المراقب عضو شرفي
عدد المساهمات : 165 تاريخ التسجيل : 08/06/2009
| موضوع: الإعلام الهادف ومعادلة المال الخميس يناير 06, 2011 8:13 pm | |
| الإعلام الهادف ومعادلة المال |
| | | | د. مالك الأحمد
مقدمة
لقد تحول الإعلام في الزمن المعاصر من هواية إلى حرفة بل صناعة متكاملة لها روّادها وشركاتها ومستثمروها، "وقد لا نغالي إذا قلنا: بأننا نعيش اليوم مرحلة الدولة الإعلامية الواحدة التي ألغت الحدود وأزالت السدود.. ولم يقتصر ذلك على اختراق الحدود السياسية، والسدود الأمنية، وإنما بدأ يتجاوز إلى إلغاء الحدود الثقافية، ويتدخل في الخصائص النفسية وتشكيل القناعات العقدية، فيعيد بناءها وفق الخطة المرسومة لصاحب الخطاب الأكثر تأثيراً، والبيان الأكثر سحراً، والتحكم الأكثر تقنية...
لقد أصبح الإعلام علماً له مقوماته، ومعاهده وشروطه وتقنياته ومتخصصوه، وفناً له مستلزماته وأدواته، كما أصبح ثمرة تشارك في إنضاجها كل المعارف والعلوم، وتُوظّف لها أرقى الخبرات، وصناعة من الصناعات الفكرية الثقيلة التي لها مؤسساتها، وخططها، ونفقاتها، بل لعل نصيب الدعم الإعلامي في كثير من الدول اليوم من الميزانيات، ما يفوق الدعم الغذائي، الذي به قوام الحياة...
ولئن كان الإعلام في الماضي يُوظّف ليكون أداة ترفيه وترويح وتسلية، يعيش على هوامش المجتمع وفي خارجه، فهو اليوم في صميم المجتمع، يوظف الترفيه والتسلية لأداء رسالة، وإيصال فكرة، وتشكيل العقل، وصناعة ذوق عام، وزراعة اهتمامات معينة، حتى إنه لم يكتف برصد الحدث، وإيصال المعلومة، بل أصبح بما يمتلك من قوة وعوامل تأثير و ضغط وتحكم، يقوم بصنع الحدث، والتحضير له في الوقت نفسه."[1]
"وتبرز وسائل الإعلام بصفتها أهم وأخطر المؤسسات الاجتماعية التي تساهم بدور فاعل ومؤثر في صياغة الصور الذهنية والنمطية في العقل الجمعي للمجتمعات الحديثة.
فالإنسان عموماً - وإنسان العصر بخاصة - يعيش في عالمين مختلفين؛ أحدهما قريب ولكنه صغير ومحدود، وهو محيطه المباشر الذي يستقي معلوماته عنه بنفسه مباشرة عن طريق حواسه التقليدية. أما العالم الآخر فهو عالم بعيد ولكنه الأوسع والأرحب، وهو ما لا يستطيع إدراكه مباشرة عن طريق الحواس؛ فيلجأ إلى استقاء معلوماته عنه وبوساطة وسائل النقل و الاتصال والتفاعل الاجتماعي. وهذا العالم يسمى (العالم المنقول) في مقابل العالم المحسوس. وهذا العالم المنقول هو الذي يتألف من الصور الذهنية والنمطية التي تصنعها أو تنقلها وسائل الإعلام والاتصال بالدرجة الأولى"[2].
1- عمر عبيد حسنه - مراجعات في الفكر والدعوة والحركة، كتاب الأمة 1992م
2- د. عبد القادر طاش - الإعلام وقضايا الواقع الإسلامي
ويعتبر التلفاز منذ ظهوره سيد المجتمعات ومصدر الترفيه الأول. اقتحم جميع البيوت ووصل إلى القرى والبوادي، وقد أثر التلفاز على مكانة الإذاعة لكنه لم يلغها، كذلك تأثرت الصحافة بالتلفاز سلباً.
إن وسائل الإعلام على الرغم من تطورها الكمي والمعنوي تؤدي دوراً تكاملياً وليس تنافسياً؛ فالصحافة تعرض برامج التلفاز القادمة وتحللها، والإذاعة تنقل أخبار الصحف وتحليلاتها، ولا يخلو التلفاز من الإشارة إلى الصحافة وأخبارها وجديدها، كذلك الإنترنت لعبت دوراً شبيهاً في ذلك، فأصبحت تقدم مواقع للصحف والإذاعات وقنوات التلفاز، وتدمج أحياناً بين هذه الأدوات في نفس الموقع مع خيار واسع للمستخدم وقدرة تفاعلية كبيرة. إن التنافس بين التلفاز والإنترنت على استقطاب الناس أبرز ظاهرة إعلامية في بداية القرن الحادي والعشرين.
يتميز الإنترنت بمجالات متعددة لا ينافسه فيها التلفاز - حالياً- ومنها البريد الإلكتروني، والتسوق، والمحادثة، فضلاً عن تصفح ملايين المواقع الخدماتية والمعلوماتية والترفيهية.
