الإعلام الديني في الجزائر ومشكلة الخطاب والهوية
الطيب ولد العروسي
2010-12-09
صدر في الجزائر، عن منشورات ' دار الحكمة للنشر والترجمة'، كتاب جديد بعنوان ' الإعلام الديني في الجزائر، الخطاب والهوية'، للكاتب والإعلامي محمد بغداد. يقع هذا الكتاب في 190 صفحة من الحجم الكبير، ويحتوي مقدمة وأربعة فصول وخاتمة. جاء الفصل الأول تحت عنوان ' محددات مفاهيمية' وسعى إلى أن يحدد مفهوم الإعلام الديني الذي أصبح حسب الكاتب ' نوعا متميزا وطاغيا في السنوات الأخيرة'، وذلك من خلال وسائل الإعلام الدينية والتي وظفت ووصلت إلى مستوى القنوات الفضائية الطاغية على الساحة العالمية، كما تطرق الكاتب إلى مختلف المفاهيم التي حلل انتشارها المفكرون والمنظرون الإسلاميون، إضافة إلى الصيغ والمقاييس التي يصنفون فيها تلك المفاهيم، وتقف عند الرهانات والمنطلقات التي يتمترس هؤلاء المنظرون حولها.
هنا تجدر الإشارة إلى أن الكاتب قد خصص حيزا كبيرا من الكتاب في تحليله لمضمون الخطاب الإعلامي الديني في الجزائر، من خلال التوقف عند الرهانات الاستراتيجية التي تبناها ذلك الإعلام في مختلف وسائله المكتوبة والسمعية والبصرية والالكترونية، مقدما الكثير من النماذج التي تدعم توجهه في تحليل هذا الخطاب، لا سيما وأنه يعتبر بأن المؤسسة الدينية في الجزائر لا زالت تبحث عن نفسها مهنيا، وهذه القضية مثلت جانبا مهما في الكتاب من خلال التركيز عليها في التحليل، وكذلك تعاطيها مع الظاهرة الإعلامية، سواء أكان ذلك من جهة الإنتاج أو الاستهلاك، مرورا بنقد مهم لعمل المؤسسة الدينية من الناحية الإعلامية، بحيث يقول في مقدمته ' إننا اليوم إذ نختار الحديث عن موضوع الإعلام الديني، وبالذات في الجزائر، نعترف مسبقا بأنه موضوع من المفروض أن يكون نتاج مجموعة من الجهود والدراسات الجماعية، التي تسعى إلى الاقتراب من تلك الظاهرة الدينية وتفهمها، وبالذات في شقها الإعلامي بواسطة ما هو متاح من التقنيات والأساليب البحثية الحديثة، وذلك بهدف فهم تلك الظاهرة أولا. والسعي إلى تفكيك مضمونها المفاهيمي ورصد تجسيداتها الميدانية، والوقوف عند نتائج تمظهراتها وتعاطيها مع القيم الجديدة، الناتجة عن العملية الإعلامية في الأوساط الدينية'.
كما توقف الأستاذ محمد بغداد عند الكثير من المنعطفات المهمة في تاريخ الجزائر، سواء أثناء فترة الاستعمار الفرنسي، وظهور بعض وسائل الإعلام آنذاك، أو لدى توقفه بشكل كبير وكذلك تركيزه على سنوات العشرية السوداء التي عشش فيها الإرهاب، وعن النتائج الخطيرة التي ترتبت عن تلك المسلكية التي انتهجتها المؤسسة الإعلامية.
هذا بالإضافة إلى المحاور المهمة التي تطرق فيها المؤلف إلى التيارات المنتجة لهذا الخطاب الإعلامي الديني في الجزائر، متوقفا لدى ما سماه بالفوضى التي تسيطر على الساحة الإعلامية في القضايا الدينية، معتبرا أن ذلك يعود إلى الخلل في الرؤية والسعي إلى متابعة أو الاعتماد أو نسخ ما هو سائد في الساحة الإعلامية العالمية، وهو الخلل الذي يشمل المؤسسات الإعلامية الخاصة وتلك التابعة للدولة. ويرى المؤلف أن ذلك راجع إلى التفصيل في ملامح ومسلكية هذه التيارات.
قدم الكاتب نقدا مدعما ببعض المعطيات التي ساهمت في إنتاج هذه التيارات من حيث المرجعيات والتجليات، متوقفا عند الصراعات القوية التي دارت رحاها على الساحة الإعلامية الجزائرية، ويشمل ذلك الموضوع التيارات الإسلامية والسلطة من جهة، ويبين أصحاب المؤسسات الإعلامية الخاصة من جهة أخرى، حول كيفية السيطرة على كل من المتلقين والمشاهدين، وهو الصراع الذي يصفه الكاتب بالمحموم والخطير.
