرب الأم" مع إيران.


معضلة
حزب الله



فجأةً، من دون سابق
إنذار، انشغل الجميع بالحديث عن الربيع الساخن
المقبل على لبنان، ولا يكاد يخلو لقاء سياسي أو محادثة
دبلوماسية من السؤال
عن جدية احتمال الحرب الإسرائيلية خلال الأشهر المقبلة، وكان
آخرها
تصريحات
الوزير الليكودي "يوسي بيليد"، قائد المنطقة الشمالية السابق
.


وهو ما دفع بالمحللين
السياسيين وخبراء شؤون الشرق الأوسط في مختلف
مراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية للإجابة عن السؤال
التالي
: "هل ستندلع حرب مع حزب الله
مرة أخرى؟
"


وعلى خلفية الإجابة
تنقسم وجهات النظر إلى ثلاثة: الأولى تقول "نعم
"، والثانية تقول
"لا"، والثالثة تراهن على استمرار السيناريو الحالي، فيما
تطرح المعطيات الجارية
ذلك السؤال
: إلى أين؟


وأياً كان ترجيح كفة
الإجابة، فإن هناك إجماعاً في الأوساط السياسية
والعسكرية والأمنية الإسرائيلية على أن وجود الحزب يشكل
خطراً كبيراً
مهدداً للأمن الإسرائيلي، مع الانقسام حول كيفية التعامل معه:


1. الاتجاه الأول: يرى بضرورة
اللجوء للخيار العسكري باعتباره الوسيلة
الناجعة في القضاء على المخاطر، لكن تنفيذ هذا الخيار يصطدم
بالعديد من
العقبات ومنها:


o
الخسائر الكبيرة بسبب امتلاك الحزب قدرات
عسكرية تستهدف العمق
الإسرائيلي.


o
الدخول في مواجهة مع الرأي العام الدولي
الذي أصبح أكثر رفضاً
لعمليات إسرائيل العسكرية.


o
احتمالات إضعاف حلفاء واشنطن في لبنان.


2. الاتجاه
الثاني
: يرجح اللجوء للخيار
السياسي
الدبلوماسي
كونه الوسيلة المناسبة حالياً، عبر استخدام المؤسسات الدولية
وتوظيفها في الحملة ضد الحزب، ودعم وتعزيز قدرة حلفاء أمريكا
اللبنانيين،
وهم الأكثر فعالية في إضعاف وزن حزب الله السياسي. لكن هذا
الخيار يصطدم
بالعديد من العقبات كعدم توفر المبررات والذرائع المقنعة
لدفع المؤسسات
الدولية باتجاه تشديد الضغوط على الحزب، لأن الوضع السياسي
اللبناني يقوم
على أساس خطوط طائفية تجعل من الصعب القضاء على شعبيته في
أوساط سكان
الجنوب.


3. الاتجاه
الثالث
: يفضل استخدام معطيات
"إدارة
الأزمة"، بحيث يتم استخدام التهديد السياسي والعسكري
كوسائل ضغط خارجية، مع
ضرورة العمل على عزل الحزب عن حلفائه الخارجيين، واستخدام
التفاهمات
الدولية
والإقليمية لحصر نمو قدراته ضمن أدنى حد ممكن
.


نلاحظ هنا أن هذه
الاتجاهات الإدراكية الثلاثة ما تزال تتميز بحركية
الصعود والهبوط وفقاً لأداء ماكينة المؤسسة الإسرائيلية
ومحتوى التصريحات
السياسية، وبكلمات أخرى كلما ركز الإعلام الإسرائيلي على خطر
حزب الله كلما
كان الرأي العام فيه أكثر تأييداً للعمل العسكري.


لكن الإشكالية في
إسرائيل تتمثل في ماهية سعيها لتحقيق أهدافها في
القضاء على خطر حزب الله، ولكن كيف ومتى وبأي وسيلة وما هي
احتمالات ذلك،
وما هي الأضرار التي ستتعرض لها، وهل بالإمكان تفاديها في ظل
الترتيبات
الدفاعية
الإسرائيلية التي ثبت عملياً عدم تمتعها بالمصداقية الكاملة
.


علماً بأنه يمكن تصنيف
معطيات الإدراك الإسرائيلي لحزب الله على أساس
نوعين من الاعتبارات:


1. عوامل
الضعف
: يقول الإسرائيليون أن الحزب عانى منذ 2006 من تراجع قدراته في:


o
عدم القدرة على حشد قدراته العسكرية
بجانب الحدود الإسرائيلية،
وتمركزها شمال الليطاني.


o
فقدانه لقائده العسكري عماد مغنية دون
الثأر لمقتله حتى كتابة هذه
السطور.


o
على الصعيد السياسي تمت هزيمته في
الانتخابات النيابية الأخيرة
.


2. عوامل
القوة
: مصادر قوة الحزب ما
تزال فاعلة
بنظر الإسرائيليين، ومن أبرزها:


o
الدعم الإيراني والسوري له، وتأييد سكان
الجنوب اللبناني
.


o
امتلاكه تنظيماً عسكرياً شديد التماسك
يتميز بالقدرة القتالية
ومعرفة الأرض والسيطرة عليها.


وقبل ذلك وبعده، فإن
رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" يرى أن إشعال الحرب
ضد حزب الله سيتيح له
تحقيق المزيد من المنافع والمزايا السياسية
والإستراتيجية في المنطقة، خصوصاً في ضوء ما يمثله الحزب من
تحدي أمني
إستراتيجي،
مؤلف من أربعة أضلاع وفقاً لتوصيف الجنرال احتياط " يعقوب
عميدرور" الرئيس
السابق لشعبة الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية، والتي
يقع حزب الله في صلبها(4).


عموماً، يقول العالمون
ببواطن الأمور في المنطقة أن الحزب لن يكون الطرف
البادئ بالحرب، بل إسرائيل، والذريعة الأكثر احتمالاً أن
تسعى للقيام
بـ"تركيب" المبررات كإجراء التفجيرات، والقيام
بالاغتيالات، واستخدام
"الأطراف الثالثة" سوريا وحماس وحزب الله
كمتهمين لإطلاق الصواريخ ضدها،
بما يكون كافياً لظهور الإسرائيليين بدور الضحية، وحزب الله
بدور الجلاد،
الذي لم يترك أمامهم خياراً سوى الرد العسكري دفاعاً عن
النفس
.


ولئن كانت المعطيات
الميدانية تشير إلى أن الجبهة اللبنانية هادئة في
المدى الإسرائيلي المنظور، فإن هناك احتمالات لا تلغيها تل
أبيب من
فرضياتها
الأمنية الاستخبارية يتم ترتيبها وفقاً لما أوضحته مصادر
دبلوماسية أوروبية وثيقة الإطلاع، حول حتمية الحرب مع حزب
الله، نتيجة
عوامل أساسية:


1. حزب الله لم ينس الانتقام
لاغتيال قائده العسكري عماد مغنية، وهناك إنذارات
ساخنة تشير إلى أنه بصدد الثأر في أي فرصة سانحة.


2. تعتقد
بعض المستويات البحثية والدراسية في تل أبيب أن إيران قد
تلجأ
لـ"مشاغلة" إسرائيل المتربصة بها، عبر الإيعاز للحزب بالتحرش بجيشها
على الحدود الشمالية.


3. الكشف
عن شبكات تجسس في لبنان لم ينته بعد، وإبداء الأوساط
السياسية في بيروت وتل أبيب، أن الهدف منها تجميع "بنك
معلومات" جديد خاصة
أساسا بالحزب، تحضيراً للحرب الثالثة.


4. خضوعه
لتعليمات القيادة الإيرانية، وتضامنه معها، ما يشكل تهديداً
أمنياً بالغ الخطورة،
وأي مواجهة عسكرية مع إيران سيكون الحزب طرفا
أساسياً فيها.


5. امتلاكه
ترسانة كبيرة من الأسلحة، غير خاضعة للدولة اللبنانية،
وعدم تردده في
استخدامها ضد إسرائيل، إذا ما اقتضت مصالح المحور الإيراني
السوري ذلك، وفق التصور الإسرائيلي.


كما تعتقد تل أبيب أن
الوصفة المثلى لعودة مأمولة لعلاقات دافئة مع
واشنطن تتمثل بـ"افتعال" حرب جديدة، سواء مسقوفة
ومحددة زماناً ومكاناً، أو
مفتوحة دون جدول زمني، خصوصاً بعدما غادر "أوباما"
سريعاً الموقع الملتبس
وإعلانه السير على خطى سلفه "بوش"، وهو ما قد يبرر
تسارع وتيرة أنباء
التصعيد العسكري الإسرائيلي شمالاً، وتزاحم أنباء الحشود
العسكرية،
والتصعيد
اللفظي الإسرائيلي، وارتفاع نبرة التهديدات بحرب جديدة
.


وقد ارتفعت وتيرة القلق
الإسرائيلية مؤخراً في ضوء ما كشفت عنه مجلة
"جينز" البريطانية، المتخصصة في شؤون الدفاع
والتسلح، حول تصويب حزب الله
نحو كل مدينة إسرائيلية أكثر من مائتي صاروخ ذات قدرات
تدميرية هائلة،
ونشره صواريخ أرض- أرض متطورة من نوع M600 على الأراضي اللبنانية، تصل لمناطق واسعة في
إسرائيل، قادرة على الإصابة الدقيقة للأهداف وإحداث دمار
كبير، لأن الرأس الحربي يزن 500 كجم.