و هناك تطور متسارع في تقنيات التلفاز، ومنها التحول إلى البث الرقمي. هذا النظام يتوافق مع نظام الكمبيوتر مما يؤدي - قريباً جداً- لصيغة تكاملية بين الكمبيوتر والتلفاز، وسيكون التلفاز جزءاً من الكمبيوتر أو العكس، وسترتفع التفاعلية بدءاً من حرية اختيار البرامج وتوقيتها وتسجيل موادها وبرمجة مواعيد البث وعرض معلومات تفصيلية حول البرامج، وأيضاً إمكانية مشاهدة أكثر من قناة في وقت واحد.
ولاشك أن عملية الإعلام بأدواتها المختلفة يحكمها قضية أساسية ألا وهي المال. وبما أن الإعلام صناعة متكاملة (تجاوز الإنفاق على الإعلام ألف بليون دولار أمريكي) فإنما يحكمها - بشكل أساسي - الجدوى الاقتصادية (على الرغم من وجود البعد السياسي أو الشخصي أحياناً خصوصاً في العالم الثالث).
"يأتي التمويل للمؤسسات الإعلامية من عدة طرق، أشهرها هو الإعلان التجاري، أو من خلال جهة رسمية (كحكومة مثلاً). وهناك القنوات المشفرة التي تعتمد على الاشتراكات، بالإضافة إلى عائدات الرسائل الهاتفية، والتي أضحت مصدراً لا بأس به لتمويل القنوات الفضائية، وإن كانت مورداً غير ثابت، ذلك أنه مرتبط بمشاركة الجمهور، ولذا تلجأ بعض القنوات الفضائية إلى إثارة موضوعات حسّاسة اجتماعية أو طائفية أو سياسية لكي تغري الجمهور بالمشاركة. وهناك طريقة التبرعات وهذه مطبقة في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية حيث يساهم المشاهدون عبر تبرعاتهم لقناة معينة، والتي عادة ما تكون قناة اجتماعية هادفة (من أمثلتها خدمة التلفاز العام (PBS ).[3]"
3- د. خالد القحص
في الورقة التالية سنحاول سبر العلاقة المعقدة بين الإعلام والمال، وسنشير إلى الواقع الغربي في الإعلام ثم العربي، ونختم بتحليل العلاقة بين المال والإعلام الهادف، مع خاتمة تتضمن توصيات عملية، سائلاً الله أن يكون فيها النفع والفائدة.
الإعلام الغربي
ينقسم الإعلام في النموذج الغربي إلى نموذجين معروفين: الحكومي والخاص.
أولاً: الإعلام الحكومي الرسمي:
في هذا النموذج هناك اختلاف بين أمريكا وأوروبا؛ ففي أمريكا لا يوجد إعلام رسمي موجه للمواطنين.
هناك إعلام خارجي موجّه لأغراض سياسية لخدمة أهداف الحكومة، وتشرف عليه الخارجية الأمريكية (مثل إذاعة سوا وقناة الحرة)، وهذا له ميزانية خاصة يعتمدها الكونغرس الأمريكي، ولا تخضع لأبعاد الربح والخسارة.
في أوروبا سيطر الإعلام الحكومي، وخاصة في التلفاز، وهناك عدة صيغ له (في الجانب التمويلي):
- (بي بي سي) البريطانية وهي هيئة حكومية مستقلة تغطي إيراداتها بالكامل من اشتراكات المنزل في بريطانيا -وبشكل إجباري- لكل من يشاهد القنوات، ولا تعرض إعلانات تجارية بتاتاً.
- النموذج الفرنسي والألماني حيث هناك مجموعة من القنوات التلفازية شبه الحكومية، والتي تغطي ميزانيتها بشكل جزئي من الإعلانات، إضافة إلى الدعم الحكومي السنوي، وهو على نوعين:
- القنوات الترفيهية المنوعة العامة: وهذه تكثر فيها الإعلانات نظراً لكثرة المشاهدين.
- النوع الثاني: الثقافية المعرفية مثل قناة (arte ) الألمانية الفرنسية المشتركة، حيث يزداد الدعم لقلة الإعلانات التجارية.
ثانياً: الإعلام الغربي الخاص أو الأهلي
ينقسم إلى ثلاثة أنواع معروفة:
- الإعلام الديني الكنسي: وهو محدود الانتشار نسبياً، على الرغم من تأثيره الملموس، ويتغذى بصفة رئيسة من المنظمات الكنسية، إضافة للتبرعات.
- إعلام تجاري بحت يعتمد أسلوب إعلام الخفة والترفيه والمنوعات، وله صياغتان: الأولى: تعتمد بشكل كلي على الاشتراك أو الشراء، ويمثلها المجلات الجنسية، وكذلك القنوات الجنسية، وقنوات الأفلام وتكاد تغيب عنها الإعلانات.
النمط الثاني: يعتمد صيغة الإعلان التجاري كمصدر رئيس للدخل، وقد يكون هناك دخل إضافي من الشراء أو الاشتراك، ويمثلها الصحف اليومية، وأغلب المجلات، وكذلك القنوات التلفازية.
- الإعلام الجاد أو القيمي أو الهادف أو المعرفي، ويمثله ثلة من المجلات والقنوات التلفازية، ودخلها فقط أو بشكل شبه كلي على الاشتراكات والشراء. مثال ذلك في المجلات مجلة (ناشيونال جيوغرافيك) الأمريكية، ومجلة (جيو) الألمانية، ومجلة (فوكس) البريطانية.
