المراقب عضو شرفي
عدد المساهمات : 165 تاريخ التسجيل : 08/06/2009
| موضوع: «غسيل المخ»: مؤثرات منظّمة تشل القدرة على التفكير المستقل السبت ديسمبر 04, 2010 2:37 am | |
| «غسيل المخ»: مؤثرات منظّمة تشل القدرة على التفكيرالمستقل
أمينة خيري اسمه علمياً «التفكيكالنفسي» و عصر المعلوماتية يغذيها بتقنياته وألعابه الالكترونية هل تزيد الانترنت من قوةالأفراد في النقد أم تجعلهم أكثر خضوعاً لتأثير اعلامها الالكتروني؟ في مطلع العام الجاري،رفعت مواطنة من مدينة مونتريال الكندية دعوى ضد وكالة «سي آي ايه» («المخابراتالمركزية الأميركية») للمطالبة بتعويض عن تعريضها لبرنامج «غسل دماغ» Brain washقاده الاختصاصي يوان كاميران في معهد «آلن ميموريال إنستيتيوت» التابع لجامعة«ماكغيل» بين عامي 1950 و 1965. وأشارت تلك الكندية إلىأن الوكالة الاستخباراتيه ادرجت تلك التجارب في برنامج حمل اسم «أم كاي الترا» Project MKULTRAواستخدمت فيه مادة «أل اس دي» LSD المُسبّبة للهلوسة، ما عرّضهاللإصابة بتلف في المخ مع أعراض نفسية مزمنة، استمرت بعد توقف البرنامج. والمعلوم أن صحيفة«نيويورك تايمز» كشفت ذلك البرنامج للعلن، للمرة الأولى، قبيل ختام ولاية الرئيسالأميركي الراحل ريتشارد نيكسون. وحينها، انطلقت حملة سياسية واسعة للمطالبة بالكشفعن البرامج السرية للأجهزة الأمنية، التي تطاول مواطنين أميركيين في شكل مباشر.وساعدت أجواء فضيحة «ووترغيت»، التي تجسست فيها أجهزة الاستخبارات الأميركية علىالحزب الديموقراطي لمصلحة الرئيس نيكسون الجمهوري، في تعبئة الرأي العام الأميركيضد الأنشطة «الملتبسة» لتلك الأجهزة. وفي صيف العام 1975،شُكّلت هيئة تحقيق رئاسية عرفت باسم «لجنة روكفلر» للتدقيق بأمر برنامج «أم كيألترا» وأشباهه. وفي العام 1976، أصدرالرئيس الراحل جيرالد فورد توجيهاً رئاسياً أول يمنع أجهزة الاستخبارات الأميركيةمن استخدام عقاقير ذات تأثير نفسي في البشر، من دون موافقتهم المسبقة. ووسّع الرئيسان جيميكارتر و (الراحل) رونالد ريغان ذلك التوجيه الرئاسي خلال ولايتهما في البيت الأبيضوفي العام 1977، أعلن السيناتور الديموقراطي تيد كيندي أن الكونغرس تثبت من تورطثلاثين جامعة أميركية في برنامج وكالة الاستخبارات المركزية عن «غسيل الدماغ» الذيشمل استخدام عقار الهلوسة «ال إس دي»؛ وأدى البرنامج الى مصرع البروفسور فرانكأولسون، العامل في اللجان العلمية للجيش الأميركي. كما شدّد كيندي على أنذلك البرنامج، باعتراف «سي آي ايه» نفسها، لم يعط الكثير من المعلومات العلميةالمفيدة! ويعتبر الكشف عن برنامج«غسيل الدماغ»، وتطبيقه على عملاء وكالة «سي آي ايه» نفسها، من المصادر المهمة لمايعرف باسم «نظرية المؤامرة» في الولايات المتحدة، والتي انطلقت عقب اغتيال الرئيسجون كيندي في مدينة «دالاس» في ولاية تكساس في العام 1963. بين تشيخوف وأورويل وفي سياق الكشف عن تلكالأمور، تبيّن أيضاً أن وكالة «سي آي ايه» سرّبت مصطلح «غسيل الدماغ»، الى الرأيالعام الأميركي، بداية من العام 1950، عبر صحافي منتم إلى تلك الوكالة. «المرء هو ما يؤمن به».