ووفقاً لما يسرب بين
الحين والآخر في المحافل البحثية، فإن أي حرب مقبلة
مع الحزب ستختلف جذرياً عن الحروب السابقة، مشددة على عدم
خوض حرب استنزاف
طويلة تتعرض خلالها، وطوال أسابيع، المدن والمنشآت
الإسرائيلية لآلاف
الصواريخ والقذائف، بل إن أي حرب جديدة ستكون كاسحة ومدمرة
للغاية، تشمل
غارات جوية وضربات صاروخية وقصفا بحرياً وهجمات برية مركزة
على جبهات عدة،
ولعل الحرب الأخيرة على غزة صورة مصغرة عما يمكن أن يتعرض له
لبنان
.


ولعل شكل الحرب المقبلة
شغل جملة من الجنرالات الكبار في إسرائيل، وعلى
رأسهم "غيورا آيلاند" رئيس مجلس الأمن القومي
السابق، و"يوسي كوبرفاسر
" الرئيس السابق لشعبة الأبحاث في جهاز
الاستخبارات العسكرية "أمان"، اللذان
أدارا نقاشاً حول فرضيتين تناولتا الإجابة عن طبيعة وشكل حرب
لبنان الثالثة
(5).


وأجمعا على أن نتائج
الحرب القادمة لن تكون بالضرورة أفضل من سابقتها،
ما يجعلهما يجمعان ومعهما جملة من الباحثين المرموقين مثل:
"أفراييم عنبار،
عمانوئيل سيكيل، مردخاي كيدار، ايتان جلبواع" على أن
إسرائيل فشلت خلال
الحرب الثانية 2006، وربما يتكرر ذات الفشل في الحرب
الثالثة، لأنها قاتلت
العدو غير الصحيح، وحاربت حزب الله، بدلا من محاربة لبنان
الدولة
.


بمعنى أكثر وضوحاً، فهم
يشيرون إلى أن الزمن الذي كان يقضي فيه سكان
بيروت، أوقاتاً ممتعة على شاطئ البحر، والذهاب للمقاهي خلال
أيام وليالي
الحرب، في حين يقضي سكان مدينة حيفا لياليهم في الملاجئ، لن
يعود أبداً،
وهذه رسالة الحرب اللبنانية الإسرائيلية الثالثة.


الضوء
الأصفر الأميركي



من المحتم أن تجلب
العملية العسكرية الإسرائيلية المفترضة رداً
إيرانياً، سيبدو صعباً تقدير حجمه وحدته، وفي حال جاء
كبيراً، وأسفر عن
خسائر إسرائيلية كبيرة، فمن المؤكد أن يستجلب تدخلاً
أمريكياً، سيوسع مدى
الحرب القائمة، وهناك شك كبير فيما إذا كان
"أوباما"، سيوافق على الخروج
لعملية عسكرية قد تؤدي إلى تورط أمريكي إضافي، بعد التورط
الصعب الذي يعاني
منه في أفغانستان وباكستان والعراق.


  • فالولايات المتحدة تأخذ بالحسبان إمكانية أن تسفر
    تغطيتها للعملية العسكرية
    الإسرائيلية ضد إيران إلى فتح حساب دموي
    طويل المدى مع العالم الإسلامي
    كله، حتى من أولئك الذين لا يؤيدون إيران،
    لأنهم سيعتبرونها هجوماً غربياً
    على دولة إسلامية، ومن الصعب توقع نتائج
    هذا الحساب وآثاره المترتبة
    .
  • من شأن هذه العملية أن تحدث ارتفاعاً
    جنونياً في أسعار النفط
    العالمية، التي وصلت مستويات عليا غير
    مسبوقة، وتتسبب بأضرار كبيرة
    للاقتصاد العالمي، وقد تحدث انهياراً
    كارثياً لاقتصادات دول عديدة
    .
  • نشرت تسريبات صحفية حول مفاوضات غير مباشرة
    بين مسئولين أمريكيين
    ونظرائهم الإيرانيين، ما يدفع للقول أن
    واشنطن لن تتخذ قراراً بتنفيذ عملية
    عسكرية ضد طهران، قبل أن يثبت بالدليل
    القاطع أن كل الجهود والمحاولات لم
    تؤد في النهاية إلى وقف مشروعها النووي،
    ووصلت إلى طريق فاشل
    .
  • إن مراقبة التحولات في موقف
    الولايات المتحدة يشير إلى حرصها على
    الحل السياسي والدبلوماسي مع إيران،
    لاعتبارات إستراتيجية تتعلق بحاجتها
    لها في العراق من جهة، وتخوفها من دورها في
    إثارة الأزمات في المنطقة من
    جهة ثانية، وجاءت تصريحات الأميرال
    "مايك مولن" رئيس هيئة الأركان
    الأميركية المشتركة ليعزز هذا التوجه، حين
    قال أن توجيه ضربة عسكرية إلى
    إيران قد "يزعزع الاستقرار" في
    المنطقة، مؤكداً على أهمية الحل الدبلوماسي،
    وتأكيد وزير الدفاع "روبرت غيتس"
    أن العمل العسكري سيؤخر فقط التقدم
    النووي الإيراني بصورة مؤقتة.



هذه
"الكوابح" الأمريكية دفعت بالبروفيسور "شالوم زكاي" الخبير
الإسرائيلي الأكثر
تخصصاً في الشؤون العربية والشرق أوسطية لطرح أسئلة برسم
الإجابة مثل: هل ستوجه ضربة عسكرية إسرائيلية انفرادية
لإيران؟ وهل سيتم
الإيعاز للجيش الإسرائيلي لتنفيذها، وإذا تبين أن الإدارة
الأمريكية لن
تتخذ هذا القرار؟ وحينها ستكون في مواجهة أصعب القرارات
القاسية في تاريخها
(6).


هنا، قد لا تجد إسرائيل
نفسها ملزمة بالإجابة عن تلك الأسئلة، فضلاً عن
طرحها أصلاً، في ضوء تصريحات نائب الرئيس "جو
بايدن"، التي أكدت أنها لا
تلغي بتاتاً إمكانية غض طرفها عن لجوء تل أبيب للخيار
العسكري، إن لم تنجح
الخيارات الأخرى، فيما أكد الجنرال "ديفيد
بترايوس" قائد القيادة الأميركية
الوسطى، أن واشنطن وضعت خطة لضرب المنشآت النووية الإيرانية،
في أول تصريح
محدد وواضح لمسئول أميركي عن استعمال القوة في هذا النزاع.


ولعل أبلغ عبارة قيلت
في الموقف الأمريكي من الضربة العسكرية
الإسرائيلية المتوقعة ضد إيران، ما ذكره "ستيفن
سيمون" من "مركز الإجراءات
الوقائية" التابع لـ"مجلس العلاقات الخارجية"
في دراسة المعنونة بـ"ضربة
إسرائيلية محتملة لإيران"، حين قال: "إذا ظلت
واشنطن متمسكة بموقفها الرافض
لتوجيه الضربة، فإن تل أبيب تعتقد أن البيت الأبيض لابد وأن
يعطيها "الضوء
الأصفر" على الأقل، سواء توصل لاتفاق مع إيران، أو
استنفذ الوسائل
الدبلوماسية ولم يتوصل إلى حل" (7).


وربما ما يجعل إسرائيل
تنأى بنفسها عن عملية انفرادية ضد إيران، أن
الأخيرة تمتلك عدداً من الردود المتوقعة إذا ما هوجمت،
وتحديداً الإطلاق
المكثف لصواريخ "شهاب"، التي تغطي مداها كامل
الأراضي الإسرائيلية،
واستخدامها ضد مناطق ومدن سكانية كبيرة، وإمكانية اللجوء
لاستهداف مفاعل
"ديمونا"، إلى جانب تفعيل حلفائها في
المنطقة، حزب الله في لبنان، وحماس في
غزة، وفقاً لتقديرات الباحث العسكري "داني شوهام"
في مجلة "نتيف" الصادرة
عن الجيش الإسرائيلي.





الحرب
الخفية



تساؤلات عديدة طرحتها عمليات
الاغتيال والاختفاء الأخيرة التي استهدفت بعض العلماء
والفنيين الإيرانيين ممن لهم صلة بالبرنامج النووي، تشير
العديد من
الشواهد
والمعطيات إلى "الأصابع" الإسرائيلية والأمريكية، ما قد يفسر لجوء
إسرائيل إلى إستراتيجية
استنزاف إيران تدريجياً من الداخل، من خلال تفريغها
من الكوادر البشرية المتخصصة في التكنولوجيا النووية من
علماء وفنيين، عبر
التصفية الجسدية، الاختطاف، والتهجير، وهو ما أسمته
الـ"ديلي تلغراف
" البريطانية بـ"الحرب الخفية"،
و"صيد الرؤوس"، وتبدو تكاليفه أقل، وعوائده
أضخم، وإن كانت أبطأ، ولا يبدو أن طهران وجدت طريقاً لصده
حتى الآن
.


علماً بأن ما ورد من
صعوبات، "ألجمت" رغبة تل أبيب مؤقتاً في الإقدام
على الخيار العسكري ضد إيران، وأجبرتها على البحث عن
إستراتيجيات بديلة،
فإن هناك سيناريوهات لها "إرهاصات" ميدانية، أهمها:


1. المضي
قدماً في مسلسل اختطاف واغتيال العلماء والخبراء الإيرانيين
.


2. افتعال
واستثمار أي مناوشات داخلية، لاسيما العرقية، والعمل على
توظيفها من الزاوية
الأمنية
.


3. رفع
وتيرة الماكينة الإعلامية نحو "تضخيم" التهديد الإيراني،
لاستجلاب التعاطف
الغربي
.


4. ممارسة
المزيد من الضغوط على الاتحاد الأوروبي والبيت الأبيض
للإبقاء على تصدر المسألة الإيرانية لأجندتها، وتخفيف الضغط
عن تل أبيب
للعودة إلى مسار المفاوضات مع الفلسطينيين.


