[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] نحو قطب اقتصادي إسلامي جديد 2010.10.13
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] د بشير مصيطفى
اختتمت بداية هذا الأسبوع بأسطنبول التركية أعمال المنتدى العالمي الرابععشر للأعمال تحت شعار "أهمية التكنولوجيا في تنمية الدول الاسلامية"بمشاركة 65 دولة و5000 رجل أعمال وحضور 25 وزيرا. ويأتياحتضان تركيا لهذا الحدث تزامنا مع صدور تقرير متشائم مشترك بين صندوقالنقد الدولي والبنك العالمي بخصوص وضعية الركود التي تمر بها الاقتصادياتالصناعية في المرحلة الراهنة، ومع اندلاع حرب عملات جديدة بين محورينتجاريين مهمين هما: بكين وواشنطن، حولت الصين الى متهم آخر من جانب القطبالرأسمالي في بحثه عن ذريعة لتخفيف الضغط على أوضاعه الداخلية جراء الأزمةالمالية الأخيرة. ويستنتج من المشاركة القياسية لعالم الأعمال من داخلالدول الاسلامية في هذه التظاهرة والتي مست 550 شركة أن نواة لشبكةاقتصادية وتجارية بين رجال الأعمال المسلمين بدأت تتشكل مدعومة بإخفاقالمدرسة التقليدية في تحقيق توازن الأسواق ونجاح التمويل الاسلامي فياستقطاب مناصرين جدد وعلى درجة متقدمة من النفوذ.
فماذايعني أن يقفز عدد المشاركين في المنتدى العالمي للأعمال من تاريخ أول دورةالعام 1995 الى آخر دورة الأسبوع الماضي من 600 الى 5000 رجل أعمال؟ وكيفنقرأ الدور التركي المتصاعد اقتصاديا في تفسير هذا التقدم؟
حسنات الديمقراطية الشريفةحافظتتركيا على رقم مستقر للنمو في الاقتصاد يتجاوز قليلا نسبة 11 بالمئة بفضلحفز الطلب الكلي الداخلي ومساهمة فعالة للقطاع الخاص المنتج والمتمثل في 9آلاف شركة وقدرة تركيا بفعل سياساتها الاقتصادية المدروسة والمستقرة علىجذب استثمارات أجنبية مباشرة بلغت 800 بليون دولار خلال بضع سنوات. وهناكعوامل موضوعية يسرت لتركيا سبل التفوق على رأسها ممارسة الديمقراطيةالشريفة بأدوات شفافة مكنت الانسان التركي من الاختيار الحر، وكان آخر تلكالأدوات الاستفتاء الشعبي على تعديل دستوري أعاد للقضاء المستقل سلطته فيالبلاد وقلص من تأثير هيمنة الجيش على قرارات الدولة، ثم هناك حوكمةالاقتصاد ما يعني اختيارات جيدة في تقليد المهمات والوظائف ووضوح الرؤيةبخصوص السياسة الاقتصادية قائمة على: خفض الضرائب، حرية المبادرة، سهولةالتملك، مرونة الادارة، الدور المنظم للحكومة، ثم اتكاء تركيا على القدراتالثقافية الكامنة في الانسان نفسه من لغة ودين وحب العمل وأخلاق الممارسةالتجارية، وهي نفسها العوامل التي ساعدت على بروز الصين كرقم اقتصاديوتجاري كبير، ولهذا من المناسب جدا تشبيه الانسان التركي الجديد بالانسانالصيني الذي يعمل في المعدل 54 ساعة فعلية في كل أسبوع.
وتعنيتركيا في المشهد الاقتصادي الحالي: الرتبة الثانية عالميا في تصديرالزجاج، الأولى في صناعة النسيج، الأولى في انتاج الأسمدة الموجهةللفلاحة، الأولى في صناعة التلفزيون، السادسة في انتاج الإسمنت، السادسةفي انتاج القطن، السادسة في انتاج الثلاجات، السابعة في صناعة الحديدوالصلب، الرتبة 15 في صناعة السيارات. أما في المشهد الاقتصادي القادم(آفاق العام 2017)، فتركيا تعني: تاسع أكبر اقتصاد في العالم، ثاني اقتصادفي الرقعة الآسيوية، معدل نمو سنوي مستقر عند 6 بالمئة.
تركيا الحكم الصالحأبدتتركيا علاقة مباشرة وقوية بين التفوق الاقتصادي ودرجة الشفافية والحكمالصالح حيث ما زالت تركيا تتحسن في ترتيب الدول على محور الفساد، وإن كانتعلامتها في آخر تقرير لمنظمة "شفافية دولية - 2009" لا تزال دون الخمسة منعشرة، أي 4.4 بسبب مخلفات النظام العلماني السابق.
ولاتستورد تركيا شيئا مما تأكل أو تلبس أو تعالج، وكل واردات البلد منالمحروقات بحجم سنوي قدره 20 بليون دولار، ولو تمكنت تركيا من تطويرعلاقاتها الاقتصادية مع الدول النفطية في المنطقة العربية والتحرر من عقدةالتفوق السياسي الاستراتيجي -وخاصة ما تعلق بالعلاقات التركية مع أقوىالنظم السياسية العربية أي المملكة السعودية ومصر- لأمكن إطلاق تبادلمتكافئ بين النفط العربي والصناعات التركية، ولكن الحكمة الأوربية فيتعامل دول الاتحاد الأوربي مع الاقتصاديات الناشئة وفرت لتركيا بوابةتجارية مهمة ربما أغنتها الى حد ما عن الأسواق العربية في انتظار انضمامهاالمرتقب الى الفضاء الاقتصادي الأوربي من بوابة المؤسسات، خاصة وأن السوقالأوربية تستوعب 60 بالمئة من صادرات تركيا مقابل 16 بالمائة فقط لصالحالسوق العربية، وتغطي السلع التركية الآن 40 بالمئة من واردات أقوى اقتصادفي أوربا أي ألمانيا التي تعتبر أنقرة أول شريك تجاري لها على الاطلاق.
ثقافة الدولة ودروس مستفادةلايعني التفوق التركي الصاعد على السلمين الاقتصادي والعسكري تفوقا متناسباعلى صعيد السياسة الخارجية وتلك هي الحلقة الأضعف في البناء التركيالجديد، ولكن العلامات المميزة التي سجلها الحزب الحاكم في أنقرة في حسمالملفات الداخلية والممارسة الديمقراطية والتعايش الرائع مع المؤسسةالعسكرية ما زالت تثير الاعجاب بين الشعوب في دول الجوار التركي وداخلالأحزاب المسيحية واليمينية في أوربا وهي نفسها الأحزاب التي تعارض وبشدةانضمام تركيا للاتحاد الأوربي. وفي حالة ما حصل تطور ايجابي في المفاوضاتالتركية الأوربية حول هذا الملف فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقياالأكثر التصاقا بالمصالح الأوربية ستعرف تحولا مهما في علاقاتهاالاقتصادية والعسكرية والسياسية مع أنقرة.ولو تحقق هذا المشهد في آفاق العشر سنوات المقبلة لأمكن القول بأن نجاحتركيا على صعيد السياسة الخارجية -على الرغم من المخلفات التاريخية معأوربا من جهة ومع العالمين العربي والاسلامي من جهة ثانية- ناتج عن نجاحالحزب الحاكم في تركيا الجديدة بقيادة "طيب رجب أردوغان" -أي حزب العدالةوالتنمية ذا التوجه الاسلامي- على الصعيدين الثقافي والاقتصادي، فالحزبالمذكور الذي نشأ على خلفية اسلامية تمكن في وقت قصير من تحقيق ثقافةالدولة في العمق التركي، وبفضل قيادته الحزبية القوية استطاع التعبير عنمصالح تركيا بكل قوة على العكس من جل الأحزاب في منطقة الجوار والتي لمتتمكن من إحداث الثغرة المطلوبة في الطريق الحزبي المسدود. ومن جانب آخرمكنت ثقافة الدولة لدى الحزب الحاكم في تركيا من تطبيق الحد الأدنى منمعايير الحكم الصالح القائم على المساءلة الديمقراطية والشفافية واحترامثقافة المجتمع دستورا وممارسة ودفاعا، ومن ثمة ربح معركة المنافسة ليس معالأحزاب الأخرى في تركيا ولكن مع أنصار "العلمانية" أنفسهم، والنتيجة كمارأينا ربح معركة الانتخابات العامة العام 2007 بنسبة 46.7 بالمئة، ثم ربحمعركة الاستفتاء على الدستور شهر سبتمبر الماضي بنسبة 58 بالمئة، وفيالأفق توقعات بنسبة متقدمة في الانتخابات التشريعية القادمة في جوان منالعام 2011، وفي ذلك الدرس الكافي لدولنا العربية والاسلامية وهي تبحث عنتوازنها المفقود في عالم جديد قاعدته الذهبية "الديمقراطية الكاملة وتحقيقثقافة الشعوب طريق التفوق الاقتصادي".