هذه المجلات الرصينة الهادفة العلمية الثقافية ناجحة بالمقاييس المادية، وعلى الرغم من ضعف أو انعدام الإعلانات إلاّ أنها ناجحة، وتعتمد على دخلها من المبيعات والاشتراك..
(هذه النماذج قد لايصح استنساخها في العالم العربي؛ حيث مازالت تجربة (popular science ) الأمريكية ماثلة للعيان.. كانت نسخة عربية من المجلة الأمريكية الشهيرة صدرت لمدة سنة، ثم توقفت لضعف المردود المادي!). في الجانب الصحفي هناك صحف غربية عريقة جادة وناجحة أيضاً مثل: (فاينشال تايمز) البريطانية، و(وولت ستريت) الأمريكية. وهي صحف المال والأعمال، ومع ذلك لها جمهورها الكبير، وهي تعتمد - كبقية الصحف - على دخلها الإعلاني وليس على المبيعات..
في الفضائيات الغربية الجادة الهادفة المعرفية هناك نماذج ناجحة مادياً تماماً، ومن أبرزها مجموعة ديسكفري (7قنوات) والتي بدأت بقناة واحدة..
نموذج ديسكفري اعتمد على عنصرين – في الرؤية المادية –.
الأول: الدفع مقابل المشاهدة (القناة بالاشتراك فقط ولاتبث مجاناً أبداً، وأحياناً ضمن باقة من القنوات المدفوعة).
الثاني: المقابل المعنوي (value for money ) (وهو غير معروف في العالم الثالث).
بمعنى أنك ستحصل على قيمة تماثل ما دفعته للاشتراك بالقناة..
أي أن نوعية البرامج ومستواها تستحق الدفع.. فهي حرفية عالية المستوى باستخدام أفضل التقنيات، وأيضاً تُقدّم بطريقة امتاعية للمشاهد لايشعر انه انها برامج هادفة وجادة (على الرغم من أنها كذلك).
ولايفوتنا ذكر قنوات (ناشيونال جيوغرافيك) وهي شبيهة - في النموذج التسويقي - لديسكفري..
الإعلام العربي
ينقسم الإعلام في العالم العربي من حيث الملكية إلى قسمين:
النوع الأول: الإعلام الرسمي
تموّله الحكومة التي أنشأته ولايستهدف الربح، وبعضه لايقبل الإعلانات أصلاً، وأغراضه سياسية بالدرجة الأولى ومعادلة الربح والخسارة غير واردة فيه إطلاقاً ممثل غالباً في الإذاعة والتلفاز، ويندر وجود صحافة حكومية واضحة (وإن كانت بعض الصحف تمثل نَفَساً رسمياً واضحاً).
النوع الثاني: الإعلام الخاص
وهو الذي يعتمد في تمويله على أصحابه وملاّكه.
وهو بدوره ينقسم إلى أنواع بحسب أغراض مموّليه:
1- إعلام دعائي: (ويكثر في القنوات الفضائية)، وقد يكون للجهة أو الملاّك أو المالك.
2- إعلام قيمي: وهو الذي يقدم رسالة هادفة، وغالباً مايكون إسلامياً.
3- إعلام تجاري: وهو الذي يستهدف الربح، ويُدار بصيغة تجارية بحته، وينظر للمحتوى والرسالة التي تحقق الأغراض التجارية ضمن الضوابط والقوانين المحلية إن وُجدت.
في صحافة العالم العربي يغلب النوع الثالث، على الرغم من أن هناك محاولات في الصحافة الاقتصادية، لكنها تحوّلت مع مرور الوقت إلى كوكتيل.. وبالنسبة للإذاعة فهي رسمية محتكرة غالباً، وقلّما توجد إذاعات خاصة في العالم العربي (فضلاً عن أن تكون جادة هادفة)..
في الفضائيات العربية هناك صيغتان:
الأولى: المشفرة
وتجارب الإعلام العربي الترفيهي فيها غير ناجحة، ومثال على ذلك شبكتا (أوربت) و(شوتايم)، واللتان اندمجتا حديثاً لتقليل الكلفة والوصول للربحية، وقد يُستثنى جزئياً شبكة (ART ) فهي قد نجحت بسبب احتكار المباريات الهامة، ومع ذلك فإن صالح كامل مازال يئنّ من فك التشفير..
في جانب التلفاز المدفوع (الاشتراك) لابد من استحضار عناصر أساسية في ذلك العالم العربي:
- الكثرة الهائلة من القنوات المجانية ذات التنوع الشديد في القنوات من رياضة، أفلام، أغان، منوعة، إخبارية
- عدم تعوّد المشاهد العربي على الدفع مقابل المشاهدة (نماذج أوربت وشوتايم غير الناجحة).
- عدم تقدير الكثير من المشاهدين لقيمة المادة البرامجية المتميزة.
الثانية: المفتوح
وهو يعتمد في الدخل على الإعلانات والرعاية وشريط الرسائل. القنوات الجادة والهادفة في هذا النموذج تتباين؛ منها ما يمثل المشروع استنزافاً مالياً كاملاً، ومنها ما لديه دخل، لكنه يغطي التكاليف جزئياً.. ولايُعرف عن قناة ناجحة - مادياً- من هذا النموذج، ويُذكر عن بعضها نجاح مادي وازدهار في بعض فتراتها، ولكن تدهور الوضع بعد ذلك..