أما بالنسبة للبنان،
وإن كان الوضع يختلف بصورة كبيرة، كمية ونوعية، عن
الوضع في إيران، فإن معالم الإستراتيجية الإسرائيلية تتضح في
الجوانب
التالية:


  • التأهب في أقصى درجاته لأي مواجهة
    محتملة مع حزب الله، وتفعيل شبكات
    التجسس واختراق الجبهة الداخلية، والتحليق
    المكثف لسلاح الجو، لتحضير "بنك
    أهداف" جاهز عند انطلاق صافرة الحرب،
    وعدم التردد لحظة واحدة عن النيل من
    رأس "ثقيل العيار" إذا ما لاح
    لها
    .
  • إرسال رسائل دبلوماسية وميدانية
    للجهات التي تزور لبنان مفادها
    التحذير من أن الضربة الإسرائيلية القادمة
    ستكون فتاكة ومدمرة، وهي تحمل
    وظيفة نفسية معنوية بالدرجة الأولى.
  • استغلال بعض المناوشات التي
    عاشتها الأجواء اللبنانية مع بعض
    الفصائل الفلسطينية حول ما بات يعرف
    بـ"أزمة السلاح الفلسطيني"، وإمكانية
    العودة بالساحة الداخلية إلى ظروف التوتير.
  • ما تقدم لا يلغي بتاتاً إمكانية
    اندلاع حرب ما، يهرب طرفاها الآن
    على الأقل من استحقاقاتها، ربما لأسباب
    لبنانية أو إسرائيلية، وربما
    إقليمية.



الخلاصة أن هذه السنة
2010 ستكون الفترة التي يحاول فيها الإسرائيليون
افتعال أزمة، ويسعى الأمريكيون لتلافيها، فيما يبني
الإيرانيون استعداداتهم
لمواجهتها، وتتلاعب فيها باقي الأطراف المستفيدة لضمان عدم
التوصل سريعاً
إلى قرار ينهيها.


_______________



عدنان أبو عامر: باحث فلسطيني


الهوامش


(1) صحيفة المنار المقدسية، 12
يناير/كانون الثاني 2010، للاطلاع
.
(2) الموقع الاستخباري الإسرائيلي "تيك ديبكا" أورد هذا
التصريح، وسرب معلومات إضافية
عن مداولات جرت مؤخراً بين نخبة من المسئولين الإسرائيليين
والأمريكيين حول
ما أسماه "مهلة" إسرائيلية للولايات المتحدة حتى
حزيران القادم لاستنفاذ
الجهود الدبلوماسية مع إيران، لمتابعة النص الكامل للتقرير.


(3) التقرير الإستراتيجي الإسرائيلي، عوديد عيران، معهد أبحاث الأمن
القومي، جامعة تل
أبيب، مايو 2009، ص65، وهو المركز الأكثر أهمية في إسرائيل،
كون العاملين
فيه من المقربين جداً من صناع القرار، ومعظمهم من الجنرالات
المتقاعدين،
وبالتالي يمتلكون نظرة ثاقبة تجاه الاستراتيجيات الإسرائيلية
المتوقعة
.


(4) نظرية الأضلاع الأربعة، شائعة في الأوساط الاستخبارية
الإسرائيلية منذ أكثر من عقد من الزمن، ومع بداية كل
عام تصدر المؤسسة الأمنية تقديراتها السنوية بشأن التهديدات
المحدقة
بإسرائيل
بادئة بالأضلاع المعادية الأربع وهي: إيران-سوريا-حزب الله-حماس،
ولئن أضيف لها في
العامين الأخيرين ضلع خامس يتمثل بالقاعدة ومنظماتها
التابعة لها.
(5) المرجع السابق، ص18.


(6) تحليل منشور في أكتوبر /تشرين الأول 2008، حول انتشار بعض التقديرات عن مواجهة
محتملة مع حزب
الله، وتبدو الظروف اليوم متشابهة إلى حد كبير مع ما عالجه
التحليل قبل عام
ونصف، ولقراءة التحليل.


(7) تكتسب هذه الدراسة أهميتها من كون المركز الذي أصدرها يهتم بدراسة
النزاعات العنيفة، خاصة التي تدور في دول ذات
تأثير حيوي على مصالح الولايات المتحدة، ويقوم بها من خلال
نخبة من
الدارسين
المتخصصين في هذا الشأن من نواب ومندوبي الحكومات والمنظمات
الحكومية وغير الحكومية، وبإشراك منظمات المجتمع المدني
المعنية، ولقراءة
نصها الكامل.










المصدر: مركز
الجزيرة
للدراسات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المراسل
عضو مجتهد
عضو مجتهد



عدد المساهمات : 286
تاريخ التسجيل : 20/11/2010

مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقالات و أراء مهمة*** الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات***   مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** I_icon_minitimeالجمعة يناير 21, 2011 8:08 pm

المحكمة
الدولية ولبنان: صراع الأجندات بين الداخل والخارج



بعد نحو أربع سنوات على
التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق
رفيق الحريري في شباط/ فبراير 2005 أعلن في الأول من
آذار/مارس 2009 عن
بداية عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. هذه المحكمة ستبدأ
عملها قبل أن
تتمكن لجنة التحقيق الدولية التي تشكلت قبل أربع سنوات من
تحديد المجرمين
الذي ستسوقهم إلى قفص الاتهام في لاهاي.


تحولت هذه المحكمة منذ قرار
مجلس الأمن بإنشائها إلى قضية خلافية في لبنان بين
الفريقين السياسيين الأساسيين الثامن من آذار والرابع عشر منه.
وستتحول هذه
المحكمة طوال عام 2010، بعد تسريبات كثيرة عن قرارها الظني
باتهام "أفراد
من حزب الله"، إلى القضية الرئيسة التي ستشغل الأوساط
السياسية والقضائية
ليس في لبنان فحسب بل في الدوائر الإقليمية والدولية التي
اعتبرت نفسها
معنية بأهداف هذه المحكمة، وبمصير المتهم المفترض فيها. هكذا
تصدر من لبنان
ومن دول عدة مواقف متباينة من هذه المحكمة ومن اتهامها
المتوقع إلى "أفراد
من حزب الله". وتلخصت تلك المواقف في اتجاهين: الأول يدافع عن المحكمة وعن
استقلاليتها، ويعتبرها وسيلة لتحقيق العدالة وكشف
المجرمين ومنع استمرار القتل والاغتيالات في لبنان، والثاني يشكك في نزاهة المحكمة
ويتهمها بالتسييس والخضوع للرغبات الدولية،
واعتبارها أداة للنيل من المقاومة ومن حزب الله في لبنان بعد
فشل النيل
منهما في
حرب تموز/يوليو 2006
.


سوريا:
اتهام وتجريم ثم تبرئة واعتذار



ترافق عمل لجنة التحقيق
الدولية برئاسة ديتليف ميليس عام 2005 مع اتهام
سوريا بجريمة اغتيال الرئيس الحريري. وساهم في هذا الاتهام
بيئة سياسية
وإعلامية داخلية لبنانية ودولية (فرنسية وأميركية) مناهضة
لسوريا
(1)، ولكن من دون أي قرائن "صلبة" على هذا الاتهام الذي تحول إلى قوة ضغط عبر
تظاهرات شعبية تطالب سوريا
بالخروج من لبنان. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تم اعتقال
أربعة جنرالات
كبار مقربين من رئيس الجمهورية إميل لحود، وهم لا يزالون في
مواقعهم
الأمنية
(مدير عام قوى الأمن الداخلي، ومدير عام الأمن العام، وقائد الحرس
الجمهوري، ومدير
الاستخبارات في الجيش) بتهمة التورط في هذه الجريمة (وفقا
لإدعاء بعض الشهود أمام لجنة التحقيق )، وباعتبارهم رأس ما
أطلق عليه
المعارضون
لسوريا "النظام الأمني اللبناني-السوري المشترك" الذي ينبغي
تفكيكه والتخلص منه.


خرجت القوات السورية من
لبنان بعد نحو شهرين فقط على جريمة الاغتيال
وعلى التظاهرات اليومية المعادية لها، لكن تهمة الاغتيال
و"عدم التعاون مع
لجنة التحقيق" ظلت تلاحقها وتلاحق بعض المسؤولين
الأمنيين والعسكريين فيها،
واستمر الأمر على هذه التهمة طوال السنوات الأربع على
تشكيل لجنة التحقيق
. وكانت قوى الرابع عشر من آذار، وفي مقدمتها تيار المستقبل،
تتصرف على أساس
أن سوريا هي المرتكب الفعلي وليس المتهم فقط بهذه
الجريمة. لذا قامت هذه
القوى بحملة تعبئة سياسية وإعلامية قوية معادية لسوريا
ترافقت مع دعوات إلى
ترسيم الحدود بين البلدين والى إعادة النظر في كل الاتفاقيات
الموقعة
بينهما،
وتحولت كل تظاهرات هذا الفريق السياسي إلى مناسبات للهجوم على
سوريا وعلى رئيسها بشار
الأسد
.


تزامنت الاتهامات
اللبنانية لسوريا مع ضغوط عربية ودولية في الاتجاه
نفسه، ومع انتقال نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام
إلى باريس
ليقود حملة
اتهام ضد النظام بارتكاب تلك الجريمة، في ما بدا وكأنه محاولة
لإحكام الطوق حول نظام
الأسد في دمشق
.


وفي 29 نيسان/ابريل عام
2009 ، تثير لجنة التحقيق الدولية عاصفة من
التساؤلات ومن الشكوك حول صدقية عملها وحول التهم التي
وجهتها، إذ سيطلق في
هذا اليوم سراح الضباط الأربعة الذين ظلوا رهن الاعتقال نحو
أربع سنوات من
دون أن توجه إليهم أي تهمة حقيقية، وستتراجع اللجنة بعد ذلك
عن اعتبار
سوريا
المتهم الرئيس في جريمة الاغتيال، ما يعني أن كل ما فعلته هذه اللجنة
طوال السنوات الماضية
لم يستند إلى ما يكفي من الأدلة لا لتوقيف الضباط
الأربعة، ولا لاتهام سوريا بارتكاب الجريمة. لذا باتت لجنة
التحقيق الدولية
بالنسبة إلى المعارضين لها أكثر قابلية للتشكيك في ما تقوم
به وفي نزاهة
التوقيفات التي عمدت إليها.


