االسلام عليكم
هذا المقال موجه بالخصوص إلى من سمى نفسه كاره الصمت و لم يفصح عن نوع هذا الصمت
أأيها المستخدم المحترم إليك هذا المقال
شاع استخدام كلمة ( الصمت ) في الفكر المعاصر .. و في النقد الأدبي و الفني , في التعبير عن المسكوت عنه في النص أو العمل الفني , أو ما قد يشير إليه النص بطرف ٍ خفي من خلال بلاغة ٍ جديدة مقابلة للبلاغة القديمة التقليدية .. التي يُعَرِفُها العسكري في كتابه (( الصناعتين )) : بأن البلاغة هي ( إهداء المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ ..) .. فالبلاغة إبلاغ ٌ ناطق ٌ .. و الصمت قد يصبح في النص علامة يوازي النطق بها.. فيصمت الكاتب أو الشاعر عنها ليلفت الانتباه إلى حضور مدلولها .. و لذلك فإن البلاغة عند ابن المقفع قد تكون في السكوت و الإشارة للمعنى .. و هذا يذكرنا بالبيت القديم :
واعلم بأن من السكوت إبانة
و من التكلم ما يكون خيالا
وهذا يعني أن دلالات الصمت مرتبطة بالسياقات التي توجد فيها .. سواء كانت هذه السياقات نصية أو اجتماعية أو سياسية أو عقائدية .
و حين يصمت الإنسان يصغي للكون .. و يشتد حضور الكائنات في وجدان الإنسان بل و يشتد حضور الإنسان أيضا ً , و هو ليس حضور صورة الذات التي تنخرط في أفعال قد لا تعبر عنها , لكنه حضور الذات العميقة في العالم , و يقترب الإنسان في تجربة الصمت من المُقدس .. و لذلك يقترن الصمت بالتجربة الدينية بشكل عام .. و يقترن أيضا ً بالتجربة الجمالية في الفن أيضا ً, و لذلك عبر تجربة الصمت و السكون تبدأ نُسك الدين و تتفجر كلمات الشعر و تظهر الأعمال الفنية...... فالصمت هو الينبوع لكل الأعمال التي تُعَبر عن وحدة الذات التي تعبر عن وحدة ٍ روحية,... أو قمة التواصل مع الغير .. حين يصير الصمت رسالة ً عميقة لمشاعر لا يمكن التعبير عنها بالكلمات ..!! .. لأن الشعور بالصمت و السكون لا يكون عميقا ً إلا حين يكون هناك توافق تام بين الجسم و العقل و الروح , لأنه نتيجة لتلك الحالة من .. السلام الداخلي.. التي لا تقوم على نفي هموم الإنسان بل استيعابها ضمن كلية الحياة , و هذا المستوى من الوجود لا يبلغه الإنسان بسهولة .. و إنما يحتاج إلى قدر ٍ كبير ٍ من التأمل و التدريب على فن الحياة ... و ما شيوع دروس تعلم الاسترخاء و تمارين التنفس و ممارسة التأمل .. إلا تدريب على الصمت و السكون و الإنصات للعالم من حولنا ..... و الصمت هنا ليس صمت الحواس فقط ... و إنما الصمت عن التفكير فيما يدفعنا الآخرون .. للتفكير فيه ..!! .. فكل حاسة لها قدرة على الصمت و قراءة الوجود من خلال المتخيل .. فهي تجربة تحررنا من أسر الأشياء التي تمارس حضورها الكثيف علينا .. و إفساح المجال لحضور الذات و الروح و المعنى .. بدلا ً من هذا الحضور الضاغط للأشياء الاستهلاكية .. و الصمت هو حضورٌ للوجود الانساني و تنقيب عن معناه و قد يكون فيه تصحيح لمسار حياة الإنسان و الدخول إلى عالم الصدق و التحقق... و إذا مارس الإنسان تجربة الصدق فإنه يدرك أنواع الصمت في الكون ... فيفرق بين صمت الليل .. و صمت الصحراء .... و صمت الغابة .. و صمت البحر و سكونه ... , .. و إدراك الإنسان لهذه الأنواع المختلفة من الصمت يجعله يشعر بالخشوع و الرهبة إزاء عظمة الخالق الذي ابدع كل هذا .. و الصمت في الحياة اليومية قد يكون الملاذ الأخير في كثير من المواقف التي يمر بها المرء .. لأن هناك أشياء لايمكن للإنسان أن يتكلم عنها .. لأنها تؤلمه أشد الألم ... و حين يعيش الإنسان تجربة ً تتضاءل معها لغة الكلام , يصبح الصمت هو الممكن الإنساني لنقل كثير من المشاعر و ما لا يمكن قوله . ...
و الصمت تجربة إنسانية تنصت للوجود و لكل ما يحيط بالإنسان من نبات و حيوان و جماد و إنسان .. و لا تعني عدم الكلام .. و إنما الصمت هو إفساح الوجود للغات عديدة أخرى تختلف عن لغة الكلام .. و نحن نتحدث عن الصمت الذي يلجأ إليه من لديه القدرة على الكلام و الافصاح عن نفسه .. لأنه يجد فيه تعبيرا ً بليغا ً عما يريد أن ينقله .. أو أن ما لديه من تجربة لا تستوعبها الكلمات .. و الصمت قد يكون تعبيرا ً سلبيا ً عن الوجود و يعبر عن الجهل .. و قد يكون تعبيرا ً إيجابيا ً و يعبر عن العلم , و يصبح موقفا ً مما يحدث حين يجبر الإنسان على الصمت عندما يتساوى الموت مع الكلام .
و يرتبط الصمت بالسكينة .. فيقول الله تعالى في وصف الجنة : (( لا يسمعون فيها لغوا ً و لا تأثيما ً *ًًًًًًًًًًًًٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌََََََََُُُُُُُُُُُُُُُُ إلا قيلا ً سلاما ً سلاما *ًًًًًًًًًًٌٌٌٌٌٌٌٌٌَََََََُُُُُُُُُُُ )) _ سورة الواقعة :25 _26 _......... و حينما بشَر َ الله سبحانه و تعالى زكريا بيحيى أمره أن يكف عن الكلام ثلاثة أيام متتالية : (( قال رب اجعل لي آية ً قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام ٍ إلا رمزاً و اذكر ربكَ كثيرا ً و سبح بالعشي و الإبكار )) _ آل عمران : 41 _
و قوله تعالى : (( إلا رمزا ً )) .. الرمز في اللغة : الإيماء بالشفتين , و قد يستعمل في الإيماء بالحاجبين و العينين و اليدين .. و أصله الحركة .. و في هذه الآية دليل على أن الإشارة تنزل منزلة الكلام و ذلك موجود في كثير من السنه النبويه .. و أكبر الاشارات ما حكم به النبي صلى الله عليه و سلم .. من أمر السوداء حين قال لها : (( أين الله )) ؟ .. فأشارت برأسها إلى السماء ,, فقال: (( اعتقها فإنها مؤمنه )) .. ,, و قد فرَق َ رسول الله صلى الله عليه و سلم .. بين الكلام و الصمت .. حين قال : (( رحم الله امرأ ً قال خيرا ً فغنم , أو سكت فسلم )) .. ( تحقيق الألباني : حسن ) _ حديث 3492 في صحيح الجامع _ . .. فجعل صلى الله عليه و سلم .. حظ السكوت السلامة وحدها .. و جعل حظ القول الجمع بين الغنيمة و السلامة , وقد يسلم مَن لا يغنم .... و لا يغنم إلا مَن هتكوا سترا ً كان مُسدَلا ً عليهم .. بالصمت .
ا افعل الخير فإن لم تستطع لا تفعل الشر