28-12-2010 12:09:33
ولادة دويلات لقيطة في بلادنا!
عبد الفتاح الخطيب:
في منتصف يناير المقبل تنتظر جامعة الدول العربية ميلاد دولة جديدة على
الساحة العربية، وربما على خريطتها، حيث موعد الاستفتاء الشعبي القسري
لجنوب السودان "العاق" عن الوطن الأم، بعد أن احتضنته عقودا من الزمان عبر
التاريخ على ضفاف النيل الخالد، حيث كانت تمثل مع شقيقتها مصر نسيجا
"جيوسياسيا" موحدا بحضارات الفراعنة مع ذوي البشرة السوداء التي تعكس لون
بشرة حضارة بلاد النوبة وجنوبها.. ولطالما عاشت هذه الشعوب في أخوة
يتشاركون النيل ومراكبه الشراعية وحضارة وادي النيل منذ أمد بعيد إلى زمن
كانت مصر وشقيقتها السودان تحت حكم الملك فاروق.
لم تصمد هذه الوحدة أمام أفكار العصر الحديث ومتطلباته.. كما عجزت عن
استثمار الثروات الهائلة على ضفتي النيل، وبقيت هذه الأرض "البكر" بخيراتها
الزراعية والمعدنية من الذهب الأصفر والأسود دون استثمار.. وتلاشت كل
الطموحات الحضارية التنموية من دولة وادي النيل التي يربطها الدستور
ويجمعها الحلم المشترك فيما بعد ليرفع من قيمة الإنسان، ويوفر له حياة
كريمة في التعاطي مع الواقع برؤية شمولية.
إنه الإصلاح الذي تنادي به الدول وينشده الحاكم ويلحّ عليه في برنامجه
الخطابي، ولكنه- مع الأسف- يُقدَّ م كفكرة مجرّدة خيالية خالية من أيّة
مفاهيم إجرائية.. تقدمية لجميع أطياف الشعب، فلم يستطع أن يقدِّم رؤية
ومنهجاً واضحين للإصلاح الذي ينشده الشعب ويغمر كل أطيافه، وهمّاً يشمله
المجتمع، وكل أفراده سواسية كأسنان المشط وفق متغيرات الزمان والمكان.
من هنا بدأ التمرد والعصيان وظهور الحركات الانفصالية التي مزقت لحمة
الوحدة في عهد بعض زعماء السودان، حيث يريد لنفسه الدعم بالشرعية الأصولية
ورواجا شعبيا، لكن جرت رياح النيل بما لا تشتهيه مراكب النيل، فكان له ما
يريد حين منحته الأصولية ذات التيار الديني المتعصب، وصعّدت من خطابها
الأصولي المتشدد على حساب الآخرين، وبخاصة مسيحيي الجنوب حين أحسوا بغياب
الكثير من حقوق المواطنة الكاملة في ظل دولة مدنية حديثة تستوعب التنوع
العرقي والإثني والديني والطائفي.
من هذا المنطلق تفجرت حركات الانفصال والتمرد بعنف هائل مصحوب بالمذابح
والمجازر والمآسي الإنسانية، وكثرت التحالفات والانشقاقات والخلافات
السياسية بين الأحزاب، واللجوء إلى تحالفات خارجية خدمة لأجندات تخريبية
تعود على البلاد والعباد بالدمار والانفجار وتشجع الانفصال بمواقف شخصية
مبنية على القبلية والطائفية، حسب رأي الحزب الوطني الحاكم.
إن ما يحدث اليوم في السودان هي أعمال شرّ وليست أعمال خير، إنها دمار على
السودان وحرب على الأمة العربية من الصهيونية ومن وراءها، وهذا ما يفرض
علينا أن نحمي السودان وأن نتصرف بحكمة وحميّة، ونوازن بين مستقبل أمتنا
وأجيالنا ومصالح شعوبنا في الوقوف في وجه المصالح الخارجية والذاتية من أجل
استقرار السودان وعالمنا العربي الذي لا يريده الغرب مع ربيبته إسرائيل
لأمتنا العربية، فهما يراقبان ما خطّطا له، ويتابعان أي نشاط وأية حركة
التي هي محط ريبة وخوف..