الحدث الآخر الذي لا
يقل أهمية عن إطلاق الضباط الأربعة "لعدم ثبوت
الدليل ضدهم" هو مصالحة رئيس الحكومة اللبنانية سعد
الحريري مع القيادة
السورية برعاية سعودية مباشرة. فقد تراجع التوتر
السوري-السعودي، وانكسر
جليد العلاقات الفرنسية السورية وعادت الولايات المتحدة
وأوروبا إلى الحوار
المباشر مع سوريا، لكن زيارة الرئيس الحريري إلى سوريا لن
تقتصر أهميتها
على مجرد استعادة الحوار المباشر بين الطرفين بعد قطيعة
السنوات الأربع
الماضية، بل سيحصل ما هو أهم من ذلك بكثير، إذ سيقر الرئيس
الحريري في
تصريح واضح ومقتضب في 6 أيلول /سبتمبر 2010 إلى جريدة الشرق
الأوسط
السعودية:
"بوجود شهود زور ضللوا التحقيق وأساءوا إلى العلاقات بين سوريا
ولبنان". وبعد هذا
التصريح ستتحول قضية شهود الزور إلى القضية الرئيسة في
لبنان التي ستتمسك بها المعارضة (الثامن من آذار) لمعرفة
ملابسات "من هم
هؤلاء الشهود؟ ومن فبركهم؟ ومن مولهم؟ ومن يحميهم؟ ولماذا
ضللوا التحقيق؟
"، في حين سترفض الموالاة
(الرابع عشر من آذار) الاعتراف بمثل تلك البساطة
بدور هؤلاء الشهود. وستقلل من أهميتهم (2)،
وستعتبر أن تحديد طبيعة التزوير
يعود إلى لجنة التحقيق الدولية، بعد صدور قرارها الاتهامي،
وليس قبل ذلك
.


إن اعتراف رئيس الحكومة
اللبنانية بوجود "شهود زور ضللوا التحقيق
" هو نقيض اتهام لجنة التحقيق الدولية، وفريق
رئيس الحكومة، طوال السنوات
الماضية لسوريا بجريمة الاغتيال، أي أن الاعتراف ببراءة
سوريا وبوجود شهود
زور، وبعد إطلاق سراح الضباط الأربعة، هو بالنسبة إلى المعارضة
تشكيك في
صدقية
التحقيق بعد التهم الظالمة والافتراءات على أبرياء
.


شهود
الزور بين سوريا وحزب الله



لم توقف المصالحة
اللبنانية السورية الخلاف السياسي والقضائي في لبنان حول
أهداف المحكمة الدولية وحول شرعيتها، فالاعتراف الرسمي بوجود
شهود زور أشعل
السجال بين القوى السياسية في لبنان حول كيفية التعامل مع
هذه المحكمة ومع
ما سيصدر عنها، وفتح باب الخلاف والتحريض السياسي
والإعلامي المتبادل على
مصراعيه، وبات شهود الزور هم القضية الرئيس طوال عام 2010.


وما سيزيد من تعقيدات
هذه القضية، التي ستتحول إلى أزمة ستمنع مجلس
الوزراء من الانعقاد لأسابيع، هو التلويح الواضح بتحول وجهة
الاتهام بجريمة
الاغتيال إلى حزب الله. فقد عاد التداول وبقوة في وسائل
الإعلام المحلية
والأجنبية إلى ما سبق ونشرته صحيفة دير شبيغل الألمانية في
23 أيار/ مايو
2009 عن ما اعتبرته "خلاصة جديدة تتجه إليها
التحقيقات مفادها أن السوريين
لم يخططوا ولم ينفذوا عملية الاغتيال، بل القوات الخاصة
التابعة لتنظيم حزب
الله الشيعي اللبناني"، ونقلت مضمون هذا التقرير
فضائيات وصحف عربية
وأجنبية عدة، ودخل لبنان في دوامة من الشائعات عن الموعد
المفترض لصدور
القرار الظني الذي سيوجه الاتهام إلى "أفراد من حزب
الله" بجريمة الاغتيال
.


تركز الخلاف بين القوى
السياسية اللبنانية (الثامن من آذار والرابع عشر
منه) حول قضيتي شهود الزور وحول القرار الظني المرتقب الذي
سيتهم "أفرادا
من حزب الله". فقد تمسك الطرف الأول بقضية شهود الزور
لمعرفة لماذا ضللوا
التحقيق، وجعل من هذه القضية أولوية على جدول أعمال أي جلسة
لمجلس الوزراء،
وطالب بإحالة هؤلاء الشهود إلى المجلس العدلي، ورفض هذا
الطرف في الوقت
نفسه القرار الظني المرتقب واعتبره قرارا "مسيسا"
استنادا إلى الأخطاء
السابقة التي وقعت فيها لجنة التحقيق الدولية، والى تراجعها
عن اتهام سوريا
وانتقالها إلى اتهام حزب الله، وكذلك إلى تصريحات ومواقف
شخصيات ومسؤولين
وصحافيين من دول عدة عربية وأجنبية تؤكد مضمون القرار الظني،
ما
يؤكد بالنسبة
إلى فريق الثامن من آذار الأغراض السياسية للمحكمة خلافا
"للسرية المفترضة في تحقيق من هذا النوع"،
وهذا "ينزع عن المحكمة نزاهتها
وعدالتها ويسمح بالتالي بعدم الركون إلى ما سيصدر عنها من
اتهام
".


رفض الطرف الثاني
(الرابع عشر من آذار) القبول بإدانة شهود الزور، ورفض
اعتبارهم "تضليلا" للتحقيق، ولم يقبل بربط عمل
المحكمة أو صدور القرار
الظني بنتيجة محاكمتهم. واجتهد بعض أطراف هذا الفريق حول
معنى شهادة الزور
. كما اجتهد آخرون حول توقيت محاكمة هؤلاء الشهود لدى القضاء
اللبناني وحتى
حول صلاحية هذا القضاء نفسه في تلك المحاكمة، لكن فريق
الرابع عشر من آذار
تمسك في المقابل بالمحكمة الدولية وبدستوريتها وبمشروعية ما
تقوم به، ودافع
عن نزاهتها وعن عدم تسييسها، ودعا إلى التزام ما سيصدر عنها،
إذ لا يمكن
التراجع عنها لأنها تمثل المجتمع الدولي ومجلس الأمن، ودعا
حزب الله إلى
الدفاع عن نفسه وإظهار براءته إذا وجه القرار الظني التهمة
إليه
.


معركة
حزب الله الاستباقية



بعد هذا التحول الذي
بات مؤكدا في نظر حزب الله من حيث توجه التحقيق
الدولي إلى اتهامه بدلا من سوريا، بدأ حزب الله معركة دفاعية
استباقية ضد
هذه المحكمة وضد قرارها الظني المرتقب. وقد اعتمد الحزب في
هذه المعركة على
مبررات وذرائع أمنية وسياسية وقانونية ليثبت وهن المحكمة
وفقدانها معايير
النزاهة والمهنية المفترضة للوصول إلى العدالة ولمعرفة
القتلة. فسأل
المحكمة لماذا لم تكن إسرائيل أحد المتهمين المفترضين بهذه
الجريمة؟ ولماذا
لم يحاول المحققون التحقيق مع أي من المسؤولين الإسرائيليين؟
علما بأن
رئيس لجنة
التحقيق الدولية سيرج براميرتز الذي خلف ديتليف ميليس أعلن في
10/1/2007 أن "عشر دول لم
تتعاون مع لجنة التحقيق ومن بينها إسرائيل
(وفرنسا وألمانيا...)"، كما أكد حزب الله أن طائرات
التجسس الإسرائيلية لم
تنقطع عن الطيران فوق لبنان، بما في ذلك يوم وقوع جريمة
الاغتيال وفوق مسرح
الجريمة نفسه. وقدم حزب الله من أجل هذه الاتهامات
شريطا مصورا من أرشيف
المقاومة يرصد حركة الطيران الإسرائيلي فوق لبنان، وفوق
منطقة جريمة
الاغتيال.


استند الحزب
أيضا في هجومه على قرار المحكمة المرتقب إلى التجسس
الإسرائيلي على شبكة الاتصالات اللبنانية، بعدما تم اكتشاف
هذا الأمر،
ومعه قدرة إسرائيلية تقنية عالية على التحكم في
الاتصالات المتبادلة بين
المشتركين، من دون أن يكون أي مشترك قد أجرى فعليا أي اتصال
بأحد من هاتفه
النقال. خصوصا وأن ما تم تسريبه حول القرار الظني يستند في
التهمة الموجهة
إلى حزب الله على اتصالات جرت بين أفراد منه يوم وقع
الجريمة، ليستنتج
الحزب أن إسرائيل قد تكون هي التي فبركت هذه الاتصالات
لتوجيه التهمة إليه
.


كما لجأ الحزب في إطار
هذا الهجوم إلى الإطار القانوني مستعينا بشخصيات
حقوقية بارزة للتأكيد على عدم دستورية أصل تشكيل المحكمة،
نظرا لعدم توقيع
رئيس الجمهورية (إميل لحود) على قرار تشكيلها، ولعدم عرضها
على مجلس النواب
للموافقة عليها.