ومن المشاكل أو الهموم التي تناولها الكتاب المرجعيات الفكرية والثقافية التي تستند عليها هذه الظاهرة الإعلامية الرسمية، وهي الظاهرة التي يقول عنها المؤلف ' أنها تتصادم مع المرجعيات الإيديولوجية للسلطة القائمة وتتورط في تهديم الكثير من الأهداف التي تعمل السلطة على تحقيقها'، ويرجع ذلك حسب الكتاب إلى ' غياب استراتيجية واضحة للسلطة حول هذا الملف المهم'. أما العمل الذي طغى على محتوى الكتاب فهو الاقتراب من هذه الظاهرة على مستوى الخطاب، لقراءة الأفكار الكبرى التي ' تصنع نسق العملية الإعلامية الدينية، انطلاقا من القاموس اللغوي المستخدم مرورا بالجهاز المفاهيمي الذي يتعاطى مع هذا القاموس'، ثم يواصل قائلا بأن ذلك تم بفضل ' الوقوف عند الخلفيات الفكرية التي تؤطر العملية الإعلامية الدينية، سواء كان في مرحلة الانجاز أو في مرحلة ما بعد الاستهلاك'، وقد يغلب هذا الاهتمام على الكثير من محتويات الكتاب، سواء التي يتم تجاوزها أو الإشارة إليها دون الدخول في جزئياتها، كما يشير المؤلف بالتلميح إلى ما هو مفهوم ومعروف لدى الجميع، لأن التركيز عليها ليس بالهدف المقصود'.
كما حلل الكاتب ما سماه ' الظاهرة الإعلامية الدينية الكترونيا'، والتي تفوق فيها ' التيار الوهابي في الجزائر'، لأنه تمكن من السيطرة على الخطاب الإعلامي للمؤسسة الرسمية الجزائرية، وقد رأى الكاتب أن المستقبل ' سيشهد الكثير من تطور وسيطرة هذا الخطاب محذرا من النتائج الخطيرة التي ستنتج عنه'.
يعتبر كتاب ' الإعلام الديني في الجزائر الخطاب والهوية' من بين الدراسات الأولى التي اهتمت وتوسعت في هذا الموضوع المهم والشائك، وقد أتت في سياق دراسة سهلة تدعو العاملين في مجالات الإعلام والمتلقين له ' إلى ضرورة بناء فضاءات جديدة، وفتح قنوات لنقاش جاد ومتميز حتى يتم تجاوز رواسب الوضع الراهن القائم وإدماج الظاهرة الإعلامية الدينية في السياق التنموي العام للمجتمع الجزائري'، ويقول المؤلف في هذا الصدد: ' إننا إذ نتناول هذا الموضوع نعرف ما يعانيه الإعلام الديني في الجزائر، وما يتكبده الصحافيون يوميا في مسيرة النضال ليس من اجل مشهدية إعلامية تثري الساحة وتنعش المشهد وتفتح الباب أمام آفاق جديدة لهذا الوطن، بل هم ينافحون من أجل ( الخبرية المهنية العادية). إننا نعترف بأننا نؤجل أحلامنا المشروعة ولكن نأمل أن يتجه أولئك الذين لم تزل فيهم بواعث الإرادة أو الرغبة في إمكانية الانتقال إلى الضفة الأخرى من الواقع'، ثم يواصل ' إننا اليوم إذ نتحدث عن الإعلام الديني لا نريد أن نتورط كما يفعل البعض بالدعوة إلى إقصاء هذا النوع من الخطاب، ولا يصل الأمر بنا إلى التهليل له أو القول بأن التركيز عليه ضرورة ملحة، ولكننا نود فقط أن يتنبه المسؤولون إلى الجانب الأخلاقي والفكري تجاه الأجيال الحاضرة والقادمة ،' وهذا من خلال لفت النظر إلى ' خطورته التي عايشناها طيلة السنوات الماضية، وأن التاريخ يجعلنا محترمين إذا تمكنا من مسايرة الآخرين ممن نجحوا في استثمار الموروثات الثقافية التي شكلت مجتمعاتهم، وحولوها إلى فرص نجاح وحققوا بها الكثير من الانجازات وحموا بها المصالح العليا لبلدانهم'، كما يدعو إلى المبادرة بوقفة مسؤولة ومتأنية في هذا الملف، وما يتطلبه من شروط يجب عدم التسامح معها أو التنازل عنها مهما كانت الظروف، وأن نصل إلى مستوى يكون فيه احترام الإنسان وسيلة وهدفا ساميا، لكي نتعلم كيفية الاستماع لصوت العقل .
كاتب من الجزائر يقيم في باريس
القدس العربي