تلك عبارة عبقرية سطّرها الروائي الروسي أنطوان بافلوفيتش تشيخوف في القرن التاسععشر. وترن تلك العبارة فيالرأس كثيراً، عند التأمل في الوقائع المذكورة عن موضوع «غسيل الدماغ» ولطالما بذلالناس جهوداً مضنية لتغيير الأفكار وتحويرها. ألم يقض الفيلسوف الأولسقراط بكأس من السم ثمناً لمحاولته تغيير أفكار شبيبة أثينا؟ وبعده، ألم تنثن أجيالمتتالية من الفلاسفة عن الاستمرار في محاولة التأثير في أدمغة الناس وأخيلتهم. فهلان ما حاولوه يندرج في «غسيل الدماغ» أم أن قولاً كهذا إنما يجري على سبيلالاستعارة والمجاز؟ وتصف «الموسوعةالبريطانية» عملية «غسيل الدماغ» بأنها تقنية ترتكز على مجموعة مركبة من المؤثراتالنفسية تستخدم على المستوى الفردي، وتسمى علمياً «التفكيك النفسي». وتعتمد أساساً على إنهاكالقوى النفسية والعقلية للشخص، عبر عمليات تتضمن الحرمان من النوم والعزل عنالمؤثرات الحسيّة التي تساعد الإنسان طبيعياً على مراقبة مرور الزمن (مثل شروقالشمس وغروبها) وتمييز الأشخاص والأمكنة والهويات وغيرها. ولعل الصور المأثورة عنعمليات التعذيب في الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً أثناء الحرب الباردة التيتلتها، تشير الى المستوى المطلوب من الإنهاك. ففي تلك الصور، هناك الحبسالانفرادي في غرف معزولة عن العالم الخارجي، فلا تصلها الشمس ولا الأصوات ولاالروائح وغيرها. وهناك أيضاً الصورالشهيرة للتعذيب بنقاط الماء المتساقطة ببطء وثبات من صنبور على رأس المسجون، بحيثتختل علاقته مع أحاسيسه، إذ يصبح لقطرة الماء إيقاع مطرقة ثقيلة. وبعد الضياع الحسي، تأتيعمليات الإقناع والإرغام والتلاعب بالأفكار والخيال والذكريات وغيرها وباستعارة منعالم الكومبيوتر، ولو أنها غير دقيقة، يشبه الأمر «إعادة برمجة» لدماغ المرء، بحيثتنتفي قدرته على التفكير الذاتي المستقل، وخصوصاً قدرته على الحكم على ما يصل إليهمن أفكار ونقدها، فيصبح متلقياً سلبياً بصورة كلية، فتُملى عليه أفكار وتصوراتبحسب ارادة من يتولى غسل دماغه. وظهر في بعض الصحفالخليجية، نفر من الاختصاصيين في علم النفس ممن وصفوا ما تعرض له بعض معتقلي«غوانتانامو» بعملية «غسيل دماغ»، ولو أنه أمر يحتاج الى مزيد من التدقيق. ثلاثية الانهاك والاذعانوالتلقين تصنع «غسيل الأدمغة» وفي مقابل هذا المعطىالنفسي الفردي، ثمة خيال آخر، يتسم بالاتساع والتراكم، عن مصطلح «غسيل الأدمغة». وبحسب تلك التصورات، فإنالمصطلح يصف تقنيات في الإعلام العام، الموجه الى الجمهور الواسع، بهدف التأثيرفيه. ويتصل استعمال المصطلح على هذا النحو بأزمنة الحروب والصراعات العسكرية،وبالصراعات الثقافية ومحاولات الهيمنة والسيطرة على الشعوب. ويرى بعضهم أن عصرالمعلوماتية مدّ وسائط الإعلام الجماهيري بوسائل تقنية متقدمة، ما يسهّل لها ممارسةتأثير واسع في العقول. ويشمل ذلك أشياء شبكةالإنترنت