أما أبرز ما حصل في معركة
حزب الله الاستباقية فهو تلويح حلفائه بتغيير
المعادلة السياسية في البلاد إذا صدر القرار الظني قبل
التوافق على
التسوية. ولم يحدد الحزب ما سيفعل إذا صدر القرار لكنه
ترك باب القلق
مشرعا، خصوصا من خلال تأكيده رفض أي تعاون أو تفاوض بعد صدور
القرار، وتشير
تسريبات نشرتها صحف مؤيدة للحزب عن تغيير أو عن انقلاب في
المعادلة
السياسية
الراهنة. (خصوصا وأن الحزب سبق وقام بعملية مماثلة في 7 مايو/أيار
عام 2008 أدت إلى
"اتفاق الدوحة" وإلى فرض تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد
انتخاب رئيس
للجمهورية). لذا انشغلت الأوساط الإقليمية والدولية بمعرفة
ماذا يمكن أن يفعل الحزب، تارة لجهة الاطمئنان إلى طبيعة
التوازن السياسي
في البلاد خشية تكرار تجربة حماس في غزة، وطورا للاطمئنان
الغربي إلى أمن
قوات اليونيفيل في جنوب لبنان. ومن هنا نشأت معادلة
"الاستقرار أهم من
العدالة" بالنسبة إلى معارضي المحكمة، في مقابل العدالة
مدخل إلى الاستقرار
بالنسبة إلى الفريق المؤيد لها.


لم يكن حزب الله من
خلال معركته الاستباقية ضد المحكمة وقرارها الظني
يخشى فقط ما يعتبره "اتهاما ظالما"، بل كان الحزب
يدرك تماما أن مثل هذا
الاتهام لن يقتصر على مجرد تشويه صورته داخليا أو عربيا، لأن
مثل هذا
الاتهام سوف
يتجاوز ذلك إلى التأكيد أن الحزب هو منظمة إرهابية تقوم
بالاغتيالات. ويعرف الحزب أن الماكينة الإعلامية والسياسية
الغربية ستستغل
هذه التهمة لتنسب إليه عشرات عمليات الاغتيال التي حصلت في
لبنان وفي أماكن
أخرى في المنطقة وفي العالم. وقد لا تكون مخاوف الحزب
وتقديراته مجرد
أوهام. فقد أكد جيفري فيلتمان السفير الأميركي السابق في
لبنان في جلسة
استماع في وزارة الخارجية في 8/6/2010 أن حكومته أنفقت
500 مليون دولار
لتشويه صورة حزب الله في لبنان، كما أكد في تصريحات
أخرى في شهر
أكتوبر/تشرين الأول 2010 أنه يعمل على تمزيق حزب الله
وتقديمه هدية الأعياد
إلى اللبنانيين (3).


وفي الواقع، ليس من
المستبعد بعد صدور تهمة مماثلة ضد الحزب أن
تعمد الولايات المتحدة من خلال مجلس الأمن إلى إصدار
قرارات أخرى أشد قسوة
تعتبر الحزب ميليشا أو منظمة إرهابية وتدعو إلى نزع سلاحه،
وإذا كانت مثل
هذه القرارات ستثير متاعب إضافية في لبنان إلا أنها
ستشكل ضغوط قوية على أي
مؤيد للحزب في أي مكان في العالم تمنعه من التعاون معه، أو
إرسال التبرعات
إليه.


المحكمة
الدولية في الأجندات الدولية



لم تكن معركة القرار
الظني أو قضية المحكمة الدولية في لبنان خارج بيئة
الصراع أو المحاور الإقليمية والدولية، فمن المعلوم أن حزب
الله وحلفائه في
قوى الثامن من آذار هم أكثر قربا من محور سوريا- طهران، مع
ملاحظة التفاوت
في هذا القرب بين طرف وآخر من أطراف هذه القوى (علاقة حزب
الله الخاصة مع
إيران). كما أن الفريق الآخر أي قوى الرابع عشر من آذار هم
أكثر قربا من
محور "الاعتدال العربي"، وعلى رأسه المملكة
السعودية (وعلاقتها الخاصة مع
تيار المستقبل) ومصر. كما تحظى هذه القوى بدعم علني وتأييد
الولايات
المتحدة
الأميركية. ما يعني أن طبيعة الخلاف حول المحكمة أو الرهان على
نتائج ما ستتوصل إليه
ليس معزولا لا عن صلات القوى المحلية بالمحاور
الإقليمية ولا عن علاقة هذه المحاور بالقوى الدولية.


إسرائيل أيضا لم تقف
متفرجة على ما يجري. وهي ربما أكثر المعنيين
بتداعيات اتهام حزب الله. سواء لجهة ما سيلحق بالحزب من جراء
هذا الاتهام
أو لمخاوفها من الانعكاسات السلبية على التوازن السياسي في
لبنان. لذا
اعتبر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، الجنرال
عاموس يدلين،
أن القرار الظني للمحكمة الدولية سيشكل ما سماها كارثة
دعائية على حزب
الله، وأنه سيقوض الاستقرار في لبنان. وبث التلفزيون
الإسرائيلي الرسمي في
30 تموز/يوليو 2010 خبرا "ادعى فيه أن المحكمة
الدولية توصلت إلى نتيجة
مفادها أن المسؤول عن هذا الاغتيال هو مسؤول عسكري بارز في
حزب الله، وليس
سوريا كما أشيع في السنوات الماضية". وقال محرر الشؤون
العربية في هذا
التلفزيون "إن الشبهات تدور حول مصطفى بدر الدين ابن عم
عماد مغنية" (الشرق
الأوسط 31/7/2010). واعتبرت صحيفة هآرتس في 30/12/2010 أن
المدعي العام
للمحكمة الدولية دانيال بلمار سيقدم قراره الظني الأولي في
منتصف الشهر
المقبل (15/1/2011) دون أن ينشر محتوى هذا القرارِ أو أسماء
الأشخاص الذين
سيصدر بحقهم القرارُ الظني، حيث ستبقى هذه التفاصيل سرية حتى
الانتهاء من
مطالعة قاضي المحكمة دانيال فرانسين لهذا القرار والذي يمكن
أن يستمر ما
بين شهرين ونصف إلى ثلاثة أشهر، كما نقلت هآرتس تقديرات ترجح
نشر هذه
التفاصيل في
بداية شهر أبريل/نيسان المقبل (2011)، هذا إذا لم يحصل تأجيل
إضافي. وقد سبق لنائب رئيس الوزراء الإسرائيلي سيلفان شالوم
قوله: "أن
إدانة صادرة من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ضد حزب الله
ستؤدي إلى تطبيق
القرار 1559 وإلزامية تجريد حزب الله من سلاحه".


لكن المخاوف
الإسرائيلية اتجهت إلى ما يمكن أن يقوم به حزب الله إذا صدر
القرار الظني. لذا بحثت الحكومة الأمنية المصغرة في إسرائيل في24/11/2010 في
احتمال عودة التوتر مع حزب الله مع اقتراب القرار الظني،
لأن احتمال توجيه الاتهام إلى حزب الله باغتيال الحريري في
2005 قد يثير
"توترات كبيرة" بين إسرائيل ولبنان، ولم
يصدر أي بيان في ختام الاجتماع
الذي شارك فيه رؤساء وكالات الاستخبارات الإسرائيلية. وحتى
رئيس الحكومة
بنيامين نتنياهو ربط بين عدم التدخل في شؤون المحكمة خشية
التوتر الذي قد
يثيره هذا التدخل من جانب حزب الله على الحدود الشمالية.


المبادرة
السورية-السعودية وتفكيك قنبلة القرار

الظني


ترافق التوتر حول القرار
الظني مع مساع سورية-سعودية لمنع الأزمة من الانفجار في
الشارع أو في وجه الحكومة، لذا كانت المساعي تدور حول إما
منع القرار من
الصدور أو تطويق تداعياته السياسية والأمنية المحتملة. وقد
واجهت هذه
المبادرة
التي حافظت على قدر كبير من السرية والتكتم حول تفاصيلها أكثر من
اتجاه داخلي لبناني
وخارجي إقليمي ودولي في التعامل معها، بين مؤيد ومشجع
وبين معارض ورافض، وإلى من يحاول نفي وجود مثل هذه المبادرة
أصلا. كما
اختلف فريقا
الرابع عشر والثامن من آذار حول توقيت تنفيذ هذه المبادرة بين
من يريدها قبل صدور
القرار الظني ومن يريدها بعده. والفارق شديد الأهمية
بالنسبة إلى الطرفين. إذ يؤكد حزب الله أنه لن يذهب إلى
التفاوض أو إلى
التفاهم بعد توجيه التهمة إليه وإدانته ضمنا. ولذا هو يعتبر
نفسه غير
معني بهذا
القرار وبمضمونه الاتهامي بعد صدوره. وهو لن يفاوض وهو في موقع
الاتهام، لكن حزب الله
يؤكد في الوقت نفسه تأييده لهذه المبادرة ودعمه لها
. وهو في الواقع (مع حلفائه المحليين والخارجيين) صاحب مصلحة
أكيدة في تفاهم
يبعد عنه شر الاتهام ويخفف عنه وطأة التوتر الداخلي السياسي
والمذهبي
ويعيد إليه
اهتمامه وتركيزه السياسي والإعلامي على قضية المقاومة
.


في حين يعتبر الطرف
المقابل وخصوصا تيار المستقبل (مع حلفائه المحليين
والخارجيين) أن صدور القرار الظني سيجعل حزب الله وحلفاؤه في
موقع أضعف في
المعادلة السياسية الداخلية. لذا يفضل هذا التيار تأجيل
البحث في أي تفاهم
إلى ما بعد صدور هذا القرار.


يواجه هذا التفاهم
السوري- السعودي المفترض تعقيدات تدور حول المقايضة
المطلوبة بين الطرفين: إذ يريد رئيس الحكومة سعد الحريري في
مقابل التخلي
عن القرار الظني إطلاق يده حكوميا في المجالات الاقتصادية
والخارجية
والمالية
بعدما منعته المعارضة (حزب الله والتيار الوطني الحر) عمليا من
حرية التحرك كما يشاء
في هذين المجالين. أي ما أطلق عليه البعض "الحكم
مقابل المحكمة".