الإعلام الهادف
يمكن تقسيمه إلى نماذج متعددة كالآتي:
أولاً: الدعوي
إعلام هادف إسلامي دعوي بحت (كقناة للتعريف بالإسلام مثلاً أو مواقع دينية صرفة).
وهو يعتمد مالياً على قدرات أصحاب المشروع المالية وإمكانيات التمويل لديهم، وغالباً مصدرها زكوات أو صدقات، ويُفضّل وجود أوقاف ثابتة محددة.. (بعض المواقع الإسلامية والقنوات الدينية مثل قناة بيس Peace ).
"تقرَّر في الشريعة الإسلامية أنها جاءت لتحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل، ولهذا شاع عند أهل العلم، أن مقاصد الأحكام مصالح الأنام، وأن مبنى الشريعة تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها جاءت لتحقيق خير الخيريْن ودفع شرّ الشرّيْن، وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما عندما تتلاقى المصالح والمفاسد في مناط واحد، أو يستلزم أحدهما الآخر لسبب أو لآخر (الموافقات للشاطبي). . فالنفقة من الأموال على الأنشطة الإعلامية هي من فروع هذا الأصل، وهي من مسائل السياسة الشرعية التي لايُشترط فيها أن تكون على مثال سابق." [4]
4- د. أحمد السهلي
ثانياً: الهادف
إعلام إسلامي هادف عام منوَّع ثقافي (بعض المجلات الإسلامية وبعض القنوات الإسلامية أما الإنترنت فعالم واسع، ويصعب فيه التحليل للإعلام الهادف، لكن أغلب التجارب الإعلامية (بما فيها الغربية) غير اقتصادية حتى الآن، وبالتالي فلايتوقع نجاح النماذج الإسلامية والهادفة اقتصادياً في العالم العربي.. هذا النموذج ينبغي أن يُدار - كعمل - بصيغة تجارية بحته، ويعتمد بشكل كبير رئيس على عائدات النشاط من إعلانات ورعاية ورسائل، ويستهدف الربحية، وقد تكون لذاتها أو للتوسع أو للتطوير، لكن يتوقع أنه يحتاج لدعم جزئي للاستمرار والتطوير، ولابد أن توفّر له تبرعات موسمية للاستمرار.
ثالثاً: الآمن
إعلام منوَّع آمن (كالقنوات الترفيهية أو مجلات التسلية، وهي تبقى ضمن الضوابط الإسلامية) ويغلب عليه العمل التجاري البحت، بمعنى أن العائد المادي الماثل أمام العيان لضمان الاستمرار دون دعم مادي خارجي.. وهي مشاريع تجارية إعلامية تقدم البديل المقبول الذي يتوافق مع الضوابط الشرعية، ويحقق أهدافه في الوصول إلى المستهدف وإقناعه، وبالتالي ضمان العائد المادي من ذلك، إما من خلال الدفع الجزئي أو مع الإعلانات التجارية.
تساؤلات وتحليلات
هي ضرورية لتفهم آلية المشاريع الإعلامية وأساليب إنجاحها مادياً.
أولاً: الاقتصاديات
- لابد من عمل دراسة جدوى اقتصادية تفصيلية لأي مشروع إعلامي، حتى لو كان المشروع لايُتوقّع أن يدر عائداً. دراسة الجدوى توضح – بشكل معقول – احتياجات المشروع المادية ومصادر الدخل المحتملة وتقييم المشروع – من جانب اقتصادي – بشكل يوجه القائمين عليه للإقدام أو التريث أو حتى إلغاء الفكرة بالكلية.
- العائد الأدبي: (للمشاريع الإعلامية الدعوية البحتة) ينبغي تحليله؛ لأنه قد تُنفق أموال ضخمة في مشاريع إعلامية هادفة، لكن المستفيدين قلة، ويمكن التواصل معهم - إن لزم الأمر - بطرق أخرى أقل كلفة. (تخيل موقعاً إسلامياً على الإنترنت زوّاره في اليوم بالمئات، ويُصرف عليه آلاف من الدولارات....!!
- اقتصاديات الإعلام تشمل عبارة شائعة (العائد مقابل المالvalue for money )، وهي وإن كانت تُوصف بها السلع، إلاّ أن الأمر ينطبق أيضاً على المنتج الإعلامي. أما المنتجات المدفوعة فلابد أن يكون العائد - بالنسبة للمستفيد - مجزياً وعادلاً. أما المنتجات الإعلامية المجانية (القنوات الفضائية مثلاً) فلابد أن تكون الوصولية للمستهدف عالية، وبالتالي تقنع المعلن؛ لأنه يجد عائداً مقابل مايدفعه على الإعلان. لكن لابد من الإشارة إلى أن هناك عوامل أخرى غير مهنية قد تحكم عملية الإعلانات، مثل: البعد السياسي؛ فقناة مثل (الجزيرة) لم تحصل على الإعلانات التي تمثل كثرة المتابعين لها لأسباب سياسية حكومية بحتة، كما أشار إلى ذلك بعض الباحثين، وأحياناً تتدخل العلاقات الشحصية والمصالح المتبادلة، فتلعب دوراً في ذلك.