والفضائيات المتلفزة وحتى الألعاب الإلكترونية والحق أن بعض ألعابالكومبيوتر التي ظهرت بعد 11/9، توحي باستخدام ذلك الترفيه الرقمي في التأثير فيعقول الشباب، عبر ألعاب يؤدي دور البطولة فيها الجندي الأميركي الذي «يُحرّر»مدناً عربية وإسلامية، ويدخل أيضاً مدناً مثل بيروت للقضاء على أعداء ينتمون الى«حزب الله» وغيرها. الأرجح أن مصطلح «غسيلالدماغ» يثير الكثير من الأفكار والمشاعر والصور النمطية عن خضوع شخص أو جماعة أوشعب لعملية منظمة من تغيير الأفكار والعادات والعقائد. وتعتبر رواية الإنكليزيجورج أورويل «1984» من الأعمال الأدبية التي أبرزت هذا المفهوم، بالحديث عن سلطة«الأخ الأكبر» الذي يمثل الحزب الحاكم الذي يُخضع مواطني الدولة لعمليات غسيل مخيومية. ثم راج استخدام مصطلح«غسيل الدماغ» ليعني كل محاولة للسيطرة على العقل البشري وتوجيهه إلى غايات محددة،وذلك بعد «تفريغه» من محتواه المعلوماتي أو العقائدي أو الإيماني السابق. وتداول الإعلام العامالمصطلح بكثافة بعد المفاجآت التي جاءت بها نتائج الحرب الكورية. إذ عاد كثير منالجنود الأميركيين من تلك الحرب إلى بلادهم مؤمنين بمبادئ أعدائهم، ومعتنقينعقائدهم، ما أفزع السلطات الأميركية، لا سيما وزارة الدفاع. العرب: استخدام مجازيللمصطلح ثمة ميل واضح في العالمالعربي، الى الاستخدام المجازي لمصطلح «غسيل الدماغ». فغالباً ما ارتبطاستعماله بالحروب العسكرية التي لم تكف عن التتالي في المنطقة؛ وحمل أخيلة منتعابير مثل الحرب النفسية، وسبل التعامل مع الأسرى، والاستعمار العسكري والثقافيوالاقتصادي. وفي هذا السياق، أشارالكاتب الدكتور أحمد خالد توفيق إلى أن للمصطلح أصولاً في الثقافة الصينيةوالفلسفة التاوية ويطلق عليه «غسيل القلب». ولذا، دأب النظام الماوي في الصين، فيخمسينات القرن العشرين وستيناته،على الإشارة الى تلك العملية باسم أنيق هو «إعادةصوغ الأفكار». واستُعمل التعبير بكثرة أثناء ما سُميّ بـ «الثورة الثقافية». ويتحتم على من يريد أنيخضع «مخ» أحدهم لـ «الغسيل» أن يصل به إلى حال من الإرهاق من طريق الخوف أو التعبأو السهر أو الجوع قبل بدء «العمل». وأضاف: «خير مثال على ذلكهو ممارسة رجل المباحث (الشرطة) لكل أنواع الضغوط العقلية على رجل بريء إلى درجةتصل به إلى الاعتراف بارتكاب جريمة لم يرتكبها». وعلى رغم ذلك، بدا توفيقميالاً الى القول بوجود نوع من «غسيل دماغ» جماعي، يعطي آثاراً عميقة، ولو بطريقةبطيئة. «إن الصحافة العربيةقادرة على عمل غسيل مخ في أي لحظة لجمهور فقير وجائع ومنهك وبسيط ورقيق التفكير،وليس أدل على ذلك من موقف المواطن المصري الذي تغير 180 درجة تجاه الزعيم الراحلجمال عبدالناصر مما يشبه العبادة إلى الكراهية، بسبب حملات «غسيل المخ» في عصرأنور السادات». ولكنه رأى ان الحكوماتالعربية لا تُجيد تلك العملية، بحكم تخلف مؤسساتها. واستخدم مصطلح «الديكتاتورالغبي» في الإشارة إلى هذا النوع من محاولة التحكّم بالعقول وفشله عربياً. ومن وجهة نظر ساخرة،اعتبر رسام الكاريكاتور المصري عمرو سليم، الذي عُرف برسومه المناهضة للنظامالمصري من مؤسسة «روزاليوسف»، مسألة التحوّل تجاه الزعيم الراحل عبدالناصر نموذجاًمثالياً لـ «غسيل المخ الجماعي» الذي لعب فيه الكاريكاتور دوراً حيوياً. كما أشارسليم إلى أنه أجرى بنفسه ما يشبه عمليات «غسيل المخ» من خلال رسومه: «كنت أنظربإعجاب شديد إلى الرسوم الكاريكاتورية في الجرائد والمجلات الغربية التي تنتقدالحاكم من دون أدنى خوف، وذلك على العكس تماماً منا، إذ نميل إلى تقديس من يحكمنا،وفي أثناء فترة مساهماتي الكاريكاتورية في إحدى الصحف المصرية المستقلة المعروفةبنبرتها الناقدة والحادة للنظام القائم، بدأت برسم الأشخاص الذين لم نكن نقتربمنهم قبل ظهورهم وهو ما أحدث صدمة لدى القراء الذين لم يعتادوا الأمر. وبعد فترة بدأت أرسموجوههم ظاهرة حتى أضحت راهناً أمراً عادياً». وأشار سليم إلى أن تأثير مثل هذهالتغيرات التدريجية كبير لدى المتلقين، لا سيما بين أولئك الذين لديهم استعدادأصلاً لتقبل مثل هذه الأفكار. وفي سياق متصل، لاحظالمدير التنفيذي لـ «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» جمال عيد أن شبكةالإنترنت «وسيط ممتاز لغسيل العقول لأنها تسمح بمساحة من الخصوصية بين من يقومبعملية غسيل المخ وبين من يخضع لها... ثمة مساحة من الغموض تُسهل عملية استقبالغسيل الدماغ أكثر من التلفزيون... لم يعد الوصول إلى الجماهير والتأثير فيها أمراًصعباً بفضل التكنولوجيا المعلوماتية الحديثة». وفي الإطار العربي، تحدثعيد عن تجربة لشبكته تضمنت مسحاً للمواقع السياسية للأحزاب في مصر: «وجدنا أن مايقدمه الموقع الإلكتروني للحزب الحاكم مثلاً هو ذاته ما يكتب على صفحات الجرائدالقومية، ما يعني أنه غير قادر على غسل العقول لعدم توافر المقومات أو حتى النية». في المقابل، يؤكد الباحثفي الشؤون السياسية عزمي عاشور أن للعولمة دوراً لا ينكر في إتاحة المعلوماتللجميع. ولا يمنعه ذلك من القول:«العولمة أدت إلى غسيل مخ جماعي... إن سلوكياتنا وثقافتنا وحتى طعامنا وملابسناصارت متشابهة، ويعود ذلك إلى الإنترنت والفضائيات وغيرها». وتضرب الأستاذة المساعدةفي قسم الصحافة والإعلام في الجامعة الأميركية في القاهرة الدكتورة رشا عبداللهبكل ما سبق عرض الحائط وتصر على عدم إيمانها بأشياء مثل السيطرة على أفكار الآخرينوعقائدهم. كما لا تعترف بوجودمحاولات لمثل تلك السيطرة وتصر على رفض نظرية «غسيل المخ»، لأنها تفترض متلقياًسلبياً يصعب القبول بوجوده. إلا أن عبدالله لا تنفي قدرة وسائط الإعلام على إحداثنوع من التغيير لدى الجمهور المتلقي، مع وجود تفاوت يرتبط بالأفراد وتركيبتهمالنفسية والتعليمية والعمرية، إضافة إلى عدد ساعات تلقيهم للمادة الإعلامية، وكذلكنوع الأداة التي تؤثر فيهم، مثل الإنترنت والتلفزيون وسواهما. و كل ذلك بحسب رأيالكاتبة في المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر:الحياةاللندنية-27-6-2007
| |
|