في حين لا يبدو حزب
الله مستعدا لاستعادة المعادلة السابقة نفسها التي
حكمت علاقته برئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري عندما أطلقت
يده في مجال
الاقتصاد والاعمار –بوجود القوات السورية في لبنان- في مقابل
عدم التعرض
لشرعية المقاومة، وربما لهذا السبب يؤكد السوريون والسعوديون
على دور
التوافق
الداخلي اللبناني وعلى أهميته في تحقق مبادرتهم
.


ثمة مستوى آخر يدفع
المملكة السعودية وعلى رأسها الملك عبد الله نحو
التفاهم مع سوريا لحفظ الوضع في لبنان ومنعه من الانفجار،
ومن احتمال تغيير
معادلته السياسية الحالية التي يشير إليها حزب الله
وحلفاؤه تلميحا أو
تصريحا، إذ تعتبر المملكة أنها لا تريد خسارة نفوذها في
لبنان بعدما خسرت
ذلك النفوذ في العراق. أي المصالحة للحد من الخسائر. في حين
يعتقد البعض أن
اتهام الحزب هو الذي سيخلق معادلة جديدة تعوض تلك الخسائر.


الأطراف الأخرى
المعارضة لحزب الله تبدو بدورها في حال من التردد
والارتباك تجاه هذه المبادرة وتجاه تأثيراتها المحتملة على
الوضع في لبنان
عموما. فالولايات المتحدة على سبيل المثال تحاول أن تتجاهل
وجود مثل هذه
المبادرة، لأن حزب الله بالنسبة إليها يهدد أمن إسرائيل وهو
"امتداد للنفوذ
الإيراني في لبنان" (4)،
وهي تخوض معركة تقويض هذا
النفوذ على جبهات وملفات عدة في المنطقة. ولذا هي تعتبر
اتهام الحزب بجريمة
الاغتيال فرصة ثمينة لتشويه صورته والنيل منه، لكن مصدر
القلق الأميركي
يكمن في عجز الولايات المتحدة عن فعل أي شيء إذا قام حزب
الله بالسيطرة على
البلاد وعلى فرض تغيير المعادلة السياسية لمصلحته ومصلحة
حلفائه. ولذا
تحاول الولايات المتحدة عرقلة هذه المبادرة إلى أقصى حد
ممكن. أما الدول
الأوروبية، التي تتمنى بلا شك إضعاف حزب الله، تخشى مع صدور
القرار الظني
من الفوضى المحتملة السياسية والأمنية التي ستعرض قوات
اليونيفيل في جنوب
لبنان لمخاطر أمنية تخلقها بيئة من الاضطراب ومن عدم
الاستقرار
.


إسرائيل المستفيد الأكبر
من اتهام حزب الله بهذه الجريمة، تعتقد أن مثل
هذا الاتهام سيجعلها في وضع أفضل في مواجهة هذا الحزب الذي
لا يكف عن
التلويح
والتهديد بامتلاك آلاف الصورايخ التي ستسقط على مستوطناتها في أي
حرب مقبلة بين الطرفين.
وهذا يسمح بالاستنتاج أن إسرائيل لن تفكر في خوض
حرب ضد الحزب وضد لبنان في المدى المنظور لأنها تعتقد أن
عليها انتظار
تداعيات القرار الاتهامي ضد حزب الله قبل التفكير في أي حرب
ضده، خصوصا وأن
إسرائيل تخشى أيضا من سيطرة حزب الله وحلفائه على لبنان، ومن
الفوضى
المحتملة
التي قد تجعل حدودها الشمالية مفتوحة على الاحتمالات كافة التي لا
تجد نفسها مستعدة لها
في الوقت الراهن
.


هكذا ترقب اللبنانيون بقلق
مصير المبادرة السورية-السعودية حول المحكمة الدولية
وقرارها الظني المرتقب، بين من يؤكد تقدمها وبين من يشكك أو
ينفي حتى أصل
وجودها؛ وثمة من يعتقد أن تأخير الإعلان عن "الصيغة"
المقترحة للحل يعود
إلى أن مضمونها سيتناول أيضا طبيعة التوازنات في المواقع
السياسية بين
الطوائف اللبنانية استنادا إلى اتفاقي الطائف عام
1989والدوحة عام 2008. ما
يجعل المبادرة أكثر صعوبة والإعلان عنها أكثر تعقيدا.


ينتقل لبنان
إلى عام جديد 2011 وهو في حالة من الانتظار المشوب بالقلق،
وفي أزمة سياسية حادة
تمنع الحكومة من الاجتماع على الرغم من المشاكل
الاجتماعية والاقتصادية التي تتفاقم. فلا القرار الظني
المرتقب قد صدر. ولا
التفاهم السوري-السعودي أبصر النور.


تأخرت المواعيد ولم
تصدق التسريبات. ومن غير المعلوم متى سيتحقق ذلك
. لكن من المؤكد أن كلا الأمرين يواجه صعوبات وعراقيل ومحاولات
لمنعه أو
تأخيره من
الصدور. وتبدو الرهانات على هذا أو ذاك متناقضة إلى حد كبير؛ وما
يحصل على هذا الصعيد،
مهما كانت نتائجه المرتقبة (لمصلحة المحكمة أو
ضدها)، هو فصل جديد من فصول الصراع الداخلي في لبنان، لكنه
يعكس في الوقت
نفسه ما يجري في محيطه الإقليمي، وعلاقة هذا المحيط
بالسياسات الدولية
واتجاهاتها. ولذا يحظى مصير المحكمة الدولية وما ستقدم عليه
بكل هذا
الاهتمام.
ولعل هذا الترابط الوثيق بين الداخلي والإقليمي والدولي هو ما
يجعل الحلول في لبنان
أكثر تعقيدا والأزمات أكثر تواترا
.



________________
طلال عتريسي: باحث في الشؤون اللبنانية


مراجع


(1) راجع ما ورد في كتاب
"سر الرؤساء" الذي نشر بالفرنسية عام 2010 ويتحدث فيه
المؤلف "فانسان
نوزي" عن دور الرئيس جاك شيراك في الإعداد للقرار 1559 وفي
التحريض على سوريا، وعن
محاولاته لإسقاط النظام في دمشق. (نشرت جريدة
السفير اللبنانية في 8/11/2010 فصولا من هذا الكتاب).


(2) "إن ما يسمى
ملف "الشهود الزور"هو الذريعة
التي اعتمدت من اجل تعطيل المؤسسات، وهو جزء من سياق لا يزال
أصحابه يصرون
على تركيب فبركات وخبريات لا تمت إلى الحقيقة بشيئ"
(افتتاحية جريدة
المستقبل التابعة لتيار المستقبل في 31/12/2010).


(3) نشر الكاتب الأميركي "فرانكلين
لامب" تقريرا على
موقع "فورين بوليسي جورنال"، وفيه كلام منقول عن
مساعد وزيرة الخارجية
الأميركية لشؤون الشرق الأدنى بأن المحكمة الدولية هي وسيلة
بيد “ الولايات
المتحدة وإسرائيل لتدمير حزب الله”. وروى "لامب"
وقائع محادثة قال أنها
جرت بين فيلتمان وموظفة مكتبه السابقة, السفيرة
الأميركية الحالية في
لبنان مورا كونيلي, في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2010,
خلال زيارة إلى النائب
وليد جنبلاط في دارته في كليمنصو, قال فيها فيلتمان:
"لقد حاصرت هؤلاء حيث
اريدهم يا مورا. شاهدينا فيما نحن نمزق حزب الله بألف ضربة
بطيئة! من
يعتقدون
أنفسهم؟ وسنقوم بذلك باستخدام القرار 1757 وهذه المرة سنسلك الطريق
إلى آخره؟". وتابع
فيلتمان: "لقد طلبت من إسرائيل أن تبقى بعيدة عن لبنان،
لأن الجيش الإسرائيلي لا يمكنه هزيمة حزب الله، كما أن
المنطقة برمتها قد
تحترق. أنا من سيتعامل مع الأمر، وهذه ستكون هديتي إلى لبنان
لمناسبة عيد
الميلاد".


(4) المحكمة
الدولية
الخاصة
بلبنان هي بالنسبة إلى الصحافي روجر كوهين في نيويورك تايمز "أداة
أميركية لضرب إيران عبر
حزب الله ولو على حساب لبنان" (13/12/2010
(.










المصدر: مركز
الجزيرة
للدراسات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المراسل
عضو مجتهد
عضو مجتهد



عدد المساهمات : 286
تاريخ التسجيل : 20/11/2010

مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقالات و أراء مهمة*** الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات***   مقالات و أراء مهمة***  الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات*** I_icon_minitimeالجمعة يناير 21, 2011 8:08 pm

الآفاق
السياسية للوطن العربي في2011



لا تشكل سنة واحدة
مساحة زمنية كافية للتنبؤ، نظرا لأنها لا تكفي لتحديد
الاتجاهات الكبرى أو ما تسميه الدراسات المستقبلية الاتجاه الأعظم(Mega-trend)، بل ولا حتى اتجاهات فرعية(sub-trend)،
لكنها في بعض
الأحيان قد تنطوي على أحداث تشكل نقطة تحول(Turning Point)، بخاصة في مجتمعات تفتقد للحراك البنيوي المنظم، ويغلب عليها قدر من
العشوائية
.