ثانياً: المستهدفون
- لابد من تحديد المستهدف في المشروع الإعلامي وخصائصه واهتماماته وحجمه، والخيارات المتاحة أمامه، ولماذا سوف يقبل على خيارنا الجديد بالنسبه له، وهل هناك تكلفة بالنسبة له؟ وهل هي معقولة وضمن قدراته؟
- هل المشروع الإعلامي - المقترح - يمثل حاجة للمستهدف؟ وهل هذه الحاجة حقيقية أم متوهمة؟ وهل هي مبنية على معلومات أم توقعات؟ وهل هو يسدّ ثغرة غير متاحة بالنسبة له له أو متاحة من خلال آخرين لكن بشكل غير مرض؟
- الشريحة المستهدفة بالنسبة للمشروع: هل هي متجانسة أم مفككة؟ وهل هي مركزة في منطقة معينة أم متناثرة؟ وهل الوصول إليها صعب أم سهل؟
- لابد من عمل الدراسات الميدانية واستطلاعات المستهدفين تجاه المشروع ومدى جدواه لهم.
- هل المشروع منافس لما هو قائم (إن وُجد)؟ وهل هو - من حيث المحتوى والأساليب الفنية المقترحة - قادر على المنافسة أصلاً؟
- ما نريد أم ما يريدون أم ما يحتاجون؟ عند الحديث عن المحتوى الإعلامي - كي ينجح المشروع مادياً - لابد أن يحقق عناصر أساسية، وهي بدلاً منها: أنه يقدم ما يحتاجه الناس وما يريدونه (بالطبع ضمن الضوابط الشرعية، وليس على الصيغة الشعبية "الجمهور عاوز كده")، وليس تقديم ما نريده نحن فحسب؛ فهذه معتبرة لكن ليس بشكل كلي.. دراسة واقع المجتمعات الحالية والتغيرات التي تنتابها، ومن ضمن ذلك الجانب الإعلامي ومعرفة توجهات الناس حياله..
"في عصر صناعة الإعلام، الإعلام الجديد والإعلام التقليدي، أخذ الإعلام أبعاداً جديدة يجب على العاملين فيه أن يبنوا عليها خططهم وإستراتيجياتهم، ومنها:
أولاً: نقطة الانطلاق ومرتكز العملية بكاملها، تحديد الحاجات التي تعمل منتجاتنا الإعلامية على إشباعها في المجتمع، وحجم هذه الحاجات...
ثانياً: وضع مواصفات للمنتجات الإعلامية وفق رغبات الجمهور وطبيعة الحاجات التي ستلبيها هذه المنتجات، دون إخلال بالمادة الأساسية لكل منتج إعلامي (الحق)، والقيم التي يفرضها (الحق) في مادته. "[5]
5- د ياسر الشهري مقال
ثالثاً: التقنيات
- الإعلام والتقنيات قضية هامة، ومن الأولويات في أي مشروع إعلامي معرفه الأبعاد التقنية فيه، وإمكانية الاستغلال الأمثل لها في المشروع.. قد تكون توفيراً في الكلفة، أو تحسيناً في الشكل، أو تسهيلاً في الوصول للمستهدف، أو تطويراً في المحتوى..
- في المؤتمر العالمي للصحافة، والذي يحضره أكثر من ثلاثة آلاف قيادي في عالم الصحافة والمجلات.. كان المتكلم نائب رئيس نوكيا والذي بدأ يتساءل: تستغربون وجودي معكم هنا، وأنتم أهل الصحافة والإعلام وأنا من أهل الاتصالات.. أليس كذلك؟! سأجيبكم: ترون هذا الجهاز الذي بيدي الآن.. هذا هو مستقبل الإعلام.. في هذا الجهاز أتابع مجلتي المفضلة وأقرأ صحيفتي اليومية، وأتصفح الإنترنت، وأشاهد مبارياتي الرياضية، وإضافة إلى ذلك أسجل لقطات مصورة لمؤتمرنا هذا، وأرسلها للمركز الرئيس للشركة، ولا تنسوا أن هذا الجهاز للاتصال قبل ذلك، ولأشياء أخرى لا تخفى عليكم..". بالطبع الكثير من التغيرات تحدث في مجال الإعلام؛ فالصحافة – بالأخص في العالم العربي – في انحدار، والإنترنت أصبحت سوقاً ضخمة وخياراتها هائلة، والقنوات من الكثرة لدرجة أننا لا نستطيع أن نحصيها. إن معرفة التوجهات الإعلامية وعلاقتها بالجوانب الاجتماعية مهمة جداً قبل التفكير الجاد لأي مشروع إعلامي جديد؛ لأن الأمر قد يكون فكرة قديمة عفا عليها الزمن!
رابعاً: البرامج
- في القنوات الفضائية تمثل تكلفة البرامج ما يقارب 70% من التكلفة الاجمالية، وهي نسبة باهظة، و على الرغم مما يُقال عن انخفاض تكاليف القنوات الفضائية، إلاّ أن الأمر ليس كذلك؛ فتكاليف إنتاج البرامج في ازدياد على الرغم من انخفاض كلفة الأجهزة؛ لأن التكلفة الكبرى هي في الجانب البشري. لذلك فإن الإنتاج التلفازي ينبغي أن يكون معتمداً على أفكار جديدة إبداعية، قليلة الكلفة؛ كي تستطيع الفضائيات الهادفة أن تصمد مالياً مع تقديم محتوى معقول وجاذب فنياً.