فالمشهد الحالي لأمتنا في صراع مزعج من نظرات مريبة مترددة، فالكل يخشى من
نفسه وعلى نفسه، كل أيامنا حروب وعدم ثقة، والشعوب تتململ وتتشكى وتبكي
وتتباكى، ممّا عطّل حركتنا وأعاقنا لسنين، هل انتزعت الحمية والنخوة
العربية من صدورنا؟.. سنبقى على هذا الحال لو بقينا على هذا المنوال، فتذهب
ريحنا وتتداعى علينا الأمم، فالبغاث بأرضنا تستنسر، وتكاد هذه الممارسات
بأوطاننا تنحصر.
كل هذا أدى إلى مبررات التدخل الخارجي الأجنبي السافر في منطقتنا لإشغالنا
في جبهات متعددة، مما أدى إلى تبرير التدخل الخارجي الأجنبي السافر في جبهة
وادي النيل بفضل الصخب الإعلامي والقرارات الأممية التي شجعت ظهور بوادر
الانفصال "الحزين" الذي ينتظره الغرب، وبخاصة أمريكا وإسرائيل في مطلع
العام الجديد منتصف يناير المقبل.. في حين أمتنا العربية سادرة لاهية عمّا
يهدف إليه الإنفصال، ولا حول لها ولا قوة إلا الأسف والحسرة على خيرات
الجنوب واللبن المسكوب وثرواته الكامنة في باطن أرضه، إنها "سلّة "العرب
التي يسيل لها لعاب أمريكا والغرب، وطموحات إسرائيل في مياه النيل ولا نعلم
ما يخطط له ولجنوب السودان ودارفور وأبيي من تشظٍ وتفتيت..
فالعالم يتآلف ويتكتل في أحلاف والأروبيون في إيرلندا وألمانيا اتحدوا،
والعرب وحدهم ينفصلون وينشطرون منذ سايكس بيكو في تفتيت بلاد الشام والهلال
الخصيب وإمارات الخليج العربي ومن بعدها الجمهورية العربية المتحدة
ومحاولات انشطار اليمن، وعراقنا اليوم في تجزئته الثلاثية، جنوبه وشماله
ووسطه، في نزعات عرقية مذهبية وليست نزعة استعمارية..
إننا نعشق الانفصال والتشرذم وليست مأساة فلسطين ببعيدة رغم معاناة شتات
شعبها في أرضهم في الداخل والضفة والقطاع وفي أنحاء العالم.. لعلّنا نحب
الزعامة ونتعشق القيادة في دويلات لقيطة، فبلادنا العربية حبلى بأحفاد
نتباهى بهم بين الأمم دون أن يكون لها صوت مسموع في المحافل الدولية. فهل
نبارك للجامعة العربية ونقول: مبروك يا أيها الأمين يا عمرو موسى، جالك
بلد!! ونتقبل الشماتة من أمريكا وإسرائيل.. ونعزي السودان الثكلى في جنوبها
التي لم تحسن معاملته قبل تربيته؟؟..
نأمل ألا يكون القتال الأخير في جنوب دارفور المتكرر مع حركة تحرير السودان
الموالي لمناوي الزعيم الوحيد للمتمردين الذي وقع على معاهدة سلام في 2006
مع الحكومة المتهم بانتهاك الهدنة والتآمر للانضمام إلى المتمريدين هو
المسمار الأخير في نعش معاهدة السلام الهشة التي قاطعتها الجماعتان
الرئيستان للمتمردين.
هذا الانفصال إذا حصل- لا سمح الله- لن يكون طيباً على وادي النيل وأمنه
وأمانه في المستقبل لعدم محافظة أبنائه عليه، فالأوطان تتقدم وتنمو وتتطور
بأمنها وقواها السياسية والهناءة الاجتماعية وترابط وتآلف أفرادها، وإن
كانت متفرقة فهي كالجسد الواحد إذا اشتكى عضوٌٌ تداعى له سائر الأعضاء
بالسهر والحمى، هذا ما نريده لأوطاننا العربية والإسلامية.. ولكن يبدو أننا
وقعنا ضحية أمنيات تمكنت منا، ولم نستوعب الأخطاء وتقويم إعوجاجها
انطلاقاً من المسؤولية الوطنية السياسية بأن لا نكون شركاء زور نروّج
لباطل..
Alarab Online. © All rights reserved.