بناء عليه، لا بد من
رصد الواقع العربي لعام 2011، استنادا إلى مجموعة
من القواعد المنهجية الموزعة على المحاور التالية:


التغيرات
الطبيعية المحتملة



والتي تتمثل في استمرار
وتيرة الوقائع اليومية التراكمية التي قد لا
تؤدي لتغير جذري أحيانا، ولكنها قد تشكل نقطة تحول في أحيان
أخرى، ويمكن
تقديم مثال نموذجي على ذلك في الوفيات الطبيعية للحكام،
ونظرا لمركزية دور
الحاكم في النظم العربية، فإن تغيره قد ينطوي على تحولات
كبرى، والأمثلة
على ذلك في التاريخ العربي المعاصر عديدة (التحول في السياسة
المصرية بين
عبد الناصر والسادات،أو بين الشاذلي بن جديد وسابقه
بومدين..الخ
).


واستنادا للقاعدة
الطبيعية السابقة يمكن القول بأن معدل العمر في الوطن
العربي هو في حدود 71 سنة، فإذا نظرنا إلى أعمار الحكام
العرب نجد الجدول
التالي لعدد منهم، في عام 2011، قد تجاوز معدل العمر في
الوطن العربي
:



الفئة
العمرية


العدد

الدول/الحكام

أكثر
من 80 عاما


3

1- السعودية/ الملك عبد الله آل سعود (87 سنة(.
2- مصر/
الرئيس حسني
مبارك (83 سنة(.
3- الكويت/
الأمير صباح الأحمد (82 سنة
(

أكثر
من 70 عاما


4

1- العراق/ الرئيس جلال طالباني (78 سنة(.
2- تونس/
الرئيس زين
العابدين بن علي (75 سنة(.
3- الجزائر/
الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (74
سنة(.
4- عمان/
السلطان قابوس (71 سنة
(

أكثر
من 65 عاما


3

1- ليبيا/ العقيد معمر القذافي (69 سنة).
2- اليمن/
الرئيس علي عبد
الله صالح (69 سنة(.
3- السودان/
الرئيس عمر البشير (67 سنة)
.





استنادا للقانون
الطبيعي، فإن 7 زعماء عرب تجاوزوا المعدل العام للأعمار
في المنطقة، الأمر الذي يزيد من احتمال الوفيات بين عدد
منهم، وهو أمر قد
يفتح المجال أمام تحولات كبرى بخاصة إذا كان التغير في دول
مركزية
.


الوقائع
المبرمجة في عدد من الدول العربية



أولا:
الانتخابات الرئاسية المصرية



يدور جدل واسع حول هذا الموضوع،
ويتركز في احتمالات أربعة
:


  • أن تبقى الأمور على حالها، بأن يترشح الرئيس
    حسني مبارك مرة أخرى ويفوز
    بالرئاسة.
  • أن تتم عملية توريث انتخابي باقتراح
    نجل الرئيس جمال مبارك، ويفوز
    بالرئاسة.
  • أن تتدخل المؤسسة العسكرية وتحسم
    الأمر لصالح أحد عناصرها، متعللة
    بالفوضى والفساد والفقر والفتن الطائفية
    التي تهز مصر بين حين وآخر
    .
  • أن يتم الأخذ باقتراح حسنين هيكل
    والذي ينص على: " إنشاء مجلس
    خبراء يسمى مجلس أمناء للدولة والدستور في
    مصر، ومهمته ستكون صياغة دستور
    جديد وعقد اجتماعي جديد، ثم ترتيب انتقال
    السلطة وتشكيل وزارة مسئولة ومجلس
    تشريعي ونظام رئاسي للحكم، على أن يشرف
    الرئيس مبارك بنفسه علي هذه
    المرحلة الانتقالية، وتكون تلك آخر وأهم
    خدمة يقدمها للبلد
    ."



ويبدو لنا أن الاحتمال
الرابع هو الأضعف، بينما يبقى الاحتمال الأول هو
الأقوى يليه الثاني ثم الثالث، ما لم تقع الوفاة الطبيعية
للرئيس كما أشرنا
في النقطة الأولى، الأمر الذي سيجعل الاحتمال الثالث هو
الأقوى
.








ثانيا:
تداعيات الاستفتاء السوداني على مصير جنوبه



عند النظر في احتمالات
الاستفتاء بالانفصال أو عدمه، فإن السودان مقبل على
اضطراب واسع أيا تكن نتائج الاستفتاء، ومصادر هذا الاضطراب
تتمثل في الآتي
:


1. التشكيك
في نزاهة الاستفتاء من بعض الأطراف الخاسرة، أيا كانت هذه
الأطراف، وهو ما يعني
احتمال اشتعال الصراع في جنوب السودان بين
الانفصاليين وبين دعاة الوحدة.


2. يبلغ
عدد سكان الجنوب حسب الإحصاء الرسمي حوالي ثمانية وربع مليون
نسمة، بينهم 24% من
المسلمين، وهناك حوالي نصف مليون جنوبي يعيش في شمال
السودان، وهو الأمر الذي سيشكل نقطة احتكاك أخرى، فما أن يتم
اتخاذ قرار
الانفصال حتى تبدأ التصفيات العرقية في الشمال والجنوب.


3. الخلافات
الحدودية بين الشمال والجنوب، سواء على منطقة إبيي، أو
على تصفية المشروعات
ذات النفع العام لكل من الشمال والجنوب على غرار ما
واجهه الاتحاد السوفييتي بعد تفككه.


4. كما
أن خسران الحكومة الاتحادية
لحوالي 30% من الموازنة العامة من دخل البترول، الذي تذهب
نسبة عالية منه
للجنوب، سيزيد من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة
السودانية
.


5. إن
نجاح انفصال الجنوب قد يغذي نزعات الانفصال في أقاليم أخرى من
السودان، وقد يكون
إقليم دارفور هو الاحتمال الأول
.


6. من
بين الاحتمالات المرجحة أن حكومة الجنوب السوداني في حالة
الانفصال ستقيم علاقات
سريعة مع إسرائيل
.


بناء عليه، يمكن القول
بأن السودان مقبلة على حالة اضطراب حادة خلال
العام 2011.


ثالثا:
مشروع سلام فياض بخصوص القضية الفلسطينية



يبدو أن الفشل الذريع لمسار
التسوية في الصراع العربي الإسرائيلي، نظرا للتخلي
الأمريكي بشكل تام عن ضبط التوسع الاستيطاني في الضفة
الغربية والقدس،
ونظرا لانعدام البدائل العربية ذات المعنى، فإن الدبلوماسية
الأوروبية أوحت
في أكثر من مناسبة، بأن هناك توجها لدى بعض أطراف اللجنة
الرباعية بترك
مشروع سلام فياض "دولة الأمر الواقع" يتواصل بغض
النظر عن مسار التسوية،
حيث يبقى مستمرا في بناء أسس الدولة مرافقها العامة، لتتم
بعد ذلك مرحلة
الاعتراف القانوني بهذه الدولة، فننتقل من دولة الأمر الواقع (De facto) إلى دولة الوجود
القانوني
(de
jure)، لكن استمرار وتيرة
الاستيطان ستحيل
هذه الدولة إلى نوع من " الكيان السياسي" أكثر منه
دولة بمعناها المتداول،
وهو ما سيبقى الأزمة قائمة، فتنعكس بكيفية أو أخرى على بنية
السلطة من
ناحية وعلى
تماسك حركة فتح من ناحية أخرى
.


وقد يكون شهر سبتمبر
2011 هو الموعد الأنسب للتعبير عن تبني مشروع فياض،
لأنه موعد نهاية المفاوضات المباشرة التي سبق الاتفاق عليها،
كما أنه
الموعد الذي
حدده فياض لمشروعه، إلى جانب أنها الفترة التي تبدأ فيها
الجمعية العامة للأمم المتحدة جلساتها الدورية، وبالتالي
توفر فرصة لطرح
الموضوع على الجمعية تجنبا لمجلس الأمن وملابساته المعروفة.


رابعا:
الانسحاب الأمريكي من العراق



طبقا لتعهدات الرئيس
الأمريكي أوباما من المفترض أن يغادر آخر جندي أمريكي
الأراضي العراقية مع نهاية 2011، غير أن البنية السياسية
والعسكرية
والاقتصادية
والاجتماعية العراقية ما تزال بعيدة تماما عن التماسك، وهو ما
يعني احتمالات عدة:


1. إبقاء قوات أمريكية في العراق
بعد نهاية 2011، وقد تبقى على شكل قواعد دعم
لوجستي في إقليم كردستان بشكل رئيسي.


2. محاولة
إيران رسم حدود واقعية في مناطق خلافية مستفيدة من ضعف
القدرات العسكرية
العراقية، وهو ما قد يخلق أجواء متوترة من جديد بين
الطرفين؛ ورغم التقارب بين إيران والحكومة العراقية الحالية،
فإن غياب
الطرف
الأمريكي قد يعزز النزوع الإيراني لمزيد من التدخل في الشأن العراقي
.


3. استمرار
حالة العنف لفترة ما بعد الانسحاب، وهو ما نرجحه، وقد
يتصاعد العنف بشكل كبير نظرا لما تركته الفترة السابقة منذ
2003 من
احتقانات
اجتماعية وسياسية
.


ويمكن الافتراض بأن
الولايات المتحدة لن تترك العراق دون تحقيق مكاسب
على صعيد العلاقات النفطية من ناحية، وضمان عقود مجزية في
صفقات تسليح
للجيش العراقي خلال الفترات القادمة من ناحية ثانية، إلى
جانب محاولة تعزيز
العلاقات مع إقليم كردستان من ناحية ثالثة.





خامسا: قرار
المحكمة الدولية ألاتهامي بخصوص مقتل الحريري



ونعتقد أن الاحتمالات الخاصة
بهذا الموضوع ستنحصر في ثلاثة
:


  • تشكيل حكومة جديدة في لبنان تكون
    أكثر توازنا من الحكومة الحالية، بهدف
    ضبط نتائج القرار ألاتهامي من قبل المحكمة
    الدولية
    .
  • أن تفشل الجهود العربية لضبط
    تداعيات القرار ألاتهامي، ويواجه
    لبنان اضطرابات سياسية أكثر منها اضطرابا
    عسكريا
    .
  • أن يتم تأجيل إعلان القرار بحجة
    توسيع دائرة التحقيقات نحو جهات
    لم يطلها التحقيق سابقا( مثل إسرائيل).