خامساً: الطاقات البشرية
- من المهم لأصحاب المشروع الإعلامي الهادف توفير طواقم إدارية وفنية قيادية متخصصة عالية المستوى لتحقيق الأهداف.. وإلاّ أصبحت العملية رقماً إضافياً وأموالاً مهدرة.
- تعمد الكثير من المشاريع الإعلامية الهادفة إلى البحث عن الطاقات البشرية منخفضة التكلفة (لأسباب مادية للتوفير بحسب ظنهم)، ولكن هذه المعادلة غالباً ما تكون فاشلة.. فالعناصر هذه قد تكون ضعيفة القدرات قليلة الخبرات، ينعدم عندها الإبداع، وتبحث فقط عن وظيفة.. أو قد تكون محبة للخير، راغبة في النفع، لكن غياب التخصص وضعف الإمكانات لديها قد يتسبب في منتج إعلامي ضعيف جداً، وبالتالي الفشل هو النتيجة والنماذج هنا (خصوصاً في القنوات الإسلامية) كثيرة جداً.
- الاستشارة ضرورية في المشاريع الإعلامية لتداخل عناصر كثيرة، منها: اجتماعية، تربوية نفسية، اقتصادية، لذلك لابد من الاستفادة من أهل الاختصاص في ذلك؛ لأن الإعلام يتداخل مع جميع مفاصل المجتمع.. والاستشارة لابد أن تكون بطريقة علمية مهنية من خلال ورش عمل متخصصة، يشارك فيها الكفاءات الأكاديمية، وكذلك أصحاب الخبرات المحتملة في المشروع الإعلامي.
تجارب إعلامية هادفة ناجحة
قبل الحديث عن بعض النماذج ينبغي الإشارة إلى ندرة المعلومات، خصوصاً في الجانب المالي للمشاريع الإعلامية في العالم العربي، سواء الهادفة أو غير الهادفة، بخلاف الوضع في الغرب؛ فالمعلومة متاحة -وبشكل دقيق- لكل ما يحتاجه الباحث.
- تجربة (المجد) والتي نجحت في استقطاب عدد ضخم من المشتركين (ما يقارب ربع مليون) وأرباح بضعة ملايين. هذا النجاح المادي أمام تحديات بقدرته على الصمود والاستمرار، مع تململ الكثير من المشتركين، وعدم تجديد البعض، ووجود خيارات جديدة.
- من التجارب الناجحة في الإعلام الهادف الجاد بعض الإنتاجات التلفازية الإسلامية: بعض البرامج التي تُعرض في القنوات الإسلامية تنتجها مؤسسات متخصصة، وتعتمد في تغطيتها تكاليفَ البرامج على الرعايات والإعلانات، ويكون دور القناة فقط العرض (دون تحمل تكاليف الإنتاج)، وهذه التجارب جيدة جداً وآثارها ملموسة.. والجميع يحقق أهدافه؛ القناة تعرض مادة هادفة جيدة بتكلفة صفر.. مؤسسة الإنتاج تنتج البرامج وتغطي تكاليفه مثل البث.. المشاهد يتلقى مادة هادفة جادة دون تكلفة أيضاً.. والأمثلة في هذا معروفة (برنامج توقيعات).
- من المشاريع الناجحة في الإنتاج التلفازي الهادف جهود بعض مؤسسات الإنتاج الإسلامية التي استطاعت إنتاج برامج متوسطة التكلفة، واستطاعت تسويقها على عدد من المحطات الإسلامية ضمن خيارات متعددة (عرض أول، عرض ثانٍ، حقوق عرض مفتوحة)، وغطت تكلفتها وبأرباح لابأس بها.. على الرغم من أن القنوات تدفع مبالغ يسيرة مقابل شراء حقوق عرض البرامج من مؤسسات الإنتاج، مما يحدّ من دورة الإنتاج التلفازي المستقل..
- بعض إنتاج الكاسيت الهادف، والذي يتميز بمحتوى ممتع وجديد ونافع، ويقدم بطرق متعددة منها اسكتشات ومواقف درامية.. وتم تغطية التكلفة من خلال رعاة يُذكرون في الشريط، وكذلك من المبيعات.. بالطبع لا ننسى الفترة الذهبية للكاسيت، والتي وصل توزيع بعض الأشرطة فيها إلى مئات الآلاف، وحققت أهدافاً مادية جيدة، على الرغم مما شاب بعض التجارب من اعتبار دعم المحسنين للشريط نوعاً من الدخل التجاري.
- قناة (طيور الجنة)
من النماذج الناجحة التي تستحق الإشارة إليها قناة (طيور الجنة)، وهي فكرة بسيطة لرجل وأسرته. لم تكن القناة إلاّ منتجاً تجارياً، وكان المشروع تحدياً لصاحبه؛ إذ لم يكن يملك إلاّ منزله فغامر في المشروع ونجح.. نجاح القناة التجارية ومنتجاتها التجارية لم يكن إلاّ جزءاً من علاقة تجارية تم بناؤها تمثل إنتاجاً متنوعاً من الملابس والأدوات المدرسية للأطفال.. من أسباب النجاح بساطة الفكرة وحاجة المجتمع، وأيضاً الضوابط الإسلامية (الواسعة)، والتي ناسبت شريحة كبيرة من الناس.
تطوّر هذا النموذج، فبدأت الفرقة التي تقدم أناشيدها عبر القناة تقديمها في مهرجانات عامة يحضرها آلاف، ويدفعون مبالغ مالية للحضور، وتبقى المعادلة ناجحة؛ المنظمون استفادوا، والفرقة استفادت، والجمهور استمتع مقابل ما يدفعه.
والمشروع لو تم توجيهه ودعمه قليلاً لتحول لنموذج ممتاز للإعلام الهادف الناجح معنوياً ومادياً.. يفوق قنوات أطفال عريقة مدعومة إعلامياً بملايين الدولارات..
- برنامج (الحياة كلمة)
وهو من أقوى البرامج العربية وأنجحها جماهيرياً ومادياً؛ فالتخطيط والإدارة والإشراف، وبما فيها تكاليف إنتاج البرامج من قبل فريق الشيخ سلمان العودة، وكذلك عائدات البرنامج للمؤسسة المنتجة (الرعايات التجارية). نجح البرنامج من خلال المعادلة التالية: برنامج جماهيري +قناة جماهيرية + عائد إعلاني مناسب = نجاح
- قناة (الفجر)
قامت القناة بحملة دعائية قوية من خلال القناة طلب تبرعات لاستمرار القناة من خلال وسيلة سهلة وسريعة وعملية تتمثل في رسائل الجوال بأسعار أعلى من المعتاد (10ريال) مع عرض المبالغ التي تم توصيلها على الشاشة أولاً بأول والمبلغ المستهدف.. نجحت إلى حد كبير..
- نموذج قناة (الحكمة)
تم تحويل المشروع إلى شركة مساهمة عامة مسجلة في الإمارات (رأس الخيمة) الجزء الرئيس من الأسهم ( الثلثين) للمؤسسين، والثلث لعامة الناس، وقيمة السهم في متناول عامة الناس (285دولاراً)، مع توضيح كامل ومعلن لإستراتيجية القناة للسنوات القادمة (توسع نطاف البث – إذاعة الحكمة...) بمعنى آخر اشتراك المساهمين في المشروع بتفاصيله كافة.
خاتمة (حلول ومقترحات)
الهدف من هذه المقترحات توسيع دائرة الرؤية للمشاريع الإعلامية الهادفة في الجانب المالي؛ كي تستطيع أن تحقق أهدافها بالتعاون مع الجهات الأخرى المؤثرة في المجتمع.
- المؤسسات الخيرية الداعمة
تضع ميزانية سنوية (في خانة بضعة ملايين) لتبني إنتاج برامج تلفازية هادفة وراقية تمثل إضافة حقيقية لشاشة القنوات الهادفة.
- مؤسسات الإنتاج
زيادة أعداد مؤسسات الإنتاج الهادفة بحيث يكون لها دور أساس في تغذية القنوات بالبرامج وأن تعمل - بشكل مستقل عن القنوات - لإيجاد رعاة ومعلنين عن البرامج المنتجة، بحيث تُقدّم للقنوات بشكل مجاني لبثّها..
- دعم المشاهدين للبرامج
وهذا النموذج قد يكون معروفاً في أمريكا، وخاصة في البرنامج الدينية الشهيرة حيث يتحول "الداعية" إلى مسوق، ويطلب من الجمهور (في حال رضاهم عن البرنامج) الدعم المباشر من خلال أرقام حسابات (إيداعات) أو بطاقة فيزا..
- التسويق قبل البرنامج
وهذا ممكن في برامج معينة ذات طبيعة قابلة للتسويق؛ فمثلاً برنامج عن البيئة يتفق مع مؤسسة/ جهة مختصة بهذا النشاط لرعاية البرنامج بالكامل، ومثله بعض البرامج الاقتصادية.. وأحياناً يتم صياغة البرنامج بالكامل بالتنسيق مع الجهة الداعية بحيث يحقق أهدافه كجهة ربحية أو حتى غير ربحية.
- الصحف والمجلات ونظام الملاحق
تعمد الكثير من الصحف والمجلات لإصدار ملاحق هدفها العائد الإعلاني.. وهذا الأمر ينسحب حتى على الصحف العالمية المحافظة والمتخصصة (نيويورك تايمز)، بل تفاصيل هذه الملاحق ومحتوياتها الصحفية تُعدّ بالتنسيق بين وكالات الإعلان والصحيفة. وهذا النموذج ناجح جداً له مردود مال عالٍ. بالطبع هذا النموذج ينطبق على الصحف القوية القائمة.
- الوقف الإعلامي
بعد انطلاقة قوية للمؤسسات الخيرية (في السعودية) واجهت الكثير من المشاريع تحدّياً في الجانب المالي، وكان لأحداث سبتمبر انعكاساتها المحلية؛ إذ انخفض الدعم المالي بشكل ملموس. هذا الأمر دفع هذه المؤسسات للعمل على إنشاء أوقاف تدرّ عليها عائداً ثابتاً يغطي مصاريفها السنوية، ونجحت الكثير من المؤسسات (خاصة الكبيرة) في ذلك. هذا الأمر من الممكن أن ينعكس على الإعلام الهادف، بل هو أولى به؛ نظراً لطبيعة الإعلام من حيث ارتفاع الكلفة، وقلة العائد، أو انعدامه بالكلية أحياناً. هذا الأمر يحتم - وبشدة - وجود أوقاف لدعم الإعلام الهادف (بكافة أنواعه) بالذات الدعوي.
- كون بعض المشاريع على شكل شركات مساهمة
"مرتكزات أساسية لنجاح الإعلام الهادف...
المرتكز المالي: رأس مال مستثمر بطريقة صحيحة، بتحويل المؤسسات الإعلامية إلى شركات مساهمة للحصول على التمويل، وكسب قاعدة كبيرة من الملاك وحملة الأسهم.
المرتكز التسويقي: (توسيع قاعدة العملاءcustomer base ) من خلال زيادة عدد مشتركي التلفزيون المدفوع أو من خلال تبني برامج جديدة تمثل قيمة مضافة للمشاهد. " [6]
6- د ياسر الشهري مقال
- الاندماجات
في عالم الإعلام اليوم لا يعيش الصغير، فقط الكبير هو القادر على الصمود والمنافسة. إن في وجود العديد من المشاريع الإعلامية الهادفة -كما هو في الفضائيات الإسلامية- إيجابية عظمى؛ إذ تمثل منافسة عددية مع الغير، وتقدم خيارات متنوعة للمشاهد. في نفس الوقت تمثل العملية تحدّياً مالياً واستنزافاً للقدرات المحدودة المتاحة. إن عملية الاندماج بين القنوات الضعيفة والمتشابهة في الفكرة سيقلل العبء على الجميع، وقد يكون سبباً للنجاح المادي، فضلاً عن الفني.
- التنسيق والتعاون والتكامل
هذه الآليات تستخدمها الشركات الكبرى الإعلامية في أمريكا في بعض الأسواق حيث الجميع ضعيف نسبياً. التكامل يتمثل في تدوير البرامج بين القنوات، والنقل المشترك، والشراء الموحد، والإنتاج المشترك للبرامج المكلفة. هذه الآليات تساعد على تقليل التكلفة وزيادة فرص النجاح للجميع. هذه الصيغة تستخدمها الشركات التجارية الغربية، وبالتالي فالأمر أولى لدى مؤسسات الإعلام الهادف حيث الأهداف مشتركة.
- مبادرات الجهات الرسمية أو الجمعيات الأهلية لدعم الإنتاج الإعلامي الهادف
مثال ذلك ما أعلنت عنه مؤسسة (ابتكار) التابعة لحكومة أبو ظبي، عن إطلاق المختبر الإبداعي الذي سيوفر منح تمويلية للمواهب العربية الشابة، وسيحفّز من إبداعهم، في خطوة طويلة المدى، وتهدف إلى تأسيس قطاع إعلامي مستدامٍ بعالمنا العربي، وتقدم التمويل للمؤسسات الإعلامية والترفيهية، وتتضمن المنح التمويلية للمواهب العربية من دولة الإمارات العربية المتحدة ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقية، ليساعد أصحاب الأفكار المبتكرة على الاستفادة من التمويل الأولي للانطلاق بمشاريعهم الواعدة، كما سيقدم لهم الخبرات الضرورية والتوجيهات اللازمة لتسهيل تنفيذ وتطوير الأفكار، ليساعدهم بذلك على تحويلها من مجرد رؤى إبداعية إلى منتجات تجارية قابلة للتطبيق .
المنح تتراوح قيمتها ما بين (1000 و50 ألف) دولار أمريكي، للأفكار الريادية والمميزة بإبداعها وأصالتها، وذلك في شتى الميادين الإعلامية والترفيهية، ومنها التلفاز، الراديو، الأفلام، النشر، الإعلام الرقمي، الموسيقا، الألعاب الإلكترونية والرسوم المتحركة .
- المستهدف إعلامياً شريك
هناك تجارب ينبغي الإشارة إليها في بعض أنواع الإعلام الجاد وهي موجودة في الغرب، وبالذات تلك التي تستهدف شريحة قليلة نسبياً ونخبوية أحياناً، وهي تعتمد على فكرة الولاء (غالباً ما تكون في المجلات المتخصصة)، وإن القارئ ليس مشتركاً فحسب بل داعم للمطبوعة، ويدفع أكثر من القيمة الحقيقية؛ ليعوض العجز المادي بسبب غياب أو ضعف المردود الإعلاني.
القارئ هنا شريك في المشروع، وهو يدفع لاستمرار صدور مجلته، ولا يرى بأساً في تحمُّل جزء من المسؤولية في ذلك. هذا النموذج قابل للاستنساخ في العالم العربي لوجود أعداد كبيرة من الطيبين، والذين قد يقتنعون بالاشتراك عالي القيمة، لكن السؤال المهم هنا: أين الإعلام (أو المطبوعة بشكل أخص) القادر على تلبية احتياجاتهم الثقافية، وبشكل ممتع ومفيد في نفس الوقت!!
بالطبع العملية ليست سهلة، على الرغم من أنه كانت هناك محاولات في هذا الشأن، حين نتذكر بدايات مجلة الأسرة، توجُّه كثير من الأخيار للاشتراك فيها فقط دعماً للمشروع وولاء للمجلة، وحباً في أن تستمر في الصدور.
|
| |
|