ويبدو لنا أن
الاحتمالين الأول والثاني هما الأقوى، نظرا لاختلال موازين
القوى داخل لبنان لصالح حزب الله، ونظرا لمساع عربية للتقرب
من سوريا على
أمل تخفيف روابطها مع إيران.


احتمالات
التوتر بين المغرب والجزائر في قضية

الصحراء


تستند أغلب التوقعات في
هذا الجانب على مؤشر رئيسي وهو تصاعد قيمة
الإنفاق العسكري لكل من المغرب والجزائر،لاسيما خلال الفترة
بعد عام 2007،
فالمغرب رفعت قيمة ميزانيتها العسكرية إلى الضعف في عام
2009، وبنسبة تساوي
3،4% من إجمالي الناتج المحلي، بينما تنفق الجزائر
نسبة 3،3% من إجمالي
إنتاجها المحلي.


ويبدو أن تصاعد الإنفاق
مدفوع بعوامل التنافس على الدولة المركز في
الإقليم، وعلى الدور الواسع للمؤسسة العسكرية في الجزائر،
لاسيما بعد
أزمتها السياسية منذ التسعينات من القرن الماضي، إلى جانب
الهواجس
التقليدية بين
البلدين ومن ضمنها موضوع الصحراء، بخاصة أن المغرب تصر على
أن الحل الوحيد الممكن لأزمة الصحراء هو في حكم ذاتي، بينما
تهدد
البوليساريو
المدعومة كليا من الجزائر بالتخلي عن اتفاقية وقف إطلاق النار
التي أعلنت عام 1991،
وهو ما يخلق رد فعل لدى الطرف المغربي فيستجيب لهذا
التنامي بزيادة إنفاقه العسكري رغم الفارق في الإمكانيات
الاقتصادية
للبلدين.








احتمالات الحرب في المنطقة
العربية



  • الحرب على غزة لاسيما إذا تزايدت
    حالات إطلاق الصواريخ منها، أو تفاقمت
    الخلافات بين التنظيمات الفلسطينية فيها،
    ويبدو أن إسرائيل غير مرتاحة
    لتطور الإمكانيات القتالية لحركة حماس،
    ولعل بعض التصريحات التي أطلقها
    قائد هيئة الأركان الإسرائيلية غابي
    أشكنازي، في أواخر ديسمبر/كانون الأول
    الماضي، تشير إلى استعدادات إسرائيلية في
    هذا الاتجاه
    .
  • الحرب على لبنان وسيكون الهدف
    الرئيسي هو حزب الله، وقد يتم
    افتعال أي حدث (مثل اغتيال أو استهداف
    مراكز إسرائيلية داخل أو خارج
    فلسطين) لإشعال الحرب.
  • الحرب على إيران لاسيما من قبل
    إسرائيل
    .



يبدو أن الاحتمال الأول
هو الأقوى نظرا لأنه الأيسر والأكثر إلحاحا
بالنسبة للطرف الإسرائيلي.


تنامي
الفقر وازدياد التململ



من المؤكد أن الموضوعات
السابقة مرهونة بتطورات إقليمية أو دولية بعضها متوقع
وبعضها الآخر طارئ، لكن صورة الوطن العربي قد تشتمل على
توجهات إيجابية
مثل استمرار تراجع نسبة الزيادة السكانية (رغم أنها ما تزال
عالية
بالمعايير
الدولية)، إلى جانب احتمالات استمرار الارتفاع في أسعار النفط
الأمر الذي ينعكس على
تحسن معين في الاقتصاديات العربية، رغم تسرب هذه
الأموال في صفقات التسلح والفساد وسوء في عدالة التوزيع،
فعند نهاية عام
2011 سيكون عدد سكان العالم العربي قد ازداد تسعة
ملايين مولود جديد، ليصل
المجموع إلى 353 مليون نسمة، غير أن النظر في مدى عدالة
توزيع الدخل في
العالم العربي، يشير إلى أن الاتجاه العام هو زيادة نسبة
الفوارق الطبقية
في الدول العربية، فبينما كانت نسبة الفقراء عام 2005 هي
20.3% من مجموع
السكان، وارتفع عام 2009 إلى 39.9%، أي بزيادة
4.6% سنويا، وهو أمر يعني أن
عدد الفقراء في العالم العربي سيصل في عام 2011 إلى حوالي
173 مليون نسمة
.


الأقليات
في العالم العربي: نزوع نحو التمرد



رغم أن نسبة تتراوح بين
80 و85% من سكان العالم العربي يشكلون مجموعة
متجانسة لغويا ودينيا، فإن ما نسبته 15-20% من السكان يمثلون
تنوعا عرقيا
أو لغويا أو دينيا، وتتوزع هذه المجموعات على ما يقرب من 300
أقلية سكانية،
يتراوح عدد بعضها بضعة آلاف بينما يصل عدد البعض الآخر بضعة
ملايين،
وتختلف هذه
التكوينات عن المجموعة العربية الرئيسية سواء في الدين أو
المذهب أو اللغة أو العرق.


وإذا أخذنا في الاعتبار
تنامي حراك الأقليات في العالم العربي منذ
الإعلان عن مشروع الشرق الأوسط الكبير في فترة المحافظين
الجدد، وهو ما
يتضح في جنوب السودان، والحكم الذاتي لأكراد العراق، ونزاع
الحوثيين
والحراك
الجنوبي مع الحكومة المركزية في صنعاء، وتنامي الفتنة الطائفية في
مصر، ناهيك عن المشكلة
السنية الشيعية في العراق، فمن الأرجح أن تتواصل هذه
التوترات الاجتماعية على المستوى العربي عام 2011، لاسيما
وأن قوى إقليمية
ودولية بخاصة إسرائيل والولايات المتحدة تدفع بهذا الاتجاه.


وما يعزز هذا النزوع
نحو التمرد من قبل الأقليات هو استمرار النزعة
التسلطية في أنظمة الحكم العربية، كما أن الأقليات الأقرب
إلى الحدود والتي
تتوافر في مناطقها موارد اقتصادية هامة (كالأكراد وجنوب
السودان) ستكون هي
الأكثر حراكا باتجاه التمرد.


الإسلام
السياسي المسلح: أصابع إسرائيل



قد تكون إحدى المظاهر
التي نرجح تواصلها عام 2011 هي وقوع هجمات ضد
أهداف غربية أو هجمات ضد الأقليات في العالم العربي، وتنسب
هذه الهجمات
لحركات إسلامية، ونعتقد أن إسرائيل تعمل في هذا الاتجاه من خلال
اختراق
تنظيمات
إسلامية، وتوجيه عملياتها ضد أهداف غربية أو دينية بخاصة المسيحية
منها، وهناك العديد من
الدراسات التي تشير إلى محاولات الاختراق هذه
.


ونظرا لتراجع شديد
ومتسارع في صورة إسرائيل لدى الرأي العام الغربي
(طبقا لدراسات الرأي العام الغربية سواء منها دراسات الاتحاد
الأوروبي أو
البي بي سي أو غيرهما)، فإن الخطة التي وضعها وزير الخارجية
الإسرائيلي
ليبرمان لتحسين صورة إسرائيل لا بد أنها تشتمل على
افتعال مزيد من التوتر
بين المجتمعات الإسلامية والمجتمعات الأخرى.


ومن المؤكد أن قدرة
إسرائيل على اختراق تنظيمات إسلامية في أوروبا هي
أيسر من قدرتها على الاختراق داخل المجتمعات الإسلامية، نظرا
لطبيعة
التجمعات
السكانية الإسلامية في أوروبا
.


الخلاصة


من الصعب على أي مجتمع من المجتمعات
أن يحقق تحولا بنيويا في غضون عام واحد،
فإما أن يستمر المجتمع على حاله، أو يزداد بشكل نسبي في
وتيرة تراجعه، أو
يتمكن من وضع أسس للتغيير نحو الأفضل.


وتشير الدراسة المتأنية
للعالم العربي أن أغلب المظاهر تشير إلى مراوحة
بين استمرار الحال وبين التراجع، أما الجوانب الإيجابية ذات
الطابع البنيوي
فليس هناك من مؤشرات كافية عليها في أي قطاع من القطاعات.


ورغم ظواهر المقاومة
الناجحة في لبنان وفلسطين في حدود معينة، وتعرض
الصورة الإسرائيلية للتراجع، وتنامي الإرهاق العسكري
والاقتصادي والسياسي
الأمريكي، والتحول التدريجي في السلوك التركي، إلا أن الوطن
العربي لا يشير
حتى الآن إلى وجود إستراتيجية تجمع شظايا هذه الظواهر
الايجابية لتحولها
إلى فعل تغيير جذري، بل إن سوء العلاقات بين المواطن العربي
والدولة
العربية
يزيد الصورة قتامة، إلى جانب ما تفرزه الظواهر السلبية التي ذكرت
في سياق هذا التقرير
لعام 2011، والتي آمل أن تكون توقعاتي فيه غير صائبة
.
_______________
وليد عبد الحي: أستاذ العلاقات الدولية والدراسات المستقبلية










المصدر: مركز
الجزيرة
للدراسات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مقالات و أراء مهمة*** الانتفاضة التونسية: الدوافع والتداعيات***
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» انتفاضة تونس إلى أين؟ و مقالات أخرى مهمة...
» الثورة التونسية
» الصحافة والاعلام - مقالات

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات طلبة علوم الاعلام و الاتصال جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم :: القسم العام :: أخبار و مقالات أعضاء المنتدى-
انتقل الى: